مطبِّعون ، مهرولون ، عملاء تحت الطاولة
كنت واثقا من أن حملة من الافتراءات ، يشنها بعض من استغل وركب موجة المواقع الاجتماعية الإلكترونية ، لن تصل بهم إلى نتيجةٍ يتوخونها ، لأنها ، وببساطة ، فاقدة للحرارة والمصداقية ، وللمشروعية الحقيقية ، وتقدِّم الطـُّعمَ للشعب مغلـَّفا بالمنِّ والسلوى الوهمييْن ..
فكان الشعب أوعى وأذكى من تحريضهم ، وأكثر حذرًا في التعامل مع هؤلاء الذين تناشطوا عبر الفيس بوك وغيره ، فدعوا الشعب السوري للتظاهر أمس ، فيما سموه : " يوم الغضب السوري " ..
1 ـ
ورغم يقيني المسبق أن هؤلاء لن يحصدوا سوى الخيبة ، ومهانة عدم الاستجابة ، والاستهزاء بهم وبدعوتهم ، إلا أنني راقبت العديد من القنوات الفضائية ، وخاصة تلك التي " تنتظر وتترقب ، لتتصيد حدثا كهذا " ، وانتظرت حتى الليل ، فلم أسمع ، ولم أر أي شيء يوحي بحصول ولو " شيءٍ ما من الاستجابة " ..
وفي الليل ، قرأت في إيلاف الجريدة ، " التي تؤيد هؤلاء وتدعمهم وتروج لهم ، مقاليْن :
الأول : يعبر عن الخيبة والمرارة والدهشة الجوفاء ، التي تكشف عن قصر نظر من لا يعرف ما خلف هذه الدعوة ، ومَن وراءها ، ولماذا يُرَوَّجُ لها ؟؟ ..
والثاني : يُوَصِّفُ الأحوالَ نهار أمس ، موعد الدعوة ، بأن " كل شيء عادي وطبيعي في شوارع دمشق " ..
وهذا كل ما في الأمر ..
أما شعار " يوم الغضب " المنشور مع أحد المقالين ، فهو " جميل حقا " .. ويعبر تماما عن الغضب الذي يحتقن به الشارع السوري من أمثال هؤلاء الذين يريدون أن يقدموا الشعب والوطن ضحية مجانية لأعداء الشعب والوطن ، من أجل مصالح شخصية صغيرة وتافهة ، إزاء المصلحة الوطنية والقومية ، التي يُراد تصفيتها لصالح الأعداء ..
لكني ـ ولا أكتمكم سرًّا ـ شعرتُ بكثير من الأسف لحال مَن كتبتْ تعليقا على مقال " الخيبة " ، تستنكر :
" كيف لا يتظاهر المواطنون السوريون ، وقد زُجَّ بثلاثة أرباعهم في السجون ؟؟!! ـ حسب قولها ـ ..
وأنها احتجاجا ، سحبت انتماءها لهذا الشعب " ..
يا سيدتي : إذا كان ثلاثة أرباع الشعب في السجون ، وأنت الربع الباقي ، وقد سحبتِ انتماءك لهم ، فمن بقي ليلبي دعوتكم " العطرة ، الكريمة " ؟؟!!
2 ـ
لكن ، لماذا لم يستجب الشعب السوري لدعوة التظاهر تلك ؟؟
سؤال حتمي ، يمكننا الإجابة عليه بعد السؤال التالي :
أي النماذج الثلاثة ـ المشار إليها في العنوان ـ يجب على سوريا الاقتداء به ، حتى " يرضى " هؤلاء عنها ؟؟
هل نموذج المطبِّعين هو المثال الذي يجب على سورية الاقتداء به ؟؟
ليكن ..
هذا هو نظام التطبيع الأول في الوطن العربي ..
النظام المصري .. وهو عريق في تجربته " التطبيعية " مع العدو الصهيوني ومع أمريكا ، وهو رأس الأنظمة العربية " المعتدلة " والتي تنضوي تحت العباءة الأمريكية ، وتضرب بسيفها في المنطقة ، ومارست البلطجة على سوريا ولبنان من أجل تمرير المصالح الصهيونية ..
أربعون عاما فقط من التطبيع والعمالة والخيانة والتآمر ..
ما رأيكم بهذا النموذج بعد أن تخلى عنه مستخدِموه ؟؟
انظروا إليه جيدا ، وتمعّنوا ، ثم احكموا .. إنه أمام أعينكم بالنقل المباشر والحي ..
هل هو النموذج المفضل لكم ؟؟
فإذا لم يعجبكم هذا كثيرا ، فاختاروا النموذج المطبّع الثاني ، مثلا ..
أم لعله الأفضل برأيكم ، نموذج " العملاء تحت الطاولة " ..
ليكن : هيا .. عليكم بنموذج النظام التونسي .. ما رأيكم ؟؟
فإذا لم يعجبكم النموذجان السابقان ، يمكنكم أن تختاروا النموذج الثالث :
نموذج " العملاء والمهرولين والسُّعاة " ..
اختاروا أيا من الأنظمة التالية : النموذج المغربي أو اليمني أو العماني ، مثلا ؟؟
ماذا قلتم ؟؟
لا بأس ، لا تريدون أي نموذج منها ..
إذن ، لعل النموذج اللبناني أفضل من هؤلاء جميعا ..
فهو " واحة الديمقراطية العربية " ، " ومهوى القلوب " ..
وهو الآن ، بسقوط تيار الحريري ، خارج تلك التصنيفات ، لكنه نموذج سياسي عربي قائم ..
وفي العادة ، تكتسب حكوماته مواقفها من التجاذبات الإقليمية والدولية ، وهو دوما على كف عفريت ، وينام المواطنون فيه وقوفا ، وبعين واحدة ، تحسّبا لكل طارئ ..
فهل هو النموذج المفضل لكم ؟؟
3 ـ
لا بأس أيضا .. سأكرر السؤال :
لماذا لم يستجب الشعب السوري لدعوة التظاهر ؟؟
ـ السبب الرئيس في رأيي ، أن النظام السياسي السوري لا ينتمي إلى كل تلك النماذج ، بل يتعارض معها ، ويختلف معها ، وعنها اختلافا كبيرا ..
ويكفيه أنه ليس من هؤلاء ، حتى لا يستجيب شعبه للتظاهر ضده ..
يكفي سوريا أنها لم تستسلم ، ولم تطبّع ، ولم تهرول ، ولم تتعامل مع الأعداء من تحت الطاولة ..
بل ، حين اشتدت الهجمة الأمريكية عليها بعد غزو العراق ، لمعارضتها لهم ، اختارت سورية المواجهة على الاستسلام والانصياع ، على الرغم من التفاوت الكبير في القوى والمقدرات ، ورفضت " إملاءات كولن باول " بينما ركع الآخرون جميعا لبوش ورايس ، وكانوا قد قدموا كل ما أمكنهم لأمريكا حتى تمكنت من تدمير العراق واحتلاله ..
وحين تكالبت الهجمة الأمريكية الصهيونية بعد مقتل الحريري ، اختارت سوريا المواجهة على الانصياع ، رغم كل ما فعلوه ، ولم يكن قليلا ، حصارا وعزلة وعدوانا ، ولم ينالوا منها تنازلا واحدا ، حتى تراجعوا هم ، وبقيت سوريا في موقعها المتقدم وطنيا وقوميا داعمة للمقاومتين اللبنانية والفلسطينية ..
أليس كذلك أيها الداعون " الوطنيون المحترمون " للتظاهر ضد النظام السوري ؟؟!!
هل اتعظتم من ردة الفعل التي لمستموها من الشعب السوري ؟؟
إنكم لم تفهموا الشعب السوري بعد .. أنا أساعدكم في ذلك :
إنه يكره العمالة والخيانة والتخاذل والتآمر ، ولا يستجيب للدعوات المشبوهة التي ستنال من وحدته الوطنية وهدوئه واستقراره ، وهو ليس مستغنيا عن شيء منها ، ولا يفرط بأي جزء من أجزائها لمجرد التقليد ، أو السير العشوائي ، أو التخلي عن خياراته ومصالحه الوطنية والقومية لصالح أعدائه .. أفهمتم ؟؟
تحية لإرادة الشعب العربي السوري الحرة ، الواعية ، الناضجة ، التي تميز عدوها من صديقها جيدا جدا ..
السبت ـ 05/02/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق