السبت، 1 مايو 2010

خواطر الصباح الأغبر

الأولى :

لم يتعب القلب من الحنين إلى الفيافي الخضر ..
صار النشيد قرنفلا على صدر الأمسيات .. وتأرجحت النوارس فوق الذؤابات الليلكية ..
تغمركَ ياسميناتُ المدينة الولهى بدفئها الآسر ..
أتقلّد سيفي ، يشدني إلى القلاع الأسيرة .. أعدو فوق أسوارها .. يلتمع نصل السيف ، يعكس ضوءا ، بريقا ، تغمض له الخيولُ عيونها ..
يا جميل الوجه .. كن غيمة .. أو سنابل من الأرز والأقماح وأغصان البلوط ..


الشارقة ـ 20/02/1993


الثانية :

يغيب الزمن في أفياء قلبي .. وتترنح الأحلام في جزر الهوى ..
" يا ساري البرق " فجّر الليل ، وامنح العاشقين قبلاتٍ وردية ، ترتجف لها الشفاه ، وتغدو السيول بيارقَ وراياتٍ ، وإكسيرَ حياة ..
إنكِ القادمة من المسافة الفاصلة بين الوريد والوريد ..
إنكِ الحاملة أوجاع السنين العجاف ، تقدمين أضاميم الورد ، وتنتزعين الأقنعة المزيفة ..
أيتها الآسرة .. تجمّعي فوق رمال الجسد ، وتكوّري برتقالة من عبير الزهور .. ومن سكاكر الأطفال .. ومن نداءات موجعة لا تهدأ ..
أيتها الساكنة جوارحي .. ترفّقي بالقيد الذي يكبلني .. ودندني بهمسات شفافة ، تخترق شغاف القلب الكسير ..
خذي قبضة من الريح ، وادفعيها بين ضلوع الصبح ، كي تتنفس الشمس من عبق أريج السّحَر ، وكي تبقى ياسمينات بلادي كوجهٍ صبوح تنحني له أطول القامات ..
" يا ساري البرق " .. إن المزاميرَ ـ كل المزامير ـ ما عادت تطربني .. ما عادتْ تبعث في قلبي فرحا ، ولا ما يشبهه ..
ما عاد للبهجة مكان في حدائقي .. جفّت كل الينابيع ، وتأسّنتْ أمواه عينيّ ..
ألم يبقَ في الكأس ما يثمل ؟؟ ..
ألم تعد عيناي تبصران بياض الثلج ، أو غلالة الحلم ، أو بُُحَّة الناي ؟؟ ..
آه .. يا قلبي البائس .. كم حزنتُ من أجلك !! ..
فها أنتَ تنتحبُ أرضًا تعشقها .. وأحبة هجرتَهم رغمًا عنكَ ، حتى لم يبق فيكَ سوى أعشابٍ ضارةٍ ، ترتشف من حناياكَ رحيقَ فرح قد يأتي .. وقد .......

الشارقة ـ 10/11/1994

الثالثة :


كنت أصافح البحر وأحييه بتحية الصباح المعتادة .. وكان يرد عليّ التحية بطريقته الخاصة ..
فما أن أقتربُ من الشاطئ ، حتى أرى الموجة مندفعة من عرض البحر .. وإذ تدنو من الصخور ، تتهادى مترنمة ، وكأنها ترقص على أنغام قلبي ، ثم تترنح وتنداح بين قدمي ، فتغسل من رأسي أدرانا وهموما صدئة ..

ـ " فمنْ يعشقُ البحرَ ، لا يُدَنّسُه " ..

يحط نورسُ بجانبي .. يسألني :
ما السر الذي تبوح به للبحر كل صباح ؟؟ ..
قلت : ألسْتَ تبوحُ له مثلي ؟؟ ..
قال : لكني مقيمٌ فيه دوما .. ولا بد من المناجاة ..
قلت : أما رأيْتَ من الأعالي كيف يتصل البحران ؟؟
قال : وما علاقة ذلك ؟؟
قلت : كيف لا ؟؟ والماء هو الماء !!
سأل مندهشا : هل تعني أنك ترى ماء المتوسط في عباب الخليج ؟؟!! ..
هززتُ رأسي موافقا ، وأشرْتُ بيدي إلى موجة تتهادى ، وقلت :
انظر إلى تلك .. ألا تراها تختلف عما حولها ؟؟!! أتعرف لماذا ؟؟
إنها قادمة إلي من الشاطئ الشرقي للمتوسط ..

دبي ـ خريف ـ 1995
يوسف رشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق