الأربعاء، 27 أكتوبر 2010

أبو حنيف .. رجل ربح كل معاركه

1 ـ في العموميات :

إنكَ إذا كنتَ مسنودًا إلى جبل شاهق وراءك ، فإنه يغطـّيكَ ويحميك ، ويمنع الهوامَّ والحشرات الطائرة من إقلاق راحتك .. فلا يجرؤ أحدٌُ على الاقتراب من حِماك ، ولو لم تحرسْه .. فإذا ما تزعزعَ الجبلُ ، أو انزاحَ أو انهارَ ، فإنكَ تترنح وتسقط سقوطا حرًّا ، عند أول نسمةٍ تهُبُّ عليكَ من هواء الغضب أو التغيير ..

فألف هناء وهناء ، لمن وراءه ذلك الجبل الأشمّ ..

والويل الويل ، لمن لا أرض تقيه ولا سماء ..

يقال : طار فلان : أي ، اقتـُلع من منصبه أو مكانه ، بجَرَّة قلم حبر ٍجافٍ .. فتتجَفـَّفُ ينابيعُه من فورها ، ويتجرأ الجميع على نبش المستور ، وفضح المخفي .. " واللي مش حيشتري ، يقف ليتفرج " ..

ويقال : طار فلان : أي ، ركب أجنحة الريح ، ووصل إلى سقف المجد وسدرته .. فتنفتحُ له كل الأبوابِ والحُجُبِ ، " وتتكرْفـَتْ " عليه العَطايا والهَدايا والدعوات والهـِبات والشيكات والمَصُوغات والبارفانات والكرافات ، والموبايلات ، والسياحة والسياحيّات والشاليهات والفيلات ، والأنتيكات والصمديّات ......

والمخفيَّات أعظم .. أجارَكم الله وإيانا منها ..

2 ـ قبل البداية :

أعتقد أني غامرتُ مع نفسي ، حين اعتزمْتُ الكتابة عن أبي حنيف .. لأن كتابتي عنه ستكون محفوفة بالمخاطر ، لأنني ـ ومنذ البدء ـ أعلن محبتي الشخصية لهذا الرجل ، وإن كنا نختلف في النهج والسبيل والغاية .. وهذا لا يفسِد في الودَ قضية ..

لذا ، سأكتب ، متقيدًا ـ قدر المستطاع ـ بكافة إجراءات الحِيطة والحَذر ، لأسبابٍ :

الأول : يخصّني : كي أحافظ ـ ما استطعتُ ـ على موضوعيتي ، بعد أن أعلنتُ عن محبتي الشخصية له ؟ ..

والسببان الآخران يخصّان ضيفي :

الثاني : فهو قارئ نبيه ، ومتلقٍ حكيم ، ويعي ـ بشكل ممتاز ـ ما بين السطور ، ويلتقط مغزى " المسجات " القصيرة ، ومدلولها ..

أما الثالث : فهو ما يمتاز به أبو حنيف من معرفة ، وقدرة على الغوص في أعماق نفوس محدّثيه ، والسيطرة عليهم أحيانا ، بطريقة الطبيب النفسي ، ليعطوه ما يريد ، وأكثر ، دون أن يطلب منهم شيئا ..

وقد عزَّزَ هذه الميزة لديه ، الكمُّ الهائلُ من الخبرات التي تراكمتْ عنده عبر تجاربه الحياتية ، من القاع إلى القمة .. ومن حياته الشخصية أيضا .. فعَجَنَ طحيناته بيديْه حينا ، وبمخـِّهِ ، وحِنكته ، ودَهائه ، أحيانا أخرى ..

ولعل أهم الأسباب التي استحكمتْ بي كاللعبة المُحَبَّبَة في يد طفل :

أنني كلما هَمَمْتُ بإنهاء المقال تمهيدًا لنشره ، تتوارد أفكارٌ أخرى ، وتفرض نفسَها عليَّ ، فأضطر لمجاراتها ، متجاهلا أن كرة الثلج هذه تكبر كلما استمرَّتْ بالتدحرج أمامي .. وسيأتي الوقت الذي ـ إن بقيتُ متساهلا معها ـ سأنوء بحملها ..

3 ـ عباس حنيف طبرة :

الزمان : العاشرة والنصف من يوم الأربعاء 08/09/2010

ليلة وقفة عيد الفطر ، كانت سهرتنا التي امتدت في أعماق الليل وحناياه .. انفردنا على الشرفة دون أن يقاطعنا أحدٌ ، سوى فناجين القهوة الكثيرة التي تناولتـُها ، ومقتضيات الضيافة في بيت كريم ..

أخذني الوقت وأنا مصغ ٍللحاج عباس .. فتذكرتُ المقولة التي كتبَها النقاد القدماء ، في وصفهم لشعر الشاعريْن : الفرزدق ، وجرير .. فقالوا : " الفرزدق ينحتُ في صخر ، وجرير يغرف من بحر " ..

كان أبو حنيف يغرف من بحر أيامه وتجاربه وذكرياته ، بكل ألوانها وتفاصيلها ، ويقدمها لي طازجة ، كأنها جرت له قبل قليل من لقائنا ..

وكأن الثمانين التي يقترب منها ، بعافيةٍ وفيرةٍ ـ أدامَها الله عليه ـ قد اصطدمتْ بجدار مَحبـَّتهِ المشروعةِ للحياة قبل عشرين عاما .. فتوقـَّفَ العدّادُ وقتذاك عن " التمريك " .. وما زال واقفا عند تلك المرحلة ..

المكان : بيته ، في حي الجمعية ، في نبل .

تتجلى الروعة ، في منظر ليلي ساحر ، يمتد من أقصى جنوب قرية الزهراء ، ويتقوّس إلى قرية ماير وما وراءها ، مرورا بالطريق العام ، فقرية الزيارة إلى الشمال ، فيما تبدو نبل نجمة ذلك القوس ، ملتهبة بأضواء وحركة ليلة وقفة الخير والبركة ، في مشهدٍ أثير لا يُنسى ..

أكثر من خمسة وأربعين عاما ..

سنون طويلة مرت بين لقائنا الأول ، ولقائنا الأخير هذا ..

كنت عرفت أبا حنيف من زياراته لبيتنا ، فهو صديق أخي ، وجارنا في حلب .. وطريقه إلى عمله ، يمر بجانب بيتنا .. فنتبادل التحية إن كنتُ قريبا منه ..

حتى كان عائدا يومًا من عمله ، التقينا ، فأصرَّ أن يستضيفني معه إلى الغداء .. لبّيتُ دعوته الكريمة وضيافته ..

فرحت ، وشعرت حينها ، أنني أصبحت الشاب الذي يُدعى ، ويُستضاف ..

وكانت سبقتها دعوة كريمة أخرى من ابن خالة أمي " عدنان يوسف الزم " إذ عرفته في بيتنا ضيفا عزيزا ، وصديقا لأخي .. وجارنا أيضا في حلب ..

ورغم أن عمْرَ كلٍّ منهما كان وقتها ، يزيد على ضعف عمري .. لكن .. ما المانع ؟؟!!

ولم تتوقفْ علاقتنا عند هذا الحد ، مع تقدُّم السنين ، بل استمرَّتْ ، وتوطدت في كل المفاصل التي عمل فيها أبو حنيف ..

فحين كان رئيسا للجمعية التعاونية لعمال الكهرباء والنقل ، كنت زبونا دائما للجمعية ، أشتري ما يحتاجه البيت من أدوات كهربائية وغيرها .. وحين غادرَ الجمعية إلى عمله الجديد رئيسا لنقابة عمال النقل البري بحلب ، ظل موظفو الجمعية يعاملونني معاملة ودية خاصة ، تأسيسا على ما كان بيني وبين رئيسهم السابق .. وهذا مؤشر هام ، يوضح مدى انسجامهم في العمل معه ، وصدق ارتباطهم به ..

وحين ترشح لعضوية مجلس الشعب في دورته الثانية ، عام 1977 ، التقينا على مائدة الغداء في بيت الصديق إبراهيم نورو شربو ، ويومها ، اكتشفتُ جانبًا جديدًا ومهمّا في شخصية أبي حنيف ، لم تسمحْ لي المرحلة السابقة بمعرفته ..

فقد بدا ـ وهو يسردُ مضمونَ كتاب " اليمين واليسار في الإسلام " لأحمد عباس صالح ـ ذا ذاكرةٍ وقـّادةٍ ، وفهم ٍعميق ، ووعي بالمضامين السياسية والأيديولوجية ، لليمين واليسار ، عبر الحركات السياسية القديمة والمعاصرة ، موضِّحًا وجهة نظر المؤلف في كل ذلك ، وكأنه يحفظ الكتابَ غيبًا .. وكل ذلك في عرض مشوٌِّق ، وتركيز كبير ، وتسلسل منطقي ، رغم تشعُّب موضوعات الكتاب ، الذي اندفعت لشرائه بعد ذلك اللقاء مباشرة ..

وبعد قراءتي له ، تضاعف إعجابي بأبي حنيف ، حين وجدتُ الكمَّ الهائلَ من الأحداث والوقائع والتفاصيل ، التي سردَها لنا بسلاسةٍ ، تحتاج مني إلى تركيز واهتمام كبيريْن كي أصلَ للنتيجة التي أوصَلني إليها خلال الساعة التي سبقتْ مائدة الغداء ..

وقلتُ في نفسي يومها ـ وكنت على أبواب التخرج في الجامعة ـ : كيف سأصبح ، قادرًا على أن أفعل ما فعله اليوم أبو حنيف ؟؟!!

حقا يومها ، غبَطـْتـُه كثيرا ، وسَعِدتُ أنني أعرفه ، وأن الأيام المقبلة ربما تهيئ لنا مجالا أكبر للتلاقي ..

أما بعد الغداء ، فكان الحديث حول ترشحه للانتخابات ، والوعود التي تلقاها بتبني انضمامه لقائمة مرشحي الجبهة الوطنية التقدمية .. ولم يكن هذا يعنيني كثيرا ، فلم أشارك بما دار بين مضيفنا وأبي حنيف ..

وقد أغفلتُ ذكر هذا اللقاء ، حين التقيته مؤخرا ، ويبدو أنه لا يذكره أيضا .. وهذا طبيعي منه ، إذ ليس قليلا ولا سهلا كل الذي لاقاه في حياته ، أو مرّ عليه ..

صحيح أن علاقتنا لم تكن متواصلة طيلة السنوات التالية ، لكنها لم تنقطع .. وكنا حين نلتقي في مكان ، أو في مناسبة ما ، يكون لقاؤنا ودّيا وحميميا ، كمَن لم يفترق ما افترقناه من سنوات .. وهذه ميزة أخرى فيه ، تجعلكَ تأنس إليه وهو يحدثكَ كأنكما افترقتما للتو ، وتندمج معه بلا حواجز ..

دعاني إلى مائدته أكثر من مرة ، في النادي العمالي ، في المنشية .. بوجود عدد آخر من الأصدقاء .. فتحسُّ أنه يرى حوله في كل الاتجاهات .. ويستطيع أن يداعبَ حبالَ الجالسين معه فردًا فردًا ، وهو يغمرُ الجميعَ بلمسةٍ شفافةٍ من التواضع والسرور الذي تلمحه في بشاشته الدائمة ، وفي تعاطيه الأركيلة برفق العاشق ، لا الجائع النهم ..

وفي أواخر الثمانينيات ـ ربما ـ كنتُ في دمشق ، زرتُ مدينة الشباب التي تستضيف مشاركين من حلب بدورة تثقيفية ، خرجنا ثلاثة إلى مطعم القصر في الربوة ، فكان ثمة رجلان ، أحدهما وجهه تجاهنا ، حيّانا ، والتفت الثاني إلينا ، فكان أبا حنيف .. دعانا إلى مائدته ، فشكرته وجلسنا على مقربة منهما .. وبعد قليل جاءتنا ضيافة مميزة .. توقعت ، لكني سألت النادل عن مصدرها ، فقال : إنها من ذلك الرجل .. وأشار إلى أبي حنيف .. وعندما همّا بالخروج قبْلنا ، ذهبت إليه شاكرا صنيعه ولطفه ..

المرة الثانية ، زرته في القرية ، وكانت يوم هنأته بسلامته من العمل الجراحي الذي أجراه في لبنان ..

وفي السنوات الأخيرة ، اتصل بي الصديق أبو حسام من بيت أبي حنيف بحلب ، الكائن قرب الكرة الأرضية .. يدعوني للقاء معهما .. ويبدو أن أبا حنيف كان في رأسه مشروع عمل ما ، لكنه طوى الفكرة حين لم يلمسْ مني الاستجابة المناسبة ، لظروفي الخاصة ، ليس إلا .. كوني لم أمارس أي عمل تجاري في حياتي ، ولا أرغب في ممارسته الآن .. هذا كل ما في الأمر .. ولا أعرف إن كان الحديث وليد لحظته ، حينما رآني ، أم كان مخططا مسبقا ؟؟ في الحقيقة ، لم أستوضح ، ولم أسمع تفسيرا أو تعليلا من أي منهما ..

وطيلة وجوده على رأس نقابة عمال النقل البري ، أو رئيسًا لاتحاد عمال المحافظة ، لم يردَّ لي طلبا .. في كل ما تطاله يده ..

4 ـ في المراحل الحياتية :

قال :

ـ ولدت في نبل ، في 3/أيلول/1931 ..

ـ درَسْت القرآن الكريم في القرية ، عند شيخ من بيت " عيسى " ..

ـ ثم بدأ والدي عمله في حلب في منتصف الثلاثينيات ، فانتقلت الأسرة معه عام 1936 ..

ـ درست الابتدائية في مدرسة الخالدية الخاصة في حي السبع بحرات بحلب ..

ـ نلت الشهادة الابتدائية فيها عام 1951 ، وكانت المرحلة تنتهي بنهاية الصف الخامس ..

ـ تركت الدراسة بعدها ، وعملت في الخان مع أبي ، وقد أزيل الخان وما حوله ، حين بُدئ العمل ببناء كراج الانطلاق في باب اجنين ..

ـ عام 1956 ، تطوعت في الجيش وأمضيت خمس سنوات برتبة عريف ..

ـ انتسبت للحزب عام 1960 ، عندما كنت في الجيش ، وبعد انتهاء خدمتي ، التقيت برفاقي بعد قيام ثورة 1963 ..

ـ عام 1961 ، أنهيت الخدمة ، وعملت عملا حرا لمدة عامين تقريبا ..

ـ في عام 1963 ، عملت مراقب دوام في مؤسسة الكهرباء والنقل بحلب ، ثم صرت كاتبا في الذاتية ..

ـ لم يكن التنظيم الحزبي مستقرا وقتها .. وكان مقر فرع الحزب بحلب ، في المبنى الكائن أمام ثانوية المأمون ، ثم انتقل إلى حي محطة بغداد ..

ـ كـُلـِّفَ الملازم الأول الدكتور نزار مصاصاتي ، أمينا لفرع حلب ، وكان يعمل طبيبا في المشفى العسكري .. وعلاقتنا به إيجابية جدا ، أنا والشهيد فتح الله رشيد ..

ـ عام 1968 ، انفصلت مؤسسة الكهرباء عن النقل ، وصار اسمها مؤسسة النقل العام .. وكان نصيبي أن أكون موظفا فيها .. وعُينت في نقابة عمال النقل البري ، أمينا للسر ، لأشهر قليلة ..

ـ في الشهر الثامن من نفس العام ، صرت رئيس اللجنة النقابية في مؤسسة النقل ، بعد انتخابات عمالية .. وأعيد ارتباطي بالحزب بعد أن اتـُّخِذتْ إجراءاتٌ تنظيمية ، استهدفتْ مراحلَ العضوية في التنظيم .

ـ عام 1970 ، وقبل الحركة التصحيحية ، جرت انتخابات عمالية ثانية ، فحاولوا إقصائي على أساس أنني لست منظما .. لكني فزت بنسبة 95 % من الأصوات ..

ـ عام 1971 ، عملت أمين سر نقابة عمال النقل البري مفرغا ، وكانت مكاتبها في شارع التلل ..

ـ في 31/12/1972 ، صرت رئيس مجلس إدارة الجمعية التعاونية لعمال الكهرباء والنقل بحلب ..

ـ في عام 1977 ، رشحْتُ نفسي لانتخابات مجلس الشعب ، وكنت موعودا بأن أكون المرشح الرئيسي في قائمة الجبهة الوطنية التقدمية ، وكان الأخ وحيد أبو راس مرشحا ثانيا .. لكن عبد العزيز مشارقة ، عكسَ ترتيبَ الأسماء ، لاعتقاده بتغيير ٍفي مواقفي تجاهه ، وكان أن فاز وحيد أبو راس بعضوية مجلس الشعب .. وبعد الانتخابات بمدة ، التقيت بعبد العزيز مشارقة في إحدى الدول الاشتراكية سابقا ، وكنا في وفديْن بمهمتين منفصلتين ، فبددتُ له هواجسَه التي حرَمَني بسببها عضوية مجلس الشعب ، وطلبتُ منه أمانة شعبة إعزاز تعويضا عما جرى ، فقال : إنه يعِدُني بها بنسبة 50 بالمئة فقط ، لكنه يِعِدُني بمئة بالمئة أمينا لفرقة نبل .. وذلك بسبب تحريض ٍودسيسةٍ ، نالتا مني لدى المكتب المختص في القيادة .. الأمر الذي لن يجعلهم يوافقون على تكليفي أمينا للشعبة ، حسب رأيه ..

ـ وفي الشهر الثامن من عام 1978 ، انتـُخبْتُ رئيسًا لنقابة عمال النقل البري ..

ـ في عام 1985 ، وإضافة إلى رئاسة النقابة ، عُينـْتُ عضوًا في المكتب التنفيذي للاتحاد المهني لعمال النقل في سورية ..

ـ في عام 1994 ، رشحْتُ نفسي ثانية لعضوية مجلس الشعب ، ولم يرد اسمي ثانية في قوائم الجبهة الوطنية التقدمية ، بعد تأكيداتٍ وتأكيداتٍ بإدراجه ..

ـ في عام 1994 ، وفي الشهر الثامن منه ، مُنِحْتُ جائزة ترضية ثمينة ، للتعويض حرماني ثانية من عضوية مجلس الشعب ، وكانت الجائزة : رئاسة فرع حلب لاتحاد عمال المحافظة ..

ـ بقيتُ رئيسًا لفرع اتحاد العمال بحلب سبعَ سنوات ، أدَّيْتُ فيها واجباتي على الوجه الأكمل ، وعملت على تقديم خدمات كثيرة للعمال وللتنظيم النقابي العمالي ..

ثم استعرض محدِّثي إنجازاتٍ مهمة في تلك السنوات السبع ، سأوجزها فيما يلي :

1 ـ تجهيز واستثمار مستشفى شيحان العمالي ، وفوقه بُنيَ مستشفى الباسل العمالي ، المؤلف من ثمانية طوابق ، بمساحة 1400 م2 لكل طابق .. وبسعة 250 سريرا ، وثمانية أجنحة ، وبالكلفة الدنيا ..

لأنهم بعد إعفائي من مهمتي ، شكلوا لجنة جردٍ لإحصاء الكلفة التي صُرفت من قِبلي في المشروع ، مفترضين سلفا سوء الظن بي ، لكنهم فوجئوا بالفارق الكبير بين المبلغ المصروف من قِبلي ، وقيمة حجم الأعمال المنفذة فعلا ، حسب تقديرات لجنة الجرد ..

تبين لهم أني صرفت 92 مليون ليرة ، بينما قدرت لجنة الجرد ، قيمة الأعمال المنفذة ب 140 مليون ليرة .. والسبب ، في هذا الفارق ، أن لي طريقتي الخاصة في التنفيذ ، معتمدا على شبكة من العلاقات الودية هنا وهناك ، وأحيانا ، المصالح المتبادلة .. المهم عندي .. تنفيذ العمل بأفضل المواصفات ، وبأقل تكلفة ..

وهذا ما لا يمكن للجنة الجرد أن تقدره ، أو تحسب حسابه ..

2 ـ استثمار مطعم هاواي لصالح صندوق المساعدة الاجتماعية لعمال الغزل والنسيج ، الذي يقدر ريعه الآن بحوالي 30 مليون ليرة ..

3 ـ تخصيص 17 شاليه لفرع الاتحاد بحلب ، و48 شاليه أخرى للنقابات ..

4 ـ تخصيص أرض في منطقة هنانو لتكون ملاعب خاصة للعمال ، وكنا جادين في تنفيذها ، لكنها توقفت الآن ..

5 ـ مقر لنقابة عمال النقل البري في شارع فيصل ..

6 ـ مطعم ومقهى في حي " السيد علي " للعمال المتقاعدين في مؤسستي الكهرباء والنقل ..

7 ـ الدورات التعليمية التي ساهم فيها اتحاد العمال بدور فعال ، واستفاد منها عدد كبير من الطلاب والطالبات والمعلمين والمشرفين ..

وقد أضاف أبو حنيف في حديثه أعمالا أخرى كثيرة ، يضيق المجال هنا عن ذكرها ..

5 ـ في الثروة والمواقف :

قال :

إن هدفي الذي وضعته نصب عينيّ في كل أعمالي على مدى السنين ، كان خدمة المصلحة العامة .. ويضيف : صحيح .. أنا أيضا حققت فائدة مادية شخصية .. لكنها لم تكن على حساب عملي ..

وقبل أن أسأله ، كان ـ كعادته ـ لمّاحا ولبيبا ، فبدأ يحكي قصة ثروته .. فقال :

أول مبلغ وفرته في حياتي ، وضعته بين يدي أحد أقربائي في مشروع لبيع الأدوات الكهربائية في القرية .. وحين بلغ العمل نفقا مسدودا ، صرفت النظر عنه ..

وكان المبلغ الذي أملكه كله ، أقل من عشرين ألف ليرة .. فجاءني إلى الجمعية التعاونية العمالية ، من يعرض عليَّ شراكة في معمله لتصنيع المدافئ .. وأخذ مبلغي الصغير ، وبدا يُورِّد إنتاجه للجمعية ، فبعنا عددا كبيرا منها بثمن معقول جدا قياسا لأسعار السوق المماثلة ، وبجودة ممتازة .. وفي نهاية الموسم ، نقدني قرابة مئة ألف ليرة كعائد للمبلغ الذي دفعته .. لأن الكميات المباعة كانت كبيرة جدا .. عندها اشتريت " بولمان " لنقل الركاب على خط حلب ـ بيروت .. ثم كان تأسيس مكتب السياحة للنقل .. والتطور المتصاعد في حركة نقل الركاب ، استدعى مني مزيدا من الاهتمام وتوظيف رأس مال أكبر، أولا بأول ..

وهكذا درجت الأمور ..

ومن خلال الاتحاد ..

مثلا : حدث أن استفادت إحدى النقابات من تصحيح بعض الإجراءات القانونية التي ساهمتُ بها لتصويب عملها ، ودون طلب منها ، فاستفادت النقابة فائدة كبرى ، وكوفئتُ من قبلهم بمبلغ محترم .. لكني لم أنتظر ذلك منهم ، ولم أطلبه ، ولم أقم بمساهمتي انتظارا للمكافأة .. وما انتظرت مكافأة لي على عمل قمت به .. ذلك لم أفعله أبدا ، لأنه خطأ جسيم ..

بعكس بعض الآخرين الذين إذا لم يضمنوا حصتهم في العمل الذي سيقومون به ، يمتنعون عن تنفيذه .. بل ، ويحاولون قطع طريقه أو يعرقلونه على المستفيدين إذا حاولوا تنفيذه بشكل أو بآخر .. فيخسرون العمل ، ومكافأة محتملة ، ويعيقون عملهم وعمل الآخرين .. فلا هم أنجزوا العمل ، ولا تركوا غيرهم ينجزه ، ولا استفادوا ، ولا تركوا غيرهم يستفيد .. وفوق كل ذلك يبقى العمل معطلا على العمال أو المواطنين .. لا يمكن أن تسير الأمور بهذه الطريقة .. لأن الكل يعرقل عمل الكل .. فكيف سينجح نقابيٌّ ما في عمله ؟؟

هذا هو الفرق الكبير بين طريقتي في العمل ، وطريقة غيري .. فالمصلحة العامة أولا بالنسبة لي .. فلو تحققت مصلحة مادية خاصة لي على الهامش ، أو كنتيجة غير مشروطة لتنفيذي أي عمل .. فلا بأس .. ولِمَ لا ؟؟

أنا قبلت هدايا كثيرة وثمينة .. نعم .. لكن ذلك كلفني أنا أيضا كثيرا .. لأنكَ لن تنتفعَ بشيء أبدا ما لم تنفعْ غيرَك وغيرَك وغيرَك .. ولم يكن ليتحقق أي عمل حقيقي بلا مُمَهِّداتٍ هنا وهناك .. وهذه قد تكون على حسابي ، أو على حساب أحد آخر ، ذي مصلحة فيها .. لكن ، لا بد منها ..

6 ـ انطباعاتي :

ـ كأنه يهوى أن يسير عبر الطرق والمسالك الوعرة ، وحقول الألغام ، فيتسلح بشخصياتٍ صنـَّعَها ، وادَّخرَها لأيام الشدة ، حتى يعبر تلك المسالك بدأبٍ وحذر وأناة ، ويصل بسلام إلى مبتغاه ..

ـ حِنكته أصيلة أصلية .. وابتسامته دائمة ومن الوكالة ..

ـ ذو شخصية بسيطة ، بمعنى : غير إشكالية ولا معقدة ..

ـ حيوي ، دؤوب ، ذو همة ، فلا يتململ ، ولا تبدو عليه علائم التعب ..

ـ يمهد لخطواته ومشاريعه بما يلزم من الضرورات المساعِدة على قبولها وتنفيذها ..

ـ دَمث ، ديبلوماسي ، لطيف ، غير صدامي ، ليِّن العريكة ، يتعاطى مع الأحداث بهدوء ورويَّة ، وبأعصاب باردة ..

ـ كل شيء عنده قابل للتفاوض ، وكل شيء له ثمنه ، و " لكلِّ لحيةٍ مشطها " ..

ـ يستشعر بالخطر مبكرا ، ويستعد لمواجهته ..

ـ منسجم مع ذاته ، ومع محيطه ..

ـ مثقف ، يحترم الرأي الآخر .. ويتفهم ظروف الآخرين ..

ـ مُحدِّث لبق .. لكنه إذا استطرد ينسى نقطة العودة ..

ـ في صوته دفءٌ وبُحَّة ، تساعدانه على التحدث همسًا ، في مجلس مكتظ ..

ـ مُحَاورٌ فطِنٌ ومُلـِمٌّ .. جريء بعقلانية .. لكنه عملي وواقعي ..

ـ تكتيكي بارع .. وطباخ سياسي ماهر ..

ـ يُحسِنُ الوقوفَ في المنطقة الرمادية ، ريثما يتبيَّنَ الخيط َ

الأبيضَ من الخيط الأسود ..

ـ يَعقـِلـُها ويتوكـَّل ..

ـ يعرف حدوده وطاقاتِه ..

ـ ويعرف تماما ، من أين تـُؤكلُ الكـتفُ ؟ ومتى ؟ وأين ؟ ولماذا ؟ ..

وقبل أن ننتهي من حديثنا ، عَرضتُ عليه ما سجّلتُ من انطباعات في تلك الجلسة ، فأيَّدها جميعًا ..

أخيرًا ..

لا أعرف أين يُصنـِّفُ أبو حنيف نفسَه :

أ مَعَ الغاية التي تـُسَوِّغ الوسيلة ، أم مع الغاية التي لا تـُسوِّغُها أيُّ وسيلة ؟؟

أنا لم أسألـْه هذا السؤال .. وأعتقد ، أنني لو سألته ، لاحتارَ هو نفسُهُ في الإجابة ، إذا أراد أن يتحَرَّى الدِّقة ..

لأن أيـًّا منـَّا ، وفي كثير من المفاصل الحياتية ، قد يُضطرُّ لخيانةِ بعض مبادئه ، حين يخونه الحظ ، وتـُعْيـِيْه الحيلة ، وينهارُ الجبلُ الذي يستندُ إليه ، ويحتمي به ، ويتفيَّأ ظلـَّه .. وما أكثر هذه وتلك في حيواتنا جميعا ..

الأربعاء ـ 27/10/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق