الأولى :
لم يتعب القلب من الحنين إلى الفيافي الخضر ..
صار النشيد قرنفلا على صدر الأمسيات .. وتأرجحت النوارس فوق الذؤابات الليلكية ..
تغمركَ ياسميناتُ المدينة الولهى بدفئها الآسر ..
أتقلّد سيفي ، يشدني إلى القلاع الأسيرة .. أعدو فوق أسوارها .. يلتمع نصل السيف ، يعكس ضوءا ، بريقا ، تغمض له الخيولُ عيونها ..
يا جميل الوجه .. كن غيمة .. أو سنابل من الأرز والأقماح وأغصان البلوط ..
الشارقة ـ 20/02/1993
الثانية :
يغيب الزمن في أفياء قلبي .. وتترنح الأحلام في جزر الهوى ..
" يا ساري البرق " فجّر الليل ، وامنح العاشقين قبلاتٍ وردية ، ترتجف لها الشفاه ، وتغدو السيول بيارقَ وراياتٍ ، وإكسيرَ حياة ..
إنكِ القادمة من المسافة الفاصلة بين الوريد والوريد ..
إنكِ الحاملة أوجاع السنين العجاف ، تقدمين أضاميم الورد ، وتنتزعين الأقنعة المزيفة ..
أيتها الآسرة .. تجمّعي فوق رمال الجسد ، وتكوّري برتقالة من عبير الزهور .. ومن سكاكر الأطفال .. ومن نداءات موجعة لا تهدأ ..
أيتها الساكنة جوارحي .. ترفّقي بالقيد الذي يكبلني .. ودندني بهمسات شفافة ، تخترق شغاف القلب الكسير ..
خذي قبضة من الريح ، وادفعيها بين ضلوع الصبح ، كي تتنفس الشمس من عبق أريج السّحَر ، وكي تبقى ياسمينات بلادي كوجهٍ صبوح تنحني له أطول القامات ..
" يا ساري البرق " .. إن المزاميرَ ـ كل المزامير ـ ما عادت تطربني .. ما عادتْ تبعث في قلبي فرحا ، ولا ما يشبهه ..
ما عاد للبهجة مكان في حدائقي .. جفّت كل الينابيع ، وتأسّنتْ أمواه عينيّ ..
ألم يبقَ في الكأس ما يثمل ؟؟ ..
ألم تعد عيناي تبصران بياض الثلج ، أو غلالة الحلم ، أو بُُحَّة الناي ؟؟ ..
آه .. يا قلبي البائس .. كم حزنتُ من أجلك !! ..
فها أنتَ تنتحبُ أرضًا تعشقها .. وأحبة هجرتَهم رغمًا عنكَ ، حتى لم يبق فيكَ سوى أعشابٍ ضارةٍ ، ترتشف من حناياكَ رحيقَ فرح قد يأتي .. وقد .......
الشارقة ـ 10/11/1994
الثالثة :
كنت أصافح البحر وأحييه بتحية الصباح المعتادة .. وكان يرد عليّ التحية بطريقته الخاصة ..
فما أن أقتربُ من الشاطئ ، حتى أرى الموجة مندفعة من عرض البحر .. وإذ تدنو من الصخور ، تتهادى مترنمة ، وكأنها ترقص على أنغام قلبي ، ثم تترنح وتنداح بين قدمي ، فتغسل من رأسي أدرانا وهموما صدئة ..
ـ " فمنْ يعشقُ البحرَ ، لا يُدَنّسُه " ..
يحط نورسُ بجانبي .. يسألني :
ما السر الذي تبوح به للبحر كل صباح ؟؟ ..
قلت : ألسْتَ تبوحُ له مثلي ؟؟ ..
قال : لكني مقيمٌ فيه دوما .. ولا بد من المناجاة ..
قلت : أما رأيْتَ من الأعالي كيف يتصل البحران ؟؟
قال : وما علاقة ذلك ؟؟
قلت : كيف لا ؟؟ والماء هو الماء !!
سأل مندهشا : هل تعني أنك ترى ماء المتوسط في عباب الخليج ؟؟!! ..
هززتُ رأسي موافقا ، وأشرْتُ بيدي إلى موجة تتهادى ، وقلت :
انظر إلى تلك .. ألا تراها تختلف عما حولها ؟؟!! أتعرف لماذا ؟؟
إنها قادمة إلي من الشاطئ الشرقي للمتوسط ..
دبي ـ خريف ـ 1995
يوسف رشيد
لم يتعب القلب من الحنين إلى الفيافي الخضر ..
صار النشيد قرنفلا على صدر الأمسيات .. وتأرجحت النوارس فوق الذؤابات الليلكية ..
تغمركَ ياسميناتُ المدينة الولهى بدفئها الآسر ..
أتقلّد سيفي ، يشدني إلى القلاع الأسيرة .. أعدو فوق أسوارها .. يلتمع نصل السيف ، يعكس ضوءا ، بريقا ، تغمض له الخيولُ عيونها ..
يا جميل الوجه .. كن غيمة .. أو سنابل من الأرز والأقماح وأغصان البلوط ..
الشارقة ـ 20/02/1993
الثانية :
يغيب الزمن في أفياء قلبي .. وتترنح الأحلام في جزر الهوى ..
" يا ساري البرق " فجّر الليل ، وامنح العاشقين قبلاتٍ وردية ، ترتجف لها الشفاه ، وتغدو السيول بيارقَ وراياتٍ ، وإكسيرَ حياة ..
إنكِ القادمة من المسافة الفاصلة بين الوريد والوريد ..
إنكِ الحاملة أوجاع السنين العجاف ، تقدمين أضاميم الورد ، وتنتزعين الأقنعة المزيفة ..
أيتها الآسرة .. تجمّعي فوق رمال الجسد ، وتكوّري برتقالة من عبير الزهور .. ومن سكاكر الأطفال .. ومن نداءات موجعة لا تهدأ ..
أيتها الساكنة جوارحي .. ترفّقي بالقيد الذي يكبلني .. ودندني بهمسات شفافة ، تخترق شغاف القلب الكسير ..
خذي قبضة من الريح ، وادفعيها بين ضلوع الصبح ، كي تتنفس الشمس من عبق أريج السّحَر ، وكي تبقى ياسمينات بلادي كوجهٍ صبوح تنحني له أطول القامات ..
" يا ساري البرق " .. إن المزاميرَ ـ كل المزامير ـ ما عادت تطربني .. ما عادتْ تبعث في قلبي فرحا ، ولا ما يشبهه ..
ما عاد للبهجة مكان في حدائقي .. جفّت كل الينابيع ، وتأسّنتْ أمواه عينيّ ..
ألم يبقَ في الكأس ما يثمل ؟؟ ..
ألم تعد عيناي تبصران بياض الثلج ، أو غلالة الحلم ، أو بُُحَّة الناي ؟؟ ..
آه .. يا قلبي البائس .. كم حزنتُ من أجلك !! ..
فها أنتَ تنتحبُ أرضًا تعشقها .. وأحبة هجرتَهم رغمًا عنكَ ، حتى لم يبق فيكَ سوى أعشابٍ ضارةٍ ، ترتشف من حناياكَ رحيقَ فرح قد يأتي .. وقد .......
الشارقة ـ 10/11/1994
الثالثة :
كنت أصافح البحر وأحييه بتحية الصباح المعتادة .. وكان يرد عليّ التحية بطريقته الخاصة ..
فما أن أقتربُ من الشاطئ ، حتى أرى الموجة مندفعة من عرض البحر .. وإذ تدنو من الصخور ، تتهادى مترنمة ، وكأنها ترقص على أنغام قلبي ، ثم تترنح وتنداح بين قدمي ، فتغسل من رأسي أدرانا وهموما صدئة ..
ـ " فمنْ يعشقُ البحرَ ، لا يُدَنّسُه " ..
يحط نورسُ بجانبي .. يسألني :
ما السر الذي تبوح به للبحر كل صباح ؟؟ ..
قلت : ألسْتَ تبوحُ له مثلي ؟؟ ..
قال : لكني مقيمٌ فيه دوما .. ولا بد من المناجاة ..
قلت : أما رأيْتَ من الأعالي كيف يتصل البحران ؟؟
قال : وما علاقة ذلك ؟؟
قلت : كيف لا ؟؟ والماء هو الماء !!
سأل مندهشا : هل تعني أنك ترى ماء المتوسط في عباب الخليج ؟؟!! ..
هززتُ رأسي موافقا ، وأشرْتُ بيدي إلى موجة تتهادى ، وقلت :
انظر إلى تلك .. ألا تراها تختلف عما حولها ؟؟!! أتعرف لماذا ؟؟
إنها قادمة إلي من الشاطئ الشرقي للمتوسط ..
دبي ـ خريف ـ 1995
يوسف رشيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق