كتبت لصديقتي :
تراودني فكرة أن أكتب شيئا عن قصصنا القديمة ..
ما رأيك ؟؟
كتبتْ : ليس هناك مشكلة عندي .. لكن ما الذي يدفعك لاستحضارها بعد كل هذه السنين ؟؟
كتبتُ ـ في ذاكرتي ، أنها شيء يشبه السراب الجميل ،
في طريق صحراوي ..
كتبتْ : كانت ذكرى لطيفة ، فيها شيء من السحر على بساطتها ..
كتبتُ : ساعديني ، بأن تكتبي لي انطباعاتك الداخلية عنها ، وأحاسيسك ومشاعرك التي لم تجودي بها عليَّ وقتذاك ، كي يكون حديثي عنها واقعيا أكثر ..
كتبتْ : ما زلت أحمل كثيرا منها بين ضلوعي وفي وجداني .. لكن ....
كتبتُ : لماذا كانت علاقتنا قوية بهذا الشكل الذي وصفتِه ؟؟
قالت : السبب برأيي أننا كنا ـ نحن الإثنين ـ كأننا في طريق سفر مضن ٍ ، والتقينا ، وجمعتنا محطات لطيفة ..
ما رأيكَ أنتَ ؟؟
قلت : كتبت رأيي آنفا .. لكن ، يا سلام على كلامك المعبر والحلو !!
قالت : أنا ، دائما أعرف متى أقرأك .. وكيف أقرأك صحيحًا ..
قلت : لأني واضح ، ومباشر ..
قالت : لم أقل غير ذلك ..
ـ هل عذبكِ حواري ؟؟
ـ لا ، بالعكس .. لقد ملأ خيالي بتداعيات لطيفة ..
لكني سأذهب لأحضر في دار الأوبرا ، احتفالا لتكريم الفنان وديع الصافي في عيد ميلاده ..
ـ سلميلي عليه .. قوليلو : صباح الخير ..
ـ صار المسا ..
ـ كلو متل بعضو ..
ـ ليش يا ترى ؟؟
ـ المسا متل الصبح ، والصبح متل المسا ..
ـ من ناحيتي : أنا مشتاق لك .. ليش ما بعرف ..
ـ طيب حاضر .. المهم ، إحساسنا نحنا بالوقت والزمان والمكان ..
ـ أنا دايما إحساسي بالصباح أجمل ، لكن ، بالمساء أرْوَق ..
ـ أنا بشوف الإثنين حلوين ..
ـ عندما يكون شعورنا بالحياة حلوا ، يصير كل شيء حلوا .. والعكس صحيح ..
ـ طبعا .. وبرأيي : المحبة هي عنوان الجمال والحلاوة ..
ـ المحبة سيدة الكون كله ..
ـ والمحبة ليست هي العشق والغرام فقط .. المحبة هي : محبة كل شيء في الحياة ..
ـ وبدونها ، صورة الحياة بالأبيض والأسود ..
ـ فعلا ..
ـ أنا أحب المحبة أكثر من الحب .. فالحب جزء هام من المحبة .. لكنه أضيق بكثير ..
ـ أنا متفقة معك ..
ـ ولولاها ، ما أرسِلَ الأنبياء .. ولا كانت الأديان على اختلافها .. ولما عاش الأزواج وأنجبوا ..
ـ نعم .. نعم ..
ـ بالحب لا يتعايش الأزواج .. يتعايشون بالسكينة والانسجام ..
ـ كلام جميل ..
ـ وبالحب ، لا يكون الإنسان مسؤولا عن أسرة وعيال .. وحدها المحبة خيط نظام الكون .. إذا انقطع تنقطع معه وشائج الحياة الإنسانية ..
ـ كلامك اليوم فلسفي ، ورائع ..
ـ مو قلت لك أنا هلأ جاييني التجلـّي ؟؟ ووقت اللي بحتاج لهادا لكلام ما بلاقيه لأكتبه ..
ـ اتجلـّى على كيفك .. لأني هلأ أنا ملهمتك ..
ـ يا ملهمتي بكرامة خنجركِ العربي .. هكذا قال مظفر النواب .. ونسيت الباقي ..
أوووووه .. آسف : قال : يا قاتلتي بكرامة خنجركِ العربي ..
ـ على فكرة .. حتى مظفر النواب أو أبو عادل ، حالتو الصحية كتير تعبانة وتعيسة ..
ـ السن له حقه ع اللي ما بحس كتير .. كيف لو كان شاعر ؟؟!! وشاعر متل مظفر النواب ؟؟!!
فإذا كان كل الشعراء في التاريخ ، أجسادا لها أحاسيسها المتميزة ، فإن مظفر النواب عبارة عن كتلة من الأحاسيس المرهفة جدا ، تحتوي جسده النحيل جدا ..
مو قال المتنبي :
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم ؟؟!!
ـ مرة حكى لي عن قصة هروبه من سجنه في العراق في السبعينيات ..
ـ هاتيها باختصار من فضلك ..
ـ هو ورفقاتو حفروا نفق في السجن ، بأدوات بسيطة جدا .. وهرب حوالي 120 سجين .. بعضهم قبضوا عليهم وأعدموهم ..
ـ أعرف أنه هرب من سجنه في العراق سنة 1972 ، لسوريا وأقام أول أمسية شعرية في مدينة السلمية .. وألقى قصيدته الشهيرة " وتريات ليلية " وبعض أزجاله باللهجة العراقية .. وكانت هذه القصيدة بلسمي في أوقات الشدة في أواخر السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات .. وربما يأتي يوم أروي فيه حكايتي مع هذه القصيدة ..
ـ سأعتذر منك .. فقد جاءت صديقتي لتصطحبني إلى دار الأوبرا .. نلتقي فيما بعد .. إلى اللقاء الآن ..
ـ مع السلامة ..
من الرائع أن تكون ضيفا ومُضيفا في وقت واحد .. ومثلك ، على الطرف الآخر ، يكون ضيفكَ ومُضيفكَ أيضا ..
يبدأ الحديث بلا مقدمات ولا مجاملات .. يتشعب .. يصعد .. يهبط .. يتنوع .. يوغل في الماضي ، والأحاسيس .. فتتخلص فيه من حرج العينين ، وعناء الكلمة المباشرة ..
وحين يُدَقُّ جرسُ الانشغال ، أو الانصراف ، لا يحتاج التنفيذ كثيرا من البروتوكول ..
فينتهي الحديث ـ كما بدأ ـ بلا مقدمات .. ولا مجاملات ..
الأحد ـ 16/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق