إن تهريب السفير الأمريكي الجديد إلى سوريا ، في الوقت الضائع ، أو بين شوطي انعقاد المجالس البرلمانية التي سيطر الجمهوريون عليها ، لم يكن أمرا عرضيا ، ولا لمجرد تعلقه بممانعة الجمهوريين فقط ، بل كان ذا مغزى يتعلق بالعلاقة الأمريكية ـ السورية ، والدور المطلوب منها في ظل الظروف المعقدة الراهنة ، والتي بدأت تتلخبط أوراقها ، بالمظاهرات التي تعم أجزاء من الشارع العربي في الجزائر ومصر والأردن وموريتانيا بعد تونس ..
كما لم يكن إسقاط المسعى السعودي ـ السوري ، إلا في هذا المنحى ، الذي تشير إليه كثير من المعطيات التي برزت في الآونة اللاحقة ، متلاحقة الفصول ، وبتسارع يكاد يكون لحظيا ..
من هنا ، تأتي أهمية رد الفعل " الكبيرة " والسريعة والمباغتة من قِبَل المعارضة اللبنانية ، بلجوئها الفوري إلى إسقاط الحكومة " الحريرية المَلمَس ، الثعلبية السلوك " ..
في حركة استهدفت شقلبة الطاولة على من تشقلبت مواقفه بانسجامه مع الدور الأمريكي ، ولوضع حد لتدهور الأوضاع السياسية " الهشة والمُعَصْلجة " في لبنان بعد ارتداد الحريري (( أسوة بارتدادات حليفه الجنبلاطي )) عن قبوله بالحل السعودي السوري ، الذي شارك في كثير من صياغته ، مراوغة وانتظارًا لصدور القرار الظني المرتقب ، باتهام حزب الله بقتل والده .. وعندها ، لكل حادث حديث ..
فسارعت المعارضة لإعلان : أن ما بعد صدور القرار لن يكون كما قبله ..
وبين سقوط المسعى السعودي وإسقاط حكومة الحريري ـ وكنتيجة لهما ، وكتأكيد على الحرية والسيادة والاستقلال التي يتمتع بها ثوار ثورة الأرز ـ نشطت في المنطقة وفي عواصم القرار ، الاتصالاتُ والاجتماعاتُ والمؤتمراتُ واللقاءاتُ السرية والعلنية ، الليلية والنهارية ، سياسيا ودبلوماسيا ، ونفخا في أوار الفتن ، حتى بات الصدى يتردد في كل العواصم ، الكبرى العالمية ، والمتوسطة الإقليمية ، وحتى الصغرى العربية ، فتأجلت الاستشارات النيابية ، وسعى الساعون للرأب ، وانطلق الموفدون اللبنانيون إلى عواصم أخرى طلبا للدعم والمشورة و " السيادة والحرية والاستقلال " ، بانتظار إعلان مضمون القرار الظني باتهام حزب الله ، حسب ما ذكرته القنوات التلفزيونية الصهيونية العالمة بظواهر الأمور وبواطنها ، معلنة هي وأمريكا عن سعادتهما بقرب موعد وضع رأس حزب الله على المقصلة الأممية الصهيو ـ أمريكية بامتياز ..
واتصل أوباما شاكرا حسني مبارك على دعمه للحريري ، وعلى موقفه الإيجابي من المحكمة الدولية ..
" ابسط يا عم ، يا حريري .. أوباما يشكر مبارك نيابة عنك " ..
" إيه العظمة دي كلها " ؟؟!!
وترافق هذا ، مع مشاهد إقليمية أخرى ذات دلالات ومنعكسات خطيرة ..
كالتقسيم الإجرامي للسودان ، وتداعيات انهيار النظام التونسي ، واستمرار " الحرائق الشخصية " المجانية في أكثر من مكان بعد التجربة " البوعزيزية الناجحة " ..
وبمقدار سعادتنا وتفاؤلنا بثورة الياسمين التونسية ، بدأنا نشعر بالقلق العميق من " ثورة الأرز " لا عليها ، لأن فضلها كبير علينا وعلى المنطقة بأسرها في ترسيخ دعائم هذه " السيادة والحرية والاستقلال " التي ننعم بنتائجها " المخلصة وطنيا وقوميا " الآن ، وربما " يتعزز " ذلك قريبا بحسب مفاعيل القرار الظني " التاريخي " !! ..
ـ وبين كل تلك الحرائق ، قرر أوباما ، إرسال سفيره إلى دمشق ، ليرعى المصالح الأمريكية عن قرب ، وليساعد زميلته السفيرة " المسكينة " القابعة في بيروت ، وقد تعبت من مشاويرها على النواب اللبنانيين ، لتأمين الحد الكافي لنصاب تكليف " المستر الحريري " من جهة ، وليضع اللمسات الأخيرة على المشهد الصهيو ـ أمريكي الذي يمثل جزءًا جديدًا من المسرحية الأوبامية ، المُعدّة خصيصا " لأحبائه وأصدقائه العرب " من جهة ثانية ..
وإلا ، لماذا ادخرته أمريكا ، حتى أرسلته تهريبا وفي أضر16 الظروف ؟؟ أليس لوقتٍ كهذا ؟؟!!
ـ ومما أضفى على هذه الأجواء " المُُبهجة " فرحا شموليا ، بشمولية التصويب القاتل ، وبالرصاص الحي ، على سوريا ، " حين كانت مستهدفة أمريكيا " .. مصحوبة بموسيقا تصويرية ناعمة " كالحرير " بصوت " الثعلب الحريري " على قناة الجديد ، راسمًًًا ملامح خيوط المؤامرة الدولية ، بخبث الثعلب الحقيقي ومكره ، " فكان يُؤَلـِّبُ باسم اللات العصبيات القبلية " على حد تعبير الشاعر مظفر النواب ..
وكان ظاهرا ومُلاحَظا ، كيف كان توجيه التصويب باتجاه سورية ، لأنها هي المستهدفة طيلة السنوات الأربع التي تلت اغتيال الحريري الأكبر ، على أمل القضاء على المقاومة بحرب صهيونية خاطفة لاحقة ..
وحين فشل المشروعان ، وفشلوا في فبركة تهم بحق سورية ، " على أمل تطويعها بطريقة أخرى أيضا " ، حوّلوا التصويب إلى المقاومة ، المطلوبة الرأس والجسد معا ، أمريكيًا ، وصهيونيًا ، وعربيًا متواطئا معهما ، أو حليفا لهما ، لتمرير مشاريع الاستيطان ، والتصفية الصهيونية للقضية الفلسطينية ..
فالموسيقا التصويرية الحريرية التي سمعناها على قناة الجديد قبل أيام ، كانت تنال من سوريا حصرا ، و" أعوانها في لبنان " ، بينما كانت تغازل المقاومة وتكيل المديح لها ، وتستبعدها من أي شبهة ، دسًّا للسّمّ في السمن ، أو لتسمينها كخراف العيد ، قبل موعد الذبح !! ..
وكان الحريري كناقة زهير بن أبي سلمى ، يمشي " خبط عشواء " ، موزعا التهم في كل الاتجاهات ، مما استدعى اعتذارا منه " لأصدقائه " فبدا أقبح من ذنبه ، حين تعلل بأن المرحلة كانت تقتضي ذلك منه ..
وصوّر والده مجرد رجل ينفق عن سعة ، ويبعثر دولاراته بالرشاوى ، ويقايضها بأثمان بخسة ، إرضاء لهذا أو ذاك ..
ما الأسباب الموجبة لكل تلك التبدلات والتغيرات في المواقف السابقة كلها ؟؟
يمكنكم إبداء آرائكم ، ويمكنكم انتظار الجواب ..
وإذا كان الطقس في لبنان اليوم غائما جزئيا مع احتمال هبوب عواصف رعدية ..
فما هي أوضاع الطقس عندكم ؟؟
الأربعاء ـ 19/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق