إن الإرهاصات التي يجري تفاعلها في الشارع المصري الآن ، توحي بأن الشعب المصري ، وقيادات المعارضة ، قد نظموا صفوفهم للسير على طريق الألف ميل ، قاطعين المسافة نحو تهديم أركان نظام متهالك متهاو ، متآمر مع العدو التاريخي للشعب المصري ، الذي رفض كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني ، لولا بعض المستزلمين المنتفعين المرتبطين ، بشكل أو بآخر ، بالمشروع الأمريكي الذي دخل إلى المنطقة العربية عبر البوابة المصرية الكبرى .. وأوصل المنطقة إلى حالة الانهيار التي وصل إليها الشعب العراقي ، ومن قبله الشعب الفلسطيني ، والشعب السوداني الذي قسموا أراضيه على مسمع من النظام المصري ومرآه ، وكأن ما جرى ويجري في السودان ، شأن صغير ولا يهمه من ذلك شيء ، ولن يتأثر بأي منعكسات سلبية ، وإن كان القاصي والداني ، يعرف تماما ، أن الثور الأبيض سيؤكل منذ اللحظة التي أكل فيها الثور الأسود .. وأن الذي قسًم السودان ، لن يتوقف ، ولن يتورع ، ولن يهدأ له ضمير قبل أن يستكمل مشروع الإحهاز على وادي النيل ، وتحويله إلى شبه مستعمرة صهيو ـ أمريكية ، حتى يأمنوا من " شر " سكان هذا الوادي إلى ما شاء الله ..
وثمة الكثير من الوقائع والاعترافات الصهيونية تفيد بأن الأمور متجهة نحو هذا المصير ..
كل ذلك ، والنظام المصري منشغل " بشامة حُسْنٍ في خصيته " كما قال الشاعر مظفر النواب ..
فبعد دوره التآمري في الإجهاز على العراق لمصلحة الصهاينة ، ودوره في الأخذ بيد سلطة عباس نحو مزيد من التنازلات على صعيد القضية الفلسطينية ، وسكوته عن تقسيم السودان ، وتحالفه القوي " والمصيري " مع أعداء الأمة العربية كلها ، فإنه من الجدير به ، أن يوضع له حد لتلك الممارسات الخيانية ، حفاظا على ما تبقى من المصالح العربية ، والحقوق العربية ..
ولم يكن انقلابه على التنسيق عبر " المثلث المصري السوري السعودي " ، إلا طعنة أخرى في الصميم ، يوجهها النظام المصري ، لتلك المصالح والحقوق ، مؤثرا تحالفه العميق مع الصهاينة ، بذريعة أن سوريا متحالفة مع إيران ، ويطالب بفك هذا التحالف كشرط لعودة التنسيق السوري المصري ، وكأن تحالفه مع الصهاينة أمر مطلوب وطنيا ، أو عربيا ، أو سوريا .. رغم أن هذا التحالف المشبوه جرَّ على المنطقة كل الويلات والخراب ، وما عدوان الصهاينة على لبنان عام 2006 ، وعدوانهم على غزة بعده إلا حلقتين متصلتين من حلقات تآمره مع الصهاينة ضد أعداء شعبه وأمته ..
وإذا كان الثمن الذي يمنـّي نفسَه به " توريثَ السلطة " فهو ثمن بخس جدا ، لا يساوي قلامة ظفر مواطن عربي استشهد بالقصف الصهيوني على لبنان أو غزة أو على معابرها ..
وإن كانت غزة ـ في يوم من الأيام ـ يراها مهدِّدَة للأمن القومي المصري ، فذلك لأن النظام المصري مصاب بالعمى ، يختبئ وراء إصبعه ، ويزعم أنه في أمان من السلاح النووي الصهيوني ..
فهل حقا حفنة رجال في غزة يهددون الأمن القومي المصري ، ولا تهدده الترسانة النووية الصهيونية ؟!
علاوة على أن النظام المصري جرَّدَ الجيش المصري من كل وسائله الدفاعية الأخرى لصالح تنامي القوة العسكرية الصهيونية ، بالسلاحين : التقليدي والنووي .. بينما دعّم قِواه الأمنية والأجهزة الخاصة ، كي تحميه من غضب الشعب الذي لا بد آتٍ إن شاء الله ..
ولم يكتف النظام المصري أن شجع وأعان الصهاينة في عدوانيهما على غزة ولبنان ، بل اتخذ من نظامه داعما لحلفاء أمريكا هنا وهناك ، الأمر الذي أوصل اللبنانيين إلى حافة انزلاق جديد نحو حرب أهلية بشعة ، لم يضمد جراحه من حربه الأولى بعد .. واتخذ من حصار غزة وتجويع شعبها ودفعهم للموت البطيء ، في موقفه الداعم للسياسة الصهيونية وعملائها في السلطة ، حيث تبدّى اليوم جليًّا ، وبعد كشف قناة الجزيرة عن وثائق التآمر والخيانة ـ أن السلطة الفلسطينية نفسها ، متورطة إلى أرنبتي أذنيها في العمالة والتنازل غير المشروع ، عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، وهي التي يفترض فيها أن تكون أمينة مؤتمنة عليها .. لأنه ، بالنتيجة ، ليس من حقها أن تتصرف بحقوق لا تملكها ..
ولولا " الثور الكبير الذي يحرفهم ويجرهم عن سكة الصواب " ما استسهلوا التفريط بهذه الحقوق المشروعة ، ولا تنازلوا عنها مجانا ، أو لقاء كرسي سلطوي رخيص ومأجور ولا حول له ولا قوة ، في رام الله ..
إن الشعب المصري ، بتاريخه العظيم الذي كان بوابة الحفاظ على الحقوق العربية ، لا بد له من أن يتخلص من هذا الماموث ، وأن يضع حدا للتدخل الصهيوني السافر في منعه من الوصول إلى غايته .. لاسيما بعد أن بدأ الصهاينة بتدمير الجبهة الداخلية في مصر بالإيقاع بالشعب في حرب طائفية مدمرة ، كان تفجير الإسكندرية أولى خطواتها العملية ، ومع ذلك ، لم يتوان الرئيس المصري عن توجيه اتهام ظالم لإحدى المنظمات الجهادية في غزة ، إمعانا منه في استعداء الشعب عليه لصالح أحبائه الصهاينة ..
لقد كان النظام التونسي من أقرب الأنظمة للصهاينة وأمريكا ، لكن إرادة الشعب قهرتهم جميعا ، وجعلته يهيم على وجهه لا أرض تؤويه ولا سماء ، لولا .. لولا ..
ومن قبله ، كان شاه إيران ..
وهذا مثلان ماثلان للعقول والأبصار ، وليس الشعب العربي في مصر أقل قدرة على التحكم بمصيره من هؤلاء ..
فمتى سيفعلها الشعب العربي في مصر ؟؟
الأربعاء ـ 26/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق