بالهداوة يا ريس .. بالهداوة
هناك زعماء تاريخيون حقيقيون ، حققوا لبلادهم معجزات كبرى ، واستطاعوا أن يغيروا سيرورة التاريخ ، بإرادتهم وعزمهم وتصميمهم على أن يكونوا قادة لشعوبهم ومنها ، وليسوا قادة عليها ..
وفي مثالين قريبين من الذاكرة الجماعية للقرن العشرين ، لا بد أن نتذكر الجنرال ديغول " الأوربي " ، ونلسون مانديلا " الإفريقي " ..
فقد حقق ديجول لفرنسا خلودها تحت علم الجمهورية الخامسة ، التي ما تزال فرنسا تعيش أمجادها إلى اليوم ، بعد أكثر من أربعين عاما مرت على استقالة ديجول من رئاسة فرنسا ..
وكان لديجول دوره القيادي المميز ، في دحر الاحتلال النازي عن فرنسا ، وإقصاء حكومة " فيشي " التي نصّبها النازيون ، ودعموها بدباباتهم وجيوشهم الغازية ، غلا أن ديجول ، استطاع دحرها ، وتحرير فرنسا من جيوش هتلر ، بمقاومة مدعومة من بريطانيا وأمريكا آنذاك .. وأسس جمهوريته ، وصار رمزا للمقاومة في بلده ، وقاد فرنسا في نهضتها الجديدة ..
وحين ثار مواطنوه ضده عام 1968 ، لأسباب اقتصادية ، وطالبوا باستقالته ، لم يتأخر ديجول في تقديمها ، فاستجاب لإرادة جماهير شعبه ، ولم يضطرهم للعصيان والتخريب ، فاستقال عن رئاسة فرنسا ..
وأمضى بقية حياته هادئا مستكينا مطمئنا ، في مزرعته الريفية ..
أما مانديلا ، فقد قاوم نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا ، مقاومة عنيفة ، قبل أن يُحكم عليه بالسجن لسنوات طويلة ، قضى منها سبعة وعشرين عاما ، وأفرج عنه بعدها ، ليتزعم حزبه ، ويفوز بالانتخابات التي حملته إلى سدة الرئاسة ، رئيسا لجمهورية جنوب إفريقيا ..
فلم ينتقم من سجانيه ، ولم يتبع سياستهم في التمييز العنصري البغيض ، رغم أنه ينتمي إلى الغالبية العظمى من سكان بلاده ..
وحين أدركته الشيخوخة ، وأحس بالعجز عن الاستمرار في قيادة وخدمة بلده وشعبه ، تنحى جانبا لجيل آخر من القيادة ، ولزم حدوده ، فلم يعد يتدخل ، ولم نعد نراه إلا في مناسبات اجتماعية على نطاق ضيق جدا ، إيمانا منه بأن قيادة الأوطان مسؤولية كبرى ، وليست امتيازا ولا حكرا ..
أما أنت يا ريس ، ألم تكفكَ الملايين التي خرجت تعترض على سياساتك ، ونظام حكمك ؟؟!!
ألم يكن تظاهرهم سلميا وهادئا ؟؟
ألم يكونوا مثال المتظاهرين المنضبطين ؟؟
لم تكن مطالبهم تعجيزية ولا خارقة للمألوف ، ولا غريبة عما حدث ويحدث في كثير من الدول ..
وليس بالضرورة أن تتعطل العباد والبلاد ، وأن تزهق أرواح الشباب المحتجين ، وأن تستغل ذلك كثيرٌ من الدول الكبرى وحكوماتها ، للتدخل في شؤون مصر وشعبها .. فثلاثون عاما من الحكم الفعلي ، كافية ، ويضاف إليها سنوات قبلها كنائب للرئيس في عهد السادات ..
أليست تكفيك ؟؟!! أليس الرحيل بهدوء أكرم للنفس ؟؟!!
فبالهداوة يا ريس .. بالهداوة على تلك الزهور التي ما عرفت غيرك رئيسا ..
إنهم جديرون بالحياة وبالحرية التي يسعون إليها ..
هؤلاء شعبك .. وإخوتنا .. وأهلنا ..
هؤلاء ربع عدد سكان الشعب العربي كله ..
دمهم دمنا .. وعزهم عزنا .. وحريتهم حريتنا .. ونصرهم نصرنا .. وخذلانهم خذلان لنا جميعا ....
أما آن الأوان ؟؟!!
فلست أول من يتنحى وينصاع لإرادة شعبه ، ولن تكون الأخير ..
وكفى الله المؤمنين شر القتال ..
السبت ـ 05/02/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق