حين أنشد الشاعر أحمد شوقي قصيدته في زحلة لبنان ، وسماها " جارة الوادي " ، لم يكن يدور في خلده ، ولا يمكن أن يتصور ما يجري اليوم في جارة الوادي وما حولها ..
لقد تعطلت اليوم لغة الكلام بالفعل ، وتخاطب اللبنانيون بغير لغة " الهوى " التي أرادها شوقي ..
تخاطب اللبنانيون بلغة ملأى بالكراهية والبغضاء ، وتجمعوا لا ليحتجوا كما احتج التونسيون ضد " شينهم ابن علي " ، ولكنهم تجمعوا ليحاصروا وسائل إعلامية كانت تبث غوغائيتهم وتنشر على الفضائيات حماقاتهم وأوسخ الغسيل المخجل ..
تصوروا ..
اللبنانيون يحاصرون الإعلاميين ، وكادوا يفتكون بهم ، لولا تدخل الجيش في الوقت المناسب ..
وكانت أصوات الإعلاميين المحاصَرين ، ترتعد وهم يتحدثون عبر الهواتف مع فضائياتهم ، مستنجدين قبل فوات الأوان ، وقبل أن يصل إليهم الحمقى الموتورون الذين أحرقوا سيارات البث ، وحطموا الكاميرات ، وأضرموا النار في مدخل البناية التي كان المراسلون بداخلها ..
وبدت الصورة وهم يحطمون إحدى السيارات كأن العالم في خراب ، وكأن الشمس لن تطلع على العالم إذا لم يترأس الحريري وزارة لبنان ..
إذا كان العداء والاعتداء هذا يجري في لبنان على الإعلاميين ومراسلي التلفزة ، في بلد ليس فيه سوى الإعلام والتلفزة ..
ولولا الإعلام اللبناني ، لغامت علينا صورة العالم .. فهل يفعل الأحمق والجاهل بنفسه ما يفعله العدو بعدوه ؟؟!!
ألم تحطم طائرات الصهاينة كثيرا من محطات البث التلفزيوني خلال عدوانها على لبنان عام 2006 ؟؟
في كل مرة نراهن على أن الشعب اللبناني أوعى من أن يجره أحد إلى الفتنة ، وإذا به متحضر لها ، جاهز للدخول فيها وبأسرع الخطى ..
ألم يتعظوا من سنوات الحرب الأهلية ؟؟
من الذي سيدفع ثمن الفتنة دما ؟؟
أليس هم ، هؤلاء الشبان المغرر بهم ؟؟
كم زعيما لبنانيا ، وكم زعيما ميليشويا دفع دمه في الحرب الأهلية على مدار 15 عاما ، وكم كان عدد ضحايا الحرب ؟؟
لقد كان ضحايا الحرب أكثر من ربع مليون .. بينما لم يفقد أي من هؤلاء إصبعا من أصابعه ، طيلة سني الحرب الأهلية ..
إن ما جرى اليوم ، يبين تماما كيف أن لبنان ما زال عبارة عن برميل من البارود ، وفيه آلاف الصواعق الجاهزة للانفجار في كل لحظة ..
ويبين تأثير التدخل الأجنبي السافر فيه ، إلى درجة أن يتصل نائب الرئيس الأمريكي " كله " بأحد النواب اللبنانيين طالبا منه التصويت للحريري في الاستشارات النيابية ، هذا بعد " الجهد المضني " الذي بذلته السفيرة الأمريكية في لبنان خلال جولاتها المكوكية على النواب لنفس الغرض ، وكذلك رئيسة ما يسمى " بالدبلوماسية الأمريكية " ..
والمضحك ، أن أحد المعلقين " في إيلاف " التابعين للدولة المذكورة ادعى أن السفيرة " تقوم بواجبها " ، وان شأنها شأن كل السفراء ..
لكنه لم يستطع أن يدعي مثلا : أن السفيريْن السوري والإيراني فـَعَلا ما فعلته السفيرة الأمريكية ورؤسائها ..
فهل كانا يتحركان لابسيْن" طاقية الإخفاء " حتى لم يرهما أحد ، ولا حتى المتلصصين بهما ؟؟؟
فلو تحرك أي منهما لقامت الدنيا ولم تقعد ..
وهذا أيضا مؤشر كبير يدلل على أن منْ يتدخل فيما لا يعنيه ، سيجد بالتأكيد ، ما لا يرضيه ..
المهم ..
إن ما يجري في لبنان الآن ، انعكس امتقاعا وقلقا ، على وجه رئيس الوزراء المكلف ، فبدا على الشاشات كمن خرج من قبره للتو ، ممتقعا ، ذابلا ، لا يعرف إلى أين سيوصِله هؤلاء المتظاهرون ضده ،وكأنه ليس من مدينتهم ولا من مذهبهم ..
ولم ينفع مسارعة الحريري للتوجه لأنصاره عبر التلفاز طالبا منهم الهدوء ، و" الاحتكام للشرعية والدستور " ..
وهذا يؤكد مرة أخرى أن وراء تحرك هؤلاء أصابع قذرة تحاول إيقاف الشرعية ، واللعب بالنار بدل " اللعبة السياسية " ، الشهيرة في لبنان ، وعنه ، دوما ..
إن الاحتكام للشارع ، لن يجر سوى الويلات على لبنان وشعبه .. ولهم في ماضيهم ما يجب أن يتعظوا منه ..
فهل من عاقلين يلجمون الانحدار إلى الهاوية ؟؟
الثلاثاء ـ 25/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق