عندما لجأ الرئيس عبد الناصر إلى استيراد السلاح من المعسكر الشرقي ، بعدما حظره المعسكر الغربي عليه ، إلا بشروط مذلة ، جُنَّ جنون الولايات المتحدة الأمريكية ، لأن ذلك سيشكل " خطرا " على الكيان الصهيوني ، ويجعل مصر في منأى عن المطرقة الأمريكية والأوربية ، والسندان الصهيوني .. فلجأت إلى السعودية ـ حليفتها ـ لإقناع عبد الناصر بالعدول عن شراء السلاح من المنظومة الشيوعية ـ آنذاك ، في الخمسينيات ـ فاستغرب الملك السعودي ، واحتار في أمره : أنتم لا تسلحون مصر ، وتمانعون في حصولها على السلاح من مصدر آخر .. بأي ذريعة سنقنع مصر كي تمتنع عن ذلك ؟؟ فقال له محدّثه الأمريكي : إن سلاح الدول الشيوعية ، سلاح كافر .. فكيف تتسلح به مصر ؟؟!!
توارد هذا الحديث ـ الذي رواه محمد حسنين هيكل ـ وأنا أتابع جدل الطبقة السياسية " والنـُّخَبَ منها " في لبنان ، حول مسألة تسليح الجيش ..
فأمريكا لا تسلحه إلا بنفايات سلاحها المُنسّق ، والخارج من الخدمة ، والذي لم يعد يصلح للاستعمال حتى في الصومال ..
وبعض هؤلاء لا يقبلون بالعرض الإيراني ، الذي تقدم إيران بموجبه ، للجيش اللبناني ، ما يحتاجه من السلاح للدفاع عن حريته واستقلاله وسيادته ، وبلا قيد ولا شرط ، وبثمن شبه مجاني .. وبالكم والنوع الذي يحدده اللبنانيون .. فهل بعد هذا التساهل في العرض الإيراني ، تساهل ؟؟!!
ومع ذلك ، لم توقـِّع الحكومة مثلَ هذا الاتفاق ، " لعدم وجود إجماع ٍ سياسي لبناني عليه " رغم توقيعهم ستة عشر اتفاقا آخر ..
هل " ستة عشر اتفاقا " مشروعة ، ولا تشكل خطرا على الشعب اللبناني ، واتفاق تسليح الجيش الوطني ، غير مشروع ، ويشكل خطرًا على الشعب اللبناني ؟؟
هل السلاح الأمريكي القديم والبالي ، في يد الجندي اللبناني أفضل من السلاح الإيراني الحديث والفعال ؟؟!!
أم إن السبب نفسه يتكرر كما حصل مع مصر جمال عبد الناصر ؟؟!!
هل يريد معارضو التسلح بالسلاح الإيراني ، العنبَ ، أم قتل الناطور ؟؟!!
ألم تتسلح الكتائب اللبنانية وقوات جعجع وغيرهما ، بالسلاح الصهيوني أيام الحرب الأهلية اللبنانية ، عندما استخدموها في الاقتتال فيما بينهم ، وللفتك بمخيميْ صبرا وشاتيلا برعاية " شارون " نفسه ؟؟!!
فإسرائيل تزودهم بالسلاح عندما يقتلون مواطنيهم ، فهذا " مشروع " ..
لكن ، أن يتزوّد الجيش اللبناني بالسلاح الذي سيدافع به عن أرضه وشعبه ، فذلك " غير مشروع " برأي هؤلاء !!..
على مبدأ :
قتلُ امرئ ٍفي غابةٍ ، جريمة ٌلا تغتفر ..
وقتلُ شعبٍ آمِن ٍ، مسألة ٌفيها نظر ..
هل السلاح الأمريكي والصهيوني في أيدي هؤلاء ، سلاح مؤمن ؟؟
والسلاح الإيراني في أيدي الجيش اللبناني سلاح كافر ؟؟!!
ثم ، هل الخطر يكمن في مَصْدر السلاح ؟
أم في نوعيته ، وفعاليته ، والسلطة التي ستتحكم به ، واليد التي ستحمله ؟؟
ألا تتحقق حرية لبنان وسيادته واستقلاله ، إلا بالسلاح الأمريكي ، الذي تصحَبُه ألفُ مِنـَّةٍ ومِنـَّة ، وألفُ شرطٍ وشرطا ، وهو السلاح البالي ، الذي خرج من الخدمة منذ عشرات السنين ؟؟!!
وباعتبارنا مجرد مستخدِمين للتكنولوجيا ـ بشكل عام ـ فماذا نريد منها ، سوى : الجودة المقبولة ، والثمن المناسب ، وأداء الغرض المطلوب ، بالقدر الكافي لحاجتنا إليها ؟؟
فلو طبقنا هذا المعيار على السلاح الأمريكي .. ماذا تكون النتيجة ؟؟
إنه حتما ، ليس بالجودة التي تساوي 1/1000000 من جودة السلاح الأمريكي المُصَدَّر للكيان الصهيوني ..
وهو حتما ، ليس بالثمن المناسب ، لِما يرافقه من شروط مفروضة ، وأولها : عدم استخدامه ضد الكيان الصهيوني .. " إذن .. لمن تسَلـِّح أمريكا الجيشَ اللبناني " ؟؟!!
وبالتالي ، فهو حتما ، لا يؤدي الغرض المطلوب منه ـ وطنيا ـ لتحقيق الحرية والسيادة والاستقلال ..
فماذا بقي لنا من هذا السلاح الأمريكي " المؤمن " ؟؟!!
حقا .." إن شر البليَّة ما يُضحِك " ..
وصَدَقَ من قال : الرغيف المقسوم لا تأكل ، والرغيف الصحيح لا تقسم .. وكـُلْ .. كـُلْ .. حتى تشبع ..
الجمعة : 15/10/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق