الجمعة، 14 يناير 2011

لبنان ..استقالات ، تكليفات ، استشارات

في لبنان ، ما أكثر الاستقالات والتكليفات والاستشارات !!

فقد سبق أن استقالت سبع حكومات لبنانية منذ عام 1926 ، لكن حكومة الحريري وحدها هي التي أسقِطـَت ..

وكانت ، في منتصف السبعينيات الماضية ، حكومة العميد المتقاعد نور الدين الرفاعي ، أقصر الحكومات اللبنانية عمْرًا .. إذ دامت خمسا وستين ساعة فقط ..

لم يكن السيد الحريري قبل استشهاد والده ، شخصية معروفة في الأوساط السياسية اللبنانية .. لذلك ، لم يكتسب خبرة ولا دراية حقيقية في منعرجات السياسة وزواريبها ، على كثرتها ، و" على قفا مين يشيل " في لبنان ..

وكان اعتماده الأكبر على مجموعة من المستشارين الذين أوصلوه بالنتيجة ، إلى الصدام مع النسيج اللبناني ، وإلى الخروج من ثوب والده ، بذريعة البحث عن قتلته ..

ولئن بدأ ظهوره العلني ـ بعد حادث التفجير ـ من البيت الأبيض ، ومن على يمين السيد بوش " الأبيض " ، وكونديليزا رايس " السمراء " ، فقد اختار أن يختتم عهده من نفس المكان أيضا ، مع فارق بسيط ، يتعلق بشخصيتي المضيفيْن ، إذ انعكست صورتهما ، فصار الرئيس " أسمر " ، ووزيرته " بيضاء " ناصعة ..

ومع ذلك .. لم يتغير أي شيء في السياسة الأمريكية تجاه قضايانا .. فعَلامَ يدل ؟؟!!

لقد كان تلطيش الوزيرة الأمريكية كلينتون ، للسيد الحريري في محله ، فخاطبته ، رامية الكرة في ملعبه ، بخبثٍ ومكر ودهاءٍ :

" أنتَ من طلب تشكيل المحكمة ، وأنت من حرّض على قيامها وعملها " ..

ولهذا التلطيش دلالتان :

الأولى : أن السياسة الأمريكية تجاهنا لا تتغير مهما تغيرت الأسماء والأشكال والأحزاب الأمريكية ، لأن مصلحتها وهدفها وغايتها ، وحبها وعشقها الأول والأخير في المنطقة .. هي " الكيان الصهيوني " ..

وغيرها ، لا قيمة لكل من في المنطقة ، إلا بمقدار ما يكونون مجندين في خدمة حبها وعشقها ومصالحها ..

وهذا ، ما يتجاهله كثيرون من " العرب الحلفاء " متذاكين على أنفسهم وعلينا ، بأنهم ذوو حظوة خاصة عند أسيادهم الأمريكان ، وأن هؤلاء لن يضحوا بهم ..

فهل هم أغلى وأرفع مكانة من شاه إيران " سابقا " ؟؟!!

والدلالة الثانية : أن اللعب مع الإدارة الأمريكية من قبل هؤلاء " الصغار " ممنوع وغير مقبول .. وكأن لسان حال الوزيرة يقول :

" اعلم أنت ، أيها الحريري الصغير ، أنك أنت من جاء إلى هنا يوما ، مهزوما ، كسيرا ، لاهثا ، وطلب تشكيل المحكمة الدولية لتعرف من قتل أباك ، وسنوصلك نحن إلى مبتغاك .. فبأي وجه تأتي الآن لتطلب غير ذلك " ؟؟!!

" ما الذي تغير ؟؟ هل تعتقد أن التغير الذي لحق بالرئيس الأمريكي وفريقه ، سيغير موقفنا منكم " ؟؟!!

وهذه تدلل على قِصَر نظر السيد الحريري ومستشاريه الذين دفعوه إلى بوش آنذاك ، مرتميا في أحضانه ، متوسلا إليه أن يستصدر قرارا من مجلس الأمن يقضي بتشكيل محكمة دولية خاصة من أجل لبنان ..

ناسيًا أنه من " قفا النمس لا يمكن أن يلحس الدبس " ..

وفي مقال سابق لنا ، قلنا : إذا اختار الحريري الحل العربي ، يكون قد ضمن لنفسه مستقبلا سياسيا بارزا يتركه على رأس الحكومة اللبنانية لزمن قادم ، وإذا اختار أي حل آخر ، يكون قد حكم على نفسه بانتهاء عمره السياسي في لبنان ..

فما هو المصير الذي يسعى إليه ، بعد واشنطن وباريس ، من جهة ، وأنقرة والرياض ، من جهة أخرى ؟؟

إن الحريري يعرف تماما ، أن لدمشق بوابة واحدة ، سبق أن دخلها رئيسا للوزراء ، أربع مرات ، بتأشيرة دخول ممنوحة من الضاحية الجنوبية ومن أنقرة ومن الرياض معا ..

وقد خسر كل أولئك المانحين الآن ، ووجه إليهم صفعة غبية ، وغير محسوبة النتائج ..

وإذا كان في السياسة ، لا يوجد شيء مطلق ، فإن الواضح ، أن الحريري ارتكب ما يجعل أوضاعه السياسية سيئة على الإطلاق ، إلا إذا عاد إلى رشده عبر بوابتي أنقرة والرياض ، والضاحية الجنوبية .. لأن سوريا لا تناور ولا تساوم على مبادئها التي يعرفها الحريري جيدا ، وأولها أن المقاومة خط أحمر نهائي ..

وإذا كانت زيارات الحريري الأربع إلى دمشق ، والسحور الرمضاني المميز فيها ، لم تنفع في جعله يميل للحل العربي ، أو في عدم عضّ اليد التي مُدَّتْ له ، بينما لقاء قصير في كل من نيويورك وواشنطن ، جعله ينقلب على كل الآمال ، ويتنصل من كل جهود الحل العربي ، التي عاش الشارع السياسي اللبناني مترقبا نتائجها الإيجابية ، للبنان ، كل لبنان ..

إذن .. ما سر تلك اللقاءات القصيرة التي فعلت بالحريري ما فعلت ؟؟!!

ولماذا تنصّل الحريري وضحَّى بكل رصيده في أن يبقى رئيسا لحكومة كل لبنان ، على أن يكون مجرد أكبر زعيم طائفي .. في لبنان الطائفي .. ؟؟

وما هي مخططات ومؤامرات أولئك الذين قوْلبوه لصالحهم من جديد ؟؟

وإلى أين سيصل الحريري بحقيقة " مَن قتلَ والده " ؟؟

هل حقا لا يعرف مَن قتله ؟؟

فإذا كان لا يعرف ، فتلك مصيبة ..

وإذا كان يعرف ، فالمصيبة أعظم ..

ونترك الجواب للشعب اللبناني العزيز ..

الجمعة ـ 14/01/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق