الثلاثاء، 11 يناير 2011

الإيديولوجية الصهيونية ـ 1 ـ نشأة مشبوهة وتاريخ مجرم

قبل المضي ، لا بد لنا من الإجابة باختصار شديد ، على سؤالين :

الأول : ما هي الإيديولوجية ؟؟

الثاني : ما هي الصهيونية ؟؟

1 ـ الإيديولوجية : هي :

مجموعة الآراء والأفكار والعقائد والفلسفات التي يؤمن بها شعب أو أمة أو حزب أو جماعة ..

فإيديولوجية أي حزب ، مثلا ، هي مجموع آرائه حول مختلف المواضيع التي يطرحها ، إنها نظريته حول جميع القضايا ، وحلوله التي يقدمها للمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية ، وغير ذلك ..

2 ـ الصهيونية :

لغة : اسم مشتق من " صهيون " ، وهو جبل في القدس أقيمت عليه قلعة يهودية قديمة ، يعتبره اليهود " رمزا للتشوق إلى القدس ، والحنين إليها " ..

إنها حركة رجعية ، ومنظومة متشعبة من المنظمات ..

وهي ممارسة فكرية سياسية مناصرة لرؤوس الأموال والاحتكارات اليهودية التي اندمجت في وقت سابق ، بالأوساط الاحتكارية الإمبريالية العالمية ..

والمحتوى الأساسي لهذه الحركة ، هو : الشوفينية العسكرية ، ومعاداة الأنظمة الاشتراكية التي كانت تتنامى آنذاك في العالم ..

أما الهدف الأساسي لها : فهو استخدام جميع الوسائل الممكنة من أجل دعم الاتحاد الصهيوني العالمي ، وخدمة مصالح الحلفاء التاريخيين ، حسب مراحل نفوذهم العالمية ..

** ظهور الحركة الصهيونية ، وماهيتها :

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، ومطلع القرن العشرين ، كان بدء ظهور الحركة الصهيونية مترافقا مع ظهور الحركات القومية في أوربا ، ونزوع الشعوب الأوربية إلى التجمع والتقارب ..

عندها بادر دعاة الصهيونية إلى استغلال المناخ القومي المتنامي في أوربا ، والاضطهاد الذي تعرض له اليهود هناك بسبب سوء أعمالهم وتصرفاتهم ، فذهبوا يقنعون يهود العالم ، بأن حل مشكلتهم لا يتم إلا إذا أصبح لهم وطن خاص بهم ، أسوة بالشعب الألماني أو الفرنسي أو الإنكليزي ...

ومن هذه الدعوة ، انتشرت جمعيات صهيونية عديدة في أوربا التي كانت ـ بدورها ـ التنظيم السياسي المتقدم للحركة الصهيونية ، والتي تولت تمهيد الطريق لظهور الحركة الصهيونية العالمية فيما بعد ..

ويُعَدّ " تيودور هرتزل " الصحفي النمساوي اليهودي المؤسس العملي للحركة الصهيونية ، حيث دعا إلى عقد مؤتمر في مدينة " بال " السويسرية عام 1798 ، تمخضت عنه نتائج هامة بالنسبة للحركة الصهيونية ، أهمها :

(( إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين ، يضمنه القانون العام )) ..

وتحقيقا لهذا الهدف ، فقد حدّد المؤتمر الأهداف التالية :

1 ـ تشجيع استيطان العمال الزراعيين والصناعيين اليهود وفقا لخطط مناسبة للهجرة والاستيطان .

2 ـ تنظيم اليهود في العالم ، وربطهم جميعا عبر مؤسسات خاصة تعمل على استنهاض هممهم لتحقيق الهدف الأساسي بإقامة الدولة الصهيونية ، والتحرك على الصعيدين ، المحلي والعالمي لنشر هذه الدعوة والحصول على التأييد الفعلي لها ..

3 ـ تقوية الوعي والحس القوميين لدى اليهود في جميع أنحاء العالم ، وتعزيزهما وتوجيههما نحو أهداف الحركة .

4 ـ اتخاذ خطوات تمهيدية للحصول على موافقة الدول الأوربية ، لأن ذلك يشكل شرطا ضروريا ولازما لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية .

ومع ذلك ، انطلق هرتزل لتنفيذ البرنامج السابق ، وبدأ يجري اتصالات دولية ، فابتدأها مع السلطان العثماني آنذاك ، وعرض عليه رشوة محترمة لقاء السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وإقامة المستوطنات على أراضيها ، لكن العثمانيين تخوّفوا من ذلك ، وقاوموا محاولات هرتزل ، فجاءهم عن طريق وساطة قيصر ألمانيا .

وكان هرتزل يحلم بإمكانية إقامة الدولة اليهودية في مدى سنوات خمس .. لكنه لم يفلح .. فالتفت الصهاينة بعده إلى خط بديل ، وهو العمل التدريجي على (( خلق واقع صهيوني في فلسطين )) ..

إلا أن الحقائق تؤكد بشكل قاطع بأن فلسطين لم تكن هدفا للصهيونية في مراحلها الأولى . فهرتزل نفسه ، لم يحدد فلسطين بالذات لتكون وطنا قوميا ، إذ فكر بكل من :

فلسطين ، والأرجنتين ، وقبرص ، وسناء ، والعريش ، وأوغندا ، وموزامبيق ، وليبيا ..

لكن سرعان ما استقر رأيه على فلسطين أثناء انعقاد مؤتمر بال ، ساعده في ذلك ، تداخل المصالح الاستعمارية البريطانية ، مع المصالح اليهودية في الشرق العربي ..

** الحركة الصهيونية وأوربا :

وضعت الصهيونية كل آمالها ، وسخرت كل قواها الظاهرة والخفية ، في سبيل الحصول على دعم الدول الأوربية الاستعمارية التي أخذت بالتوسع الاستعماري لاستغلال خيرات الشعوب وتصريف منتجاتها ..

كذلك ، فإن أكثر الدول الأوربية قدمت مساعدات كبرى للصهيونية بعد أن اكتشفت ما يمكن أن تقوم به دولة صهيونية من دور في حماية وضمان مناطق نفوذها ..

وكان المجال خاليا للصهيونية ، لذلك ، صالت وجالت إبان التخلف الرهيب السائد في الوطن العربي كله نتيجة معاناته المريرة من استعمارين متتاليين هما :

الاستعمار العثماني والاستعمار الأوربي ..

فعملت الصهيونية بذكاء وحذق لاستغلال ظروف الدول الاستعمارية الأوربية ، مدركة في الوقت نفسه مصلحتها الحيوية ، في أن قيام وطن للشعب اليهودي لا يمكن أن يكون قابلا للتحقيق ، ولا واقعا ملموسا ، دون التدخل القوي والدعم المباشر من جانب الحكومات الأوربية ، صاحبة المصالح الكبرى في المنطقة ، بحيث تستثمر هذه الحكومات قيام الدولة اليهودية لصالحها ، لتكون أداة متقدمة وجاهزة للتنفيذ كشرطي مستعد للتدخل في كل الأوقات لصالح تلك الحكومات .. فتلاقت مصالح الطرفين تحت هذه المؤامرة .. فاستهدفت الصهيونية العالمية في سبيل تحقيق هدفها كلا من : تركيا وألمانيا وإنكلترا وإيطاليا ، كدول ذات مصالح ونفوذ في الشرق ، إلا أن الحركة الصهيونية سرعان ما خاب أملها في ألمانيا وإيطاليا وتركيا ، حين وجدتهم أضعف من يحققوا لها شيئا من أهدافها ، ولم يبق في الميدان غير " بريطانيا العظمى " المملكة التي لا تغيب عنها الشمس ، فاتجه الصهاينة بكل ثقلهم ليتنفذوا فيها طمعا في مساعدتها لهم على استيطان فلسطين .. وهنا لا بد من توقف قصير لإيراد لمحة عن تاريخ العلاقة بين الصهيونية والاستعمار البريطاني :

بعد حملة نابليون بونابرت على مصر عام 1798 ، تنبه البريطانيون إلى أهمية مصر جيوسياسيًا واقتصاديًا ، وأدركوا أن اليهود هم خير من يمكن الإفادة منهم في خدمة استراتيجيتهم وأطماعهم في المنطقة .. فسعوا لدى السلطان العثماني من جديد ، وحققوا ما فشل الألمان في تحقيقه ، وحصلوا على (( فرَمَان )) من السلطان يقضي بالسماح لليهود بشراء الأرض في فلسطين ..

كما أن البريطانيين أدركوا مبكرا أن الدوافع القومية لإقامة الوحدة العربية ، لا بد أن تقوى في يوم من الأيام ، فوجد البريطانيون في الصهاينة أداة لتنفيذ سياستهم ..

وبذلك ، التقت ـ في هذا المجال ـ الأطماع الاستعمارية والأهداف الصهيونية ..

ومن هنا كانت نقطة البدء ..

إلا أن الاتصال الأول بين بريطانيا والصهيونية ، بدأ منذ عام 1833 أثناء حملة محمد علي والي مصر على سورية ن حيث تبنت بريطانيا فكرة توطين اليهود في فلسطين .. وحاول " بالمرستون " رئيس وزراء بريطانيا وقتذاك ، إقناع السلطان العثماني بأن يوافق على إسكان اليهود في فلسطين لتشكيل حاجز يكبح مؤامرات محمد علي وخلفائه في المستقبل ..

ثم ، إن بريطانيا هي صاحبة " وعد بلفور " الشهير ، وهي التي سهّلت هجرة أرباب الصهيونية إلى فلسطين ، وهي التي أمدّتهم ببواخر السلاح والذخائر والمال والمساعدات والمعونات الأخرى التي تعينهم على تحقيق مخططهم المجرم ..

ولعل أهم أمر انكشف بعد تلك الأحداث ، هو أن بريطانيا لم تستعمر فلسطين عام 1920 عقب مؤتمر " سان ريمو " إلا لكي تقوم بدور الوساطة .. بمعنى :

استعمرت فلسطين في ظروف إدارية وسياسية واقتصادية وعسكرية تتوافق تماما مع الدعوة لإقامة الدولة الصهيونية ، حيث أصبحت اللغة العبرية لغة رسمية رغم أن عدد اليهود لا يتجاوز 7% من عدد السكان .

ودخلت بريطانيا " منتدِبة " (( بكسر الدال )) إلى فلسطين ، وفيها 650 ألف عربي ، 50 ألف يهودي .. وخرجت منها بعد ثلاثين سنة وفيها 650 ألف يهودي مسلح ، و175 ألف عربي ..

وقبل الانتداب البريطاني على فلسطين ، كان اليهود يملكون 1% من الأراضي .. فصاروا يملكون 70% منها بعد انتهاء الانتداب البريطاني .

واستلم اليهود في عهد الانتداب معظم المناصب العليا في الدولة والحكم ، حتى قيل :

(( إن اليهود كانوا حكومة داخل الانتداب )) .

وفيما يلي وثيقة تاريخية هامة من كتاب ((وثائق التدخل الأجنبي في الوطن العربي ـ موسى الكاظم التونسي ـ ج 1 ـ دمشق ـ 1972 )) ، قدمتها الحركة الصهيونية إلى الحكومة البريطانية عام 1917 :

(( المادة الأولى : يجب أن يُعترَفَ رسميا بالسكان اليهود في فلسطين من قبل الحكومة ذات الشأن كأمة يهودية ، ويجب أن يتمتعوا في البلاد بكامل الحقوق المدنية والوطنية والسياسية ، وتعترف الحكومة ذات الشأن بالرغبة والضرورة لإعادة الاستعمار اليهودي إلى فلسطين ..

المادة الثانية : إن الحكومات ذات الشأن يجب أن تقر تشكيل شركة يهودية لاستعمار فلسطين من قبل اليهود .. والشركة المذكورة توضع تحت حماية الحكومة ذات الشأن المباشر ، وتكون أغراض هذه الشركة ما يلي :

1 ـ أن تؤيد وتغذي الاستعمار اليهودي القائم في فلسطين بكل وسيلة ممكنة .

2 ـ أن تساعد وتؤيد وتشجع اليهود في كل البلاد ، بتنظيم الهجرة ، وتزويدهم بالمعلومات وبأي شيء آخر . )) ..

إضافة إلى ذلك ، فقد وردت نصوص عديدة في صك الانتداب الذي صدر عام 1922 ، ووضع موضع التنفيذ عام 1923 .. تحدّثت هذه النصوص عن ضرورة إنشاء الوطن القومي اليهودي والاعتراف بوكالة يهودية ملائمة ترعى المصالح الاستعمارية الاستيطانية في فلسطين .

وهكذا .. فما أن انتهت فترة الثلاثينيات من القرن العشرين ، حتى كانت كل أجهزة الكيان الصهيوني ، قد أصبحت مهيأة لإقامة الدولة الصهيونية .

وفي تلك الفترة نشبت الحرب العالمية الثانية 1939 ـ 1945 ونشطت الصهيونية لاستغلال ظروف ونتائج هذه الحرب ، كما فعلت بالنسبة للحرب الكونية الأولى .

فتم إنشاء " الفيلق اليهودي " ، وحارب إلى جانب الحلفاء ، وتلقى جنوده تدريبا أهّلهم فيما بعد ، لن يقوموا بدورهم الإجرامي في حرب 1948 . ولم يكن هذا هو المكسب الوحيد والأساسي الذي حققته الصهيونية من وراء الحرب ، ذلك أنها استغلت ظروف الحرب لتحقيق تحركين سياسيين استراتيجيين ، أسهما أكثر من أي عامل آخر في تحقيق الخطط الصهيونية لإقامة الكيان الغاصب عام 1948 :

التحرك الأول :

كان استغلال الاضطهاد النازي لليهود ، وتضخيم هذا العمل ، وترويع العالم به ، عن طريق الدعاية المنظمة المتواصلة ، إلى حدٍّ جعل الرأي العام العالمي يعتقد أن المشكلة الأساسية التي يجب تسويتها بعد الحرب مباشرة هي مشكلة اليهود المضطهدين ، وأن الحل الوحيد لهذه المشكلة هو : إقامة دولة خاصة باليهود في فلسطين بالذات ..

التحرك الثاني :

كان تغيير الحليف البريطاني الذي شاخ وأدركه الوهن والضعف عقب الحرب ، فارتمى الصهاينة في أحضان حليف قوي ومنتصر ، هو الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي برزت بعد الحرب الثانية كقوة دولية لها مصالحها المباشرة في منطقة الشرق الأوسط .

وكان هذا التحالف أقوى عامل في خلق جريمة الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين العربية ..

الثلاثاء ـ 11/01/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق