السبت، 9 أكتوبر 2010

فتنة كبرى في لبنان " وكلّ مرّة ما بتسلم الجَرّة "

إن المتتبع للشأن اللبناني منذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري ، إلى اليوم ، يتملكه العجب ، من تقلب الأحوال السياسية العامة ، وتفاعلات ذلك الحدث الجلل ، الذي أريد له إحداث تغيير جيوـ سياسي في المنطقة ، خدمة للمصالح الأمريكية ، التي وُجدتْ لتخدم ـ بالأساس ـ المصالح الصهيونية ..
ومَكمَن العجب : أنه ، وبعد أكثر من أربع سنوات ، من الاتهام الموجه لسوريا ، يتغير فجأة مؤشر بوصلة الاتهام ، من سوريا ، إلى حزب الله .. على مبدأ : " خذْ من جيبك ، وضعْ في عبّك " ..
بمعنى : كانت سورية هي المستهدفة أولا ، وهي المتهم الأول والرئيسي في اغتيال الحريري ، وكل دلائلهم تؤدي إلى هذه النتيجة ، بدءا بشهود الزور ، وبما توافقوا على ادعائه من تهديدات وجهها الرئيس الأسد للحريري في آخر زيارة له لدمشق قبل اغتياله ..
وبعد أن تقر المحكمة الدولية وتعترف بمزاعمهم ، وتصدر حكمها ، يلجأ مجلس الأمن إلى البند السابع ـ الذي أنشئت المحكمة على أساسه ـ لتنفيذ الحكم ..
وتاليًا ، يأتي دور حزب الله ، بعد أن يكون حكم المحكمة قد فعل فعله بسورية ونظامها السياسي ..
أما الآن ـ وبعدما فشلوا في إثبات أي تهمة بسوريا ـ فقد انعكس المخطط ، بحيث يوجهون الاتهام ، لعناصر من حزب الله ، بهدف استكمال المشروع الأمريكي المعروف " بتشويه صورة حزب الله في لبنان والمنطقة " والذي أنفقت أمريكا فيه أكثر من نصف مليار دولار .. فإذا ما تم توجيه الاتهام ، تكون إشارة البدء بالفتنة ، قد أطلقت في الشارع اللبناني .. ويكون اندلاع الفتنة ، هدفا أمريكيا ـ صهيونيا ، يلهب لبنان ، ويضعِف حزب الله ، ويُفقِده مشروعيته السياسية المقاومة ، ويجبره على توجيه سلاحه لمن يستهدفه ويتربص به ، وبالتالي ، تنشغل سوريا بمحاولة إطفاء هذا الحريق الذي لا يعرف أحد أين سيصل ، ومتى سينتهي ..
لقد راهنت "إسرائيل" ـ وما زالت ، وستبقى دوما ـ على فتنة داخلية في لبنان ، يوم انهزم جيش باراك من الجنوب اللبناني فجأة عام 2000 ، وكان حزب الله واعيا لهذه المؤامرة ، فاستطاع أن يتجنب الوقوع فيها ، ونجا لبنان من الفتنة ..
ثم راهنت أمريكا و"إسرائيل" على الفتنة ، بعد اغتيال الحريري .. وخروج الجيش السوري من لبنان ، ومرة ثانية ، تجنب حزب الله الوقوع في الشرك ، وثانية ، نجا لبنان من الفتنة ..
ثم كان عدوان "إسرئيل" مدعوما من عرب أمريكا ، على لبنان عام 2006 لضرب حزب الله ، وأسر قائده ، بعدما جهزوا له مكان الاعتقال .. وراهن المعتدي على انقلاب الشارع اللبناني على المقاومة ، بعدما دمروا له كل ما أمكنه تدميره ، لكن النتيجة كانت عكسية تماما ، وخرج الحزب من العدوان أكثر قوة وصلابة ، وجماهيرية ، وثالثة ، نجا لبنان من الفتنة ..
ثم كانت مفاعيل قرارات حكومة السنيورة ، التي تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن ضد شبكة اتصالات حزب الله في لبنان ، مما نتج عنه أحداث ما عُرف ب " السابع من أيار " ، وقد كادت الفتنة تدمر لبنان ، لولا تعقل العقلاء ، والاستدراك في اللحظة الحاسمة ، وتدخل قطر ، لعقد مؤتمر الدوحة ، الذي اتفق فيه اللبنانيون على انتخاب رئيس للجمهورية ، ثم الانتخابات النيابية ، وحكومة وحدة وطنية .. ورابعة ، نجا لبنان من الفتنة ..
ثم كان العدوان الصهيوني على غزة ، ومحاولة تقليم أظافر الحلقة المقاومة الأضعف في المنطقة العربية ـ حسب رأيهم ـ لكن السحر انقلب على الساحر ، وفشلت "إسرائيل" في تحقيق أي هدف من أهداف عدوانها ، لا ، بل كسبت القضية الفلسطينية تعاطفا دوليا أكبر مع غزة وشعبها المحاصر ، ومقاومتها ، وندد العام كله بالعدوان الصهيوني ، وبقيت غزة صامدة بشعبها ومقاومتها وحكومتها المُقالة ..
كل هذه المؤامرات التي حيكت في لبنان والمنطقة ، كانت تستهدف حزب الله ، لا لشيء ، إلا لأنه يحارب الكيان الصهيوني ، ويعاديه ، ولا يقبل بالحلول الاستسلامية ، ولا بالاستسلام للإرادة الأمريكية ..
وبعد كل ذلك ، لجأت أمريكا من جديد ، إلى سلاح المحكمة الدولية ، تسلطه على رقبة حزب الله ..
فهي لم تنل شيئا من سوريا رغم كل الضغوط التي مورست على سوريا ، حصارا وعزلة وتهديدا ..
فأدركت ـ متأخرة ـ أنه لا يمكنها أن تأخذ من هذا العش أي عصفور .. فلماذا لا تبحث عن عش في مكان آخر ، تأخذ منه ما تشاء ، ولاسيما أن لها في ذلك مَنْ يعينها ويساعدها ، بعد أن مهّدت الطريق بمئات الملايين من الدولارات ؟؟
وهكذا كانت مجريات القرار الظني الذي أبلغه ـ سلفا ـ الحريري شخصيا ، للسيد حسن نصر الله ، ومفاده : أن القرار الظني سيصدر باتهام عناصر " غير منضبطة " من حزب الله ..
وهذا الحريري ، الذي مازالت ساقاه معلقتين على ضفتين متباعدتين ، واقع بين سندان التضليل ، ومطرقة " ما مننسى والسما زرقا " ، فقد اعترف بوجود شهود الزور ، ويرفض أن يستجيب لطلبات محاكمتهم ، لأنه يعرف أن فتح هذا الملف ، سيجر رقاب كثيرين ممن حوله إلى المحاكم ، رغم أنهم ما كانوا إلا " وحَْيًا يُوحَى " ..
وفي خضم هذه التجاذبات ، جاءت مذكرات الدعوة السورية ، لتطال 33 شخصا ممن ادعى عليهم اللواء جميل السيد أمام المحاكم السورية ، ومعظم هؤلاء ، هم من الفريق المحيط بالحريري ، الذين طبخوا له كل هذه الطبخات القذرة ، حتى شاطت واحترقت وفاحت رائحتها الكريهة ، فسمّمت الأجواء اللبنانية كلها ..

ما هي تداعيات القرار الظني ، على الداخل اللبناني ؟؟
إن متابعة بسيطة للقنوات الفضائية اللبنانية ، وحواراتها السياسية المباشرة ، ونشرات أخبارها ، على مختلف توجهاتها ، وانتماءاتها ، السياسية والطائفية والمذهبية ، توحي بأن الوضع في لبنان بات على شفير هاوية الفتنة ، دق الرئيس الأسد ناقوس خطرها قائلا : سوريا قلقة مما يحدث الآن في لبنان ، ثم أكده وزير الخارجية السوري ، وأكدته أمريكا بتوجيه نصيحة لمواطنيها بعدم السفر إلى لبنان ..
فهل سيستطيع حزب الله تجنب الفتنة هذه المرة ؟؟
إن نجاح الحلف المقاوم في صد الهجمة الأمريكية الصهيونية عليه ، والخروج منها بأقل الخسائر ، ثم الانقضاض على المشروع الأمريكي ، وتحجيمه في المنطقة ، كفيل بالتصدي مرة أخرى ، لو كان العدوان خارجيا ، لكن لا يمكنه الآن التصدي لها ، لأن الأعداء في الداخل ، أوجدوهم بالدولار وبالمحكمة الدولية ، وها هم يحركونهم باتجاه فتنة بشعة ، لا تستطيع سوريا أن تفعل شيئا لتجنب الوقوع فيها ، وهي التي خرجت من لبنان بفعل المؤامرة الأصلية التي استهدفتها منذ اغتيال الحريري ، بعد أن وقفت ضد قرار غزو العراق ، وبعد أن رفضت إملاءات وشروط " كولن باول " وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ..
إن مجريات الأحداث ، تؤكد سعي أمريكا والصهاينة ، لاستخدام المحكمة الدولية الخاصة ، صاعقا لتفجير لبنان ، والثأر من مقاومته الوطنية التي لم يستطيعوا النيل منها رغم كل مؤامراتهم ..
إن الوسيلة الوحيدة لتجنب الوقوع بالفتنة ـ الشرك ، تكمن في أمرين :
الأول : محاكمة شهود الزور ..
والثاني : إعلان الحريري ، عدم اعترافه بما سيصدر في القرار الظني .. لا لشيء ، إلا لأنه مسيّس مئة في المئة ، بدليل تحوله من اتهام سوريا ، إلى اتهام عناصر من حزب الله ..
وبذلك ، يكون قد حفظ دم أبيه من الضياع ، بضياع الحقيقة ، وجنبه تبعة فتنة أمريكية صهيونية ، وقى اللهُ لبنانَ وأهله من شرَّها ..

السبت ـ 09/10/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق