مع تكاثر المواقع التي فتحت صفحاتها لآلاف مؤلفة من المدونين ، بدأت تأخذ المدونات أشكالا ، وطوابع ، تجاوزت فيها السقوف الصحفية الواطئة ، كما تجاوزت الإعلام التلفازي الرسمي ـ وهذا طبيعي ومنطقي ـ ، وتكاد تسبق غير الرسمي منها أيضا ، لولا قوة " الصورة " التي تتمتع بها جميع الشاشات الصغيرة ، وتوفرها بشكل سهل وميسور لأعداد هائلة من البشر ، فليس من العدل إجراء المقارنة بين المدونات والشاشة الصغيرة ، لأن ذلك سيضع المدونات في خانة خاسرة سلفا ، عند أي مقارنة من هذا النوع ..
ومع ذلك ، فقد بدأت ملامح صفةِ أو لقبِ (( مُدَوِّن )) تأخذ أبعادَها ـ على مستوى التدوين العربي ـ ، وغدت المدوَّنات واقعا ملموسا ، لا يمكن تجاهله ، لا من قِبل متعاطي الإنترنت ، ولا من قِبل سلطات الرقابة .."" التي ازداد العبء كثيرا عليها ، وصار من الأفضل لها ، أن تعلن العجز عن متابعة هذه الرقابة غير المجدية "" ..
فهل يمكننا القول الآن :
إن هذا اللقب (( مُدَوِّن )) ، قد صار لقبا شائعا ، ذا مدلول محدد ، يمكن لنا معه ، إضافته للألقاب السابقة الشائعة ، التي تلازمت وتطابقت مع أسماء الكثيرين ؟؟..
أم ما يزال الوقت مبكرا ؟؟..
ففي الألقاب الشائعة ، إذا ذكر فلان ، اقترن اسمُه بلقبٍ يخصُّه ويُوَصِّفُ عمَله أو مهنته أو الشهرة التي اشتهر بها ..
فمثلا : إذا ذكرنا اسم : محمد حسنين هيكل ..
تلازمت مع اسمه واقترنت به ، مهنة الصحافة .. فنقول : الصحفي محمد حسنين هيكل ..
وإذا ذكرنا نجيب محفوظ ، اقترن اسمه بالرواية العربية ، فنقول : الروائي نجيب محفوظ ..
وإذا ذكرنا يوسف شاهين ، اقترن اسمه بالإخراج ..
وإذا ذكرنا محمود درويش أو نزار قباني أو الجواهري أو سعيد عقل ، أو حافظ إبراهيم .. اقترنت أسماؤهم بالشعر ..
ولأن العمر الزمني الحقيقي للتدوين الإلكتروني ، أقل من عدد أصابع الكف الواحدة ، فلم يتمكن المدونون ـ عموما ـ من تسجيل حضورهم المعترَف به على الصعيد الإلكتروني ، على الأقل ، بعكس ما وصل إليه المنتمون للصحافة الإلكترونية ، الذين سبقوا ـ زمنيا ـ المدونين في هذا المجال ..
ولعل ثمة فارق هام بين الصحافة الإلكترونية ، والتدوين ، يعطي كلا منهما ميزات معينة ، ويرتب عليها التزامات وواجبات معينة أيضا ..
فالصحافة الإلكترونية ، تقوم على أسس قانونية معتمدة لدى جهات منحها الترخيص بمزاولة هذا النشاط الإلكتروني ، وفي عقد الترخيص قواعد وشروط يجب على المرَخص له الالتزام بها ، تحت طائلة المساءلة القانونية ، مع اختلاف في سقف هذه المسؤولية بين دولة وأخرى ..
وهذا العقد هو من أنواع العقود التي تسمى ـ قانونيا ـ عقود الإذعان ، بمعنى : يجب أن يوافق عليها طالب الترخيص جملة وتفصيلا ..
بينما الأمر مختلف تماما في عالم المدونات ، وإن كان ثمة مسؤولية خاصة يتحملها المدوِّنُ عما يكتب في مدونته من أفكار وآراء ..
وقد تمَلـَّصتْ إدارة المدونات من تبعاتها القانونية ، بالإعلان عن عدم مسؤوليتها عما يكتبه المدونون في مدوناتهم .. وإنْ طالبَتهم بالالتزام بسقوف محددة أحيانا ..
ولا بد من التنويه بالتجربة الإيلافية في مدوناتها ، وبتميزها عن مثيلاتها العربيات ، في خصوصية الانتماء لموقع صحفي واسع الانتشار ، واضح المعالم ، ذي كينونة هامة على صعيد الصحافة الإليكترونية ..
وثمة تساؤلات كثيرة ـ بهدف النقاش ، ليس إلا ـ يمكن أن تطرح عن دور المدونات بشكل عام ، والمدونات المرتبطة عضويا بمواقع متخصصة بالصحافة الإليكترونية " كإيلاف " مثلا ..
هل المدونات مستقلة عن الموقع المستضيف ، أم هي تابعة له ، بشكل أو بآخر ، وما نوع هذه التبعية ؟؟
ورغم أن لكليهما أدواته ومعاييره ، لكن هناك حدودا مشتركة ، ومسافة تفصل بينهما ، فما هو المشترك ، وأين يكمن ؟؟ وما حجم المسافة الفاصلة ، ولماذا ؟؟
هل المدونات مولود شرعي للموقع ، وما قدرة هذه العلاقة على الاستمرار وإنتاج كيان يتمتع باستقلاليته واسمه مستقبلا ، مثلا ؟؟
وما حدود العلاقة ومداها ، إذا بلغ المولود سن الرشد ؟؟
ثم ، ما هو تأثير الصحافة " الإليكترونية حصرا " ، على المدونات إذا كان هناك تأثير ؟؟
وهل هو أحادي ، أم متبادَل ؟؟
وهل ثمة وصاية ما ، من هذه الصحافة وكتـّابها ، مثلا ، أو من أصحاب المواقع ، على المدونين ومدوناتهم ؟؟ وما الغرض منها ؟؟ وإلى متى ؟؟
وما موقف المدونين من الشروط الإذعانية المسبقة والملزمة لهم ، التي تشترطها إدارة المدونات ـ عموما ـ قبل سماحها بممارسة التدوين ؟؟
في كل الأحوال .. هي تجربة تستحق التقدير والاحترام ، بمقدار التفاعل الحاصل ، والجدّية الواضحة ، والاستقطاب البارز ..
الثلاثاء ـ 18/01/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق