الاثنين، 31 يناير 2011

عاجل إلى المدونين المصريين نحن معكم ، وقلقون لغيابكم

عاجل : إلى المدونين المصريين : نحن معكم ، وقلقون لغيابكم

لقد غابت كتابات وأصوات كثير من الإخوة الأعزاء المدونين من مصر العربية ، في ظل ظروفها الصعبة ..

نرجو أن تكونوا بخير أولا ..

ونرجو أن تتكلل انتفاضتكم بالنصر على الطغيان والاستبداد .. ثانيا ..

ونأمل أن تزول الغمة عنكم وعن جميع أشقائنا العرب المصريين ، وأن يحفظ الله مصر وشعبها ذخرا للأمة العربية وشعبها ، وأن تعود مصر ، أمنا جميعا ، لتأخذ مكانتها الطبيعية في قلوب كل العرب ، وساما ناصعا على صدورنا .. ثالثا ..

وأن يكون سبب غيابكم عن صفحات التدوين ، هو عدم وجود خطوط الاتصال التي قطعها الفرعون كي " يقطـّع " عبثا ، أوصال الشعب المتحد ضده .. رابعا ..

نحن معكم بأفئدتنا ، وعقولنا ، وعواطفنا ، وأرواحنا ..

نصلي لله الواحد الأحد ، وندعو لكم بالنصر المؤزر ، وبالنهاية لكل المستبدين المتآمرين مع الأعداء ضد مصالح شعوبهم وأمتهم ..

عشتم أيها الإخوة الأعزاء ..

وعاشت مصر حرة عربية أبية ..

وعاش الشعب العربي في مصر وهو يزلزل الطغيان ، ويهزم طواغيته ..

وعاش نضالكم من أجل استرداد حريتكم وإرادتكم السليبة ..

بارك الله كل المنتفضين الثائرين ..

المجد لشهداء الانتفاضة على الظلم والاستبداد في كل مكان ..

الخزي والعار لأعداء الشعوب في كل مكان ..

تحيا مصر ..

الإثنين ـ 31/01/2011

رسالة إلى الشعب العربي في مصر

رسالة إلى الشعب العربي في مصر

احذروا أيها الأشقاء .. إن " اللا مبارك " يحاول أن يستعيد ويكرر تجربة سلفه السادات .. حين عيّن " محمد حسني مبارك " قائد سلاح الطيران وقتذاك نائبا له ، وهو الشخصية المقبولة أمريكيا ، والمرغوبة صهيونيا ، وكانت خطة مدروسة من السادات ليضمن استمرار نهجه في معاهدة " الاستسلام " كامب ديفيد ..

وها هو " اللا مبارك " ..

عين عمر سليمان نائبا له ، وهو الشخصية الأكثر مقبولية في الكيان الصهيوني ، لما عُرف عنه من حسن العلاقات بالقيادات الصهيونية ، وبالإمساك بملف المفاوضات " العباسية ـ الصهيونية " وبالتنسيق الدائم في كل ما يتعلق بذلك مع الإدارتين الصهيونية والأمريكية ..

وجاء بشخصية عسكرية أخرى " من تلاميذه الأشاوس النجباء " لتولي رئاسة الحكومة ..

وقد تمَّ هذان التعيينان بعد نصف ساعة من الحديث الهاتفي مع " أبو حسين أوباما " ، وبالتأكيد ، لم يكن الحديث بينهما عن أحوال ثقب الأوزون ، ولا عن أسعار الخضراوات ..

بل كان حول الخطوات المطلوبة من عميلهم " اللا مبارك " قبل رحيله ، ليبقى وفيا لمن تخلوا عنه حتى آخر رمق فيه .. ولتبقى المصالح الصهيونية في مصر " بأيدٍ أمينة موثوقة " صهيونيا وأمريكيا ..

يبدو أن كثيرا من عملاء الصهاينة وأمريكا ، أنهم لم يفهموا معنى أن يكون الواحد منهم أجيرا رخيصا لهم ، ولم يتعظ الواحد منهم ، من الذي " حلقوا له " قبله ..

فصدق القول " لا يتعلم المرء إلا من حسابه " ..

لم يتعظوا من شاه إيران ، ولا من " شين بن علي " ، ولن يتعظ مَن سيأتيه الدور بعد " اللا مبارك " من " اللا مبارك " ..

إن العملاء للعدو دوما كانوا رخيصين ، ودوما يُستغنى عن " خدماتهم " عند أول هبة ريح ..

فهنيئا لك أيها " اللا مبارك " بتخلي أسيادك عنك ..

ولئن تخلى أسياده الأمريكيون عنه ، فليس إلا ليدفعوا الحرج عن أنفسهم أمام شعبهم .. وليس لمناصرتهم حقوقنا ، أو الانتصار لإرادة شعبنا العربي ..

إن كل الأمة العربية لا تساوي عندهم مثقال ذرة من ظفر صهيوني واحد ، ولو كان " شاليط المشلوط " ..

وما مكائدهم بنا ، وتعدّيهم علينا ، وتأييدهم لجلادينا إلا من أجل الصهاينة ..

لكن .. لم يبق بيدهم حيلة يواجهون بها شعبهم إذا ما استمروا في تأييد عملائهم والتمسك بهم ، منعا لسواد وجههم أمام شعوبهم " الذي سيتهمهم بخيانة مبادئ الحرية " ، وليس إيمانا منهم بضرورة أننا نستحق أفضل من هذا " اللامبارك " مثلا ، أو بن علي ..

إنما يستمرون في الإيلاغ بعملائهم حتى يستنفدون كل طاقاتهم ، وتلفظهم شعوبهم ..

وقتها ، يمدون لهم لسان السخرية والاستهزاء والشماتة ، ويصبون لهم على قفاهم ماء باردا ، قائلين لهم بالفم الملآن :

ماذا نفعل لكم إذا كانت شعوبكم ترفضكم وتثور عليكم ، ولا تريدكم ؟؟!!

هيا ، ارحلوا إلى مزابل التاريخ .. خذوا ملياراتكم ، وغوروا من وجهنا ..

ودرب الصد ، ما ردّ ..

سنبحث عن غيركم .. وغيركم كثير ..

لا تظنوا أنكم أول عملائنا ، ولن تكونوا آخرهم ..

فحذار حذار ، أيها الشعب العربي في مصر ، من أمريكا والصهيونية وعملائهما ..

إنهم يخرجون من الباب ، ويعودون من الشباك بلبوس آخر ، وبهيئة أخرى ..

تمترسوا أيها الثائرون جيدا .. وصوّبوا جيدا ..

سدد الله خطاكم لما فيه مصلحتكم ومصلحة العرب جميعا ..

وكل انتفاضة وأنتم بألف خير ..

الإثنين ـ 31/01/2011

كرة الثلج الملتهب .. المصري

كرة الثلج الملتهب .. المصري

الثلج الملتهب ـ وليس الكرة ـ هو شعبٌ مصري الجنسية ، عروبي الانتماء ، وطني التوجه ..

واليوم يكتمل عقد الأيام السبعة لانتفاضة الشعب العربي في مصر ، وما يزال النظام المتهالك يشل في حنكه المشلول ، ويحاول استعادة زمام المبادرة عبر العديد من عمليات " التقبيح " القذرة ، بتعيين نائب له تارة ، وبتبديل صور الوزراء الممسوخين تارة أخرى .. لكن الشعب المصري اتخذ قراره الحاسم : برحيل رأس النظام وأزلامه وأتباعه ، غي وقت ما تزال فيه ردود الفعل الأمريكية والصهيونية تدرس خياراتها ، لعلها تلمع صور بعض أزلامه وتزجهم في الواجهة ، ليستكملوا مشوار الخيانة والعمالة لهم منذ أن وضع السادات 99% من أوراق " الحل " في أيديهم ..

أي منذ أن صادر السادات إرادة الشعب المصري والعربي باتفاقيات المهانة " كامب ديفيد " مع الصهاينة ..

وقبل أشهر ، وتحديدا ، في 19/04/2010 ،

كتبت مقالا ( منشورًا في المدونة ) ، بعنوان استنكاري : أم الدنيا .. أرملة ؟؟

ولأنه ليس ، ليس للدنيا سوى أمٍّ واحدة ..

فلا بد أن تكون : مصر .. هي مصر .. هي أم الدنيا ..

باتت كالأرملة في ثلاثين سنة من عهد " اللا حسني واللا مبارك " .. هذه الأرملة البائسة التي ما عادت تجد كفافها ..

فلا هي تأكل مما تزرع ، ولا هي تلبس مما تصنع .. ولا هي تركت الناس يأكلون من " خشاش الأرض " ..

وقد خمدت فيها جذوة الإبداع التي شعّت علينا طويلا ، بعطاءاتِ قامات كبيرة وطويلة ، وفي كل الميادين ، وعلى مدى قرن كامل من الزمان ، يبدأ ـ تقريبا ـ بالاحتلال البريطاني لمصر عام 1882 وينتهي مع خمول وتلاشي أثار إبداع ما تبقى من تلك القامات الطوال ، رويدا رويدا ، والذين كان آخرهم مثلا ، نجيب محفوظ حين كان بكامل وعيه الفكري ، وقبل " عودة الوعي " إليه ، والذي نال بموجبه " نوبل " الصهيونية ..

مرورا بثورات الشعب المصري المتعددة ضد الفرنسيين والبريطانيين ، وقيام ثورة 1952 ، وانتعاش الحركة الفكرية والثقافية والسياسية والفنية ، فكانت هذه المرحلة امتدادا وتعزيزا للعصر الذهبي للريادة المصرية الحديثة ، على كل تلك الصعد ..

ومع وفاة الرئيس جمال عبد الناصر ، وانتقال السلطة للسادات ، وبدء الدخول في العملية السياسية مع الصهاينة عبر أمريكا ، بدأ ذلك العصر يميل نحو الانحدار بشكل غير ملحوظ في البداية ، بسبب وجود قامات المرحلة الناصرية على قيد الحياة ، واستمرارهم بالعطاء والإبداع ..

لكن ، ومع فقداننا لهم واحدا تلو الآخر ، بدا الانحدار شديدا ، ولم نعد نرى قاماتٍ مصرية تملأ الفراغ الذي تركته القامات الراحلة ، مما زاد الأمر سوءا بعد مقتل السادات ، وبدأت مصر تعيش حياة " المرأة الأرملة " المتلطية خلف الصهاينة ، " والمساعدات الأمريكية " حتى بلغ حجم دَيَْنها العام 88 مليارا من الدولارات ، قافزًا من 11 مليارا حين استلم مبارك سدة " الخلافة من السادات " ، رغم ثمن الخيانة الذي تدفعه له أمريكا على شكل مساعدات ، بينما تدفع للصهاينة أضعافه ..

وها قد مضى عليها ثلاثون عاما من التبعية والسير عكس تيار الشعب ، رافض التطبيع والذلة والمهانة ..

أما آن لأطفال الأرملة أن يشبُّوا عن الطوق ؟؟!! ..

ثلاثون عاما من خيانة الشعب ، والعمالة لأمريكا والصهيونية ، ووحده يسوس البلاد والعباد بالحديد والنار ..

وحده القبطان .. وحوله مجموعة من السكرتاريين بأسماء كبيرة ، كرئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب وأمين حزبه ، والوزراء والآخرين .. هم مجرد سكرتارية له بأسماء منمقة لامعة ، توحي بالبريق الذي ساعده في خيانته وعمالته وضلاله ..

كانوا الديكور العفن القميء ، والبرستيج الفاقع ، والأجهزة الفاسدة ، والمناصب المفرغة من كل قيمة ومعنى ..

فالكل مجرد دمى ..

وهو وحده القبطان .. القبطان الأوحد .. الفرعون الضال ..

وها هو يمارس بقية " اللعبة الفرعونية " فيزور قيادة الجيش ، ويعين المحافظين ، ويستلم من الوزراء ـ الدُّمى " القسَمَ " على الاستمرار في الغِي والضلال ..

ألا يستحي هؤلاء المقسِمون بشرفٍ لا يملكونه ؟!

ألا يخجل هؤلاء المقسِمون " بالله " من أبنائهم وأحفادهم الثائرين ضدهم ، في كل مساحة الأرض المصرية ليل نهار ؟؟!!

أما زالوا راغبين في استملاك لقب " وزير ساقط " ؟؟!!

تبا لكم أيها العجزة ..

لن يرحمكم أبناؤكم وأحفادكم ..

ولن يغفر لكم التاريخ سقوطكم في مستنقع فرعونكم " اللا مبارك " ..

الإثنين ـ 31/01/2011

السبت، 29 يناير 2011

يحدث الآن في مصر .. فظاعات رجال الأمن

سألت صديقي المصري متعجبا :

أين رجال الأمن ؟؟ لماذا انسحبوا من الشوارع ؟؟ لماذا ترك الأمن تحت رحمة البلطجية واللصوص ؟؟

ضحك صديقي ساخرا ، وقال :

" دَه مبارك ياعم .. دَه مباااارك .. حيحرأها نيرون أبْل ما يمشي .. والا إيه ؟؟

اتسعت عيناي دهشة وأنا أسأله :

ـ ماذا تعني ؟؟

قال : " وسأعتذر من السادة القراء لإيرادي ، الحوار بلهجته العامية ، والتي نقلتها بأمانة قدر المستطاع " :

دول اللصوص والبلطجية هُمَّ فمعظمهم من رجّالات الأمن السري والخاص ، دول سحبوهم من ّ تأمين الأمن ، وكلفوهم بمهمة رسمية يهاجموا البيوت اللي غايب عنها رجّالتها وشبّانها المشاركين في المظاهرات ..

فلتوهم ، وكلفوهم يرَوّعوا الناس ويسرَقوهم ويغتصبوا حريمْهم ويعتدوا ع أموالهم وأرزاقهم .. دول فظيعين ، وبيفظعوا ..

يؤوموا إيه : يستنجدوا الناس بأولادهم ورجّالتهم عشان يجوا م المظاهرات ، ينسحبوا عشان يحموهم ويحموا بيوتهم وأولادهم من دول ولاد الزنوة ولاد الوسخة النتنين المعفنين ، بتوع الفرعون وابنه والحزب الوطني ..

وبذات الوأت يطلع مبارك يؤول :

أهه ، ما فيش متظاهرين ولا محتجين ولا حد في الشوارع ، والأمن مستتب وماحدش عايز أكتر من كده ..

دول ولادنا عايزين مننا شوية مَطالب .. وأهه احنا لبينالهم كلّ مطاليبهم .. وآدي سكتوا وانسحبوا .. وصلى الله وبارك .. " ..

" دِه خطة خبيثة لعينة .. ماكِرة ..

" وبدِه الطريأة يكون النظام أجهض الانتفاضة بأأل أدر ممكن م المواجهة المباشرة مع المنتفضين ف الشوارع ..

ولدَه السبب غاب الناس امبارح ف الليل عن ساحات القاهرة والإسكندرية بعد ما اتسعت دايرة إغارة رجّالات الزبالة ، الأمن السري ع البيوت والمحلات والأسواء ..

بعلامة ما المتظاهرين ف الإسكندرية ، أبضوا ع اتنين من دول ، متخفين بلباس مدني ، وبيهاجموا البيوت وبيروّعوا الناس ، عشان يفرضوا ع الشباب انسحابهم م الشارع .. ويرجعوا بيوتهم يحموها من اولاد الوسخة دول ..

صحيح أن التلفزيون المصري عرض رجّالات الجيش بيعتئلوا عدد م البلطجية زي ما آل ، بس دول ما بيشكلوش ولا حاجة هايفة م العدد الكبير لرجّالات الأمن اللي مسيبينهم بيروعوا البلاد والعباد ، جزاء خروجهم واحتجاجهم ع الفرعون النيروني الطاغية ..

ما ألت لك .. ده مبارك ياعم .. مابيستسلمش بسهولة ..

هيوريهم ابن ا.....

بس والله .. والله لنورّيه هو وزبانيته يوم ماشافوش زيه ..

ولا حيشوفوا ..

بس اصبر شوية علينا ..

إحنا ألنالو إرحل .. لو ما رحلش ، مش هنسكتلو أبدا ، ومش هنرضى لا بسليمان ولا بعنان .. ما دول بتوعو زيه وأبشع .. أبدا مش هنرضى ..

الأحد ـ 30/01/2011

الثلم الأعوج من مبارك

الثلم الأعوج من مبارك

في النظام السياسي العربي عموما ، لا يوجد حدود فاصلة بين السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية ، بل تتداخل وتتماهى ..

ومع مرور الوقت الطويل ، تختلط الاختصاصات والصلاحيات ، وتتحول ممارسة السلطة ، من واجب وطني ومهمة وأمانة ، إلى ممارسة " بحكم العادة " ، بدل أن تكون " بحكم الضرورة " ، وشتان بين هاتين الممارستين ، لما ينتج عن كل منهما من نتائج ذات أبعاد وتأثير كبير على صعيد الحياة الوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للبلاد ومواطنيها ..

فالرئيس ، وبحكم النصوص الدستورية ، هو رأس السلطة التنفيذية ، وهو القائد الأعلى للجيش ، وهو المسؤول عن عمل كافة السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية وما يرتبط بها من أجهزة ، وتناغمها بما يؤدي إلى تسيير أمور المواطنين والسهر على حفظ حقوقهم ، وتأمين متطلبات العيش ، وتوفير كافة الخدمات الضرورية لهم من خلال عمل الوزارات وبقية الجهات العامة ..

وتتمركز بيد الرئيس كثير من الصلاحيات الأخرى المنوطة بالأجهزة الحكومية ، إلا أن رؤساء تلك الأجهزة غالبا ما لا يستطيعون اتخاذ أي قرار أو إجراء هام يتعلق بمؤسستهم دون الرجوع إلى رأس الدولة ..

وهذا يعني أن السلطة كلها تتمركز في يد واحدة ، مما يعرقل حسن سير الأمور الإدارية والاقتصادية والسياسية ، ويشلها إذا لم يوقفها ..

وفي هذه الحال ، تصبح ممارسة السلطة " بحكم العادة " ، وهي أشبه بالارتجالية التي لا تخضع لا لقانون ولا لتشريع ، بل يتم تسيير السلطة أوتوماتيكيا ، فلا تـَلحَظ السلطة التغيرات التي تصيب المجتمع ، ولا تشعر بتأثيراتها وحاجاتها ، ولا تدرك مَواطن الخلل الحقيقية التي تنتج عن تلك الممارسة ، فتتفاعل وتتراكم تلك التغيرات ، حتى تغدو انعكاساتها على المواطنين شديدة التأثير السلبي ..

ومع الوقت ، تلتهب الجروح التي كانت سطحية في جسد المجتمع ، وتتقيح ، ويشتد الألم ، فتصير عصية على المُسَكنات والمُطهرات والمراهم وكل أنواع العلاجات التقليدية ، بل ، قد تزيدها التهابا إلى حد الانفجار ..

ولأن الألم لا يطيقه إلا المجانين ، فليس كل الشعب كذلك .. ومن هنا تبدأ نقطة الصفر ..

وهذا هو سبب ما آلت إليه الأمور في كل من تونس ومصر ، وربما يتعمم الأمر على اليمن مثلا ، والجزائر ..

ورغم أنها ليست بلادًا قليلة الموارد الطبيعية ، أو نادرة كالأردن ..

أما السلطة التي تمارَس " بحكم الضرورة " ، فهي السلطة المتابعة والدؤوبة التي تسهر على رعاية مصالح واهتمامات مواطنيها عن قرب ، ومن خلال التماس المباشر معها ، في كل الأماكن ، وفي كل الأوقات ..

فتراقب التطور الاجتماعي للنسيج الوطني كاملا ، باهتمام ووعي منها لدورها القيادي المسؤول ، وتتحسس حاجات مواطنيها ومتطلباتهم ، وتسارع إلى تلبيتها ، مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ، تحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة الاجتماعية ، وأن تكون السلطة القضائية صمام أمان المجتمع ، يلجأ إليه المتضررون لاستعادة حقوقهم ممن اعتدى عليها ، أيا يكن موقعه أو مرتبته ..

وأن يكون هناك توازن مقبول بين الدخل الفردي والنفقة الضرورية لحياة كريمة ..

ومع اختلاف الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في تلك البلدان ، إلا أنها تشترك فيما بينها في سمات السلطة السياسية التي تحولت إلى ممارسة من النوع الأول " بحكم العادة " ..

من هنا ، فإن الحديث التالي ، قد لا ينطبق على كل منها تماما ، لكن العموميات واحدة ، وإن كان ثمة خصوصية لهذا البلد أو ذاك ، ينفرد بها بعض الشيء عن غيره ..

حين استلم هؤلاء المسؤولون السلطة في بلدانهم ، أقبلوا عليها باندفاع ، واعتلوها وهم راغبون بها رغبة شديدة ، ساعون إليها سعيا حثيثا ، يحملهم شوقهم إليها على أجنحة الخيال ..

فأمسكوا بها إمساك الغريق برقبة منقذه ..

فتربّعوا .. وأطلقوا وعودا بالتطوير والإنعاش وتلبية حاجات المواطنين .. وعملوا بدأب لتوطيد أركان سلطانهم على الجيش والأمن والأحزاب والسلطات ، فتسلق عليهم الكثيرون من المنتفعين والمرتزقة والمطبلين والمزمرين تحت مسميات مختلفة كمستشارين وأعوان ، فحجبوا عن رؤسائهم مدى الرؤية الضروري لمتابعة الحياة العامة للبلاد ، فتقوقعوا ، وانشغلوا بتكتيكات داخلية أو خارجية تضمن لهم نفوذا طويل الأجل ، وتخففوا من بعض أعبائهم ومسؤولياتهم المباشرة لفريق ممن حولهم ، على أساس أنهم أكبر من أن ينشغلوا بصغائر الأمور ، وأنهم متفرغون للقضايا " الوطنية والمصيرية " الكبرى ..

في الوقت الذي لا يُسمح للسلطات الأخرى أن تمارس دورها الفعلي ، نظرا للمركزية وانعدام المبادرة الذاتية التي قد ترتب عليهم المساءلة ، من جهة ، ولوصاية بعض هؤلاء المستشارين على المراكز الحساسة ، بذرائع مختلفة ، تقمع بها مَن لا يسير وفق مصالحهم ، كونهم مقربين من مركز سلطة القرار ، من جهة ثانية ..

فكل العاملين تحت سلطته المباشرة ، هم مجرد موظفين يمارسون أدوارا مرسومة لهم ، فلا يجب عليهم تطويرها ولا إطلاق المجال لإبداعات تخفف الأعباء عن المواطنين ، بمقدار ما يكون العكس هو المطلوب ضمنا ..

وأحيانا كثيرة تنعدم الحافزية الشخصية عند هؤلاء خوفا من ردة الفعل التي قد تطيح بهم وبمصالحهم التي استفادوها من قربهم للنظام ..

فلا رئيس الوزارة رئيسها بحق ، ولا الوزير وزير في وزارته بحق ، ولا أي مسؤول ، مسؤول أمام سلطة حقيقية تحاسبه ، مع انتشار المحسوبيات والتدخلات من الأجهزة المتعددة والأحزاب الحاكمة والشخصيات المتنفذة ..

ومع الوقت ، تتكدس كل السلطات بيد الرئيس ، أو بمن يفوّضه بشيء منها ، كأن يكون " ابنه " مثلا ، أو صهره ، فيلجأ هؤلاء المفوضون إلى فرض نوع من الشراكة هي أقرب إلى التقاسم " المجاني " للثروات الشخصية التي يملكها كبار التجار والملاكين ، تحت طائلة أنواع من الضغوط التي يجدون أنفسهم منصاعين لها ، خوفا على ثرواتهم ، وإلا ...

فيصبح المفوَّضون شركاء في امتلاك الثروات الكبرى على مساحة كبار الملاك والتجار وأصحاب الشركات والمستثمرين وغيرهم ، على حساب تراجع حاد في مستوى الدخل الفردي الضروري لحياة الناس ..

وذلك كله ، في ظل حماية كاملة من النظام ، ورجاله الأخطبوطيين ، الذين لا يقصرون أيضا في ترتيب أوضاعهم ، والهبش من جثة الوطن ، بما يكفل لهم تكدس أرصدة هامة تؤمن لهم مستقبل عائلاتهم لثلاثين جيلا قادما ..

ومع تزايد الهوّة بين أبناء المجتمع ، وتفشي الفساد بكل أشكاله ، وأنواعه ومستوياته ، ينفرز المجتمع إلى طبقتين :

ـ طبقة تملك كل شيء ، وتحكم ، وهي لا تشكل سوى نسبة ضئيلة جدا من أبناء المجتمع ..

ـ بينما تتكوّن الغالبية الكبرى من الطبقة المسحوقة التي لا تجد كفافها اليومي ، وهي قلقة على مستقبلها ومستقبل أبنائها ، غير آمنة على نفسها من شر التسلط والفساد والمحسوبيات ، في ظل تراجع مستوى الخدمات الضرورية العامة ، كالطبابة والتعليم ، مترافقة مع جباية ضريبية جائرة ، وغلاء فاحش لأسعار السلع الغذائية والدوائية ، والعقارات ومواد البناء وغير ذلك ..

فكيف لا ينفجر الشعب في الشوارع التي ليس له ، حتى ، حق المشي فوقها بحرّية ؟؟!!

كيف لا تندفع الجموع غير آبهة بالرصاص الحي وبالدبابات ؟؟!!

كيف لا يحطم الجائع واجهة محل ليأخذ منه ما يأكله ؟؟!!

" أنا لا أعلل ولا أسوِّغ مظاهر التخريب المُدانة بكل أشكالها ، والتي يستغلها بعض الرّعاع ، لكن أيضا ، يوجد من يفعل ذلك لأنه جائع أو مريض أو محتاج ، ولم تؤمن له حكومته ما يسد به رمقه " ..

كيف لا يخرج الناس وقد رأوا بأم أعينهم كيف تم تزوير الانتخابات النيابية ، فصودرت حقوقهم ، وأحسوا بطعم المهانة ؟؟!!

كيف لا يخرج الناس محتجين على الفرز الطبقي الهائل ، وعلى الغلاء وعلى عدم تأمين رغيف الخبز ؟؟!!

إذن .. ما حاجة الشعب لكل هذه السلطة وهي عاجزة عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة له ؟؟!!

كيف لا يتظاهر الشعب وهو يرى حكامه يعادون الأمة العربية كلها ، ويتآمرون مع الأعداء ضد الأشقاء ، ويفرطون بأمنهم الوطني والقومي لصالح الصهاينة وأسيادهم ؟؟!!

كيف لا يفقد الناس عقولهم ، وهم يرون الحصار الظالم والجائر واللاإنساني الذي يفرضه النظام المصري على أشقائهم في غزة ، بينما يفرش السجاد الأحمر لقاتليه وجلاديه من الصهاينة ؟؟!!

كيف لا يخرجون وهناك ملايين العاطلين عن العمل والجائعين والمشردين في العشوائيات تحت أقسى الظروف التي لا يحتملها إنسان ؟؟

وكيف ؟؟ وكيف ؟؟ وكيف ؟؟

كثيرة هي الأسئلة التي لا يجد الشعب المكبوت جوابا لها ، فيخرج قافزا على كل الخوف والرعب والإرهاب السلطوي ، ولو فقد حياته ، كي يُسقِط تلك الرموز العميلة المتسلطة العاجزة عن تحقيق أي شيء لصالحه ، والقادرة على تحقيق كل شيء لصالح أعدائه ..

تحية للشعب العربي التونسي ، صانع ثورة الياسمين ..

تحية للشعب العربي المصري ، صانع المعجزات ، في أيام غضبه التي لم يحسب لها النظام ولا حلفاؤه ولا أزلامه حسابا ..

لقد جاء يوم الحساب ، وبأسرع وأشد مما تصوره النظامان ..

وكما استهان السادات بالشعب ، نافيا إمكانية أن يثأر منه " أولاده " جرّاء خيانته لهم ، فنال جزاء سوء عمله ، جاء اليوم الذي يدفع فيه فرعون مصر ثمن ولوغه في خيانة المصالح الوطنية والقومية للأمة العربية والشعب العربي ..

السبت ـ 29/01/2011

الجمعة، 28 يناير 2011

في جدة متسع لمبارك .. لا تخافوا

" لكن ، عليكم أيها اللائذون ، أن تتعجلوا الوصول إلى جوار بن علي ، قبل أن تنفد الأماكن " ..

ويبدو أن الخطوط الهاتفية الساخنة ، نشطة جدا الآن ، ومشغولة مع القيادة السعودية ، من عدة عواصم عربية ، يتدارسون ظروف ومرحلة ما بعد فرارهم القريب من غضب شعوبهم .. ولجوئهم إلى المملكة " الشقيقة " ..

وإن كان الخط الساخن مع شرم الشيخ أكثرها إلحاحا وطلبا للحديث للضرورات القصوى ..

فمن حسن الحظ أن " شرم الشيخ " ، "عاصمة مبارك " ، ليست بعيدة عن " مدينة جدة " ، ولا يختلف جوها عنها ، كونهما متشاطئتين على بحر واحد ، وإن كانت السيول فيها كثيرة وأمطارها غزيرة تجرف الحجر والبشر .. لكنها لا تملك قلبا قاسيا لتجرف هؤلاء المذعورين اللائذين بها ..

ثم إن ذلك يتنافى مع قواعد الضيافة الأصيلة ..

فقد سنت المملكة سنة " طيبة " باستضافتها ( شين العابدين بن علي ) ، فأخبر زملاءه من الرؤساء الراغبين بضيافة مشابهة له على ضفاف البحر الأحمر ..

وحدثهم عن طيب الإقامة والمعشر ، وكأنه في بلده تماما ..

فتهافتت الطلبات عبر الخطوط الساخنة ، يخطبون ودّ المملكة ، ويكيلون لها كثيرا من المديح ، المغلف بذريعة :

" أنهم يطمئنون على صحة جلالة الملك .. ويرجون له دوام الصحة والتوفيق " ، ليأمر باستضافتهم ، بشهامته المعهودة وكرمه العربي الأصيل ، عندما تدور الدائرة عليهم في الأيام القليلة القادمة ..

والظاهر أن طالبي اللجوء إليها من الرؤساء العرب المنتظرين على صفيح ساخن ، سيزداد في الأيام القليلة القادمة ، ويبدو أن " مبارك " النظام المصري سيكون الأسرع في طلب اللجوء ..

ومن سيكون التالي فالتالي ؟؟

الله تعالى أعلم ..

فيا أيها الرؤساء المحترمون المهرولون الهاربون المنهزمون الفارون :

لا تخافوا .. ولا تحزنوا .. ولا تقنطوا ..

ستجدون ، في المملكة رحابة أرض وصدر ، تستقبلون بهما فتحلون أهلا ، وتطؤون سهلا ....

ولن يصيبكم ضيم ولا ضرر من هؤلاء الذين ثاروا ضدكم هناك وراء البحر .. وعرّضوا " إنجازاتكم الكبرى " للخطر ، وجعلوكم تبحثون عن مأوى قبل أن تطير بكم الطائرة ، كي لا تقعوا بما وقع فيه زميلكم الذي التحق بمنفاه قبلكم ..

إذ لولا تعطف المملكة عليه ، لنفد كيروسين طائرته ، وسقطت ..

لكن ، يجب أن تحتاطوا مقدما لأمر كهذا ..

وأظنكم حريصين عليه تماما ، فحياتكم ثمينة جدا ، وهي ليست كحياة أولئك الذين يحرقون أنفسهم ، أو يرمون بأجسادهم في طريق رصاص رجالكم ..

فهؤلاء ليس لديهم ما يخسرونه وحياتهم أو موتهم سواء ..

وبعد أن تصلوا إلى جدة ، إن شاء الله سالمين غانمين ، أنتم وما تحملون معكم مما خفّ وغلا ، " فالبنوك ليست آمنة " بعد ما جرى مع زميلكم الهارب قبلكم ..

ويجب أن تكونوا قد حفظتم الدرس منه جيدا ، وأن لا تقعوا فيما وقع فيه ، " فالمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين " ..

وبوصولكم ، تصيرون في أمان من هؤلاء " الرعاع " الذين لا يستحقون رئاستكم لهم طيلة هذه السنين الرائعة التي اختاركم الله تعالى لقيادتها ..

وهنا ، أعني في جدة ، ستكونون بخير وعافية ، ما دمتم لا تتعاطون ما ينافي آداب الضيافة ، وضروراتها ..

ولا تخافوا أيها السادة الرؤساء .. فلن يتأخر شقيقكم وزميلكم بن علي عن استقبالكم وتسليتكم وتمسيح دموعكم و ....

وقد سبقكم في التجربة ، ويمكنكم الاستفادة من هذه الخبرة " الشائقة " ..

أخيرا :

نتمنى من المملكة المضيافة ، أن تتخذ كل الإجراءات المناسبة لاستقبالكم ، وأن تكون على استعداد لاستقبال المزيد من زملائكم في الأيام القليلة القادمة ، من اليمن مثلا ، ومن ليبيا ..

وعهدنا بالمملكة أنها دوما لا تتأخر عن نجدة شقيق ملهوف مثلكم ..

نرجو لكم " طيب الإقامة " هناك ..

والسلام ختام ..

الجمعة ـ 28/01/2011

من حق أمريكا والصهاينة أن يقلقوا


ففي غضون أيام قليلة ، تتهاوى أركان عملائهم واحدا تلو الآخر ، وهم يرون سقوط جلاوذتهم ، الذين استعانت بهم بطشا وإرهابا وقمعا ، على أماني وطموحات شعوبهم ، فكانوا حراسا أمينين لأسيادهم ، أوفياء لأوليائهم ..

لذا ، فإن من حق أمريكا والصهاينة أن يقلقوا ..

فقط سقط " الرخ " التونسي ، وهام على وجهه طريدا فارا هاربا ..

وها هو " الفرعون المصري " يترنح ويلفظ أنفاسه الأخيرة ، وهو الآن يحجز مكانا له في منتجع " بن علي " الخاص بالرؤساء العرب المطرودين المهزومين الهاربين من غضب شعوبهم ..

وقبله سقط مشروع فتنة أعدوا له في لبنان ، فسقط الحريري بشرِّ ما أضمرَ وخطط ونفذ ضد الشعب اللبناني ومقاومته .. وهو الآن يعاني سكرات السلطة التي تكاد تخنقه ..

وقيل قديما : " مأرب بالجرذ لقد سقطت " ، فكيف سيسقط جلادها اليوم ؟؟

وإن كنا نتفاءل بسقوط كل الأنظمة العربية المتحالفة مع أمريكا ، والمتواطئة مع الصهاينة ، فإننا ندعو الشعب العربي في كل مكان ، إلى تضييق الخناق حول جلاديه الخونة له ، لإسقاطهم ، واستعادة زمام المبادرة في المنطقة العربية ، بما يكفل التصدي لخطر الصهاينة ، واسترجاع حقوق الشعب العربي الفلسطيني الذي أهدرتها سلطة عباس والداعمين له ، فما هم إلا مجرد أشخاص مأجورين عملاء ، استسلموا للعدو ، وتنازلوا مجانا للعدو عن حقوق شعبهم التي لا يملكونها ..

لقد تبين أن العالم كله قلق مما يجري في مصر ..

فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية أنها ستلقي بيانا حول الأوضاع في مصر ..

وكذلك سيفعل رئيس الوزراء البريطاني ..

فكل من كان منتفعا من الموقف الهزيل للفرعون المصري ، الذي لم يتهاون في التنازل أيضا عن حقوق الشعب المصري تجاه عدوه الصهيوني ، يستحق مصير بن علي ..

وها هي مكاتب المقر الرئيسي للحزب الوطني تحترق في القاهرة بعد المنصورة ودمياط والسويس ..

والأمن المركزي ينسحب من الساحات والشوارع ويخلي مواقعه تحت ضغط المواطنين الغاضبين من فرعونها ..

وما زالت أمريكا تعول على تحالفها مع الفرعون ..

لكن إلى متى ؟؟

الجمعة ـ 28/01/2011

من أجل مَن انتحر الحريري حرقا

من أجل مَن انتحر الحريري حرقا ؟؟

1 ـ

من السابق لأوانه الحكم على التجربة الحريرية الثانية في الحكم ، وإن كانت المرحلة التي أمضاها سعد الحريري رئيسا لحكومة وحدة وطنية ، لم يستطع أن يؤدي المهمة الموكلة إليه ، ولو بنسبة بسيطة ، كونه استلم السلطة لأنه وريث أبيه في الجاه والمال .. والطائفة .. والعمل السياسي ..

لكن الفرق كبير جدا بين الحريري الأول وخليفته ، كون الأول تمرّس في الحياة العملية قبل السياسية ، وأمضى سنوات طويلة في العمل والاستثمار حتى بنى إمبراطوريته الاقتصادية التي أهلته ليكون زعيما سياسيا في لبنان ، وعلى مدى السنوات التي تلت سيادة دستور الطائف ، وبرعاية مباشرة من سوريا والسعودية ..

أما الحريري الوريث ، فقد دخل المعترك السياسي وهو لا يعرف ألف باءه ..

لكن ، ولأنه لا بد من وريث ، فوضته العائلة الحريرية فوضته ليحل محل والده في العمل السياسي ، فصار نائبا ، ورئيسا لكتلة المستقبل ، أو " لبنان أولا " ، وقال " ما مننسى والسما زرقا " في إشارة منه أنه لن ينسى ثأره من سورية " التي قتلت والده " ، مهما كلفه ذلك ، انسجاما مع تحالفاته المشبوهة مع بوش وشيراك ، اللذين كانا يكيدان لسورية ، وكل له حساباته ومصالحه ومواقفه فيها منها ..

وبعد انتخابات نيابية ، استثمر فيها الحريري دم والده خير استثمار ، وبدعم أمريكي فرنسي صهيوني ، وبضخ الملايين من الدولارات لشراء الأصوات ، فاز تكتله بالأغلبية النيابية ، وصار رئيسا للوزراء ..

وهنا كانت بداية المشكلة ، وليس نهايتها ..

حيث بدأت توجهات ما يسمى " بالمجتمع الدولي " لتوجيه الاتهام بقتل الحريري لحزب الله واستبعاد التهمة عن سورية ، بعد فشل سياسة عزل سورية ، وبعد فشل العدوان الصهيوني الأمريكي على لبنان للقضاء على حزب الله ..

كما فشلت محاولات تشويه صورة الحزب لبنانيا ووطنيا وعربيا وإسلاميا ، فصار العمل على " محاصرته لخنقه بأنشوطة " المحكمة الدولية " ..

وبدون الدخول في التفاصيل التي كتب فيها وعنها الكثير جدا ، دبَّ الخلاف في أركان " حكومة الوحدة الوطنية " التي يرأسها الحريري ، بعد أن تسرب وشاع خبر اتهام المحكمة الدولية لعناصر من حزب الله بارتكاب جريمة قتل الحريري .. وتفاعلت قضية شهود الزور ، خاصة بعد اعتراف الحريري " بوجود شهود الزور " فانقسم لبنان شاقوليا ، وبدأ السجال ، وتدخلت سورية والسعودية لرأب الصدع ، لكن أمريكا لم تكن تسمح للبنان أن يتوحد أمام ربيبتها الصهيونية ، وأن تنجو رقبة حزب الله من مشنقة المحكمة الدولية ،إذ جاهدت أمريكا وحلفاؤها كثيرا للحصول على حكم بإعدام حزب الله ، ثأرا من مواقفه ضد الصهيونية والمشاريع الأمريكية في لبنان والمنطقة ..

وكادت المبادرة السورية السعودية تصل إلى الحل باتفاق الفريقين ، وبدا أن الحريري منسجم معها ، لكنه فجأة يعلن من واشنطن ارتداده عن كل ذلك ، وتنكر للمبادرة التي عاش اللبنانيون على أمل قطف ثمارها لصالح وئام لبنان وأمنه واستقراره ، الأمر الذي استقال من أجله وزراء المعارضة من حكومة الوحدة الوطنية " الحريرية " ، فسقطت الحكومة دستوريا بفقدانها الثلث زائدا واحدا من وزرائها ، وكانت سابقة في تاريخ حكومات لبنان منذ الاستقلال ، وسقط معها الحريري سقوطا مميزا ، لم يحظ به أحد من قبله ، وربما من بعده ..

ومن جديد ، بدأ السجال بالصوت العالي .. وبالنبرة المتوترة التي هدّدَت لبنان بجحيم حرب أهلية ، بعد أن أصدر رئيس الجمهورية مرسوم اعتبار الحكومة مستقيلة لفقدانها أكثر من ثلث أعضائها ، ودعا لاستشارات نيابية ، يرشح النواب فيها مرشحا لتشكيل حكومة جديدة ..

ومرة أخرى ، لم تبق عاصمة كبرى ولا صغرى ، دولية وإقليمية ، إلا وأدلت بدلوها ، تأييدا لعودة الحريري ، مما اضطر الرئيس اللبناني لتأجيل موعد الاستشارات أسبوعا آخر ، لإعطاء فرصة لكلا الطرفين ، عبر مسعى سوري قطري تركي ، لم يؤد إلى نتيجة .. وزاد الطين بلة ، إعلان سعود الفيصل أثناء وجود الوزيرين القطري والتركي في بيروت ، انسحاب بلاده من مسعاها " الوئامي " في لبنان ..

وعشية الاستشارات ، خرج الحريري على الشاشة الصغيرة ، معلنا سيره حتى النهاية " باللعبة الديمقراطية " والاحتكام للدستور ، وبعدم الانجرار إلى الشارع ، على الرغم من أن المعارضة اغتالته سياسيا ـ كما زعم ـ واستجدى حلفاءه ونوابه ، كي يسترد الأغلبية التي تؤهله لترؤس حكومة ثانية ..

لكن أغلبية 68 نائبا خذلت الحريري ، " كما خذله حلفاؤه " حسب قوله ، وحُسِمَ الأمرَ لصالح السيد نجيب ميقاتي ، فكلفه الرئيس تشكيل الحكومة " العتيدة " ..

وفورا ، وكأن كلام الحريري قبل يومين ، ذهب أدراج الرياح ، هبَّ أنصاره في بيروت وطرابلس وغيرها ، يمارسون ، تماما ، عكسَ ما قاله زعيمهم عشية الاستشارات ، ففعلوا ما فعلوا ، وأحرقوا ودمروا مكاتب معارضيهم ، وهاجموا رجال الجيش وآلياته ، وحطموا كاميرات الصحفيين والإعلاميين ، وأحرقوا سيارة بث قناة الجزيرة ، وبدوا كجماعات قطاع الطرق ، ولو وجد هؤلاء في طريق هيجانهم وغوغائيتهم أيَّ فرد من أفراد المعارضة ، لوقع المحذور الذي لن يبقي ولن يذر ..

وفي أثناء تلك الهمجية ، كان بعض قيادييه ينفخون بنار الفتنة المذهبية من طرابلس ، صابّين الزيت على النار المتأججة في الشوارع والساحات ، في صورة لا تختلف عن مشاهد زلزلالية مدمرة ..

رأى الحريري هول ما يفعله أنصاره ، وسمع مقولاتهم ، فأدرك ـ وهذه نحسبها له ـ أن الفتنة باتت " قاب قوسين أو أدنى " ، ولم يكن راغبا أن تكون الشرارة من متحازبيه وأزلامه ، فسارع للظهور على شاشة التلفاز بعينين متورمتين منهكتين ، ووجه ممتقع مرهق ، يعلن استنكاره وأسفه لما فعله أنصاره ، ويطلب منهم التوقف ، " وليس الخروج من الشارع " ، ويجدد رغبته بالاحتكام للدستور ولشروط اللعبة السياسية " الديمقراطية " في لبنان ، بدل الاحتكام إلى الشارع ..

2 ـ

أعتقد أن ذلك ، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ، وأسقطت ورقة التوت الأخيرة عن عورته السياسية ، ولن ينسى اللبنانيون هذه الفظاعة التي تؤكد أن شعار الحريري هو :

أنا ومن بعدي الطوفان ..

وفي مقال سابق لنا ، قلنا : إن الحريري أمام مفترق مفصلي في حياته السياسية ..

فإذا اختار أن يبقى زعيما في لبنان ، وفي طائفته ، وأن يستمر في ترؤس حكوماته ، فيجب أن يرفض مضمون القرار الاتهامي للمحكمة الدولية ، ويعلن صراحة تبرؤه منه ومن مفاعيله على الساحة اللبنانية عموما ، وعلى صعيد حزب الله بشكل خاص ..

وإذا اختار وضع حد لحياته السياسية في لبنان ، فسيختار عكس ذلك ..

وها هو قد اختار ما اختاره ، لنفسه وتياره وزعامته وثأره ..

فهل يكون بذلك قد اغتيل ، أم انتحر ؟؟!!

والظاهر ـ من خلال هيجان أنصاره ـ أنه انتحر حرقا بالنار التي أججوها في طرابلس وفي غيرها من الأماكن اللبنانية ، على المساحة التي تمتد إليها أطرافه ..

ساعده في ذلك وجود " حلفاء مخلصين له يمحضونه صادق مشورتهم " .. وعليه ألا يبحث عن أعداء له خارج الدوائر الضيقة المحيطة به ، منذ أن جلبوا وصنعوا له شهود الزور ، وفبركوهم ، وسايرهم في جلساته كمنقذين له باتهامهم سوريا و" أزلامها " في لبنان ..

أين ذهب كل ذلك الحقد الذي شاهدناه ينضح من كلام الحريري وأزلامه وشهود الزور ، على قناة الجديد تجاه سوريا " التي اغتالت والده ؟؟

وكيف ، ولماذا ، حرفوا دفة الاتهام عن سورية ، ووجهوها نحو حزب الله ؟؟

ومن هو الرابح من ذلك ، ومن هو الخاسر الأكبر ؟؟

الجمعة _ 28/01/2011

الأربعاء، 26 يناير 2011

العلـَّة والمعلول في اللعبة السياسية اللبنانية

العلـَّة والمعلول في اللعبة السياسية اللبنانية

ربما ، ليس قريبا ذلك الزمن الذي سيصل فيه اللبنانيون إلى درجة من الأهلية والكفاءة ، تمكنهم من لعب المباريات السياسية لعبا نظيفا ، خاليا من الخشونة المتعمدة ، وتكون الروح الرياضية الحقيقية هي السائدة ..

وليس قريبا أن نجد في الملعب السياسي اللبناني ، فريقين متباريين ، من ذوي الأداء الماهر والمتميز والفني ، دون أن نجد عند كل واحد منهم ما يشبه " العاهة " في مكان ما من جسده ، تعيقه عن أن يكون لاعبا تنطبق عليه " المواصفات العالمية " وشروط " الإيزو " كعلامة للجودة " الفائقة " ..

وليس قريبا ذلك الزمن الذي سيلعب فيه اللبنانيون مبارياتهم السياسية ، " على الطريقة الليبية القذافية " ، فيختلط الجميع في ساحة الملعب ، الجمهور واللاعبون وآلاف الكرات المتنوعة والأدوات الرياضية " المحضة " ، المناسبة لجميع أنواع الرياضات البدنية منذ الولادة وحتى الممات المؤكد ..

وليس قريبا أن يتمكن اللبنانيون من لعب مبارياتهم السياسية ، بدون حكام دوليين ، ولا مراقبين دوليين ، ولا مشجعين دوليين ، ولا محرضين دوليين ، ولا موجهين دوليين ، ولا أوصياء دوليين ، ولا شركاء دوليين ..

وليس قريبا ذلك الزمن الذي سيكون فيه اللبنانيون قادرين على الاستغناء عن " خدمات الغير " المشكورة جدا ، وعن " نصائح وإرشادات وتمنيات" ، " الدوائر الإقليمية والدولية " الصغرى والكبرى والمتوسطة ، وعن تدخل كل مراكز التدخل السريع والبطيء ، ومراكز الدراسات والاستشارات الاستراتيجية والفهلوية ، التي تصب كلها في خانة احترام " سيادة لبنان وحريته واستقلاله " ..

وليس قريبا ذلك الزمن الذي سيتوقف فيه بعض اللبنانيين عن الارتهان مع أطراف دولية ، ضد مصالحه ، لأن ذلك هو أحد الأسباب الرئيسة في العلل الكثيرة المزمنة ، التي يشكو لبنان منها ..

وليس قريبا أن نجد اللاعبين السياسيين منضبطين مع الإيقاع الموسيقى لمعزوفات النشيد الوطني ، وترانيم الوصلات الغنائية الفردية والأوبرالية ، فيما يتعلق بالشؤون القانونية والدستورية التي كفلتها دساتيرهم ، وتطالبهم بالانصياع لها واحترامها والعمل بموجبها .. كل بمقدار مسؤوليته الوطنية ، وحجمه الوطني ، وأبعاد أطرافه المترامية على بوابات العواصم والقصور وشواطئ العراة ..

فهم الذين توافقوا على دستورهم الأول بعد الاستقلال ، والثاني في " الطائف " ، وهم الذين يختلفون في كل شيء فيهما ..

فيختلفون في قراءتهما ، وفهمهما ، وتعليلهما ، وتفسيرهما ، وتطبيقهما ، وفي كل الأوقات والظروف ..

وهم الذين يبحثون هنا وهناك عن منافذ للهروب من تحت السيطرة القانونية أو الدستورية أو الأخلاقية أحيانا ..

وليس قريبا أبدا .. ذلك الزمن الذي يتلاقى فيه اللبنانيون على موقف سواء ، وكلمة سواء ، ولعبة سياسية سواء ، وعلى " رَواء "..

وليس قريبا ذلك الزمن الذي يكف فيه بعض اللبنانيين عن انتهاج سياسة " الارتزاق " التي تتطلب منهم بيع كل شيء ، حتى الشعب والوطن والأرض ، في سبيل المال القذر ..

لكنه ، وربما ، ليس بعيدا جدا جدا :

أن يتعالى اللبنانيون فوق الجراح ، وينضوون تحت ضغوط معينة ، يحتمها مستقبلهم ووحدة كيانهم ، للسير باللعبة السياسية ، بطريقة آدمية ، حضارية ، تتآلف فيها كل ألوان طيفهم ، ونسيجهم ، وتكوينهم ، ليكون لبنان ، وقتها ، لبنانا حقيقا ، بشرتنا به قبل سنوات طويلة ، السيدة فيروز ..

وأن يتنادى السياسيون ، في الفريق المنتخب من جميع لاعبي نوادي الدرجة الأولى ، ليلعبوا لعبتهم على المكشوف ، ويعيدوا أتمتة نظامهم ، لعل في ذلك خدمة لهم ، ولمحازبيهم ، وللبنانهم ، ولبناننا الذي نهوى ، ونؤمن ، ونتمنى ، وبالتالي لجميع مواطنيهم ..

الأربعاء ـ 26/01/2011