فيتو .. فيتو .. فيتو
آخر ما طالعتنا به سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ، استخدامها " الفيتو " ضد مشروع قرار عربي يدين ، فقط يدين " استمرار الصهاينة بسياسة إقامة المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة ، خلافا لاتفاقياتهم مع الفلسطينيين ، وخلافا لكل ما اتفق عليه في المباحثات التي دارت رحاها منذ اتفاقيات " أوسلو " الشهيرة ..
من أين ، ومتى بدأت حكاية " الفيتو الأمريكي " ضد الحقوق العالمية والعربية ، لصالح الصهاينة ؟؟
إبان الحرب العالمية الثانية ، أنشئت منظمة عصبة الأمم ، ثم تحولت إلى هيئة الأمم المتحدة ، التي كرست الولايات المتحدة الأمريكية منتصرا أكبر في العالم ، وتمت سيطرة الدول العظمى على القرار الأممي العالمي ، من خلال استحواذها على ما يسمى " الفيتو ـ حق النقض " ..
وكانت الدول التي تمتاز بهذا الحق ، هي الأربع الدائمة العضوية في مجلس الأمن ، وهي : أمريكا ، وبريطانيا ، وفرنسا ، والاتحاد السوفييتي السابق " روسيا اليوم " ..
لكن ، وبعد الزيارة الشهيرة للرئيس الأمريكي الأسبق " نيكسون " للصين الشعبية عام 1972 ، صارت عضويتها في مجلس الأمن دائمة " مثل هؤلاء " ، وصارت الدولة الخامسة التي تتمتع بهذا " الحق ـ السيف المسلط " ..
ورغم حدوث تغييرات هائلة في العالم ، وخرائطه السياسية والجغرافية والديمغرافية ، منذ سقوط جدار برلين ، لإلا أنه لم يتغير شيء في تلك الحقوق الجائرة ، ولم تدخل أي دولة أخرى نادي " الدول العظمى الدائمة العضوية " في مجلس الأمن ، كونه مسلوب الإرادة لصالح أمريكا ، التي تتحكم به شر تحكم ..
وكان آخر أكبر تلك الجرائم ، ذلك التلاعب الأمريكي والكذب ، الذي مارسه في مجلس الأمن " كولن باول " وزير خارجيتها ، لاستصدار قرار غزو العراق واجتياحه ، تحت كذبة " حيازته أسلحة دمار شامل " تهدد " بإفناء بريطانيا " خلال 45 دقيقة ، على حد مزاعم رئيس وزرائها آنذاك ، في تواطئه مع " بوش " ..
وفي سنوات السبعينيات من القرن الماضي ، كنا نعتقد أن أمريكا هي أكثر الدول العظمى استخداما لهذا " الحق " ، فتبين أن الاتحاد السوفييتي السابق ، هو الذي كان له " شرف " السبق والريادة في استخدامه ..
وعقب تلك الحرب ، بدأ نجم الإمبراطورية البريطانية العظمى ، يأفل ويتلاشى رويدا رويدا ، لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد أن " أدت واجبها " تجاه الحركة الصهيونية ، بتكريسها قرار تقسيم فلسطين ، وإنشاء الكيان العنصري العدواني الاستيطاني الصهيوني على الأراضي العربية الفلسطينية ، فوجد الصهاينة أن بريطانيا قدمت كل ما بوسعها في سبيلهم ، وباتت خالية الوفاض ، وشبه عاجزة عن نصرتها في " تطلعاتها واعتداءاتها التوسعية " ، فأعادوا برمجة مصالحهم من جديد ، ليجدوها في أحضان أمريكا كقوة عظمى منتصرة ، لم تتأثر أراضيها ولم تتدمر كما حصل في الحرب الكونية الثانية مع بقية الدول العظمى " بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفييتي " .. فتحولت الحركة الصهيونية لتتغلغل في مفاصل السياسة الخارجية والاقتصادية لأمريكا ، لابتزازها دعما لا محدودا ، وتأييدا دائما في كل حروبها الإجرامية ضد الدول العربية المحيطة ..
وربما ، ومنذ ذلك الوقت ، لم يستطع مجلس الأمن الدولي اتخاذ أي قرار حاسم بإدانة الكيان الصهيوني وملزم التنفيذ ، كأن يكون تحت البند السابع مثلا ، على غرار القرارات الخاصة بالعراق ، أو بالمحكمة الدولية في لبنان ..
وكان صدور القرار 242 ، بصياغته البريطانية " الإشكالية الملغومة " ، ما يزال يثير نزاعا حول تطبيقه ، فيما يخص الانسحاب الصهيوني من " أراض " عربية ، أم من " الأراضي العربية " ..
وقد ارتكب الصهاينة عشرات المجازر بحق الشعب العربي الفلسطيني ، والشعوب العربية المحيطة بفلسطين ، وصولا إلى تونس ودبي ومالطا وفرنسا وألمانيا وغيرها ، ورغم كثير من الاعتداءات التي شنها الصهاينة على البلدان العربية ، والحروب التي شنوها في أعوام :
1967 على سوريا ومصر والأردن ..
و1978و1982 على لبنان واحتلالهم مدينة بيروت ..
و2006 على لبنان مرة أخرى ، مع آلاف الانتهاكات الجوية اليومية ، والخروقات الحدودية ..
و2008 على غزة .. حربا وحصارا قاتلا ..
مرورا بعدوانها على سفن أسطول الحرية ، الحامل للمساعدات الإنسانية لمحَاصَري غزة ، وعدم إدانة ذلك العدوان السافر الذي روّع وقتل المتضامنين المدنيين ، فمارس الصهاينة " قرصنة الدولة " في عرض مياه البحر الدولية ..
إلا أنه لم يصدر إي قرار أممي ، بإدانة ذلك العدوان القرصني ، أو تلك المجازر أو الاعتداءات أو الحروب التوسعية العدوانية ، وذلك بسبب معارضة أمريكا ، أو استخدامها " الفيتو " ضد صدوره ، كونها متعهدة الحماية الدولية للصهاينة ..
وإن كانت حرب تشرين ـ أوكتوبر 1973 قد شنها العرب ، فلأن أراضيهم محتلة بعد عدوان الصهاينة عليهم عام 1967 ، ومع ذلك ، استطاعت أمريكا أن تلتف على نتائج حرب " التحريك الساداتية " ، من خلال سياسة مفاوضات " الخطوة ـ خطوة " التي ابتدعها الصهيوني " كيسنجر " وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ، ونفذها مع السادات وبيغن ، باتفاقيات كامب ديفيد التي ما يزال الشعب المصري والعربي يعانيان من نتائجها إلى اليوم ، رغم الثورة المصرية وإفرازاتها ، إلا أن قيادة الجيش التي تسلمت الحكم من " الفرعون المخلوع " أعلنت التزامها بهذه الاتفاقية المذلة ، وبغيرها من الاتفاقيات المعقودة مع الصهاينة في ظلها ، ولاسيما ، اتفاقية بيع الغاز المصري للكيان الصهيوني بأسعار " رمزية " ، " تأييدا ودعما " لعدوانيتهم ضد العرب والفلسطينيين ..
وفي كل مرة ، كان يُقدَّم مشروع قرار لمجلس الأمن ، لإدانة الصهاينة عقب قيامهم بالمجازر أو الاعتداءات أو الحروب ، كانت تتصدى له الولايات المتحدة الأمريكية " بالفيتو العظيم " ، فيسقط ـ رغما عن إرادة بقية دول العالم ، والعظمى منها بشكل خاص ـ مشروعُ القرار ، ولا يتبقى للدول العربية ومشروعات قراراتها ، سوى وضع الملح على الجرح ، واللجوء إلى الجمعية العامة المهيضة ، التي ليس لقراراتها سلطة التنفيذ ، وقوته ..
فهذه القرارات تكتب بالحبر " السري " على ورق وهمي ..
ولم يحدث أن نفذت الدولة العنصرية الصهيونية أي قرار ، لا للجمعية العامة ، ولا لمجلس الأمن ..
بل ، كانت تزداد صلفا وعنجهية وعدوانا ، بعد كل مشروع قرار ، يقدمه العرب أو غيرهم ، للمجلس المذكور ..
وربما سينبري " هنا " من يزعم أن الصهاينة نفذوا القرار 425 الخاص بانسحاب القوات الصهيونية من جنوب لبنان ، لكن تلك كذبة كبرى وخديعة مضللة ، أراد الصهاينة منها أن يتستروا ، بجبنهم وخوفهم ، خلفها لإعلان انسحابهم من لبنان ، بفعل ضربات وقوة المقاومة الوطنية اللبنانية وصمودها ، على مدى قرابة عشرين عاما من الاحتلال ..
فانسحبوا مدحورين مهزومين منكسرين مخذولين ..
إلا أن صلفهم وغرورهم الأجوف ، يأبيان عليهم أن يعترفوا بالهزيمة النكراء لجيشهم ..
لكن هزيمتهم في حربهم على لبنان عام 2006 ، تؤكد هزيمتهم واندحارهم للمرة الثانية ، وتؤكد أنهم لم ينسحبوا عام 2000 من الجنوب اللبناني تنفيذا للقرار الأممي المذكور .. إنما أجبروا على الانسحاب والهزيمة ..
ولو كان حقا ما يدعونه ويزعمونه ، لوجب عليهم تنفيذ جميع قرارات الشرعية الدولية الأخرى ، التي تخص :
عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم ، والانسحاب من الجولان المحتل والضفة الغربية ، والسماح بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة القابلة للحياة على الأراضي العربية الفلسطينية وعاصمتها القدس العربية ، وعدم استخدامهم القوة العسكرية في ارتكاب المجازر واحتلال أراضي الغير بها ..
وكل تلك ، قد صدرت فيها قرارات متتابعة من مجلس الأمن ، وكان يجب أن يكفل المجتمع الدولي ، وذراعه العسكرية ، تنفيذها بالقوة ..
إلا أن من كانت أمريكا تقف وراءه ، داعمة له ، يستسخف تلك القرارات ، ويضرب بها عرض الحائط ..
إن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية ، بجلالة قدرها وعظمتها ، " حقها غير المشروع في نقض " مشروع قرار يدين استمرار الصهاينة باستمرار سياستهم الاستيطانية ، إنما يشكل إصرارا على سياستها المنحازة كليا للصهاينة ..
وهو أمر ليس جديدا ، ولا مجهولا من قبل القيادات العربية والفلسطينية ..
ولا أعرف سببا وجيها يجعل القيادة الفلسطينية " العباسية " ملتزمة بهكذا " وسيط منحاز ومتمسك " بالباطل الصهيوني ، ضد الحق العربي ، وضد الحق الفلسطيني وخياراته المشروعة ..
بينما تنازلت تلك القيادة عن كل أوراق القوة التي كانت تمتلكها ، وتنازلت عن أهم وأقوى خياراتها التي يمكن أن تقودها لتحقيق أهدافها .. إنها المقاومة .. والمقاومة .. والمقاومة .. فتبا لهكذا قيادة ..
السبت ـ 19/02/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق