السبت، 15 مايو 2010

نبليات 1

كثيرة هي المفردات التي دخلت في المخزون الفكري العام للناس ، وصار لها دلالات محببة وخاصة وأثيرة إلى القلوب ، حتى اشـُتهرت هذه المفردات ، وصارت لصيقة بحياتنا اليومية ، نسمعها أو نرددها فيكون لها وقع معين ، لا نعرفه بمقدار ما نحسه 0

قبل سنوات ، لفتت انتباهي يافطة كبيرة في مدينة أبو ظبي ، مكتوبة بخط فني جميل : ( مطعم الشاميات ) .. وكنا ـ أنا وصديق من مصر ـ نتمشى قريبا منه ، فسألني مازحا :
ما المقصود بهذا الاسم ؟ أهو حقا للشاميات فقط ؟ ألا يستقبل المصريات مثلا؟

وقد راجت كلمات كثيرة على هذا المنوال ، منها على سبيل المثال :
فيروزيات ، رحبانيات ، وتريات ، شاميات ، حلبيات ، أدبيات ، بيوتات ، فضاءات ...

وهذا الاستخدام ليس المقصود منه جمع المؤنث السالم لكل مفردة ، إنما صارت هذه المفردات وما شابهها ، مصطلحات لها دلالات معينة لا تمتّ أبدا لفكرة جمع المؤنث السالم ولا غير السالم 0

وعليه ، فلماذا لا يكون لنا ( نبلياتنا ) الخاصة أيضا ؟؟؟
ألا تحمل هذه المفردة مكنونا عاطفيا ومشاعر حميمية في غفلة هادئة من اللحظات الأثيرة؟
ألا تحرك فينا هذه المفردة ( نغمشات ) دافئة ، فيها كثير من العذوبة والحنين الآسر ، ربما إلى ماض بعيد أوقريب ، وربما إلى سهول من الوعي الجماعي لكل منا ؟؟
أليس من حق أزقتها وشوارعها وبيوتها ومآذنها وبقايا القباب فيها ، أن نمحضها حبنا الخالص لنسمو بها ، وتنتعش بنا ؟؟
فلو تساءلنا :
ما الموقع الذي تحتله ( ضيعتنا ) في داخلنا ؟
وما هي المكانة التي نكنها لها في ضميرنا وعقولنا وقلوبنا ؟
ما هي أوجه الاتفاق والاختلاف بيننا وبينها ؟
متى نعيش فيها ، ومتى تعيش فينا ؟
متى نسكن فيها ، ومتى تسكن فينا ؟
متى نحبها ولماذا وكيف ؟

لوجدنا آلافا من الإجابات المتوافقة والمتشابهة والمتناقضة ، وكلها ربما تتفق على نتيجة حتمية لدى الجميع وبلا استثناء :

إنها البيت الدافئ ، والسكن المريح ، والملاذ الآمن ، والصحبة الصادقة ، والحنين الذي لا يهدأ ، والمَعين الذي لا ينضب ، والشوق الذي لا يبرد ....
إنها إشراقة ولا أبهى ، إغفاءة ولا أحلى ، ترنيمة من ابتهالات السماء ، تنويعات من موسيقا الروح ...
إنها الحبل السري الذي ما زلنا نتعلق فيه بملء الإرادة والوعي ..
إنها التواصل والتجدد ، إنها الامتداد في الزمن ماضيا وحاضرا ،
إنها أفق التاريخ والجغرافيا وكيمياء الطبيعة..
إنها الحب والحبيب ، إنها بوابة الشوق الأبدي ، إنها البدء ، إنها الغاية ، إنها الشهوة والمشتهى ، إنها المصير والمآل ، إنها الحَكم والحاكم والحكيم والحكمة..
إنها إغفاءة الأبد ، وصحوة المجد ، ومهد الريح ، وغندرة الأصائل ، وصهيل أفراس المحبة..
لالالالالالالالا .......
بل إنها كل ذلك ، لكن كل ذلك أقل منها بكثير جدا جدا ...

إلى اللقاء

يوسف رشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق