السبت، 1 مايو 2010

خاطرة صباح الشهباء


الأولى :

في كل صباح .. أمرُّ في الطريق التي سرْناها ..
تنهض إليَّ أحجارُ الرصيف مستفسرة عنا .. تداعبُ وجهي أغصانٌ اعترضتْنا ، وأغصانٌ قطفنا منها ذكرياتٍ حلوة ..

في كل صباح .. تهمس لي شجرة باسقة :
هل تذكر عندما سألتْكَ : " ما قولكَ إذا قلتُ لكَ : إني أحبكَ ؟؟"
يهتز رأسي إيجابا .. وتصعد من أعماقي شهقة عميقة ..
أتلفّتُ والحيرة تمزقني .. يغتالني الأسى .. وتلمع في السماء بوارقُ لا أعرف كنْهَهَا ..

في كل مساء .. أسافر مع الشمس ، أرتحل إلى مدن لا تغيب عنها .. ثم أعود محملا بعبق الغيم ، وبسَلـَّةٍ من النجوم ..

في كل ليلة تحتضنُكِ عيناي بفرح .. تُنشدين لي ألحانا .. أتوسّد خدَّكِ المُتْلع .. فترقص ذراعاي ، وتهيم الأماني في أطراف المدى ..

حلب ـ 27/06/1990


الثانية :

تنقبض المساءات هديلا سحريا ، وينكفئ العمر ، مرتحلا في بواباتِ ومزامير الخيمة القابعة في صحراء لا حدود لها ..
يا المشتمل بالعباءة ، لا تغمضْ عينيك َ عن الجنة ، ففيها متسع لكل الخاطئين ..

أيتها النذور التي استُبيحَتْ دماؤها قربانا لمن يتضوّع عبيرُ المسك من أقدامها ، هبّي ، فاستعيدي بقايا النجيع المتجمد ، وارقصي على أشلائها ، وامنحيها بعض الطعم واللون والحركة ..

حين تندمل الجراح في قلب المأساة ، تلتهب المآقي والأحداق ، وتنغرز في الصدور نِصالٌ من زنبق وقصب ..

يا رياحَ القطب ، دثريني ..
إن في جوفي جبالا من ثلج ، وحمما ، وحمائم ، وعينين ضاحكتين ..
قد يسخر القدر منا ، لكنّا أقوى من أن تهزنا العواصف العاتية ..
لن يكفَّ الفؤادُ عن أهازيجه ..
ولن يتأذّى الموتُ من عاشقين فارقتْهما الروح متعانقيْن ..
فيا نارُ كوني البردَ والسلامَ عليهما ..

حلب ـ 27/05/1990


الثالثة :

أيتها الفرح الموجع ..
أما حان ميعاد الهجرة إليكِ ؟؟
فإذ ترتحل الأشرعة إلى القلوب ، تحضر الذكريات ، ويتآكل الموت في الأزقة ، وتعلن المراكب :

" إن طريق الميناء مزروعة بالألغام "

يا حروبَ الليل .. جرّي مطارفكِ بزهوّ نعامة .. لتكون للأشياء وشوشاتٌ وأنغام ..
أيتها السنون العِجاف .. احملي البواباتِ المغلقة إلى عوالم الغد الدافئ ..
فلتنتفض الأفاعي من أردية العصافير ..
فلتكن الأحلامُ أجملَ من صبايا الجنة ..
ولتكن أغنياتُ الحصاد نشيدًا للخلود ..
وحين تغفو في المآقي همسات الليل ، تجرجر الخيبة أذيالها بخيلاء ، ويجف الزيت في أيقونات الميلاد ..
يا ربيعًا .. يا شمسًا .. يا كبرياءَ الورد , وشذاه ..
أنا ما عدْتُ أحتمل الحمّى ..

حلب ـ الأحد ـ 10/06/ 1990


يوسف رشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق