جاءت زيارة الرئيس نجاد إلى لبنان ، لتفقأ عين السياسة الأمريكية الصهيونية في المنطقة ، وليُعلـَن نجاحُها قبل أن تبدأ ـ كما قيل ـ لأنها حققت الغرضَ المطلوب منها ، فيما سَعّرَتْ تلك الإدارتان وأذنابُهما من حملاتهم على الزيارة ، وعلى الموقف الداخلي اللبناني ، متباكين عليه ، بأنه غدَا " قاعدة إيرانية متقدمة على المتوسط " ..
لكن الزيارة أكدتْ فشل مخططاتهما ، التي تستهدف رأس المقاومة ، ومن يدعمها ، لحساب عملائها الذين أفلسوا سياسيا ، ووطنيا ، وشعبيا ، وباتوا كالعاطلين عن العمل ، يجررون أذيال الخيبة ، ويلعقون مرارة الهزيمة ، وهم يكابرون ، كمن خسر الجولة في الضربة القاضية ، لكنه يأبى الاستسلام إلا بضربة أخرى أشد وقعا وقوة وصلابة ..
ثم شهدَت العواصم العربية المَعنيّة بالشأن اللبناني ، مجموعة من التحركات ، بهدف وقف انهيار السلم الأهلي فيه ، على قاعدة : أن المحكمة الدولية ، ما هي إلا سيف أمريكي صهيوني ، سُلَّ ، ووُضِعَ على رقبة المقاومة ، لكسر إرادة صمودها في وجه تحدياتهم ، بعد أن فشلوا في تركيعها ، وسَوْقِها إلى مقصلتهم المنصوبة ، لتكون بوابة ما سَمَّوْهُ " الشرق الأوسط الجديد " ..
فكانت زيارة الرئيس الأسد والحريري إلى السعودية ، وزيارة الحريري إلى القاهرة ، وزيارة الرئيس نبيه بري إلى دمشق ، إضافة إلى نتائج ومفاعيل زيارة نجاد على الساحة اللبنانية ، حيث كان لها دور ـ كما أعلن ـ في التحضير للقاءٍ يجمع الحريري بسيد المقاومة ، في محاولة للبحث عن حل ، يُبطِلُ مفعول هذا الصاعق المفجِّر ، الذي اسمه " المحكمة الدولية الخاصة " ..
ولئن هدَأ التوتر قليلا ، إلا أن النار ما تزال تحت الرماد ، قوية مستعرة ، فجاء "فيلتمان " ليَزيد أوارَها اشتعالا ، عبر رسالة من الرئيس الأمريكي إلى نظيره اللبناني ، تفيد : بأن أمريكا ما تزال مصممة على موقفها من المحكمة الدولية ، وأنها ما تزال تسعى لمعرفة قتلة الحريري ..
" يا لله !! ما هذا الحرص ؟؟!! وما هذه الشفقة ؟؟!! وما هذا الإصرار على معرفة الحقيقة ؟؟!! "
بالمقابل : لماذا لم تحرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ مقتل الرئيس كينيدي ، على معرفة قتلة رؤسائهم ، كحرصهم على معرفة قتلة الحريري ؟؟!!
ولأن زبانيتهم في لبنان ، مفلسين ، ومكشوفين ، وأضعف من أنْ يُشَدَّ الظهرُ بهم ، فهو ـ فيلتمان ـ لم يلتق ِأحدًا مما كانوا يُسَمَّوْنَ " قِوى 14 آذار " وباتوا الآن ـ على حدّ تعبير ـ " أنيس النقاش " يُسَمَّوْنَ / 1.4 / .. لكنه التقى فقط " جنبلاط " حليفهم القديم ، في محاولة لإعادته إلى تلك الحظيرة ..
ثم خرج صوت كتائبي صغير يحذر ممّا سمّاه " اجتياح حزب الله للمناطق المسيحية في لبنان " .. وتلقـّفَت الصدى كاتبة مأجورة في صحيفة الحياة ، اليوم ، لتدعو الإدارة الأمريكية إلى استمرار وجودها القوي في لبنان ، ودعمها لعملائها ، والتأكيد على اهتمام أمريكا بالمحكمة الدولية الخاصة به ..
وهذان دليلان آخران ، على ما سبق أن وصفناه آنفا ، بأن هؤلاء مصروعون بالضربة القاضية التي تلقوها من أبناء لبنان ، كل لبنان ، الغيورين عليه وعلى مصلحته الوطنية العليا ، وحريته الحقيقية ، وسيادته الحقيقية ، واستقلاله الحقيقي ، لكنهم ما زالوا يَشلـُّون في حَنَكِهم ، ويكابرون ، ويأبون الاعتراف بانهزامهم وفشل مشروعهم ، بتفجير لبنان عبر " محكمتهم الدولية " سيئة الذكر ..
إن مئات آلاف الشهداء ، نساءً وشيوخًا وأطفالا ، من الشعب اللبناني وجيشه ، قـُتِلوا ، في مجازرَ واعتداءاتٍ متكررة ، بالسلاح الأمريكي ، وبالأيدي الصهيونية المجرمة .. وآلاف المنشآت ، من البنية التحتية في لبنان ، دُمِّرَت بالطائرات والدبابات والقنابل والصواريخ الأمريكية ، وبأيدٍ صهيونية أيضا ..
وبالسلاح الأمريكي ذاته ، وبالأيدي الصهيونية المجرمة ذاتها ، احتلَّ الصهاينة أكثرَ من نصف الأراضي اللبنانية ، بما فيها بيروت ، وعاثوا فيها قتلا وتدميرا وخرابا ، ومجازر ، تدعمهم فيها القِوى اللبنانية التي تدّعي اليوم حرصَها على لبنان ، وسيادته وحريته واستقلاله ..
أليسوا هم أنفسهم الذين واكبوا الاحتلال الصهيوني لبيروت ، وهللوا له ، وساندوه ، واستقوَوْا به على اللبنانيين والفلسطينيين ، فارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم ومجازر بحق هؤلاء ؟؟!!
العجيب الغريب ، أن تتناسى كلَّ ذلك بعضُ العقول ، التي ما تزال ترى في هؤلاء (قِوًى لبنانية ) ..
وبعد كل ذلك ، تحاول المقاومة ـ التي دافعتْ عبر تاريخ وجودها ، عن لبنان ، كل لبنان ـ أن تصون الجبهة الداخلية وتعصمَها وتحَصِّنَها من المؤامرات الدولية والداخلية ، التي تستهدف لبنان ، ومقاومته ، بسيف المحكمة المُسَيَّس حتى الثمالة ، والنـُّخاع ..
وتكاد الأمور تجري في مسارها الصحيح ، بعد لقاء الحريري بالمعاون السياسي لأمين عام حزب الله ، وأصبح اللقاء بين الحريري وسيد المقاومة " قاب قوسين أو أدنى " ، ومع ذلك ، ما تزال أصوات النشاز تخرج من هنا وهناك لصَبِّ مزيد من الزيت فوق ما يتمنوْنه من " نار الفتنة " التي يريدون لها أن تحرق المقاومة ، ومَنْ يشدّ أزرها ..
لكن نارَهم أضعفُ من أن تحرق المقاومة ، ولا مَنْ يشد أزرَها ، إنما سيكتوي بلظاها الشعبُ اللبناني ، المفجوعُ بقياداتٍ سياسيةٍ من هذا الطراز الفريد في العالم ، والذي لا يحلو له أن يعيشَ إلا على نار الفتنة ، وآهاتِ المعذبين من الشعب ، فيما هم يحوكون مؤامراتِهم في ليل ، ويقبضون ثمنها من أسيادهم ..
إننا ، وإنْ لم نكنْ واثقين تمامًا من انطباق عنوان المقال " رَضِيَ القتيلُ ، وليس يرضى القاتلُ " على ما آلتْ إليه الأوضاعُ السياسية في لبنان مؤخرًا ، إلا أننا نتمنى أن يُحَكـِّم جميعُ اللبنانيين عقولهم الرشيدة ، للخروج من المأزق ، وتجنيب بلدهم والمنطقة مزيدًا من الويلات ، التي سبق لها أن اكتوتْ بها مرات ومرات ..
فأن يرضى القتيل ، لصالح دَرْءِ الفتنة عن الشعب اللبناني غير المشبوه بمَظنة ارتكاب الجريمة .. فذلك كرَمٌ ومروءة وشهامة ..
وباستثناء عملاء القتلة الحقيقيين ومأجوري المحكمة الدولية ، فإن الشعب اللبناني كله مَعْنِيٌّ بالكشف عَمَّن ارتكب الجريمة فعلا ، لأن في ذلك مصلحة لهم ، ولهم فقط ..
لكن القاتلَ ـ وأنا أعرفه تماما ـ لم يرضَ الخيرَ للبنان ولا لشعبه .. ولن يرضى ذلك أبدا ، ما دامت المقاومة صامدة في وجهه ..
وحين أقول : إنني أعرف القاتل ، فأنا أعني تماما ، أنه لا يمكن أن يكونَ إلا الحكومة الصهيونية ، وأمريكا ، وأعوانهما في المنطقة ولبنان ..
هؤلاء هم القتلة الحقيقيون ، وما زالوا يصرُّون على مزيد من قتل إرادة الشعب ومقاومته ..
وهذه أفعالهم تدل عليهم .. حتى " لـَيَـكاد المجرم أن يقول : خذوني " ..
الجمعة ـ 22/10/ 2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق