الاثنين، 4 أكتوبر 2010

الكاتب وليد إخلاصي .. لقاء خاص ـ 3 ـ القسم الثاني

الساعة الثالثة : القسم الثاني :
حلب ـ 8ـ13/8/1993
قال :
عندما كنا طلابا في المدرسة الحمدانية بحلب ، كان هناك نوع من الأسطورة القائمة ، هي جزء من الخرافة أيضا ..
(( فالذي يذبح حردونا ، ويدهن دمه على يديه ، لا يتألم مهما ضربه المعلم .. ))
أين تتجمع الحرادين ؟؟ " الحرادين هي السَّحالي " تتجمع في سفح القلعة المعشوشب ، ذي الجحور ..
كنا نتسلق السفح ، نتصيد الحرادين وننزل .. ولما كنت أصل إلى نهاية السفح ، كنت أنظر ، وأتملى المدينة ، وحي الفرافرة بشكل خاص ، لأنه لصيق بالقلعة ، وفيه مدرستي ، والمنصورية ، وبيت الكواكبي .. ولي أصدقاء كثيرون هناك ، يعيشون داخل بيوتهم .. وكثيرا ما كنا نذهب من بيت إلى بيت عبر الأسطحة ..
فهذا الجزء الحميم في حياتي ، الذي سيطر في لحظة وقوع الأحداث المروعة ، والتي كنت خائفا فيها ، من أن نفقد كل شيء .. كان عندي خوف مثلا : أن أفقد حريتي الشخصية .. أفقد مثلا : حق جغرافيتي .. صار في شعور بالنسبة لي ضخم جدا ..
جلست إلى الطاولة ، أذكر للآن المسودة الأولى ، ابتدأتها على النحو التالي : احتفلنا منذ أيام بالعيد الميلادي المئوي الأول لجدتنا ، وكان مرّ حدَث هام جدا ، فجدتنا التي عمرها مئة عام الآن ، أصيبت بمرض نتيجة لما جرى لأبنائها ، وعندما جاؤوا بالطبيب ، كشف عليها ، فوجد كل أجهزتها سليمة .. وعندما استيقظت من فراش الموت ، عاودت الحياة من جديد ، وجلست تمارس حياتها ..
صار عندي شعور ، ليس أنا ، إنما أحفادي يحتفلون بعيد ميلادها المئوي الثاني ، فصار هناك نوع من المطابقة ، بين هذه الجَدة والقلعة من جهة ، والمدينة ورغبتي بالاستمرار من جهة أخرى .. عندي الرغبة ، أو تصوري ، أنه من غير الممكن أن تموت هذه المدينة .. وبالتالي : الجدة ، التي أطلقتُ عليها اسم ( وهوب ) ..
وهوب .. الحقيقة ، أنا أحب هذا الاسم ، لأنه اسم إحدى خالات والدي .. استعرته ، ولا أعرف صاحبته .. لكن والدي يحكي عنها .. فالاسم أحببته كثيرا .. وبعدها أدركت معناه ـ بعد أن انتهيت من الرواية ـ إنه مأخوذ من الهبة ، من العطاء .. لم أكن أدرك ذلك ..
هناك كثير من الدلالات تختفي وراء الحروف ، وتستيقظ عندما تعمل تفكيرك ، وتحس بحاجة لذلك ..
فالذي حصل أني استطردت ، لدرجة أني في الكتابة الأولى ، أنا ضعْتُ .. لأن أبي في الرواية كان اسمه أحمد ، وجدي اسمه أحمد .. فأنا لا أعرف لماذا استخدمت اسما واحدا .. والذي حصل ، أن الكتابة الأولى للرواية ، لم تستغرق كثيرا .. لكن ، بعدئذ ، أعدْتُ صياغتها أكثر من مرة .. ثلاث مرات على ما أذكر .. واكتشفت في الأخير ، أن الوسيلة الوحيدة التي أقدم فيها العزاء لنفسي ، أن أكتب هذه الرواية التي اتكأت فيها على الماضي الذي تصورته قويا كثيرا كثيرا .. هذا التماسك داخل الدار، وهذا المكان .. لا أعرف إن كانت طبيعة المكان هي التي أوحت بذلك ..
حتى في الرواية ، كان بعض الأفراد مخدوعين ، وكانوا مع الإخوان المسلمين .. ومع ذلك ، وهوب ، جدتنا الكبرى ، رعت الجميع ..
من النماذج الأنثوية التاريخية ، والتي احتفظت بصورتها في بيتي ، ربة الينبوع .. وهي أحد مصادر تكوين شخصية الجدة وهوب .. هذا العطاء المستمر التدفق .. قد يكون إناء من الحنان ، من العطف .. هو الحليب ، هو الماء ..
النموذج الذي أحبه من النساء هو ربة الينبوع .. البديل صار عندي الجدة وهوب .. أتذكرها .. ليست الأم للمنصورية ، إنما هي تركيبة من نساء كثيرات .. وبالرغم من أنها عجفاء ، لكنها قوية ، وفيها قسوة هائلة ، ممزوجتان بحنان ليس له حدود .. هذا كان جزءا من : كيف تكوّنت رواية ( زهرة الصندل ) ..
ـ قرأت هذه الرواية ( زهرة الصندل ) منذ سنوات ، وما زلت أحمل هذه الملاحظة عنها : إن الصراع فيها ، كان صراعا هادئا ، رغم أن الحدث قابل للتأجيج ، لأن ظرف المدينة ، كان أكثر حرارة من الحدث ـ الصراع ، داخل الرواية .. ما هذا التباين ؟؟ هو صراع ، لكنه هادئ .. لماذا ؟؟
الملاحظة تستدعيني للتفكير الآن : أنا لم أكن أكتب رواية آنذاك .. أنا كنت أبتهل ..
ـ كنتَ عاشقا ، تبتهل ؟؟!!
بالضبط ..
ـ هذا ما قلته منذ أن قرأت الرواية .. قلت : وليد إخلاصي عاشق يبتهل ، وليس كاتبا روائيا في هذه الرواية ..
بالضبط .. أنا لا أخالفك الرأي .. أنا ـ بشكل عام ـ ما فكرت في حياتي بأن أقول : سأكتب رواية ، وأبحث عن موضوع .. والذي يحصل : أن تلح عليّ الفكرة .. فعندما ألحّت علي الفكرة ، لم أكن أعلم أنني سأكتبها قصة ، ولا هي شكل مسرحي ، ولا دراسة ، ولا مناجاة .. فولدت الرواية دفعة واحدة ، والتفاصيل تولـّّد بعضها ..
فمثلا : شخصية ليلى ، وهناك عمة ليلى .. من هي ؟؟
هي التي وقعت في حب رجل أجنبي .. أنا لست ضد الزواج بالأجانب ..ولكن في قرارة نفسي ، أنا ضد غربة الإنسان ..
أنا لا أعترض أن يتزوج ابني من أجنبية .. شعوري إنساني .. لكني أحس بأنه سيتغرب ، وأنا سأكون غريبا أيضا .. والأولاد سيكونون نصف غرباء ..
أنا لا أقوم بنوع من الملاحظة الاجتماعية للدعوة لنبذ الأجانب .. لكن عندي شعور : أحس أن المرأة الغريبة التي أتقنت فن الجنس ، بنتيجة الخبرة ، والحرية الجنسية ، لكن حياء المرأة الحلبية ، فيه جاذبية جنسية تفوقها ..
هذا يعود إلى أني في أعماقي ، قد أكون شوفينيا كثيرا كثيرا ..
أحب البلد كثيرا .. فمثلا : أنا معجب بالثقافة الغربية ، لكن ، لا أستطيع أن أضحّيَ بذاكرتي الوطنية من أجل حلمي الثقافي .. عندما يحصل هذا الصراع ، أختار الوطنية .. والوطنية عندي ساذجة جدا ، وليست معقدة .. شعوري اليومي ، عندما آكل خيارة في حلب ، أستمتع فيها كثيرا .. وفي باريس ، يوجد خيار نظيف وجيد .. لكن ....
الخيارة أو البندورة هنا ، لها ذاكرة ..
حتى ذاكرة التخلف .. أنا واقع في غرام التخلف في حلب ..
ـ جميلة حتى في تخلفها ..
نعم .. أحس بالغربة ، عندما أنخلع ..
في منظومتي الفكرية ، بالرغم من حبي لحلب ، لا أستطيع قبول حالة التعصب الدوغمائية التي تسبب لي الغضب ..
إن إيقاع الطبيعة الأساسي ، هو في التعددية .. وهذا لعب دورا كبيرا في دراستي ، في كلية الزراعة ..عندما تكتشف أن هناك ملايين الأنواع والأجناس من الحشرات والحيوانات والنباتات بأشكالها ، الدنيئة والراقية .. تحسّ بهذا التنوع جزءا من عبقرية الطبيعة .. وجزءا من تعدد وجوهها ، الذي يجعلك ـ في الوقت الذي تكره فيه حرَّ الصيف ـ ينمو عندك حلم برودة الخريف .. فيبقى عندك الانتظار حالة شعرية .. هذه الحالة الشعرية ، تولـّد الفن والفلسفات .. هناك شيء آتٍ ، فيه تقلـُّب .. فعندما يكون السطح مستويا ، والطريق مستقيما ، والفكرة واحدة .. إنها الرتابة ، وأنا أكرهها جدا ..
أكره (السيستم ) الواحد .. طبعا ، أنا لست ضد النظام العام .. فهو شيء آخر ..
تكوين رواية ( الحنظل الأليف ) :
فكرت فيها بعد أن انتهيت من كتابتها ..
وأنا شاب صغير ، كنت أعرف ( خير الدين الأسدي ) ، أعرفه عن بعد .. فهو مدرس ، لكنه لم يدرّسني ، وهو بالنسبة لي ، شخصية مثيرة للتفكير ..
وأول عمل أثار انتباهنا ، هو كتابه ( أغاني القبة ) ، تلك الغنائية الصوتية الجميلة ..
وقد قام الأسدي بمحاولات لسبر غور بعض مغاور ( التلة السوداء ) في حلب .. لأنه كان يملك نظرية ، ليست مبنية على أسس علمية واضحة ، إنما ، ضمن قياسات علمية معينة ، يعتقد الأسدي : أن الإنسان الأول كان موجودا في حلب .. في المغاور ، وفي المنطقة الكلسية الصالحة للحفر بأدوات أولية ..
وفعلا ، حاول الأسدي أكثر من مرة ، ووصل إلى مسافات ، وأصيب بشبه اختناق ، وأخرجوه .. كان عنده رغبة في البحث العلمي التاريخي اللغوي ..
بقيت الحادثة في ذهني سنين طويلة ..
إذا أردنا أن نقوم بحفريات في المدينة ، فسنكتشف حقائق .. لكن الحفريات في عمق الإنسان ، هي مهمة الكاتب ..
والشرارة الأولى التي جعلتني أبدأ في الرواية ، حيث كان فاتح المدرس ، الصديق العزيز ، وما زال ، وكان أستاذا لي قبل ذلك ، في ثانوية المأمون ، وكان يدرسنا اللغة الإنجليزية ، وهناك علاقات حميمة .. شاهدته صدفة في دمشق ، ودعاني إلى بيته .. بيته تحت الأرض .. هو بيته ومرسمه ، جانب مطعم الشرق .. فكنا خمسة أو ستة أشخاص ، الجلسة كانت حميمة ، وهناك هذر ثقافي ، وشكوى سياسية .. اختلطت الأمور ببعضها ، ولكن كانت ليلة جميلة ..
أثرت بي بعد عودتي إلى حلب .. ابتدأتُ بلا شعوري أكتب عن هذه الجلسة ، ونبتت ـ فجأة ـ الفكرة ..
وفي الرواية ، روى لنا واحد حكاية .. والحكاية تروي حكاية .. وكانت حكاية الحنظل الأليف ..
طبعا ، هناك خلفيات عديدة ، ومستويات عديدة للرمز ، وللواقع ..
وشخصية الأسدي ، بالرغم من عدم حضورها القوي في الرواية ، كانت هي الباعث الأساسي للتفكير في البنية التحتية للحياة والمجتمع .. وعندما أصبحت صديقا للأسدي في أسلوبه العلمي ، في تحري الحقيقة ، وراء الظاهر ، لعب دورا أيضا في تفكيري أنا ..
اطلعت على مسوداته في كتابه الذي صدر بعدئذ : ( موسوعة حلب المقارنة ) .. لا يكتفي بالمثل .. أو بالكلمة .. أو بالمصطلح بشكله الظاهري .. فهذا قريب جدا من الحفريات الأدبية ..
وقد يكون في هذا العمل الروائي الذي اشتغلته أنا ، محاولة في تطبيق هذه المفاهيم ..
ما هو تحت السلطة ؟؟ ما هو تحت البنية ؟؟ ما هو تحت الحياة ؟؟ تحت ، بمعنى : ما هي الجذور ؟؟ ما هي الخلفية ؟؟ ما هو الشكل المقابل ؟؟
هذا اللقاء عند فاتح المدرس ، حضره الشاعر مصطفى البدوي رحمه الله .. حتى ظهرت في الرواية ( الشكوى ) .. أو ، بالمعنى الشعبي : النـَّقّ .. النـَّقّ الثقافي ..
أحيانا ، الثرثرة ، تفجر في العمق ، في مختبر الإنسان الداخلي ، قضايا دفينة ، وحزينة .. وأذكر أننا أتينا على ذكر الأسدي ، وكان متوفيا .. هذه الحادثة تمت قبل أن أكتب الحنظل الأليف بمدة طويلة .. قد أكون أنا أحمّل الأسدي أكثر من حقيقته .. أذكر في أحد اللقاءات ، في المعهد الفرنسي ، في دمشق ، التابع لجامعة باريس ـ وكنت أدعى للقاء مع الطلاب الدارسين ، وبعض الكتّاب ـ سألني أحد الأشخاص عن الحنظل الأليف ، بقوله : هذا شيء في منتهى التخيل ، هذا شيء غير منطقي .. فما معنى المنطق ، وقربه من الرواية ؟؟
أنا أذكر ـ وللتخلص من مأزق ـ قلت له : الحقيقة ، أنا لست روائيا .. أنا كذاب .. أنا لا أروي حقائق .. أنا أكذب لكي تصبح هذه الكذبة حقيقة .. ( الكذب بمعنى : الخيال ,, التخييل ) ..
واكتشفت وأنا أفكر : إذا وصل الكاتب لذلك ، يكون قد وصل إلى غاية الفن .. أن يجعله حقيقة ، أو موازيا للحقيقة .. أو يرى الحقيقة من خلاله ، حتى نفسر الواقع .. أو ، أن يفترض أن الواقع يجب أن يكون هكذا ، لكي يفهم هكذا ..
هذه الفذلكات الفلسفية ، ليست مرافقة للكتابة .. تأتي بعد الكتابة .. إنما يفكر الإنسان : لماذا ؟؟
واحد من أهداف الفن : الفن هو خلق المثل الأعلى .. خلق حالة الجمال .. لكن ، المهم كثيرا ، هو خلق حالة العزاء ..
ـ كيف ؟؟
عندما تشرح الواقع ، أو تضع بديلا عنه ، أو تفضحه ، أو تجمّله ، كأنما تقدم العزاء لنفسك وللآخرين .. تقدم العزاء ، وتقول : الحمد لله ..
أهم مؤسسة تقدم العزاء للإنسان هي : الدين ..
الروحانية في حالتها البدائية ، تأخذ شكلها الميتافيزيقي الروحاني .. في حالتها المدنية الراقية ، تأخذ شكل الفن .. لذلك ، يصير هنالك تطابق بين الدين والفن ، بشكل كامل في وظائفهما ، في تقديم العزاء للإنسان ..
حتى الإنسان البدائي جدا .. إنسان الكهف الأول ، عندما رسم الثور ، كان يتمنى أن يصطاد الثور .. فقدّم العزاءَ لنفسه ، بأن الثور قوي جدا .. يستطيع أن يجمّدَ الثور على جدار الكهف .. فواسى نفسَه ..
مع نشوء الفكر الفلسفي البدائي ، الذي وصل إلى فكرة الدين ، بعدها أخذت الفلسفة بعدا آخر ..
الآن ، الدين هو الفن بمعناه الروحاني ، لكن ، بحالة مدنية متطورة ..
في النهاية ، الروائي ، أو الكاتب المسرحي ، أو الشاعر ، في المقام الأول ، يقدم العزاء لنفسه ..
متى يكون الكاتب عظيما ؟؟ عندما يصبح العزاء صالحا للآخرين ، ويكون حالة منطوية وعادية ، إذا كان الكاتب أو الشاعر مثلا : يغازل امرأة ، وبعدها يلاقيها ، وبعدها يتم الوصال .. هذه ليست الحقيقة .. لكنه يقدم العزاء لنفسه ..
هذا يبقى شعرا ذاتيا .. ولكن ، عندما يصبح هذا النموذج مطابقا لكل الناس ، معنى ذلك : أنه يقدم العزاء والجمال للكل .. لم يعد وثيقة شخصية .. ولذلك ، كل إنسان يكتب مذكرات ، ولكن بعض الكتاب ، مذكراتهم وأعمالهم الأدبية ، هي وثيقة ملك للناس كلهم .. ويصير هناك مطابقة لحالاتهم ..
عن رواية ( أحضان السيدة الجميلة ) :
بعدت السنون الآن عن الكتابة .. أنا كنت أحب القلعة كثيرا ..
ـ هل كانت هناك علاقة بينك وبين سيدة ما ، طورتها ، وكوّنتَ عنها فكرة أخرى وربطتها بالقلعة ؟؟
أنسنة الأشياء ، جزء من السلوك البشري ، تعَبَّرَ عنه في الوثنية وفي الدين وفي الفن .. المخيف هو : تشييء الإنسان .. إدخال الشيء ، أو الظاهرة ، أو المادة ، إلى حظيرتك الإنسانية ، هي محاولة لتوسيع دائرتك ..
أعود لفكرة : النسيج المعقد للرواية ، والذي يتشكل من مستويات عديدة ..
طبعا .. هذا موجود في أعماقي ، نتيجة الحكاية الشعبية القديمة .. فجدتي ـ في بدايات طفولتي ـ عندما كانت تحكي لي حكاية ، كنت أتوه معها .. مثلا : تكون في قصة السندباد ، وهناك مستوى آخر للحكاية ، ومستوى آخر ، وهو العنعنة .. أي : روي كذا عن فلان .. عن .. عن ...
قد يكون لهذا السلوك المكتسب بطفولتي ، أثره في هذه المستويات .. أو قد يكون طريقة لتمرير أفكار كثيرة ..
نعود إلى روية أحضان السيدة الجميلة : العلاقة التي نشأت بيني وبين القلعة هي في البداية : علاقة مادية .. وقد ذكرت من قبل ، أننا كنا نتسلقها أكثر من مرة في الأسبوع .. بعدئذ ، دخلنا القلعة .. دخول القلعة ، كان له دور كبير في الدهشة ..
من الذي سكن القلعة ؟؟ كانت الأمثال الشعبية تقول : ( نيالو .. بيته في القلعة ..) أنا كنت أتصور ، أن بيته في القلعة ، يعني : أنه عال .. فيه هواء جيد ، ومطلٌّ على المدينة ..
لا .. كان الهدف منه : أن الذي بيته في القلعة ، كان في السلطة .. امتزج مفهوم القوة بالسمو التـّلـّي .. ( نسبة إلى التل ) التي قد تكون اصطناعية ، وليست طبيعية ..
( تنويه : مع الأسف ، ينقطع التسجيل هنا ، ثم ، حين تابعنا التسجيل ، كان الموضوع مختلفا ) ..
الرواية ، يجب أن تكون رواية ..
الرواية ، عندما تكون تاريخا ، أو فلسفة ، أو أيديولوجيا مقيتة ...إلخ ، لتحقيق هذا الهدف أو ذاك ، أنا برأيي تفقد مشروعيتها الأساسية .. إنما أي عمل هام ، لا يخلو من هذه الأشياء ..
فالرواية الآن ، إذا عدنا إلى نشأة الرواية في ثقافة مثل الصين .. من هو الروائي سابقا منذ ألفي سنة أو ألف خمس مئة سنة في الصين ؟؟ طبعا ، في الصين ، ثقافة راقية جدا .. كان هدف الروائي أن يكتب ما لا يقل عن سبعة مجلدات إلى خمسة وعشرين مجلدا ، هي حياة أسرة ، يتابع الأجيال فيها .. وهذا النص مكتوب ، ليسلي العجائز في انتظارهم للموت في ذلك الزمان ..
ما معنى ذلك ؟؟ هذا النص ، يغنيه عن الكتاب المقدس ، وعن الحكمة ، ويغنيه عن سرد التاريخ ، كما يفعل العجائز عندما يستذكرون .. ويقدم النص له ، قبل كل شيء ، متعة المتابعة ، ومتعة فهم الحياة .. وبالتالي ، عزاء لهذا المتقاعد الذي يظل يقرأ في رواية ما ، عشر سنوات ..
أنا لا أقول الآن : على الرواية أن تكون كذلك .. لأن الموت كان بطيئا ، فصار الآن خاطفا .. فليس هناك من داع ، لتقديم العزاء لشخص ، لا نعلم متى سيأتيه الموت ..
ـ ليست المسألة هي في الرواية ، إنما في الموت ..
نعم .. هناك شيء لمسْته .. هناك مفهوم خاطئ ..
مثلا : ينعقد مؤتمر للرواية .. أنتَ تحضّرُ رسالة دكتوراه عن الرواية ..
والقصة ؟؟!! لمن تنتمي ؟؟
حسبوها على أساس نظرية الأجناس الأدبية المختلفة ..
أنا لي رأي آخر .. أتكلم عن القصّ في أشكاله المختلفة .. عملية القصّ بحدّ ذاتها ..

تعليق : أنا أتفق مع الكاتب في " شوفينيته الوطنية ـ الحلبية ، أحيانا " التي حكى عنها ، لكني لا أتفق معه في موضوع " العزاء للإنسان " ، وعلاقته بالفن ..
انتهى القسم الثاني من الساعة الثالثة ..
ستأتي الساعة الرابعة والأخيرة ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق