الاثنين، 17 يناير 2011

محمد البوعزيزي .. ليس النموذج الأمثل

محمد البوعزيزي .. ليس النموذج الأمثل

أرجو من السادة القراء ألا يحكموا على مضمون المقال من خلال مشاهدة العنوان فقط ..

لقد حتمت الأقدار أن يكون إحراق البوعزيزي نفسه ساعة الصفر ، والشرارة التي تولع انتفاضة شعبية ، تحرق النظام التونسي ، وأركانه وأعوانه وزبانيته ..

وهذه السابقة التي ألهبت تونس ، والشارع العربي كله ، في تضامن قلَّ نظيره ، تستوقفنا ، لنترحم على منفذها الذي هانت عليه حياته ، أمام زبانية يستكثرون عليه العمل الشريف المتواضع ، لتأمين الحد الأدنى من لقمة العيش ، في ظل ظروف اقتصادية سيئة ، وبطالة متفشية ، يقابله استئثار عدد محدود من السلطويين بخيرات تونس والسيطرة على مقدراتها واقتصادها ..

وكأن لسان حال البوعزيزي يقول :

" أحَشفـًا وسوءَ كِيلة " ؟؟!!

والسابقة الأخرى التي ألهبت الشارع العربي أيضا ، وأحرار العالم ، كانت حين رشق الصحفي العراقي منتظر الزيدي بفردتي حذائه ، المجرمَ الأمريكي الأكبر " جورج بوش " .. فقد لقي ما يستحقه الزيدي من تأييد الشارع العربي كله .. كما لقي بوش ما يستحقه أيضا ، من شماتةٍ يجللها الخزي والعار ، اللذين لحقا به جرّاء وقوعه في شر جرائمه ضد العرب والمسلمين في كل أرجاء العالم ..

وقد انتشرت ظاهرة قذف المسؤولين بالأحذية ، في كثير من دول العالم ، تقليدا لما فعله الزيدي ، حتى اتخذ كثير منهم إجراءات احترازية لعدم تعرضهم لمثل هذا الرشق المُهين ..

وتفهّمنا جميعا رد فعل البوعزيزي ، وقيامه بحرق نفسه في ظل ظروف لها أسبابها المقنعة ، ولحظتها التاريخية ، ودوافعها التكوينية ، التي جعلت منه شرارة الانتفاضة المباركة ..

وفي تاريخ الشعوب لا بد من ضحايا تقدَّم على مذبحها لنيل حريتها واستقلالها .. وقد سقط عدد كبير من الشهداء في الانتفاضة التونسية المباركة ، وهذا أمر طبيعي ومتوقع .. ومبارك أيضا .. لأن تلك الدماء لم تذهب هدرا ..

فكم كان رائعا ، أن تنتصر الانتفاضة بلا خسائر ولا ضحايا ..

لكن هي كذلك أعاصير الجماهير عندما تهب ..

ورائع أيضا ، لو حدثت الانتفاضة ، دون أو قبل أن يحرق البوعزيزي نفسه ..

لكن .. شاء الله تعالى أن يجعلها الشرارة المباركة ..

وما القول في أن يتحول هذا الفعل ، المحكوم بظروفه وأسبابه ، إلى ظاهرة تنتشر هنا وهناك ، للتعبير عما يشبه تلك الحالة ؟؟

هل هو أمر مقبول ؟؟

ولا سيما أنه ، ليس بالضرورة ، وقد لا يكون ممكنا ، أن يؤدي إلى ما أدى إليه الفعل الأول ..

وإن كنا نعي ونقدر حجم الضغوط التي يتعرض لها الملايين على مساحة الوطن الكبير ، والتي قد تكون أشد مما تعرض له البوعزيزي ، إلا أن ذلك لا يسوّغ لهؤلاء أن يقتدوا بما فعله البوعزيزي ، منظورا إليه من زاوية إنسانية ودينية وأخلاقية ..

وقد سمعنا عن عدد من تلك الحوادث التي جرت في أماكن متعددة من بعض الدول العربية ..

ونقلت الأخبار آخر حالة منها جرت اليوم ، في القاهرة ، وأمام مجلس الشعب المصري ، حيث لجأ رجل في التاسعة والأربعين من عمره لإحراق نفسه ..

إنه مهما كانت الأسباب والدوافع التي تدفع هؤلاء إلى تقليد الفعل الأول ، فهي مرفوضة دينيا وأخلاقيا وشرعيا وإنسانيا ..

فالإنسان مؤتمن على حياته أولا وآخرا .. وليس من حق الإنسان أن يفعل بنفسه شيئا يؤدي به إلى هدر حياته مجانا ..

ولو أقدم كل إنسان على هذا الفعل ، أمام مشكلة أو ضيق أو ظلم أو اضطهاد تعرض له ، لكان عدد البشر تناقص بدل الازدياد ..

إن انسداد الأفق أمام الإنسان في لحظة معينة ، يجب أن تجعله يعيد النظر في إمكاناته وقدراته ، وقدرته على مواجهتها ، والتفكير بكيفية التغلب عليها ، والخروج من تحت وطأتها ، لا أن يستسلم لها ، ويعتبر أن ذلك نهاية الكون والعالم ..

ظنا من بعض الجهلاء ، أنهم سيجعلون من أنفسهم وقودا لانتفاضة في بلادهم على غرار ما جرى في تونس .. فيستسهلون الطريقة ، على صعوبتها وحساسية موقف الأديان منها ..

إني على يقين أن البوعزيزي لم يكن في باله أي تصور عما قد ينتج عن عمله على صعيد بلده .. وليس ثمة أحد يمكن أن يتصور ذلك .. لكنها مشيئة الله تعالى ..

كل ما كان يدور في خلده ـ والله أعلم ـ أنه أراد أن يحتجَّ بطريقته ، على الظلم والاضطهاد اللذين أحس بهما ، وأذاقه زبانية السلطة طعمهما وذلهما ، دون أن تكون السلطة قادرة على النيل منه بعد ذلك ..

فلو احتج بأي طريقة أخرى ، لناله من السلطة ما ناله .. ولما كان لاحتجاجه هذا الأثر الكبير الذي نتج عن إحراقه نفسه ..

لكن ، ليس بالضرورة أن ينتج عن نفس الفعل ، نفس النتيجة ..

فالأفعال الإنسانية ، هي فعل ، ورد فعل ، وكل منهما محكوم بعوامل متعددة ومختلقة ..

وليست كالكيمياء أو الرياضيات التي يكون ، لنفس العملية بنفس الشروط ، نفس النتائج دوما ..

يُسألُ المُضطـَرُّ :

ما الذي أجبركَ على تجَرُّع المُرّ ؟؟..

فيجيب : الأمَرُّ ..

إذن قد نجبَرُ على " الأمَرِّ " أحيانا .. لكن .. لا شيء يجبرنا أبدا على أن نضع حدا لحياتنا ، وبهذه الطريقة ..

إنه لمِمّا يحز في القلوب والنفوس ، أن يكون الشعور بالظلم والاضطهاد ، قد أوصلَ الناسَ إلى لحظة من هذا النوع .. لكن التجمُّلَ بالإيمان والصبر على الابتلاء ، أمر مطلوب أيضا ، دينيا وأخلاقيا ..

إننا نجأر إلى الله تعالى أن يتغمد جميع هؤلاء برحمته التي وسعت كل شيء ..

لكننا ، ندعو قبل ذلك ، الحكامَ العرب وأولياء الأمر ، أن يتداركوا .. وأن يوقفوا هذا الانهيار واليأس الذي تملـَّك شعوبَهم جرّاء سياساتهم ، قبل فوات الأوان ..

" ولات ساعة مندم " ..

ولكم في أخيكم المخلوع " بن علي " خير مثال ..

الإثنين ـ 17/01/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق