الاثنين، 28 فبراير 2011

صفحة نيجاتيف من دفاتري العتيقة

صفحة نيجاتيف من دفاتري العتيقة

كأنك حين تكون برفقة صديق أو صديقة ، حبيب أو حبيبة ، تبدو لك الأشياء لماعة براقة مزهزهة على غير حقيقتها ، وتتحول أمام ناظريك ملامحُ وصورٌ كثيرة لم تكن تأبه لها ، أو لم تكن تعني لك شيئا .. وفجأة .. تحس بوجودها لصيقة بك ، بل ، وتحسّها هامّة في لحظةٍ ما ، وقد تندفع للاحتفاظ بها لو كان بالإمكان ذلك ..

لماذا ؟؟

ما السبب التي يجعل كيمياءك تتغير بهذه السرعة ؟؟

وما السر الذي تتلطى خلفه وأنتَ تغيّر موقفك مما لم تكن تحسه أو تراه ؟؟

وهل هذا التغير طبيعي أم مصطنع ؟ دائم أم مؤقت ؟ مستحسن أم مذموم ؟

وهل في العلاقات الإنسانية الحميمية كيمياء خاص بها أو فيزياء مثلا ؟؟

في الحقيقة ، أنا لا أعرف الجواب عن هذا السؤال ..

ولا أريد أن أدخل في تلك الزواريب التي تشبه مضائق الشرايين ..

فالمسألة ـ برأيي ـ في غاية البساطة ..

ولأضرب مثلا ..

كنا نسمع لمغن شعبي جدا بعض مواويله وعتاباته ، فأعجب صديقي به .. وأخذه .. وبعد أن سافرت وعدت ، إذا به يقول : ما هذا الشريط ؟؟ لم أستطع أن أسمعه بعد ذاك اليوم ..

أحيانا ، تـُعجَبُ بلوحةٍ أو منظر أو وجهٍ أنثوي ، لتفاجأ بعد مدة أن اللوحة التي أعجبتَ بها ، عادية ، وأن المنظر الذي أدهشك ، يبدو الآن أقل من عادي .. وأن الوجه الأنثوي الذي سحركَ في لحظةٍ ما ، يثير فيك الآن مشاعرَ نقيضة تماما لتلك ..

ولو بحثتَ عن الأسباب ، لوجدتَ عددا منها ، فإن جمعتـَها إلى بعضها ، لم تكن كلها كافية لتفسير الحالة .. ويبقى شيء آخر غامض هو الذي ، ربما ، يكون وراء هذا التناقض الذي وقعتَ فيه ..

وقد مررتُ بكثير من هذه الحالات ، إلى درجة أنني ألوم نفسي أحيانا ، عندما أتذكر أنني في لحظة من اللحظات أعجبتُ بهذه اللوحة أو بهذا المنظر أو بهذا الشخص أو تلك " الشخصاية " ..

فأسارع إلى محو الصورة من تلافيفي ومن خيالي ..

قبل سنوات طويلة ، كنت في مكتبي عندما رن الهاتف .. جاءني صوت سيدة تسأل عن شخص قالت إنه قال لها : سيكون عندي وعلى هذا الرقم بعد ساعة .. وقد حان الوقت ، ويجب أن يكون الشخص قد وصل إلى مكتبك ..

وكان واضحا من كلامها أنها تعرف اسمي وعملي .. وأن الشخص الذي تسأل عنه قادم إليّ في زيارة ودية .. وحين فوجئتُ باسمه وعمله ، ونفيتُ لها معرفتي به ، شكرتني ، وقالت : هل يمكن أن أعطيك رقم هاتفي ليتصل بي من عندك حين يصل ؟؟ قلت : لا بأس ..

وبعد وقت ، اتصلتْ ثانية تسأل عن الرجل الذي لم يأتِ ..

في الحقيقة ، ساورتني شكوك عما يكون وراءها ، وبدأت أخمن ظروفا وأحداثا ، وأستعرض سيناريوهات يمكن أن تكون على جدول أعمال من سيزورني بلا سابق معرفة بيننا ..

في النهاية ، لم يأت الرجل ذاك اليوم ، ولا فيما تلاه ، واستمرت تلك السيدة بالاتصال بذرائع واهية ، ممزوجة بشيء من الشطط النسوي الناعم والطري أحيانا ، مما أجج فضولي لمعرفة ما وراء ذلك ..

إلى أن اتصلت مرة ، وقالت : إن فلانا سيكلمك ..

حاول الرجل أن يذكـّرني بنفسه ، وبدا أنه بالفعل ، يعرفني عن قرب ، وقال : إننا التقينا مرات متعددة في عيادة صديق مشترك ..

جاملته ورحبت بزيارته لي في أي وقت يشاء .. لكنه أصر أن أتناول القهوة معه الآن في البيت الذي يتكلم منه .. ولم يتوان في إعطائي تفاصيل العنوان ، وأنه سينتظرني على الشرفة بعد نصف ساعة ..

ذهبت .. كانت سيدة بانتظاري على الشرفة في الطابق الخامس المطابق لإحداثيات العنوان .. قلت لعله في الداخل .. كانت على الباب حين وصلت لاهثا ، فتسمرت قدماي ، لم أعد قادرا على الدخول ، ولا على التراجع .. لكني استطعت مصافحتها ، فشدتني برفق إلى الداخل بما لا يشبه اللقاء الأول ..

وقفت قرب الباب وأنا أحاول التقاط أنفاسي ، واستعادة توازني ، بعد أن شعرت أن " كمينا ما " وقعت فيه برجلي ..

سألتها : أين أبو الفوز ؟؟

قالت وهي تدعوني ، وتمشي أمامي إلى الغرفة المطلة على الشارع : لقد اتصل بمكتبه فقيل له عنده ضيوف مهمون من الشام ، فاضطر للذهاب ..

قلت في سرّي : جاءني الفرج .. سأجد عذرا ينقذني ..

كان في الغرفة رجل مسن يجلس على كرسي متحرك ، رحب بي ودعاني للجلوس ، وهي تقول لي : أبي ..

صافحته ، وجلستُ على أريكة مواجهة له ، وجلستْ هي بجانبه ..

كان ودودا ولطيفا .. وطلب لي منها شرابا باردا وهو يرى العرق يتصبب مني ..

ذهبتْ وعادتْ بسرعة ، تحمل كوبين فيهما ماء غازية شفافة ، يتصاعد الرذاذ منها ، وقالت : ما رأيك أن نجلس على الشرفة ، فالجو ألطف هناك ..

استأذنت أباها ونهضت خارجا .. تنفست بعمق ، وبقيت واقفا رغم إلحاحها علي بالجلوس ..

شربت الكوب دفعة واحدة ، وسألتها : هل أستطيع إجراء مكالمة هاتفية ؟؟

تبعتها إلى مكان الهاتف ، أجريت اتصالا خلبيا ، وبدأت أتكلم على مسمع منها ، مدعيا أن ثمة ضرورة تستدعي وجودي في البيت ، لأن أمي في حالة صحية صعبة تستوجب نقلها للمستشفى ..

بدا عليها الإحباط لوهلة ، لكنها شاركتني بالحالة القلقة التي اصطنعتها ، وتركت لي تقدير الظرف حسبما يريحني .. وكان هذا غايتي تماما ، إلا أنها لم تفسح لي الطريق ، قبل أن تأخذ مني وعدا بالاتصال لطمأنتها عن حالة أمي ، وأن هذه الزيارة الخاطفة غير محسوبة ، ولا بد من تكرارها بأسرع وقت ، وفي أي موعد أراه مناسبا لي ..

فهي مستعدة لاستقبالي على مدار الساعة ..

كنت أهز برأسي موافقا على كل ما طلبت ، إلى أن تنحّت عن الباب ، وخرجت أقفز على الدرج ثلاثا ثلاثا ، يلاحقني صوتها بضرورة الاتصال بها عاجلا ..

تنفست الصعداء عند الباب الخارجي للمبنى ..

كان شارع محطة بغداد قد بدأ يكتظ بالمتمشورين على رصيفيه قبيل غياب الشمس ..

تساءلت : هل قصد أبو الفوز توريطي بشيء ما ؟؟

لم يبدُ على حركاتها ، ومن حديثها أنها تضمر أو تتعجل تصرفا سيئا تجاهي ..

لكنكَ أن تكون مع أنثى ليس فيها من الأنوثة سوى صوتها ، يجعلك تتعلق ولو بخيط العنكبوت للتهرب مما أنت فيه .. فكيف إذا اجتمع ذلك الشكل المخيف المرعب بأحداث مبهمة منذ لحظتها الأولى ، وحتى غياب أبي الفوز المفاجئ !! ..

ومع شعوري بالنجاة من ورطة متوقعة ، تذكرت قول الشاعر بشار بن برد :

يا قوم ، أذني لبعض الحيِّ عاشقة والأذنُ تعشقُ قبلَ العين أحيانا

الإثنين ـ 28/02/2011

الأحد، 27 فبراير 2011

جامعة الدول العربية " ما في حدا لا تندهي ما في حدا "

جامعة الدول العربية

" ما في حدا لا تندهي ما في حدا "

ـ 1 ـ

ـ لقد أسْمَعْتِ إذ نادَيْتِ حيًّا ولكن لا حياة لِمَن تنادي

ـ لا خيلَ عندَكَ تهديها ولا مال فليُسْعِدِ النطقُ إنْ لم تسعِدِ الحالُ

ـ فإذا كان حاصل جمع القوى المشكلة للجامعة يساوي صفرا ، وعلى الشمال ، فما المأمول ، يا رعاكم الله ؟؟ ..

ـ 2 ـ

أوصافها :

1 ـ هي من الأيامى الثكلى ، أنثوية الشكل ، لكنها لا تمتلك " لا صوتا حنونا ، ولا مؤخرة ناعمة " .. فما الذي يرتجيه الآخرون منها بعد ذلك ؟؟!!

2 ـ هي مؤسسة خرافية قائمة بقدرة قادر ، ولها أذنان :

واحدة من طين ، والأخرى من عجين ..

3 ـ تتجسّد كقط خشبي .. لا يسمع ، ولا يرى ، ولا يموء ..

4 ـ هي جامعة " دول " و " عربية " ، فكم بقي مما يسمى " دولة " ، وكم بقي مما يسمى " عربية " ؟؟!!

5 ـ إن الجامعة بما تمثل ، تحمل في أحشائها كل متناقضات الكون ، مع نفسها ، ومع بعضها ، ومع الآخر ..

ـ 3 ـ

أرتيريا ـ وما أدراك ما أرتيريا ـ تأنف من الانتساب إلى جامعتنا العتيدة :

على ما أذكر ، فإن أرتيريا دولة نالت استقلالها في أوائل تسعينيات القرن الماضي ، وكانت جبهة تحريرها ، منذ الستينيات ، تتلقى دعما سوريا ملموسا ، على صعد مختلفة ، في نضالها لنيل الاستقلال ، وربما كانت تتلقى دعما مماثلا من دول عربية أخرى ، على أساس أن أرتيريا أرض عربية محتلة ولا تتجزأ من الأراضي العربية ، وأنها ستكون عضوا جديدا في جامعتنا " العتيدة " بعد استقلالها ..

وغالبية الشعب الأرتيري شعب عربي ، ويتكلم العربية ، ويدين أغلبه بالدين الإسلامي ..

وعندما نالت أرتيريا استقلالها ، رفض رئيسها الانضمام لجامعة الدول العربية ، " لإيمانه بأن الجامعة العربية أضعف من أن تقدم لهم دعمًا يحتاجونه " ، بينما استطاع الكيان الصهيوني أن يتسلل إلى نسيج السلطة الأرتيرية ، فأقيمت علاقات دبلوماسية وودية بينهما ، وصارت تل أبيب مربط خيل " أسياسي أفورقي " الرئيس الأرتيري ، يقصدها للراحة والاستجمام والعلاج وغيرها ..

سؤالي للرئيس الأرتيري :

أنا أوافقك أن الجامعة العربية أضعف من أن تقدم لكم يد المعونة التي تحتاجها بلادك ..

لكن ، ما الذي قدّمه الصهاينة لشعبك حتى الآن ، غير حروبك مع جيرانك ، لصالحهم ، ونيابة عنهم ؟؟

وهل هذا يستحق أن تسلخ شعبكَ من جلده العربي ؟؟!!

" وبيني وبينكم أقول أحيانا :

معه حق ، فماذا قدمنا جميعًا : للصومال وجيبوتي وجزر القمر وموريتانيا ... مثلا .. " ؟؟

فهو مهما نادى واستجار ، فلا أحد من دول الجامعة يسمع ، وإن سمعوا فلا خيلَ عندهم يهدونها ولا مال .. وبالتالي : ليس لهم صوت حنون ، ولا مؤخرة ناعمة ..

فهل ثمة ميت يحمل ميتا ؟؟!!

وما الذي سيجعل من " أفورقي " عضوا في مؤسسة هزيلة لا حول لها ولا قوة ، كهذه ؟؟!!

لقد اختصر الرئيس الأرتيري الطريق .. وارتمى في أحضان الصهاينة ، ناسيا أنه ، أيضا : كالمستجير من الرمضاء بالنار ، ومن قفا النمس لا يمكن أن يلحس الدبس ..

ـ 4 ـ

ربما لم يستلزم الأمر ، في الثورتين السابقتين " التونسية والمصرية " أن نستنجد ـ نحن المواطنين العرب ـ بالجامعة العربية ، نظرا لعدم وصول الأمر إلى هذا الدرك الإجرامي الذي وصلت إليه أحوال الثورة الليبية ، بفضل " ملك الملوك " ..

ولأن مشاعر المواطنين العرب جميعا ، تتحرّق ألمًا مما يشاهدونه على الشاشات ، من جرائم يرتكبها " ليكهم وأباؤه البررة " بحق " عبيدهم " العزّل ..

فقد اقترح " شاهد عربي " وهو أحد المعلقين على مقالي السابق : بأن يتم تأسيس جامعة باسم " جامعة الشعب العربي " لتكون بديلا عن جامعة " الدول العربية " ..

ومن الطريف ، أن المعلق المذكور أعطى " مهلة 24 ساعة " لتنفيذ هذا الاقتراح ، في إشارة إلى مدى فقدان ثقة الجماهير العربية كلها ، بالمؤسسة الحالية ..

وكذلك جاء تعليق الأستاذ عبد الباقي فكايري ، ناعيا مؤسسة الجامعة العربية منذ بداياتها ، وآخذا عليها عجزها الدائم في نصرة جماهير أعضائها أمام كل ما مرّ بهم مؤخرا ، على هَوْله وفظاعته ، مثل :

الاحتلال الأمريكي للعراق ، والعدوان الصهيوني على لبنان وغزة ، والتعسف الصهيوني في مفاوضاته مع الجانب الفلسطيني ، رغم أن الجامعة لعبت دورا سلبيا في رعايتها المفاوضات المباشرة التي لم يستطع الفلسطينيون " أن يلحسوا ولا لحسة دبس واحدة ، من قفا النمس الصهيوني " ..

وكذلك جاءت المقالة الافتتاحية لجريدة الخليج الإماراتية يوم أمس ، تؤكد أن الجامعة أعجز من أن تقدم أي شيء لأي أحد .. وعلى الشعب العربي أن يقلع شوكه بيديه ، وألا ينتظر العون من الجامعة .. لأنه لن يصل أبدا ..

وهذا أرحم من موقف الجامعة حيال الشعب الفلسطيني وقضيته ، حين اتخذت الجامعة قرارا شملت برعايتها استمرار المفاوضات مع سلطة عباس مجانا تماما ، وعبثا تماما ..

ـ 5 ـ

إنه من طبيعة الأشياء والحياة ، أن يلجأ الناس للاستعانة بأقرب الناس إليهم ، أو الاستنجاد بهم في المُلمَّات والمصائب والكوارث ، وخاصة عندما تنسدُّ الآفاق أمامهم ، ويسند الناس ظهورهم إلى آخر جدار ، وهم يدافعون عن أنفسهم أمام مهاجميهم " الأشاوس " الشرسين المجرمين ..

وقد حدث هذا كثيرا ، في العالم كله ..

لكننا في ظروف دقيقة تحتم علينا وضع النقاط على الحروف ، والشعب العربي الشقيق في ليبيا ، يواجه " ظلم ذوي القربى " وذئبيتهم وفجورهم وطغيانهم ، وهو الأعزل المسالم ، الذي خرج على جلاده ، بعدما طول صبر عليه ، دام كواحدٍ من أطول فترات الحكم المستبد عبر التاريخ ..

فكم من الطغاة ـ عبر التاريخ الحديث على الأقل ـ حكموا مدة تتقارب مع اثنين وأربعين عاما أمضاها هذا القذافي في الحكم المطلق ، ولم يشبع ؟؟!!

ربما لا يجاريه في هذا ـ حاليا ـ سوى الرئيس الكوبي فيدل كاسترو ، الذي تنحى لأخيه قبل سنوات ، بسبب ضعف قدرته الصحية واعتلالها .. ولا نعرف كيف كان سيتصرف لو أن صحته تسمح له بمتابعة الحكم ..

والعلة في هذا القذافي ، أنه لم يشبع من الحكم والخيلاء والنهب وسفك الدماء ، ولم يُصَبْ بأي ملل ، كالذي أصيب به شقيقه الرئيس اليمني ، حين زعم أنه " ملّ من الحكم " ، لكنه " لن يتنازل عنه " ..

وإن كان الرئيس اليمني لم يَرْقَ في بربريته إلى درجة القذافي ـ حتى الآن على الأقل ـ ، لكن ، ألا يستحق شعبُ كلٍّ منهما أن تستيقظ عيناه ذات صباح على صورة حاكم آخر ، قبل أن يلاقي وجه ربه الكريم ؟؟!!

ولعل من الغريب العجيب ، أن الحكام المستبدين يتمسكون باستبدادهم ويستشرسون أمام مطالب شعوبهم المحقة ، فتراهم يزدادون تعلقا بالتسلط والعنجهية ، ويتظاهرون بأنهم (( تأبى عليهم أنفسهم وكرامتهم التنازل عن حقهم " المشروع ، الإلهي " في الحكم الأبدي )) ، وهم ـ في حقيقة الأمر ـ مجرد أرانب جرباء صغيرة في حظيرة أمريكا أو الصهاينة ، ومع ذلك ، يتمسكون بأذيال السلطة ، ويرتكبون الجرائم الفظيعة ضد شعبهم الأعزل من أجل عروشهم ، لمجرد أن شعبهم طالبَهم " ببعض حقوقه " المهدورة المقموعة ..

هذا ما لمسناه في تونس مؤخرا ، ثم في مصر ، وهذا ما نلمسه الآن في كل من ليبيا واليمن ..

وتحت وطأة ما يلاقيه الشعب العربي في ليبيا من جلاده المجنون ، وإزاء عجزنا كشعب عربي ، في تقديم الدعم لأشقائنا ، نقف حيارى ونحن نشاهد صور الفظاعة بإخوتنا يقتلون بدم بارد على أيدي جلاوزة النظام ومرتزقته ، فلم يبقَ لنا إلا أن نستجير بالمنظمات الدولية والعربية لمحاولة تقديم أي عون ، مهما كان نوعه ، لوقف حمام الدم الذي ما يزال يجري في ليبيا " مدينة مدينة وبيتا بيتا وشارعا شارعا وزنكة زنكة " كما هدد القذافي في خطابه الأول ..

وإن كنا ندرك أن كل المنظمات الدولية والعربية أعجز عن أن تقدم أي خدمة حقيقية للشعب الليبي ..

لكننا لا نستطيع أكثر من ذلك ، أمام عجزنا ..

فماذا فعل مجلس الأمن عبر تاريخه ، سوى أنه كان ، وما يزال ، وسيبقى ، أداة في يد الدول الكبرى ، يتبادلون عَبرَه مصالحهم ، ويتقاسمون العالم وخيراته وشعوبه وأراضيه ، ويفعلون ما يحلو لهم في سياسة تمييزية خبيثة لا تراعي ذمة ولا إلاًّ ولا حقا ..

وعندما يتعلق الأمر بالصهاينة يتباكون ويرفعون أصواتهم عاليا ، ويدفعون باتجاه استصدار أقسى القرارات ضدنا ، ويمنعون أي قرار يمس شعرة من قفا صهاينتهم ..

فإلى هذا الحد يستهينون بشعبنا وبمصالحه وبحقوقه ، ويدافعون عن المجرمين ويحمونهم ويربّتون لهم على أكتافهم إعجابا ومديحا " بحضارتهم وديمقراطيتهم النموذجية " ؟؟ ..

وما الفيتو الأمريكي الأخير في مجلس الأمن إلا صورة من صور سياسة الكيل بالمكاييل التي تناسب مصالحهم ، ومصالح ربيبتهم " دولة الكيان الصهيوني " ..

بذريعةٍ أسوأ من ذنب ، تقول : " إن مجلس الأمن ليس المكان المناسب لمناقشة هذه الأمور " ..

ما هذا التلفيق الفج ؟؟ وما هذه الاستهانة والاستخفاف ؟؟ وما هذه الحقارة والازدواجية ؟؟

فمجلس الأمن ليس مكانا يلجأ إليه المظلومون لاسترجاع حقوقهم ، إنه المكان " المناسب " لفرض إراداتهم واحتلال دولنا وأراضينا ، والطمع بنهب خيراتنا ..

وليست " جامعة الدول العربية " بأقل عجزا من مجلس الأمن ..

أليس الذين أسّسوا مجلس الأمن ، هم مَن أسّسوا الجامعة العربية ؟؟!!

وكما مارست أمريكا " بوش " الترغيب والترهيب على أعضاء مجلس الأمن ، لدفعهم للموافقة على مشروع قرار يجيز لهم استخدام القوة العسكرية ضد العراق ، مارست " دول الاعتدال العربية " نفس الدور على " أعضاء الجامعة العربية " لتقوم الجامعة بتغطية المؤامرة الصهيونية الأمريكية التي تستهدف الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه المشروعة ..

فأصدرت قرارا تدعم فيه السلطة " الفلسطينية العباسية " في مفاوضاتها المباشرة مع الصهاينة ، والتي صار شأنهم فيها ، شأن الرئيس الأرتيري ، وكل العملاء ..

وربما يكون ذاك قد فعل ما فعله العميلان " ابن علي ومبارك " ، حيث انتفخا وَرَمًا بالمليارات ، وبقي الشعبان في حالةٍ اقتصاديةٍ يُرثى لها ..

وهذه هي مقاصد السياسة الصهيونية مع عملائها ..

لكن الصهاينة لو توقعوا في يوم من الأيام أن يحصل في مصر وتونس وليبيا ما حصل ، لما راهنوا على الجلادين إلى هذا الحد ..

لأن مراهنتهم على الأحصنة الخاسرة ، جعلت أزمات الشعب تتفاقم حتى وصلت إلى حد الانفجار الذي لم يبق ولم يذر ..

الأحد ـ 27/02/2011

السبت، 26 فبراير 2011

يوم الشعب العربي العظيم

يوم الشعب العربي العظيم

هل يمكننا أن نقول : إن كل ما نشاهده في المدن العربية من انتفاضات شعبية وثورات واحتجاجات ، مردّه إلى فتيل انتفاضة محمد البوعزيزي في تونس ؟؟

هل يمكن تبسيط الأمر إلى هذه الدرجة ؟؟

هل كانت ثورة مصر ترجيعًا لصدى ثورة تونس ؟؟ أم إن الظروف الموضوعية كانت ناضجة ومتأزمة إلى حد الانفجار في كلا البلدين ، ولم يكن ينقصها إلا صاعق التفجير ؟؟

وما الذي جرى حتى ضغطت الثورتان التونسية والمصرية على خاصرتي ليبيا ، ليثور شعبها ضد حاكمه المهلوس المجنون المهووس ؟؟

ويوم أمس ، الجمعة ، هتف المتظاهرون في المنامة ، فتردد الصدى في بغداد والبصرة والموصل وصنعاء وعدن وعمّان ، لتلتقي أصواتهم فوق القاهرة وبنغازي وطرابلس وطبرق والبيضا وتاجوراء ، مع الصدى القادم من نواكشوط وتونس ..

يوم أمس ، كان يوم الشعب العربي الغاضب من الظلم والطغيان ..

سقط فيه عشرات الشهداء ومئات الجرحى في العراق وليبيا .. وكأن المطلوب من الشعبين أن يدفعا ثمن حريتهما مرات ومرات ..

وكما في مصر وتونس ، فإن الشعب لم يهدأ ولم يستكن لمن تعلقوا بالعربة الأخيرة من قطار الثورة ، ثم تسللوا إلى المقدمة ، وتقلدوا المناصب الأولى فيها ..

فما فعلته الثورتان أنهما بترتا رأس النظام ـ وهو إنجاز ضخم وهائل وعظيم بكل المقاييس ـ لكن بقاء الجسد العفن النخر الملوث بكل الآثام والدنس ، وتسلقه ، والقبول به لقيادة مرحلة ما بعد الثورة ، لا يمكن أن يكون في صالح الثورة أبدا ..

لأن مَن كان في صفّ الطغاة والخونة وجزءا من النظام البائد ، لا يمكن أن يكون مؤهلا لقيادة ما بعد الثورة ..

فقد رضع هؤلاء حليب التسلط والتحكم والخيانة والبغي طيلة سنوات الانتفاع من رأس النظام المقطوع ..

وهم ليسوا الآن النخبة المؤتمنة الصالحة لقيادة هذه الثورة الشعبية ، بعد أن دفعت دما غزيرا طاهرا لتحقيق هدفها الأكبر بإسقاط رأس النظام ..

وربما من الضرورة بمكان ، أن يعيد الثوار النظر فيما آلت إليه نتائج الثورة ، لتصحيح المسار ، وبتر الأيدي المتسلقة ، فليس من المقبول أبدا أن يضيع دم الثوار الشهداء ، وأن يقتلوا مرتين ، الأولى برصاص النظام المخلوع ، والثانية بحكومة من بقايا العهد البائد ، تغتال الثورة كلها وإنجازاتها الكبرى ..

وقد ضاقت السلطة الحاكمة بمصر من ثوار ميدان التحرير أمس ، ففرقوهم بالقوة ، في إشارة على إمكانية اللجوء لمزيد من العنف في تفريقهم ، لو أعاد الثوار تجمعهم للمطالبة بتحقيق بقية أهداف ثورتهم ومطالبها المحقة ، التي وضعتها السلطة على نار هادئة جدا ، هي أقرب للتسويف والمماطلة منها إلى وعود حقيقية بالتغيير المطلوب ..

وهذا سلوك طبيعي من سلطة هي " خريجة رحِم " النظام المخلوع ..

وكذلك الأمر مع ثوار تونس .. فقد خرجوا أمس مطالبين بإقالة الوزارة التي سيطر عليها رجال العهد البائد ، رغم أن الحكومة قدمت بعض " التنازلات " على طريق تحقيق مطالب الثورة ..

أما " الأخ العقيد التاريخي وولده النجيب " ، فقد خيّرا الليبيين بين أمرين أحلاهما مر :

" إما أن يكونوا مع النظام ، وإما الإبادة .. "

كما قال مندوب ليبيا في الأمم المتحدة ..

فإذا كان قصف النظام للمحتجين بالطيران الحربي سابقة أولى لم يفعلها حاكم قبله ، وتجنيده المرتزقة ضد شعبه يمثل سابقة ثانية ، فإن هذا التخيير سابقة أخرى تدلل على مدى الجنون والحماقة التي يرتكبها النظام ضد شعبه الثائر ضده ، كما تدلل على أن ليبيا ليست لشعبها وأهليها ، إنما هي لحاكمها وجلادها وأولاده " النجباء " فقط .. وفقط لا غير ..

ويجب أن نتوقع من " زعيم ليبيا الأوحد ، ملك ملوك إفريقية " مزيدا من السوابق الجنونية التي يفاجئ بها شعبه الأعزل ، وربما ليس آخرها تهديده أمس بفتح مخازن السلاح لمناصريه ، ليقوموا بمزيد من القتل والإجرام ..

فهل ينتظر الشعبَ العربيَ الليبيَ الأعزلَ ، مزيدٌ من تلك السوابق ؟؟!!

إن جنون هذا " الأخ العقيد " سابقة مفجِعة في التاريخ الحديث ، ربما يتلاقى مع هتلر وموسوليني وستالين وغيرهم ، ممن اعتقدوا أن الكون سينتهي لو لم يكونوا حكاما لشعوبهم ..

إنه الحساب العسير في يوم الشعب العربي العظيم ..

السبت ـ 26/02/2011

الخميس، 24 فبراير 2011

مناجاة هموم التعب وشجون الغربة

مناجاة هموم التعب وشجون الغربة

كان ذابلا ، شرودا ، ساهما ، مهموما ، كئيبا ، أشعث ، ممتقع الوجه كالمحنط ، متهدل الكتفين كأنه جُرِّدَ من الخوافي والقوادم ، عيناه غائرتان في محجريهما الناتئين كأنفه الذي يغطي نصف وجهه ، قفاه كحنظلة ناجي العلي ، وظهره كأحدب نوتردام ، مكسور الهمة ، خائر القِوى ، يجرجر ساقيه إلى مشنقة الحياة ، أو مقصلة الوظيفة ..

سألته : ما بك ؟؟

قال ببطء شديد : تعبت ..

ـ ممَّ ؟؟

جاءني صوته خافتا ، متراخيا كمسجّل نفدت طاقته :

ـ من كل شيء ؟؟

سألته باهتمام : من العمل ؟؟

قال ـ نعم ..

قلت : من البيت ؟؟

قال : نعم ..

ـ من أصدقائك ؟؟

ـ نعم ..

ـ مني ؟؟

ـ نعم ..

قلت له بسأم : إذن ، سأسألك عن القليل الذي لم تتعب منه ، لأعرف الكثير الذي أتعبك ..

قال : معك حق .. لكنك متفائل جدا ..

قلت بإصرار : نعم .. أنا متفائل .. هل يغيظك هذا ؟؟

قال : ما فائدة أن تسبر أغواري ؟؟ إنك تفتش عما لا يعنيك .. فقد تسمع ما لا يرضيك ..

قلت : لا باس يا صديقي .. المهم أن نصل إلى نتيجة مقبولة تخلـِّصك مما أنت فيه ..

بدا على شفتيه ظِلُّ ابتسامة هازئة ، وقال :

ألم أقل لك : إنك متفائل ؟؟!! أي نتيجة تريد أن تصل إليها ؟؟ ومن أي شيء ستخلصني ؟؟ وكيف ؟؟ ألا ترى أنك تستهين بالأشياء ، ولا تقدّر حجمها الصحيح ؟؟!!

قلت : دعْك من هذا .. وقل لي : ما الذي أتعبك ؟؟

قال : أمستعد أنت لتسمعني ؟؟!!

قلت : بكل تأكيد ..

قال : يا صديقي ، سأبدأ معك من أكثر الأمور سهولة :

فقد قال أبو العلاء المعري :

" تعبٌ كلها الحياة " .. وهذا حالي ..

فقد تعبت من الحياة كلها .. ألا تكفيك هذه العبارة ؟؟

قلت : كلا .. أريده بالتفصيل الممل ..

خذ إذن .. افتح أذنيك جيدا .. واسمعني ..

" يا صديقي ، أنا تعبت من الكون ، ومن غزو الفضاء .. ومن الشمس والقمر والنجوم والكواكب والأفلاك والشهب والأجسام الطائرة ومركبات الفضاء والثقوب الأوزونية والانحباس الحراري والتغيّر المناخي وذوبان جبال الجليد ..

تعبت من الليل والنهار .. من الصباح والضحى والظهيرة والعصر والمساء والسهرة والفجر والهجير والحر والبرد والمطر والثلج والغيوم والرعود والبروق .. ومن ألوان قوس قزح وخطوط الأفق والاستواء والمدارين ..

تعبت من المد والجزر .. والبحار والمحيطات والأنهار والبحيرات والمستنقعات .. ومن الطوفان والسيول والعواصف .. من التماسيح والدلافين والهامور والهمامير وحتى من سمك التونا والسردين والسلمون ..

تعبت من الحِلِّ والترحال .. من التغرب والتشرق .. ومن الذهاب والإياب .. من السفر والوداع واللقاء وجواز السفر والأختام والتأشيرات والمسموحات والممنوعات والجمارك والحدود والتفتيش والطرق الطويلة والصحراء والطوز والرمال والمطبات والجمال العابرة والداشرة ومحطات البترول ومطاعم البرياني والحمامات القذرة والمياه المرة والرطوبة الخانقة والشمس التي تحرق ذنب الطير ..

تعبت من الحيوانات والحشرات والطيور والزواحف والمائيات والبرمائيات والديدان والجراثيم والفيروسات ..

تعبت من الصحة ومن المرض .. من التنفس .. من الشهيق والزفير والعطس والسعال والتثاؤب والتنحنح ..

تعبت من الطعام والشراب .. ومن الأكل والشرب والمضغ والبلع والهضم والإقياء والتقيؤ والتبرز والتبول والاستنجاء والاستبراء والغسل والاغتسال ..

تعبت ـ يا صديقي ـ من الحياة والموت ، ومن الزواج والطلاق ، ومن التزاوج والإنجاب والتربية والتضحية والتعليم والتقديم والتفضيل والإيثار والإنكار والجحود ..

تعبت من الراحة ومن التعب .. من الجلوس والوقوف .. من الركض والعدو والهرولة والمشي والزحف والإقعاء والاستلقاء والانبطاح والانحناء والركوع والتمدد والانكماش والانتفاخ ..

تعبت من الفرح ومن الحزن .. من الهدوء والضجيج .. من السكينة والجمود والهيجان والصعود والهبوط والانزلاق والتزحلق والتسلق والتبرج والبهرجة والتمسّح والتمسيح والتمسحة ..

تعبت من التكلم ومن الصمت .. ومن الهمس والغمز واللمز والحملقة والاندهاش والاستغراب والاستفهام والاستعجاب والتوكيد والإيجاب والنفي والنهي والأمر والامتناع والإنشاء والخبر ..

تعبت من القراءة والتصفح والاستظهار والإملاء والإملاءات والشروط والتعليمات والقوانين والفقه والتفقه القانوني والأخلاقي والفيسبوكي واليوتيوبي والتويتري والتواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية والاتصال والاتصالات ..

تعبت من الأفعال التامة والناقصة وأسمائها .. المبنية والمعربة .. المبنية للمعلوم والمبنية للمجهول ، الماضية والحاضرة والمستقبلة والآمرة والناهية والأحرف الناسخة والناسخ والمنسوخ ..

تعبت من الأسماء والأفعال والأحرف والأدوات .. من المبتدأ والخبر وأنواعه .. من أدوات الشرط والجزم والاستفهام والأسماء الموصولة والمقطوعة ..

تعبت من المرفوعات والمنصوبات والمجرورات وحروف الجر والنصب والاحتيال والجزم والمجزومات والصفات والأحوال والتمييز والبدل ..

تعبت من نوني التوكيد الثقيلة والخفيفة والمتوسطة .. ومن نون النسوة وتاء التأنيث ولام الجحود ..

تعبت من الضمائر الغائبة والمتكلمة والمخاطبة ..

تعبت من لو ولولا وحتى ولأن ..

تعبت من أين ومتى وكيف ولماذا ..

تعبت من أنْ ولن وكي وحتى ولام التعليل وأن المصدرية ..

تعبت من لم ولمّا ولام الأمر ولا الناهية ..

تعبت من سيبويه وابن جني ومدارس بغداد والبصرة والكوفة ..

تعبت من الجاحظ والقالي وابن خلدون وابن قتيبة والأصفهاني ..

تعبت من المهلهل وامرئ القيس والنابغة وزهير وعنترة ..

تعبت من طرفة وعمرو بن كلثوم وأمه .. ومن عمرو بن هند وأمه ..

تعبت من الشنفرى ولاميته .. ومن عروة وتأبّط شرًّا ..

تعبت من المناذرة والغساسنة .. من زهير وهَرِم بن سنان ..

تعبت من داحس والغبراء ..

تعبت من الحِيرة ونجد والحجاز .. من العدنانيين والقحطانيين ..

تعبت من جرير والأخطل والفرزدق وسيف الدولة والمتنبي وأبي فراس ..

تعبت من الروم والفرس والبيزنطيين والعرب والعجم ..

تعبت من الحمدانيين والبويهيين والسلاجقة والأتراك والمغول ويأجوج ومأجوج ..

تعبت منك ومن اللي خلـّفوك .. تعبت من حماقتك وغلاظتك وسماجتك وأسئلتك واستفساراتك وتعليقاتك وتلميحاتك ..

تعبت .. تعبت .. تعبت ..

تعبت من الرحمة ومن التراحم .. ومن الشفقة والرأفة واللين والقسوة والصد والرد والهجر والوصال والمديح والهجاء والغزل والنسيب والفخر والفخفخة ..

تعبت من الحياة بما فيها .. لكني لم أشبع منها .. فلن أستسلم للإحباط .. ولن أنهزم ، ولن أموت إلا واقفا ..

فليس أقسى من الغربة سوى النفي ..

هل ما زلت تسمعني يا صديقي ؟؟

أووووه ........ "

الجمعة ـ 25/02/2010

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

القذافي : أنا لست مبارك ولا ابن علي

القذافي : أنا لست مبارك ولا ابن علي

في المقالات التي نشرَتْ تزامنا مع ثورتي : تونس ومصر ، لو استبدلنا اسميهما ، بأسماء دول الشعوب الثائرة اليوم ، في كل من : " ليبيا أو اليمن أو البحرين " ، فهل تختلف الصورة كثيرا عن سابقاتها ؟؟

ألا نجد أن السيناريوهات المنفذة حتى الآن ، هي عبارة عن نسخ شبه متطابقة مع بعضها ، في الظروف ، والأسباب ، والتسلسل الزمني ، والتتابع المكاني ؟؟

إلا أن الثوار ضد " القذافية الدموية " ـ ولسوء الحظ ـ نالهم النصيب الأوفر " والمتميز " من " جنون قائد بلادهم السابق " ..

وهذا ليس جديدا عليه .. إنه سلوك شنيع " تمتع " به طيلة سنوات حكمه ، وعلى كافة الأصعدة ، حتى لم يسلم منه ديننا الإسلامي ، وفكرنا وترائنا وعقائدنا ..

إن إمعان النظام الليبي في حجب جرائمه عن كاميرات التلفزة والصحافة ، وقطع الاتصالات ، يجعل من القليل الذي نشاهده ، عن تلك الجرائم ، جزءا يسيرا جدا من الفظائع التي يرتكبها المرتزقة وبعض أفراد الجيش المنتفعين ، بحق الشعب العربي الليبي ، وهو يدافع عن حقوقه وحريته ..

ولم يكن خطاب " السيف الأجرب " قبل ليلتين ، إلا المسمار الأخير في نعش النظام ، إلى جانب كونه وثيقة دموية إجرامية عنجهية ، يمارسها النظام الليبي ضد شعبه ، المحروم الصابر ، الذي يستحق خيرا من جلاديه ومرتزقتهم وجلاوذتهم ..

لقد جاء خطاب " ابن ملك الملوك المتوّج على العرش الإمبراطوري " مشبعا بالتهديد والوعيد ، والتحذير بسبّابة ، هي نفسها التي ضغطت على الزناد ، فسالت أنهار الدم التي تحدث عنها القذافي الابن " مهندس القتل والموت " ، مخيِّرا الشعب والمواطنين في : الطريقة ، والسلاح ، والآلة الحربية التي يفضلون أن يُقتلوا فيها ..

وما أن عَرَف النظام ردّ فعل الشعب الثائر ، حتى استنفر مرتزقته وجيشه وطيرانه " لينثروا ورود نصرهم " على شعبهم الأعزل ، في كل المدن ، والمناطق ، وفوق كل خيام القبائل وأسقف الصفيح ..

تصوروا .. يا عالم .. يا هوووووووووووووووووو

القذافي وابناه " الأشبهان " ، يقصفون الشعب العربي الليبي بالطائرات الحربية !! ..

والذي " يجازف ويتجرأ " على أن يواريَ أجساد الشهداء ، يُدفن حيًّا مع جثثهم ، لذلك امتلأت الشوارع بالضحايا والأشلاء ، كي " يتعظ المواطنون " ويعرفوا جيدا ، قدرة النظام على البغي والقتل والطغيان .. وأن " لحم الطغاة مرّ ، وعسير الهضم " ..

فالقذافي ، ليس " مبارك ، ولا ابن علي " المخلوعين ..

أية همجية هذه التي يُصاب بها من تمَلـًّكهم جنونُ العظمة ، وكبرياءُ السلطة ، وعجرفة التصلب ، وشهوة الحكم والدم ؟؟!!

أية شريعة تجيز لهؤلاء المجرمين أن يُمعِنوا في شعبهم قتلا وإحراقا ، إلى هذه الدرجة غير المسبوقة ـ في حدود ما نعلم ـ على الأقل ؟؟!!

لقد فاقت أفعالُ القذافي وجرائمُه ، كلَّ تصوراتنا وأخيلتنا ، ولم يعد أكثرُ الناس تشاؤما من أفعال هؤلاء الطغاة المجرمين ، يصدق ما يرى ويسمع من تلك الجرائم البشعة ، التي يمكن توصيفها بأنها :

جرائم حقيقية ، ضد الإنسانية ، وضد التحضر ، وضد الأخلاق ، وضد كل الأديان السماوية ..

فلقد سمعنا عن كثير من الجرائم عبر التاريخ القديم والحديث ..

سمعنا عن القتل تحت أرجل الفيلة ، وسمعنا عن المقصلة ، وسمعنا عن التذويب في المحاليل الكيماوية ، وسمعنا عن القصف النووي الأمريكي على هيروشيما وناغازاكي ، وسمعنا عن الصواريخ العابرة والموجهة ، والقذائف والقنابل الذكية والحارقة والخارقة ، وسمعنا عن الإحراق ، وسمعنا عن القصف بالمنجنيقات قديما وحديثا ، وسمعنا عن الدبابات التي تدخل البيوت من أبوابها ، وعن الكيماوي والنابالم ...

وسمعنا عن سَمْل العيون ، والصّلب ، وتقطيع الأوصال ، واستئصال الألسنة من الحلوق ..

وسمعنا عن السَّحْل بالخيل والسيارات والدبابات والمجنزرات ..

سمعنا عن الخوزقة ، وبقر بطون الحوامل ..

سمعنا عن الاغتصاب والتنكيل ..

سمعنا عمن يُجبَرُ على قتل بنيه قبل أن يُقتل ..

سمعنا ، وسمعنا ، وسمعنا ..

لكننا ـ والحمد لله ـ عشنا حتى شاهدنا منذ قريب ، كيف يهجم " الهمجيون الجدد " بالجمال والخيول على المتظاهرين سلميا ، وشاهدنا فوقهم استعراضا جويا تهديديا تحذيريا ، وشاهدنا إطلاق الرصاص الحي والمباشر في الميادين والساحات العربية الثائرة من المحيط إلى الخليج ..

لكننا لم نر طائرات حربية تقصف مواطنينها المتظاهرين بالقنابل والصواريخ ..

إنها سابقة تاريخية ـ كما أظن ـ يجب أن تسَجَّلَ للنظام الليبي القذافي ، بأحرف من " دماء قذافي الدم " ، ويجب أن تضاف إلى السجل " الحافل بالإنجازات " المماثلة له ، عبر أكثر من أربعين عاما من السياسة الرعناء ، والفكر الأخرق ، والمواقف الباهتة المتذبذبة ..

""" فما الذي بعدُ يُضاف ؟؟!!

أكلَ الذئبُ الخِراف """ ..

رحمك الله يا سليمان العيسى قبل أن يواريَك الثرى ..

وسأترحم ـ بالمناسبة ـ على النبّاشيْن المخلوعيْن السابقيْن للقذافي ، اللذين لم " يتكرما بقصف شعبهما بالطائرات " ..

ولا أدري : هل يجب أن نشكرهما على ذلك أيضا ؟؟!!

بالله عليكم ، أفيدونا ..

هل يجب أن نشكرهما ، ونترحم على أيامهما ؟؟!!

إن كثيرا من تلك الجرائم ، قد ارتكبت في حروب عدائية عدوانية ، لكن بعضها الآخر ، ارتكبته أنظمة فاشية مجرمة بحق مواطنيها وشعبها ..

لا لشيء ، سوى أن الطغاة يعادون شعوبهم ، وأوطانهم ، وهم أعداء حرية وإرادة شعبهم ..

قتلوا شعوبهم ، لا لأن مواطنيهم لا يحبون أوطانهم ..

ولا لأنهم يريدون أن يحصلوا على بعض حقوقهم المسلوبة المنتهكة ..

ولا لأنهم يريدون العيش بحرية وكرامة ..

ولا لأن الجوع عضّهم في عصر تخمة الأنظمة ..

قتلوا شعوبهم ، فقط ، لأن الشعب قال لهم :

كفى طغيانا ، فما عاد فينا طاقة على مزيد من الاحتمال والصبر ..

لأن الشعب قال لهم :

كفى هدرا وانتهاكا لكراماتنا .. فقد سحلتم بنا كل الأراضي الوسخة القذرة ..

لأن الشعب قال لهم :

كفى نهبًا وسرقة لخيراتنا .. فقد جعْنا وعرينا وسقطت عنا حتى أوراق التوت المهترئة ..

لأن الشعب قال لهم :

كفاكم تخمة على حساب جوعنا ..

كفاكم عنجهية على حساب إذلالنا ..

كفاكم عربدة وجنونا على حساب حريتنا ..

كفاكم غدرا وهدرا على حساب إنسانيتنا ..

كفاكم نهبا وسرقة على حساب لقمتنا ..

كفاكم خيانة على حساب حقوقنا وإرادتنا ..

لقد مُورست كل أفانين القتل والموت بحق شعبنا العربي من قِبل أعدائه ، وأصدقاء أعدائه ، وسمعنا عن أنواع عديدة من التعذيب ، ذاقها كثيرون ممن سُمِلتْ أعينهم ، أو قطـِّعتْ أعضاؤهم وأوصالهم ، أو انتزعت أكبادُهم ، أو اقتلعت أظافرهم ، أو دُقت وهُرست بالحجارة عظامهم ..

لكننا اليوم ، أمام مفصل تاريخي جديد ..

مفصل إنساني وحياتي كأنه منبتٌّ عن كل ما سبقه ..

وبتنا نتساءل : أهكذا هو الشعب العربي ليتولى هؤلاء الحكمَ عليه ، تنفيذا لمقولة : كيفما تكونوا يُوَلـّى عليكم ؟؟!!

ألا يستحق الشعب العربي حكاما " أرحم من أولئك الطغاة المهووسين المتسلطين ؟؟!!

أعود وأقول :

لقد دفعَنا القذافي " بشهامته المعهودة " أن نترحم على الراحليْن المخلوعيْن قبله ؟؟

فهل سيأتي اليوم الذي سنترحم فيه على " إنسانية وتحضر الطريقة " التي قاوم فيها القذافي ، رحيله وخلعه الحتمي ؟؟!!

" اللهم ، لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا " ..

الثلاثاء ـ 22/02/2011