اللبنانيون ، موالاة ومعارضة ، بين السعودية وسوريا ، من جهة ، وأمريكا وفرنسا ، من جهة ثانية ..
والنتيجة حصل ما حصل ..
إذن .. استقال الوزراء العشرة من حكومة الوحدة الوطنية " الحريرية " ، ثم استقال الوزير ـ الملك ، فاكتمل عقدهم ، أحد عشر وزيرا مستقيلا ، فسقطت الوزارة حكما ، وفقا لأحكام الدستور اللبناني ، في حالة غير مسبوقة في تاريخ الحكومات اللبنانية ..
فلأول مرة لا تسقط الحكومة من " رأسها " كما كان مألوفا ، إنما سقطت من جسدها الذي أوهنته جراحات شهور من الجدل والأخذ والرد ، الذي طالَ لبنانَ كله ، وإقليمه ، ومنطقته ، بل ، والعالم كله ..
وقد جاءت استقالة الوزراء العشرة ، من بيت العماد عون ، الذي كان نعى بالأمس التفاهم السوري ـ السعودي ، بعد وصوله إلى طريق مسدود ..
ثم أعلنت استقالة الوزير " بيضة القبان " ، في زلزال سياسي ، فشلت " كلينتون ، في لملمته عبر اتصالاتها بنظيريها المصري والسعودي ..
فذاك الغيم الذي انطلق من " البيت الأبيض " ، كان لا بد له من أن يسقط هذا الَبَرَد ، المفاجئ والصاعق ، والذي لم يكن الحريري ـ ربما ـ واثقا من حدوثه ..
لذلك خرج الوزير " بطرس حرب " يعلن : إننا منفتحون على الحوار ..
أي حوار بعد كل الذي جرى في الأشهر السابقة ؟؟!!
وجدير بالذكر : أن هذا الوزير هو صاحب قانون عجيب غريب ، ويشكل سابقة أخرى في لبنان والعالم ، يقضي بأن :
يحظر على المسيحيين بيع أراضيهم للمسلمين ، ويحظر على المسلمين بيع أراضيهم للمسيحيين ..
هل بقيت انعزالية وتطرف أكثر من هذا ؟؟!!
شهور مضت ، كانت الطبخة السورية ـ السعودية على نار هادئة .. لخصها الحريري قبل يومين ، بأن الطبخة استوت ، وحان وقت الجلوس إلى المائدة ..
فماذا جرى في الثماني والأربعين ساعة التي تلت تصريح الحريري ذاك ، حتى قـَلـَبَ لمواطنيه ظهر المِجَنَّ ؟؟!!
لأن سعد " الحزين " في أمريكا ، فقد التقته أمس شقراء الإدارة الأمريكية " السيدة كلينتون " ، ويبدو أنها استطاعت أن تؤثر في مواقفه وتشقلبها رأسا على عقب ، فرفض عقد جلسة لمجلس الوزراء ، طالب بها وزراء المعارضة ، فمارس هؤلاء حقهم الدستوري بإعلان استقالاتهم في نفس اللحظة التي دخل فيها الحريري إلى البيت الأبيض " ليتعمّدَ " ويتبارك ببركات " أبو حسين أوباما " .. وبهذا يكون الحريري ، وريثما يصل إلى المكتب البيضوي ، قد غدا رئيس وزراء لبنان السابق ..
ولخص الوزراء موقفهم ، بأن : " الاستقالة جاءت بسبب عدم قدرة الفريق الآخر على تخطي الضغوط الأمريكية رغم التجاوب الذي أبديناه " ..
وهنا لا بد من بعض المؤشرات :
1 ـ كأن أمريكا كفـَّت يد السعودية عن التدخل في لبنان ، بعد أن بعد أن حجّمتها وكفـَّتها عن التدخل في العراق ..
2 ـ دخلت أمريكا ـ من جديد ـ وبقوة ، على خط التشابكات اللبنانية لغاية في نفس يعقوب ، بالتزامن مع أحداث مريبة كثيرة تجري في الساحة العربية ، وكذلك على الصعيد الصهيوني ، حين قال نتنياهو : " إنه وافق على تجميد الاستيطان تسعين يوما لكن الإدارة الأمريكية لم توافق " .. وهنا يصبح لهذا الموقف تعليل آخر ، يتعلق بجملة المواقف الأمريكية الجديدة ..
3 ـ يتشابك هذا الموقف مع أحداث أخرى تشهدها المنطقة العربية :
أولا : الاستفتاء على تقسيم السودان " كمطلب أمريكي ـ صهيوني في المقام الأول ، عملت عليه الدولتان منذ سنين طويلة ، لمحاصرة السودان ومصر من الجنوب ، والتحكم بمواردهما من مياه النيل ، ولإعطاء مشروعية عالمية لما تنادي به " إسرائيل " حول إعلانها " دولة يهودية " ..
ثانيا : ما جرى في العراق قبل فترة ، من تفجيرات استهدفت أبناءه المسيحيين ، وتلتها أحداث تفجير كنيسة الإسكندرية وما نتج عنها من احتقان لم يهدأ في الشارع المصري لوجود قوى خارجية وأخرى عميلة ، تعمل على تغذيته ونفخ أواره ، كلها تأتي في نفس السياق الذي يستهدف شق وحدة المواطنين العرب ، حتى في أخص خصوصياتهم ، وأكثرها حساسية وتفجرا ، في حال تفجير عدد من الصواعق هنا وهناك ..
ثالثا : إن تحرك الشارعين : التونسي والجزائري بمطالب حياتية ومعاشية وديمقراطية ، يعطي مدلولا آخر على حالة الغليان التي باتت تسيطر على الشارع العربي عموما ، لأسباب مختلفة ، تتعلق بالحياة الدستورية ، والحريات العامة ، والمواقف السياسية من القضايا المصيرية للأمة العربية ..
رابعا : إن مجرد طرح القانون الانعزالي المشبوه ، الذي يسعى إلى إضافة فتنة جديدة للنسيج اللبناني ، من خلال منع بيع الأراضي بين المسلمين والمسيحيين ، وبالقانون ..
إنما هو جزء آخر من الفتنة المتحركة التي تتنقل بين الأقطار العربية ذات الإثنيات المتنوعة .. كالعراق ولبنان ومصر والسودان وسورية وفلسطين .. في محاولة مكشوفة لتمزيق الممزق ، وتجزيء المجزّأ ، وتقسيم المقسوم ..
إن ما هو ظاهر الآن ، من خلال المعطيات السابقة ، إنما يدلل على أن الإدارة الأمريكية ، وبالاشتراك مع الصهاينة ، مقبلة على رسم مشروع جديد للمنطقة ، يلي تقسيم السودان ، والسيطرة على جنوبه ، بربطه بالكيان الصهيوني الذي لا يخفي دوره هناك في كل ما يجري ..
فهل بعد الهدوء والاستكانة اللتين لمسناهما منذ بداية حكم " أبو حسين أوباما " ، ستكون عاصفة جديدة في المنطقة بعد أعاصير بوش ؟؟!!
وإذا كانت أعاصير بوش قد آلت إلى قمقم صغير .. فإلى أين سيكون مصير عاصفة أوباما ؟!!
يبدو أن وراء الأكمة الأمريكية ما وراءها .. والأيام القادمة حبلى من سفاح ..
وقانا الله وإياكم شرها ..
الأربعاء ـ 12/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق