دائما تكون صور البدايات على هذه الشاكلة .. ثم تتنامى وتتصاعد ، وتأخذ الشكل الكلاسيكي الرائع ، الذي كثيرا ما تكرر في العالم ..
وها هي الآن ، نسخة جديدة وأخيرة من تلك الصور ، تجري أحداثها في تونس الشقيقة ..
فالبداية ، كانت احتجاجا على الغلاء والبطالة .. اندفعت الشرطة لقمعه ، سقط ضحايا برصاصهم ، تطور الاحتجاج إلى دفاع عن النفس ، وامتد إلى أماكن أخرى من البلاد .. اتسع النطاق أكثر ، نزل الجيش بآلياته ، ازداد عد الضحايا برصاصه ، أقيل وزير الداخلية ، استهجن الأوربيون الاستخدام المفرط وغير المتكافئ للقوة ضد المتظاهرين ، ودعت أمريكا مواطنيها إلى تجنب زيارة تونس في غير حالة الضرورة ..
لم يستطع الجيش قمع المنتفضين .. أخذت الوقائع تتسارع في الشارع ، نحو نهاياتٍ لصالح الشعب التونسي ..
فأطل الرئيس " بهي الطلعة " من قصره ، ليل أمس ..
لقد كان واضحا ، أن الرئيس بن علي ، يعوّل كثيرا على تلك الإطلالة و " كاريزميتها " ، ويعتقد أنها ستضع الأمور في نصابها ، وستغير وجه الحقيقة " المقموعة بالدم على امتداد الشوارع التونسية " ..
من هنا كان واثقا من نفسه حين قال :
1 ـ إنه فـَهـِمَ ـ بعد خمسين سنة فقط ـ مطالبَ الشعب التونسي ..
2 ـ وإنه أمر بالكف عن استخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين ..
وكأن شخصا آخر أمر باستخدام الرصاص الحي قبله ..
3 ـ وإنه أمر بتشكيل لجنة تحقيق حيادية للتوصل إلى النتائج التي تحدد مسؤولية الجميع عما تم ..
4 ـ وإن إقالة وزير الداخلية ، والمستشار في القصر الجمهوري ، هو بداية لمحاسبة الذين " ضللوا الرئيس " ..
5 ـ وإنه لا رئاسة مدى الحياة ..
" بعد ربع قرن من الرئاسة المتواصلة " ..
6 ـ وإنه لا رقابة على الإعلام أبدا .. ولا رقابة على الإنترنت إلا بمقدار ما يمس الشعب التونسي بالأذى في أفكاره ومعتقداته ..
7 ـ كما منـَّنَ الشعب التونسي الشقيق ، بأنه أمضى أكثر من خمسين سنة في خدمته ..
وكأنه كان يفلح لهم الأرض ويزرعها بعرقه وجهده ، ويقدم لهم الخبز على " البارد المستهني " كما نقول في بلاد الشام ..
إن انتفاضة الشعب التونسي ، تستهدف اجتثاث الظروف والأسباب التي أوصلتهم إلى هذه المكانة الاقتصادية والمعيشية المزرية ، والقضاء على ديكتاتورية الحزب الواحد ، وإسقاط " الديكتاتور" ..
وإذا كان الرئيس التونسي قد اتهم بعضا من أبناء الشعب التونسي " بأنهم وراء أعمال السلب والتهب والتدمير " فإن ذلك يرد التهمة على أعوانه السلطويين الذين يمارسون أبشع الأعمال ، لتشويه سمعة الانتفاضة وشبابها ، وتلويثهم بالشغب والجريمة المزعومة ، بما يسوِّغ لرجال السلطة استعمالها الرصاصَ الحيَّ في قتل أكثر من خمسين من الشباب المنتفضين ضد جلادهم وديكتاتورهم وقاتلهم ..
وليس ما يجري في الجزائر بعيدا عما يجري في تونس أيضا .. وهذه ليست المرة الأولى التي ينتفض فيها الشعب الجزائري ضد سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ..
إن ما يجري في تونس والجزائر ، هو انتفاضة مباركة وانفجار مما آلت إليه الظروف المأساوية للمواطنين ، جرّاء السياسة التي حجبت عن الشعبين كل الحريات الديمقراطية التي تكفل لهما تأدية دورهما الوطني والقومي على أكمل وجه ..
وإذا كان توصيف ما جرى منذ البداية بأنه " ثورة خبز " ، قد عده البعض " إهانة لها " ، فإن اعتبارها ثورة منظمة ، أمر سابق لأوانه أيضا ..
مازال الوقت مبكرا ..
والأيام حبلى ..
الجمعة ـ 14/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق