اعتراف النظام بالشرعية الثورية يلغي حكمًا شرعيته الساقطة
في خطابه الثالث منذ بدء ثورة الشعب المصري عليه ، يقول الريس بالفم الملآن :
" أنا باق .. باق .. ولن أتنحى .. سأكمل ولايتي الأبدية عليكم .. اصرخوا كيفما شئتم ، وسأفعل ما أشاء " ..
هذا تكثيف ، وخلاصة لما قاله الريس أمس ..
فمنذ أن بدأت الاحتجاجات في مصر ، وبعد أن اتسع نطاقها ، ودخل الساحات ملايين المصريين الذين يطلبون التغيير ، اعترف النظام الحاكم بشرعية تلك المطالب على لسان أكثر من مسؤول ، وعلى مستويات السلطة العليا كافة ..
لكن شيئا ملموسا حقيقيا لم يتغير على أرض الواقع ، ليقنع المتظاهرين بجدية تحقيق مطالبهم من جهة ، وليقتنع النظام نفسه ، أن ما قدمه لا يلبي المطالب الشعبية حتى الآن ..
ومع تزايد أعداد المتظاهرين ، تحولت المظاهرات إلى ثورة شعبية عارمة ، وباتت أكثر حدة وتصلبا إزاء مواقفها ، مما يعرضه النظام تباعا عليها ، وصارت السمة الغالبة على هذه الثورة أقرب للعصيان المدني ، مع الشلل التام الذي أصاب كل المرافق العامة والقطاعات المختلفة ، وعلى مساحة مصر كلها ..
وكان الموعد ليل الأمس ، متأخرا لخمس وأربعين دقيقة تقريبا عما أعلنته وسائل الإعلام الرسمية ، حين خرج الريس وكأن شيئا لا يحدث في مصر ولا حوله ولا على مرأى ومسمع منه .. بدأ يتكلم عن أمجاده وصنائعه التي " خدم بها مصر " على مدى ستين عاما من العمالة للعدو ، والخيانة لشعبه وأمته ..
فلم يخجل من هذا التاريخ الأسود المشبوه ، ولم يخجل من الملايين المطالبة برحيله منذ سبعة عشر يوما في الميادين والساحات ..
لقد بدا متعاليا على الشعب الثائر ، متعجرفا ، يتمنـَّنُ عليهم بما " قدّمه " لهم من " خدمات " ..
وتذكر فجأة أن يترحّم على ضحايا نظامه ، وأعاد الخديعة والكذبة الكبرى ، بأنه لن يرضخ لضغوط أجنبية ، ويبدو أنه يستثني " ضمنا " أمريكا والصهاينة " الذين يواكبونه في كل حركاته وسكناته ، استجابة لضغوط عربية ، قيل : إنها مورست على أوباما ..
وهذا شيء مفرح حقا ، أن يستطيع العرب ممارسة ضغوط على الرئيس الأمريكي ، ولو كان الأمر يتعلق بالرخ المصري ..
وبدا هذا الريس ، كمن يلوم شعبه ويؤنبه على قلة وفائه ، وتنكره له " ولإنجازاته العظيمة " ، ووجه لهم تلميحا بأنه ممتعض من غدرهم ومن خروجهم عليه ، رغم اعترافه بشرعية ثورتهم .. وأقام نفسه مقام مصر كلها .. بدل أن يكون خادما لشعبه الذي يفضه ويرفض " إنجازاته " ..
ولم يكن نائبه أقل عنجهية منه ، فدعا المتظاهرين إلى العودة إلى بيوتهم ، لاستكمال " الإنجازات والبناء " ، وسط هيجان متصاعد من ميدان التحرير ـ الشهداء ..
ومع اعتراف النظام بشرعية الثورة الشعبية ، يجب أن تسقط شرعيته ، بل سقطت شرعية النظام الحاكم .. فلا يمكن أن تكون في البلاد شرعيتان ..
فالشرعية ، شرعية واحدة .. وواحدة فقط .. ولا يمكن أن يلتقي " الساخن والبارد على سطح واحد " كما يُقال ..
وما دام النظام قد اعترف بشرعية الثورة ، سقطت حكما شرعية النظام . لكن النظام يتجاهل ويتصامم عن هذه الحقيقة ..
ويبدو أن البلاغ رقم واحد ما هو إلا خديعة واضحة ، وذرّ للرماد في العيون ، يوحي للثائرين وللمراقبين ، بأن الجيش سيضع حدا لتمادي النظام في تجاهله لمطالب الشعب ، لكن الوقائع التالية منذ ليل الأمس ، لا توحي بذك أبدا ، بل على العكس ، شدد الجيش من إحكام حمايته للقصور الرئاسية ولمبنى الإذاعة والتلفزيون ، كي يبقى الحارس الأمين للنظام .. كيف لا ؟؟ وسيادة المشير القائد العام وزير الدفاع ، هو أحد أهم أركان النظام ، وهو القائد السابق للحرس الجمهوري ، وهو من أكثر القيادات وفاء للنظام وحرصا عليه ، وتمسكا به ..
فإذا استمر موقف الجيش على هذه الحال ، فإن الأمور سائرة نحو مزيد من التصعيد والعصيان ، مع إصرار الريس على عدم التنحي ، والاستمرار بالحكم حتى نهاية ولايته المشؤومة ..
وماذا ينفع تفويض السلطات لنائبه ؟؟!!
إنه كمن يُخرج محفظته من جيبه الأيمن ، ليضعها في جيبه الأيسر .. وكفى الله المؤمنين شر القتال ..
هل هذا هو التغيير الذي ثار المصريون من أجله ؟؟!!
وهل في هذا تحقيق لمطالب الثورة الشرعية التي اعترف بها ، وترحّمَ على شهدائها ؟؟!!
وشتان بين " الخيبة الرائعة " التي أصبنا بها من سرعة انهيار النظام التونسي ، وبين " الخيبة المريرة " التي أصابنا بها الريس بعد خطابه الثالث أمس ..
باطل .. باطل .. باطل ..
الجمعة ـ 11/02/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق