الأحد، 31 أكتوبر 2010

ريح الصَّبا ـ رواية ـ الفصل الثالث

الفصل الثالث :

عند انتظار مرور الوقت ، لا يمر كما نشتهي .. إنه يمشي بروتينيته الأزلية .. لا يطيعُ رغباتِ الناس ولا رجاءَهم .. إنه يمشي وفق نواميس الحياة منذ بدء الخليقة .. فلا يسرعُ لمن يرغب بسرعة مروره ، ولا يبطئ لمن يريد منه التباطؤ ..

قبيل الثانية وصلت مكتبي .. سألتُ عن أسماء المتصلين .. لم يكن اسمها بينهم .. جلستُ متسمّرًا جانب الهاتف .. رنّ .. ورنّ ... ورنّ ....

لا أنتظر أحدا من أولئك .. رن مرة أخرى .. ألو .. ألو ..

ألووووو .. لا أحد يرد ..

لا بأس .. ربما لم تتعرف صوتي .. قد تعاود الاتصال .. انتظرت طويلا ، بلا فائدة ..

لم أغادرْ مكتبي .. بحثتُ في الدليل عن رقم للاسم الذي شاهدته مكتوبا على زر الجرس .. سألتُ الاستعلامات .. بلا فائدة أيضا ..

لزمت المكتب أيام الأربعاء والخميس ، واضطررت للرد على كل المكالمات .. وأمضيت يوم الجمعة مضطربا ، وتقصدت أن أمر قريبا من بيتها حين خرجت لزيارة صديق ..

ليس ثمة ما يطفئ لي شغفي المحموم ..

كان كل يوم دهرًا ..

ـ ما الذي جرى ؟؟ لماذا لم تتصل ؟ ألمْ تعِدْني ؟؟

هل لاحظت أمُّها شيئا فمنعتها ؟؟ هل حقا ليس عندهم هاتف ؟؟!! هل أنكرتْ وجودَ هاتفٍ في بيتهم ، وأخذتْ رقمَ هاتفي لتتخلصَ مني ؟؟

يوم السبت ، لم أكن مضطرًّا للخروج باكرا .. خرجت قبيل السابعة صباحا ، مفترضا أنها ستغادر البيت إلى دوامها .. دخلتُ ممر البناية الخارجي منتظرا ومرتبكا .. ما الذي أفعله ؟؟!! هل سترحب بلقائي ؟؟ أم ستقابلني بامتعاض وانزعاج ؟؟

سمعت بابا ينفتح ، انتفضتُ ، وهممتُ أدخل الممرَّ الداخلي ؟؟

ماذا لو لم تكن هي ؟؟!!

اليوم حدٌّ فاصل بين الإقدام والإحجام .. فإذا رأيتها كما أتوقع ، سيتحدد موقف جديد ليس سابقة عندي ، وسأبني عليه مواقف ومواقف ..

فهذا الصباح ليس صباحا عاديا ، كما لم تكن الأيام التي سبقته أياما عادية ..

ومنذ مساء الثلاثاء حتى صباح اليوم ، تغيرت أشياء كثيرة جدا في الكون ..

دارت الأرض حول محورها أكثر من ثلاث دورات.. وقطعتْ مسافة لا بأس بها في دورانها حول الشمس .. كما أن القمر لم يتوانَ عن التحرك من منزلة إلى أخرى ، مغيّرا بذلك مواقع الأبراج .. فتغيرت معه نفوس كثير من البشر الذين يؤمنون بمكانة الأبراج وتأثيرها في سلوك الناس وأمزجتهم وحظوظهم ..

وتبدلتْ مياه الأنهار والينابيع .. وتحرَّك عالم البحار والفضاء .. وتشكلتْ سحب ، وتلاشتْ أخرى ، وأرعدتْ وأمطرتْ .. وتحركتْ رياح وأعاصير .. فاهتزت كيانات وسقطت أوراق .. و ... و .... و .....

فهل تلك الأيام كانت أياما عادية ؟؟!!

برودة الصباح ، وحركة السيارات ، والناس ، وتلاميذ المدارس ، وصخب الواقفين أمام المخبز ، كل ذلك لم يأخذ من انتباهي وقتئذ أي شيء ..

لم أكن أعرف سوى أنني يجب أن أراها ..

كان ممر البناية هادئا ، لا أثر للحركة فيه .. كنت أنتظر وفي داخلي تتصارع كل التوقعات والأفكار ، من أول اليسر والسهولة إلى أقصى وأقسى الصعوبات .. كنت أشعر بحرج وجودي هناك لكن ذلك لم ينل من إصراري وعزمي على اللقاء بها ..

" لم أنتظر أحدا بهذه الطريقة ونحن لمّا نتعارف ..

" مررت بلحظات ضعف ساقتني لانتظار من أحب ، ربما لأوقات أطول .. لكن لم أنتظر فتاة ، ولم تشغلني فتاة قبل الآن كانشغالي بهذه التي لا أعرف سوى اسمها وبيتها ووعدٍ منها بالاتصال بي خلال الأيام السابقة .. وهذا ما لم يحدث.. لكن مازلت إلى الآن أشك في أنها لم تتصل أبدا ، سواء سمعتْ صوتي وعرفته ولم تتكلم ، أم لم تسمعه ، فلم تتكلم أيضا ..

" كنت أقف في الممر قلقا : كيف لو لم تخرج اليوم أبدا ؟؟

" ماذا لو عرفني أحد سكان البناية وتساءل سرا أو جهرا عن سبب وجودي ههنا في هذا الصباح الباكر ؟؟!!

" ماذا لو خرجتْ وكانت بصحبة أمها ، أو أختها التي كانت زميلتي ؟؟!!

" حسمتُ الأمر في سري : سأبقى واقفا ولو تأخرتْ دهرًا ، وسأكلمها ولو كانت بين جميع أهلها ..

كنت أتحرك بين أول الممر وآخره بهدوء وحذر.. أقترب من باب بيتهم .. أضع أذني على الباب لعلـّي أسمع صوتا وراءه ، أو حركة ما ، توحي بأن أحدًا يتهيأ للخروج ..

يمر الوقت بطيئا ولزجا ، ولا شيء سوى صخب الشارع ، وهدوء الممر الذي ما لبث أن قطعته حركة انفتاح أحد الأبواب الثلاثة المتجاورة والمتقابلة .. كنت واقفا عند مدخل الممر أنظر خارجه دون أن أرى شيئا .. التفتُّ .. أحسستُ أن كياني كله قفز إليها معانقا ، فيما اضطرب قلبي بدقات يسابقُ كلماتِها التي عاجلتني بها ، هربًا من ارتباك بدا واضحًا في التقاء عيوننا .. وكان لكلٍّ منا سبَبُه في هذا الارتباك ..

هي للمفاجأة بوجودي .. وأنا لغبطتي وفرحي باللقاء ..

قالت بانشراح ، وكأنها متوقعة أن تراني : صباح الخير ..

ارتعش قلبي ، وانتعش بمزيد من الأمل والحبور ..

انتشى رأسي بآمال كانت قبل لحظاتٍ سرابًا .. وطارت بي أجنحة من خيال مدهش ..

كانت متوردة الوجه ، فيّاضًا ببهكنةٍ مُحبَّبةٍ لي .. واتسعت الابتسامة في عينيها أكثر من الشفتين ، مما هدأ كتلة القلق التي كانت تغلي في داخلي ..

سألتها : إلى أين ؟؟

كانت ترتدي نفس المعطف الخمري الذي رأيتها فيه .. ومن تحته يبدو اللباس الرسمي لطالبات ، بربطة العنق الكحلية التي تناسقت مع تورد الوجنتين والشفتين ولون المعطف ..

قلت : لنخرج معًا ثم نتفاهم ..

كان الصباح مشمسًا ، فيه هبَّاتٌ باردة تلفح وجهيْنا ..

الساعة تجاوزت السابعة والنصف ..

انعطفنا يمينا نمشي بهدوء وغبطة ، وقد أزال اللقاءُ المُبهجُ كلَّ ما لازمني طيلة الأيام السابقة ..

اتفقنا أن نشرب القهوة معًا في مكتبي ..

دخلنا غرفة المكتب ، أحسست أن كل شيء فيها يهلل ويرقص فرحا بنا ، وانسجاما مع قلبينا اللذين بالكاد التقيا..

شمس الصباح تعانق الأصص ومزروعاتها عبر النافذة الجنوبية ، فبدا اخضرارها أكثر لمعانا وشفافية..

أيمتلك النبات كل هذا الشعور والإحساس ؟؟

هل أحستْ بما يعتمل في صدرينا ؟؟

الغرفة دافئة باللهب المتصاعد من المدفأة التي تتقد بداخلها النيران شهية هائجة .. لكنها أقل بكثير مما كان يتقد بداخلي ..

ولو قسنا حرارتينا ـ أنا والمدفأة ـ لبدت المدفأة متثلجة الأطراف ، مثلما كان التثلج باديا على يدي سعاد ..

" أيتها المبحرة في فضائي .. يا نبض القلب والوريد ..

" يا نور العين وننـَّها .. يا إشراقة الكون وضياءه ..

" يا بهجة الروح والخلود .. أيتها الحب الذي ولد أكبر حجما من مجموع ما في الكون كله من حب وعشق وهيام ..

" يا شِغاف قلب كان أسيرًا بلا خطيئة ، فصار أسيرًا يعشش في ثناياه الحبيبُ الآسِرُ ..

وقفنا متجاورين جانب المدفأة ، فكانت أقرب إلي مما كناه في الحافلة .. غرزت أصابعها في شعرها تسوّيه ، فتطايرت منه موجات ناعمة دغدغت الصباح بأريج عَطِر ..

كأن تلافيف دماغي قد تسطحت .. وتطايرت حروف الأبجدية منها ، ولم أجد ما أقول ، سوى مقطع غنائي معبر :

" ما بعرف وين لاقيتا

" ولا بعرف وين حكيتا

" شو بتعرف ؟

" بعرف حبيتا ، ولحقتا دغري على بيتا ، وأكتر من هيك ، ما بعرف ..

أليس شبيها بهذا ما جرى ؟؟!!

مع قهوة الصباح وفيروزياته ، سرى الدفء في عروقنا .. وخلعت سعاد معطفها الفضفاض ، فبرزت أفروديت العصر الحديث ..

لم أكن أصدق أنها أمامي ، وأننا نتكلم كعاشقين لم يفترقا منذ بدء الخليقة ..

توقـّف الصوت الفيروزي لانتهاء الشريط .. غيّرتْ وضعه وقالت : يا حظي منك .. أرجوك .. سنستمع فقط ..

تساءلتُ : أمسموح النظر في عينيكِ ؟؟!!

(( سمعت الجيران بيقولوا ، يمكن يكون عميضحك عليها

وعينك تشوف الليل بطولو ما نشفت الدمعا بعينيها..

بعدها بعمر الهوى صغيرة .. وقلبها بالحب طفلة صغيرة ..

مش عارفة في فِ الدني غيرة .. وحسّت بصدرا شي عمبطير ..

جربت تغفا عَ دمعاتا ، لا غفيت ولا عرفت الأحلام ..

وتذكرت حكيات رفقاتا : انو اللي بحب ما بنام ..

يا ريت فيها تحملك وتروح عَ بلاد ما تقشع حدا فيها ..

وهونيك شو بدا بأشيا تبوح ، وشو عندها حكايات تحكيها ..

بدا تقلك هون خليني ، عايشي عَ الحب والألحان ..

وحَدْ قلبك هيك خبيني .. ويخبروا بنياتها الجيران )) ..

انتهت الأغنية ، فانتابتنا نوبة متزامنة من الضحك ، وأسندتْ جبينها إلى جبيني ، وقالت : يا لروعة حظي !!

اسمع جيدا :

أغارُ عليكَ من عيني ، ومني ومنكَ ومن زمانكَ والمكانِ

ولو أني خبّأتـُكَ في عيوني إلى يوم القيامة ، ما كفاني

ثم مضت إلى الشمس المنسكبة عبر النافذة ، ودندنت بصوت نجاة :

متى ستعرفُ كم أهواكَ يا أملا أبيـعُ من أجله الدنيا وما فيــــها

لو تطلبُ البحرَ في عينيكَ أسكبُه أو تطلبُ الشمسَ في كفيكَ ألقيها

تحركتُ نحوها أتساءل مندهشا : أيُصدّق أحدٌ ما يجري ؟؟!!

RRR

لم يحرمْنا بعض الزملاء والزميلات من فضولٍ ، يقطعون به علينا انسجاما كان مفقودا لأجَلٍ بعيد ، فطلبتُ من أحدهم أن يؤمِّن لنا إفطارا سريعا ..

كنا شرهَيْن ، نتشهّى الطعام وكأننا نتسابق ..

ومع قهوة أخرى ، قلت لها : اسمعي جيدا :

شاهدتُ أختَ البدر تشربُ قهوة في ليلةٍ ، غـَزِلت ْبها عيناها

لم أدرِ أيـًّا كـان أكثـرَ رقـّــة فنجانها الصيني ، أم شفتاها

مرّ الوقت خاطفا .. لم نوفر برهة ، ولم نضيّع فرصة نعبُّ منها فرحًا طفوليًا ، جعَل روحيْنا تتعانقان وتبتهجان ، ودغدغ قلبينا بأعذب سيمفونية ملونة بكل ألون الزهور ..

ـ سألتها : أين كنتِ ؟؟

ـ قالت : أنتظرك ..

ـ لِمَ تركتِني أصطلي بالنار التي أوقدْتِها ليل الثلاثاء ؟؟ لِمَ لمْ تتصلي وكنتُ أنتظرك وأتقلى بسعير الانتظار ؟؟

ـ اعتقدت أنه مجرد لقاء عابر، ولن يترك الأثرَ الذي يستحق أن أسعى إليه ..

ـ ألم تتوقعي انتظاري لكِ اليوم ؟؟

ـ وضعْته في الحسبان ، ولم أكن على يقين .. لكن ، لم تقل لي : كيف غامرتَ بانتظاري ، وأنت لا تعرف إن كنتُ سأخرج أم لا ..

ـ وهل حياتنا غير مغامرة ؟؟

نسعى إليها ، ثم نصنعها ، ثم نعيشها ، ثم تكون لنا أو علينا ؟؟

وثمة احتمالان للمسألة فقط : تخرجين ، أو لا تخرجين .. ولم تسأليني ماذا كنتُ سأفعل لو لم تخرجي ؟؟

ـ ماذا كنتَ ستفعل ؟؟

ـ المهم : أنكِ خرجت ِ ، والأهم : هذه كفكِ الرائعة بين يدي .. والحقيقة اليقينية في هذا العالم الآن ، أننا هنا معا .. ولا وقت لدي أهدره بالتفكير باحتمالٍ انتهى مفعوله نهائيا .. ثم .. وأنت معي ، لا أريد أن ينشغل عقلي وقلبي وكياني ، إلا بك ..

ـ وأما أنا ، فمجنونة حقا ..

كان انتظاركَ لي صباحا ، أمرًا غيّر المعادلات ، ولخبطها .. والنتيجة ، أني نسيتُ نفسي ودوامي وأهلي .. واستسلمت ..

مالت الشمس بعيدا عن النافذة ، وعمّ هدوءٌ وصمت ، قطعَه رنين الهاتف .. لم أرد على أي اتصال منذ الصباح .. توقف الرنين ، ثم عاد ، كأن المتصل يعرف بوجودي في المكتب .. توقف ثانية ، وعاد بإلحاح استفزازي ..

رفعت السماعة ، وصرخت : نعم ؟؟

قالت زينة : ما بك ؟؟ لمَ لا ترد .. اتصلتُ قبل قليل ، وقيل لي أنت في المكتب .. هيا تعال إلي في البيت ، وسأجد طريقة أهدئ فيها أعصابك ..

قلت لزينة متصنعا لهجة جادة : من عندنا ؟؟

قالت : لا أحد يعنيني سواك .. هيا ، إني في البيت ..

قلت : ورائي عمل كثير يجب أن أنجزه ..

أدركتْ أنني مُحرَج ، فقالت : عندما تنتهي ، اتصل بي ..

لاحظتْ سعاد أني أرفع صوتي ، لأغطيَ على صوت زينة المنساب عبر السماعة الفاضحة ، وكانت قريبة مني تقلب أوراق الرزنامة ، فكأنها سمعتْ شيئا جعل أصابعها تتعامل مع الأوراق بنزق لم يكن قبل قليل .. لكنها ضغطت على أعصابها ، وتصنعت اللامبالاة ، وابتعدت ..

وَجَمَتْ على كرسي أمام الطاولة .. وآثارُ النيران تلتهب في وجنتيها ..

قلت ببرود مفتعل : إنها أمي ، تستعجلني لوجود ضيوف عندنا ..

قالت سعاد وهي تضغط على الكلمات : لا تتأخر عليها كي لا تغضبَها ..

ـ ليس الأمر كذلك ، فضيوفنا ليسوا غرباء ، وقد قلت لها : إن ورائي أعمالا كثيرة ..

بشيء من التوتر ، أخذتْ سماعة الهاتف :

سأتصل بزميلتي قبل أن تسأل عني في البيت ..

اتصلتْ ، بدا أن أخت سهير تتكلم .. وسهير لم تأتِ بعد ..

قالت سعاد : أنا لست في البيت ، أبلغيها ألا تتصل بي ، أنا سأتصل ثانية ..

بقيتُ هادئا إزاء توترها .. أعطيتها سيكارة .. اعتذرتْ ، ثم أخذتها ، أشعلتها لها .. دارت حول الكرسي ، ثم جلست ، وقالت وهي تزفر الدخان للأعلى :

أمها تعرفك .. هي تعمل في أحد فروع شركتكم ..

ـ من هي أمها ؟

ـ أم وسام ..

ـ زميلتكِ بنت أم وسام إذن !! ..

ـ هي صديقتي ، وقد حكيتُ لها عن لقائنا الأول ، ونصحتني ألا أتصل بك .. وحذرتني .. وأظنها أحسّتْ من غيابي ، أني معك اليوم ..

ـ ومن أين لها هذا الإحساس ؟؟!!

ـ هي أيضًا توقعتْ مجيئك .. وأنكَ لن تترك الأمر يمرّ هكذا .. ثم إن اسمك معروف عندنا .. فزوجة أخي كانت زميلتك في الجامعة .. إنها ابتهاج .. أتذكرها ؟؟

ـ كيف لا ؟؟ عال جدا .. الجميع يعرفونني ، وكنت أظن نفسي طارئا عليكم ..

ـ الدنيا صغيرة كما ترى ..

ـ ما علينا .. حدثيني عنك وعن أسرتك ..

ـ ماذا تريد أن تعرف ؟ حسنا .. أنا أصغر أفراد أسرتي .. أخي الأكبر ، وحيدنا ، متزوج ، وهو أب لولد واحد .. ثلاث من أخواتي متزوجات ، الكبرى تعيش خارج البلد ، والثانية هنا ، والثالثة كانت زميلتك في الجامعة ، في البيت أنا وأختي الرابعة ووالدانا ..

ـ وأنتِ ؟

قالت كأنها تتكلم عن أحدٍ سمعَتْ عنه :

أنا ولدتُ ودرستُ هنا ، ونلتُ الثانوية العام الماضي ، والآن أنا في السنة الأولى في المعهد ..

وأضافت ببرود مُغيظٍ :

وقريبا سنعلن خطوبتنا .. جاء هو وأهله ، طلبوني رسميا ، ولن تتأخر إجراءات الخطبة .. إنه مستعجل ..

ـ وأنا ؟

ـ تأخرتَ يا سيدي ..

ـ لكنكِ معي ..

انفجر الغيظ في رأسها ، لكنها خنقته ، وسألت :

ألا يكفيكَ ؟؟ قل لي : من التي كلمتكَ قبل قليل ؟؟

ـ قلت لك : أمي ..

ـ ليست أمك .. صوتها ليس صوت سيدة كبيرة .. سمعتها .. وقد ارتبكتَ وأنت تكلمها ..

ـ ومن قال لك إن أمي سيدة كبيرة ؟؟ أمي صبية في عز شبابها .. ألستُ ابنها البكر ؟؟

ـ إذن هي زوجتك ..

ـ ومن قال لك إني متزوج ؟؟!!

ـ زميلتاك .. أختي وزوجة أخي ..

ـ إذن صدّقتا الشائعة التي راجت عني أيام الجامعة ..

ـ شائعة ؟؟

ـ نعم شائعة ..

ـ ولماذا يشيعون عنك ذلك ؟؟

ـ تلك لها حكاية ..

ـ أسمعك ..

ـ هي شائعة أطلقتها طالبة تعني ظروفا نفسية صعبة ، لتنفير الطالبات ـ حسب رأيها ـ وبدأت تأتي مع غيرها إلى مكتبي ، وتبقى ولو غادروا ..

تحمَّلتها مرتين ، وفي الثالثة ، جاءت وحيدة ،وجلست تريد أن تشرب قهوة عندي ، لعل صداها يخِفُّ ، كما قالت ..

كانت الخطة مدبَّرة بالاتفاق مع إحدى الموظفات ، وعامل المقسم .. وكلمة السر بيننا : من فضلك ..

قلت لعامل المقسم : من فضلك ، أريد البيت .. ثم نهضت خارجا ، وأنا أقول لها : لو رن الهاتف ، ردي عليه ، سأعود حالا ..

انتظرتُ في الغرفة المجاورة ، حتى رن الهاتف ، وردّتْ .. وصارت تدافع عن نفسها بأنها موجودة بالصدفة في مكتبي ، وأنني أنا طلبت منها الرد .. وسألتْ : من أنتِ ؟ وحين سمعت الجواب ، دخلتُ عليها ، إذا هي تضع السماعة جانبا ، وتتهيأ للخروج كالملدوغة .. ولاحقتها بكلماتي قائلا : اجلسي .. جاءت القهوة .. لكنها غابت سريعا .. وكانت تلك آخر مرة تدخل فيها مكتبي .. وصارت حين تتلاقى عيوننا في الممرات ترمقني بغضب ، وتنزوي هاربة ..

كانت سعاد منصتة ، تستمع بلهفة لنتيجة الحكاية ، وهي ترمقني بفرح ، يشوبه التشفي من الشائعة وصاحبتها ..

لم تعلق على ما قلت ، لكنها سألت فورا : وغيرها ؟؟

قلت : مررتُ بتجربة عاطفية بعد تخرجي ، ووصلنا قريبا من الزواج ، ثم تراجعنا ..

قالت : وغيرها ؟؟

قلت : أنتِ ..

تنهّدتْ ، ونظرتْ في الساعة الجدارية ..

ـ أوووووووه ، الثالثة ؟؟!! لقد تأخرتُ كثيرًا عن موعد عودتي إلى البيت ، يجب أن أتصل بسهير ..

اتصلتْ ، ردتْ على سؤالٍ لسهير : كما توقعنا .. كان ينتظرني ، أنا معه الآن .. هل سأل أحد عني في المعهد ؟؟ أنا ذاهبة الآن إلى البيت .. كنا معًا أليس كذلك ؟؟ مع السلامة ..

ـ قلت وأنا أتجهز للخروج : اكتبي على الرزنامة رقم هاتفكم ..

ذهبتْ إلى الطاولة .. كتبت شيئا على الرزنامة ، وارتدت معطفها ، وقالت : أنا جاهزة ..

نظرتُ لأرى الرقم ، قرأت : ما ...

قلت وأنا أضغط على الحروف وأكتب تحت كتابتها : قالت : مااااااااااا

قالت كاليائسة : ما الفائدة من الرقم إذا كانت خطبتي بين ليلة وضحاها ؟؟

خرجنا .. كان تأثير الشمس ضعيفا .. الشوارع مكتظة بالناس والضجيج .. ذكرت لها رقم هاتف البيت ، وقلت لها : احفظيه جيدا .. ستحتاجينه كثيرا ..

وقريبا من بيتها ، افترقنا بلا موعد جديد ..

لم أذهب إلى البيت .. سرتُ وحيدا كالهائم .. أدخن ، وأسترجع أحداث اليوم من أوله ..

" تتسارع الأمور أحيانا ، كفيلم قصير ..

" لقد اختصرنا ـ بهذا اللقاء ـ كثيرا من التعقيدات التي يمكن أن تنشأ عن عدم خروجها اليوم ..

" لم يحصل معي سابقا ، ما حصل اليوم .. هل حقا كنت أنا أبحث عنها ؟؟!! وهل حقا كانت تنتظرني ؟؟!!

" إلى أين سنسير ؟؟ ماذا أريد منها ؟؟

" وماذا تريد مني إذا كانت مجريات خطوبتها آخذة بالتنامي نحو الارتباط ؟؟!!

" وماذا تريد زينة ؟؟

حذرني الأستاذ مصطفى ، والحقُّ معه ..

" يحسن بالمرء أن يتعظ بنصائح مَنْ يثق بتعقلهم .. قال لي : ابتعد عن النار .. فعاكسْته .. ليته قال لي : اقتربْ ..

وصلتُ قرب المدينة الجامعية ، اشتريت دخانا ، ومددت يدي إلى الهاتف ، اتصلت بزينة ، قالت : لا تتأخر ..

فوجئت بوجود الشغالة تهتم بابن زينة الوحيد .. لكنها حملته فور دخولي واختفت في إحدى الغرف ، وأغلقت الباب .. همستْ لي زينة وهي تقفز حولي : لا تهتم .. ثم رفعت ذراعي ووضعته على كتفيها ، ونحن نسير إلى مقعدين هزازين متقابلين أمام الموقد الملتهب ..

كلما شاهدتها تبدو لي أجمل مما كانت عليه .. في المرة السابقة كانت أجمل من التي قبلها .. والآن هي أجمل وأجمل ..

عكسَ خدّاها لون النار ، وشعَّ من عينيها بريق ساحر ..

ضجَّ صوتٌ في رأسي : " أيتها اللبؤة " ..

سألتني : ماذا قلت ؟

ردَدْتُ مندهشا : لم أقل شيئا ..

قالت : كانت عيناك تتكلمان .. وكان لسانك يهذي .. أعرفك مقداما .. لا تختبئ وراءهما ..

قلت : كيف لا يهذي من تجود عليه دنياه المجدبة ، بلبؤة رائعة مثلك ؟؟!!

قالت وهي تميل بكرسيها تجاهي : آخر عهدي بك ، كنتَ في غاية الاستفزاز والعصبية .. ما الذي كان يجري عندك .. خبرني ..

ريح الصَّبا ـ رواية ـ الفصل الثاني

الفصل الثاني :

قلتُ لها ألا تتصلَ بي قبل الثانية ، فلن أكونَ موجودًا قبل ذلك ، وحاولت أن أتخلص من بعض الأعمال لأعود إلى مكتبي باكرا ..

لكن لقاءً هاما في بيت صديقة قديمة ـ التقيتها مؤخرا تعمل في أحد فروع الشركة ـ كان يجب حضوره ، لإزالة حساسياتٍ وخلافات شخصية أعاقت حسن سير العمل ، وكلفتُ رسميا بتطويقه ..

وبالأمس ألحت عليّ " زينة " ـ خلال حديث ناعم مطول ـ بضرورة أن نلتقي في بيت غالية ، وبحضور أم وسام ، لنتفق على خطوات الحل ، آملة ألا أخذل لها موقفها أمام الآخرين ..

ومع ذلك ، لم أعِدْها إلا بحلٍّ يرضي الجميع ، ولا يهضم حق أحد ، فقبلتْ على مضض ، لأني حذرتها بالاعتذار عن لقاء الغد إن لم تكن مستعدة لقبول مقترحاتي ..

وحين شرحتُ لأم وسام وجهة نظري ، وطريقة الخروج من المأزق ، انجلى وجه زينة ، وتورد ، وضحكت عيناها الخضراوان كما لم تضحكا من قبل ، وهي منحنية أمامي تقدم لي فنجان القهوة ..

كنت أراقب مرور الوقت ، وكانت زينة تتباطأ ، وتستمهلني ، مختلقة أحاديث لم يكن بوسعي ألا أسمعها لولا الموعد الذي ينتظرني في المكتب .. فشربت قهوتي على عجل ، وودعتهن ، على أن نجتمع غدا في المكتب الرئيسي لاستكمال إجراءات الحلحلة ..

RRR

بالفعل ، ذهبت إلى اللقاء الذي اتفقنا عليه بالأمس ، سمعت من كلا الطرفين أسباب الخلاف ، ثم عرضت مشروع الحل ، تناقشنا فيه مطولا .. كانت زينة تجلس قريبا مني ، ولم تتفوه .. وحين فاض بي الكيل ، وقفت قائلا : سأرفع الجلسة لربع ساعة ، ونعود .. فإما الموافقة على مشروعي ، وإما هناك طريقة أخرى للحل ، ستأتيكم عبر كتاب رسمي .. ثم طلبتُ من الجميع مغادرة قاعة الاجتماع ، فغادروا .. لكن زينة عادت قبيل الموعد بقليل ، ترفع لي إبهامها ، مؤيدة موقفي ، وقالت : سيوافقون لا تقلق .. وسيكون الاحتفال بذلك عندي في البيت ، في السادسة مساء .. أرجو أن لا تتأخر ..

لم أجبْها .. كنت أدخن ، زفرتُ في وجهها دخان سيكارتي ، حركتْ رأسها تتأكد من عدم دخول أحد ، قبل أن تشهق عميقا ، والتفتت خارجة وهي تقول : سأنتظرك على ...

ولمّا عادوا بعد انتهاء المهلة ، وافق الجميع ، وصفقوا للاتفاق .. فهمست لي زينة ونحن آخر من نغادر القاعة : ألم أقل لك سيوافقون ؟؟

سألتها قاصدًا سبرَ نواياها : منْ ضيوفك في المساء ؟؟

قالت وهي تلكزني وترمقني بنظرة خاصة : أأدعو مختار الحارة معك ؟؟!!

" زينة ، فراشة ناعمة حتى الذوبان ، رقيقة كياسمينة عذراء ، أنثى كفلـَّة متفتحة للتو في صباح ربيعي دافئ ..

" هي بحرٌ من الدلع والغنج المكنون ..

" إنها سيدة ملكات بني جنسها .. يحوم ويطير ويسبح حولها وخلفها كل أنواع الدبابير ، وتسعى الأخريات بين يديها ، وصيفاتٍ لها .. وعن طيب خاطر ..

" كنت لا أزيد في ملاطفتها خوفا من أن ينفرَ الدم من وجنتيها الملتهبتين دوما .. وأتحاشى أن أمدَّ لها يدًا غير متثلجة ، حتى لا أقتحم عليها قفصَها الذهبي الذي تناثرت من حوله همهماتٌ لستُ بصدد تصديقها أو تكذيبها .. كل ذلك لا يعنيني ..

" هي الأنثى ، لكنها ليست النموذج الذي أستشعر معه سعادة تنتشلني من الرمادي الذي يغلف حياتي ..

" فما دنوتُ منها إلا بمقدار ما تتطلب ظروف العمل ، وما ابتعدت عنها إلا كي أتجنبَ نظرات الفضوليين ، وأقطعَ ألسنة يمكن أن تنهشنا بلا رحمة ..

" لقد كنت أدرك سرّ إلحاحها على اللقاء في بيت غالية .. وتأكد حدسي ، حين قدمَّتْ القهوة لي قاصدة أن تعطيهما ظهرها لتهمس لي : يسلملي الحمش ..

" وقد أعطتني رقم الهاتف الثاني في بيتها ، والذي لا يعرفه أحد في الشركة ، على أن أكلمها عليه وقتما أشاء .. فهذا الخط لها فقط ، ولا يَردُّ أحدٌ عليه سواها ..

" وإذا ردّت الشغالة ، فيكون ذلك بإذنها ، ولا بأس من أن أطلبها منها ، فستردّ عليّ من السماعة اللاسلكية أينما كانت ..

" حتى الآن ، أعتقد أنه لم يلحظ أحد شيئا في تصرفاتها تجاهي .. لكن غمزات الأستاذ مصطفى لم تكن مجانية .. فهو الذي يشم هذه الأشياء على ظاهر كفه ، كما يقولون .. وقد حذرني بأبوة : " ابتعدْ عن هذه النار " ..

" وأنا لزمت الحيطة والحذر الشديدين في تعاملي معها ، وهي التي أطلقت العنان لنفسها ، لكنها تـُلبسها لبوسا رسميا وجديا ، حين تجد المكان غير آمن ..

" وظنّي ، أن غالية على دراية غير مباشرة بذلك ، لأنها ليست مضطرة لاستقبالنا في بيتها ، للتداول في أمور العمل .. وإن كنت لا أستبعد حاسّة أم وسام .. فهي سيدة خبيرة ومجربة ..

" ما من أحد لم ينصبْ لها شرَكا ، أو يحاول .. وهي تعرف كيف تحمي نفسها وتتجنب كل الأفخاخ .. ولا أعرف إن كانت قد نصبتْ شركا لأحد قبلي .. لكنها الآن ـ وبالتأكيد ـ هي من تنصبُ لي الشرك .. فهل أنجو بنفسي ، وأنا أعرف مكانه وزمانه وخطورته ونتائجه ؟؟ أم أتجاهل كل ذلك ؟؟

ذهبت في الموعد متأخرا دقائق قليلة .. بيتها في حي راق هادئ .. الباب مُوارَبٌ .. كبست الجرس ، سمعتُ صوت هرولتها .. انفتح الباب عنها .. كانت أجمل من كل الأوصاف التي مرت ، وأروع من أي خيال ..

لاحظتْ جمودي وتسمّري في مكاني ، فأمسكتْ يدي وقادتني إلى الصالون .. جلستْ بقربي ، أسندتْ ظهرها ورأسها إلى الوراء ، كأنها تحلم .. المكان عبق برائحتها المميزة ، والستائر مسدلة ، واللهب والدفء ينبعثان من موقد للحطب في الزاوية القريبة .. لم أتحررْ بعد مما أنا فيه .. للحظةٍ تخيلتها سعاد ، وأنا أتفحص وجهها .. لا أعرف سببًا لهذا التخيل ، ولا الرابط بينهما .. أحستْ باضطرابي ، فعمدتْ تطمئنني : لا أحد يمكن أن يُفسدَ علينا هدوءَنا .. اخلع معطفك ..

قلت : أريد قهوة ..

قالت : مستعجل ؟؟ لا بأس ، جاهزة ..

أخذت معطفي ، وغابت قليلا ، ثم عادت بالقهوة .. انحنت أمامي وهي تقدمها بأناةٍ قائلة : سيكون ألذ فنجان تشربه في حياتك ..

قدمت لي سيكارة ، وحين مدَّتْ يديْها تشعلها ، أخذتهما بكفيَّ وأنا أشكرها .. ثم وضعتْ فنجانها جانب فنجاني ، وجلستْ بجانبي ..

سألتها لألتقط أنفاسي : هل اقتنعَ الجميع بما تمَّ اليوم ؟؟

قالت : عليهم أن يشكروا صنيعَكَ إلى الأبد ، فقد أنقذتهم من لجان التحقيق ، وما أدراك ما لجان التحقيق ..

قلت : الإدارة ليست راغبة في التصعيد ، وهذا حلٌّ توفيقي ..

قالت وهي تسند رأسها على كتفي : لسنا هنا في المكتب ..

RRR

أسوأ الأشياء أن يغمرَكَ دفءٌ ، تشمُّه وتشتهيه ، ثم يسيل لعابُك .. لكن مرارة الشعور بالأمان تقتلعك كعاصفةٍ ، وتذروكَ في المجاهل البعيدة .. فتتمنى لو لم يمرّ بك ما مرّ ..

وإذ تختلي بنفسك ، تضغط الذكرى على عظامكَ ، وتصبح أسيرًا لماض لا تستطيع التحرر منه ، ولا تريد أن تسترجعه كي لا تشقى به ثانية .. إنها الزوّادة التي تحمل إليك لقمة الزقوم ..

اغمضْ عينيْك أيها المساء .. فلكم حاذرْتُ الوقوعَ في براثنكَ الذهبية اللمّاعة !!.. وكم حملتُ أسايَ في محفظة قلبي ، سارحًا بها عبر أطيافٍ تأبى الولوجَ في مدامع الصبح المرتجف !!..

تتكاثر الرؤى وتتوالد ، فتنجبُ لك وليدًا مشوها ، ويضاعِفُ ألمَكَ ، شعورُكَ بأنكَ سبب ميلاده وشقائه ..

ولا تستقيم الحياة إلا بالماء والنار معا .. تكويكَ النار مرة بعد مرة ، حتى إذا ما صادفكَ المَدُّ في طريقه ، أطفأ جذوة الوجْدِ في عروقكَ ، وحمَلكَ في أمواجه ، وأنتَ بين حياةٍ قلـّمَتْ أظافركَ حتى الثمالة ، وموتٍ يسكن أحشاءكَ ، فيقرضكَ على مَهَل ، متلذذا بطعم التوابل ..

الجمعة، 29 أكتوبر 2010

عفوا السيد عماد سرايا .. ردا على مقاله : عفوا الرئيس بشار


كتب السيد أسامة سرايا رئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية ، مقالا في جريدته ، بعنوان : عفواً‏..‏ الرئيس بشار ..

لقد نسختُ هنا مقاله كاملا بالنص وباللون الأسود ، وكتبت ردي في ثنايا النص الأساسي باللون الأحمر ، كي يقرأ السادة القراء كلامه وَرَدّي عليه مباشرة ..

الرئيس بشار الأسد‏..‏ مثل كل التصريحات السورية يريد أن يجمع بين متناقضين لا اتفاق بينهما ولن يكون‏.‏إيران بسياساتها الراهنة فى المنطقة‏، والمصالح العربية كما يفهمها أبسط السياسيين‏، وإذا كان الرئيس السوري مقتنعا بأنه يمكن لسوريا أن تجمع بين هذين المتناقضين‏,‏ فإن التسويق الإعلامي لتلك القناعات السورية في المحيط العربي أمر لايمكن قبوله أو التغاضي عنه‏.‏ فقد نقبل الاختلاف في الآراء مهما تكن‏,‏ ولكن حينما تتحول إلي سلوكيات وتحركات وبرامج‏,‏ تعمل سوريا مع إيران علي تنفيذها علي حساب مصالح الشعوب وأمن الدول العربية‏,‏ فهذا واقع جديد‏,‏ يتطلب تحركات مختلفة لا تتعامل بمثل التسامح في اختلاف الآراء‏.‏ قبلتَ أم لم تقبل ، تغاضيتَ أم لم تتغاضَ ، هل تستطيع أن تقول لي أستاذ سرايا ، في أي شيء تتناقض المصالح العربية الحقيقية ـ وليس المرتبطة بالمشروع الصهيو أمريكي ـ مع السياسة الإيرانية في المنطقة ؟؟ كأن إيران تحتل فلسطين والجولان ، وتحاصر غزة ، وتعتدي على لبنان .. وهل سوريا وإيران تعملان على تقويض مصالح " الشعوب " في المنطقة ؟؟ إذا كنت تقصد بكلمة " الشعوب " بمعنى أن إسرائيل داخلة ضمنا في كلامك ، فأقول : نعم .. سوريا وإيران تعملان على تقويض سياسة الحكومة التي تحكم " الشعب الصهيوني " وليس تقويض سياسات الشعب العربي ..

وأي أمن للمنطقة المكشوفة للسلاح النووي الصهيوني حتى تهدده السياسة السورية الإيرانية ؟؟!!

أليس السلاح النووي الصهيوني يهددكم ويهددنا ويهدد كل المنطقة العربية وشعبها ؟؟

لست هنا في مجال الرد علي حديث الرئيس بشار الأسد‏,‏ ولكنه فقط توضيح وبيان أصبح ضرورة من أجل حماية المصالح العربية العليا التي تتعرض للخطر من إيران وسوريا‏,‏ يا الله .. قبل أن أصفق لك على نبوءتك العظيمة هذه ، سأسألك : مِن إيران وسوريا ، تتعرض المصالح العربية العليا للخطر ، ولا تتعرض هذه المصالح للخطر من إسرائيل وأمريكا ؟؟ ومن محاولة تسويق سياساتهما والعبور فوق التناقضات الحقيقية القائمة‏. الرئيس بشار يري في زيارة نجاد إلي بيروت تدشينا لولادة الشرق الأوسط الجديد‏,‏ كما يراه أو يأمله‏,‏ أو كما عمل من أجله في السنوات الأخيرة‏,‏ ويريد أن يعطي إيران راية القيادة لشرق أوسط جديد‏.‏ ونحن نري ما حدث في بيروت محاولة مستميتة من الإيرانيين للوجود في قلب المنطقة العربية باستخدام قضاياها الأصلية بل مصالحها الاستراتيجية وأمنها القومي لمصلحة الملف النووي الإيراني‏,‏ أو باستخدام عنيف وعابث لورقة المقاومة‏,‏ أو استخدام حزب الله لقمع شركاء الوطن‏,‏ أو الاستخدام الأسوأ لملف الأقليات والصراعات الدينية بل الطائفية‏,‏ وتحديدا السني والشيعي‏,‏ وهو ملف يخشي منه أن يأتي علي ما تبقي للمنطقة من الاستقرار‏.‏ ليس دفاعا عن الزيارة ، ولكن هل زيارة قادة الصهاينة إلى مصر مشروعة ومحببة ومطلوبة ؟؟ .. أنا يا سيد سرايا لست مع إعطاء راية قيادة المنطقة لإيران .. ولست ـ أيضا ـ مع إعطاء راية قيادة المنطقة لأمريكا ولا لإسرائيل .. سؤالي : لماذا لم تحافظ مصر على دورها العربي الريادي في قيادة المنطقة ؟؟ من أفقدها دورها ؟؟؟ بل ، لمن تنازلت عنه ؟؟ أليس لصالح إسرائيل ؟؟ هل سوريا من سلبتها هذا الدور ؟؟ هل أخذت مصر راية الريادة في طريق معاداة الصهيونية وأمريكا ومصالحهما العدوانية في المنطقة ، وألغت اتفاقيات الذل معهم ، ثم تباطأت سورية في السير وراء مصر العروبة والقومية والدور الحقيقي في التحرر من أولئك ومن التبعية والخنوع لهما ؟؟
الرئيس الأسد في حديثه المثير للجدل والأقاويل يري أن الدور الإيراني في المنطقة مثل الدور التركي‏,‏ وليس هناك خلاف بينهما‏.‏ وهذا حقيقي في جانب‏,‏ وخطأ في جانب آخر‏,‏ في الجانب الأول‏:‏ الأتراك لهم مصالح نعترف بها‏,‏ ولكن تلك المصالح لاتناقض المصالح العربية‏,‏ ولاتعرض أمن العرب للخطر والتقسيم الطائفي‏..‏ وفي العراق يساعدون علي وحدة الوطن وعدم انقسامه طائفيا‏,‏ والمشكلة الكردية نموذج‏.‏ وهل إيران هي مع تقسيم العراق ، ومع قيام دولة كردية ؟؟!! كم مرة تناوشت إيران مع الأكراد في شمال العراق لدعمهم وإيوائهم عناصر معارضين لها ؟؟ فكيف ستدعم انفصالهم الآن ، ولديها ملايين الأكراد الذين سيطالبون بدولة لهم كجيرانهم .. فهل يعقل هذا ؟؟ ما شاء الله عليك من رئيس تحرير يا سيد سرايا ؟؟ إذا كنتَ تجهل فتلك مصيبة ، وإذا كنت تتجاهل ، فالمصيبة أعظم .. إن الدول الأربع المحيطة بإقليم كردستان متفقة على منع قيام دولة كردية مستقلة .. وهذا ما أيده الرئيس العراقي ، وقال : إنه ليس في مصلحة الأكراد قيام دولة كردية ، في محيط لا يقبل بذلك .. فهل ستجبر إيران أكرادَ العراق على الانفصال وإقامة دولة لهم ؟؟

وهم في المشكلة الفلسطينية لم يعملوا علي تجنيد ميليشيات عسكرية يستخدمونها من حين لآخر لتحقيق مصالحهم‏,‏ كما يحدث من إيران مع حزب الله في لبنان أوحماس في فلسطين‏.‏ إذن حماس وحزب الله هما الميليشيات التي سلحتهما إيران وتدعمهما .. أحسنت .. هل حماس وحزب الله إيرانيون أم عرب ؟؟ وهل دعمتهما ودخلت على الخط إلا بعد تخاذل النظام المصري في الدفاع عن الفلسطينيين واللبنانيين في وجه عدوان إسرائيل المتكرر ؟؟!! فكيف كان الأمر لو أن إيران هي التي تعتدي على لبنان وعلى فلسطين ؟؟!! ثم : ما هي المصالح التي سيجنيها شعب إيران الذي تعداده أكثر من سبعين مليونا ، من حفنة مقاتلين في لبنان وفي فلسطين ؟؟ وإذا كان الساسة الإيرانيون فعلا يعوّلون على تحقيق مصالحهم من وراء دعمهم لحزب الله وحماس ، فهم ساسة معتوهون حقا ولا يستحقون أن يقودوا شعبهم ..

ثم .. لماذا لم تستخدمهما ( حماس وحزب الله ) مصر العربية لتحقيق مصالحها مثلا ؟؟

أليست حماس مخنوقة في خاصرة مصر ؟؟!! إيران تخنقها ؟

أليست حماس هدّدت الأمن القومي المصري قبل فترة ؟؟!! هل يعقل اتهامكم هذا ؟؟ وما هذه الدولة التي اسمها مصر ، إذا كانت حماس ستهدد أمنها القومي ؟؟

يبقى هنا ، أن الهدف الذي لا تريد أن تقوله يا سيد سرايا : هو : أن إيران تساعدهما على الدفاع عن أنفسهما في وجه شرق أوسط أمريكي صهيوني ، وأنت ترى في هذه المساعدة خطرا على لبنان وعلى فلسطين ؟؟ فإلى أين تنصح هؤلاء باللجوء ، ليجدوا الأمن والأمان للشعب اللبناني والفلسطيني إذن ؟؟ هل يكمن الأمان والأمن في أحضان أمريكا وإسرائيل ؟؟ هل إسرائيل تحمي حماس والفلسطينيين من إيران مثلا ؟؟!!

حقا .. إنك كمن لا يرحم ، ولا يريد لرحمة الله تعالى أن تتنزل على غيره ..
‏.............................................................‏
إما إيران فقد استطاعت التمركز في لبنان باستخدام الطائفة الشيعية وحزب الله‏,‏ أيضا .. الحقيقة التي لا تريد أن تراها يا سيد سرايا ، هي : أن اللبنانيين هم العبء على إيران وليس العكس ... تفضلوا .. لتقم مصر العروبة بدورها في دعم المقاومة في لبنان ضد إسرائيل ، وسنكون معكم ضد إيران إن تدخلت بعدئذ .. وضد كل الآخرين الذين تتعامون عن تدخلهم الآن وفي المستقبل .. وإذا كانت إيران تدعم حزب الله لأنه مجرد حزب شيعي .. فلماذا تدعم حماس ؟؟ هل تشيَّعتْ حماس أيضا ؟؟ أم إنك لا تعرف حقيقة الفكر الديني الحماسي ؟؟ عندها ، ماذا أفعل من أجلك ؟؟

والصوت يعلو الآن بالتهديد للطوائف الأخري‏,‏ إما أن تكونوا معنا أوالبديل الآخر معلوم ومعروف‏,‏ وليس‏7‏ آيار مايو ببعيد‏,‏كما حاول الرئيس السوري تبسيطه بأنه كان تعبيرا عن حقائق علي الأرض ترجمها حزب الله وهددنا بأنه من الممكن أن تتكرر‏,‏ ويجب علي الجميع أن يعترف بها أو تتم تصفيته‏..‏ يا سيد سرايا .. كأنك تهرف بما لا تعرف .. ألم يحاول هؤلاء الذين تتباكى عليهم الآن ، تكسير عظام المقاومة ، من خلال تسليم شبكة اتصالاتها لإسرائيل ؟؟!! هل كان على حزب الله أن يبارك لهم خطوتهم التآمرية عليه ؟؟!! ألم يعترف جنبلاط أنه كان وراء كل ذلك ، خدمة لمشروع أسيادهم ؟؟!!

ومع ذلك فإن إيران لايمكن أن تختزل تاريخ لبنان وشعبه ونضاله في حزب الله مهما يبلغ تسليحه‏,‏ وتبلغ قدرته علي إرهاب شركاء الوطن‏.‏ وتعرف إيران قبل غيرها أن أسلحة حزب الله لم تعد موجهة إلي إسرائيل بل هي لتهديد اللبنانيين ووحدة بلادهم‏.‏ شيء مضحك حقا أن يقول من هو في مركزك الصحفي ، مثل هذا الكلام ..

ولماذا تختزلُ إيرانُ تاريخَ لبنان ؟؟ ولمصلحة من ؟؟ هل ينقصها تاريخ ؟؟ أم حضارة ؟؟ وهل لبنان لقمة سائغة لإيران ؟؟

وهل أسلحتكم هي الموجَّهة ضد إسرائيل حتى تستهجن ـ مخادِعا ـ من حزب الله ألا تكون أسلحته موجهة لإسرائيل ؟؟

وهل أنت متأكد من أن سلاح حزب الله ليس موجها ضد إسرائيل ؟؟ فمن الذي واجه الصهاينة ثلاثة وثلاثين يوما ، عندما "" غامر "" حزب الله بشن الحرب على أحبابك الصهاينة ؟؟

إنه حري بمن بيته من زجاج ألا يرمي المارة بالحجارة .. أليس ذلك يا سيد سرايا ؟؟!!
هذه التناقضات التي جاء بها الرئيس السوري تجعلنا نتوجس خوفا منه‏,‏ اسمعوا هذه الحماقة أيها السادة .. مصر تتوجس وتخاف من تناقضات سياسية سورية ولا تخاف من سلاح نووي إسرائيلي ولا من أميركا المسكينة التي احتلت أفغانستان ودمرته واحتلت العراق ودمرته وكادت تفعل ذلك بسوريا .. سوريا هي الدولة المخيفة لمصر .. لا بأس .. وليس من إيران وحدها‏.‏ فلقد أوهمنا الرئيس بشار أنه مع المقاومة‏,‏ وهذا خط أحمر لا يتخلي عنه في سياسته‏.‏ ولكننا نعرف جيدا أنه عمليا ليس مع المقاومة‏,‏ لا أريد أن أكون مثلك ، لأسألك أين أنتم ؟؟ ولكن أنت قبل قليل كنت تتهم سوريا بدعم المقاومة ، والآن تقول إنه ليس مع المقاومة ..

كيف يكون البارد والساخن على سطح واحد ؟؟

وإلا كانت المقاومة في الجولان لاسترداد الأرض وتحرير ما تبقي من التراب السوري أولي بجهوده ومساعيه‏.‏ إنها كلمة حق ، يُراد منها باطل .. ومن قال لك إن سوريا لن تسترد الجولان ؟؟ أليست المفاوضات هي البدعة التي سنتها مصر ، وألزمنا بها المجتمع الدولي ؟؟!! وها هي سورية تسعى في طريق الديبلوماسية ، لكنك يبدو ، لم تقرأ مقولة الرئيس الأسد بأنه لا يوجد في إسرائيل شريك للسلام ؟؟!! وبقيت سورية التي حاربت مع الجيش المصري ـ عزلاء في مواجهة عدو شرس ، مدعوم من أمريكا العظمى .. لقد دعمت مصرُ عبد الناصر الثوارَ الجزائريين وحركات التحرر في كثير من بلدان العالم ، فهل نعيب ذلك عليها ؟؟ ثم إن العدو محدد ومعروف " إسرائيل " .. فلو قاتلناه على أرضنا أو على أي أرض عربية أخرى .. ما المشكلة في ذلك ؟؟ فرضا : لو كان العدو في مصر .. هل نقول ( كما تفعل السياسة المصرية الآن ) : سوريا ليس لها علاقة بالعدو الذي في مصر ؟؟ ألم يقاتل الجيش السوري مع الجيش المصري في صد عدوان عام 1956 ؟؟ هل ساعدت مصر المقاومة وعاب أحد من العرب عليها ذلك ؟؟

مع الأسف : صار ممنوعا على الشقيق أن يعين شقيقه أو ينجده ، وصار العدو أقرب وألصق لبعض العرب من بعضهم .. هل فهمت كلامي يا سيد سرايا ؟؟

ولكن إذا كانت المقاومة لحساب إيران‏,‏ فيبدو أنه معها‏,‏ لمصلحة ألاعيب سياسية إقليمية‏,‏ تتغذي علي القضايا القومية العربية مثلما يتم استخدام قضايا العرب وهمومهم عبر التاريخ لمصلحة الاستئثار بالسلطة أو لمصلحة أهداف أخري غائبة‏,‏ بينما تتأخر الحلول وقضايا العرب‏.‏ عن أي قضايا قومية تتحدث يا سيد سرايا ؟؟ هل بقي للنظام المصري علاقة بما تدّعيه ؟؟ من الذي يذبح الشعب الفلسطيني في غزة ؟؟ وتحت أي مسمى هذا ؟؟ أليس هذا هو لب القضايا القومية التي تتباكى عليها ؟؟ ومن الذي سهّل وصول أمريكا وقدم لها كل عون لاحتلال العراق ؟؟

تركيا يا سيد سرايا ، رفضت مرور قوات أمريكية عبر أراضيها للعراق ، ومصر سمحت لكل الآلة العسكرية الأمريكية التي دمرت العراق ، بالمرور من قناة السويس .. أم تراها كانت إيران تتحكم بقناة السويس ؟؟!!

هل سورية وإيران ساعدتا أمريكا على احتلال وتدمير العراق ؟؟ ما رأيك ؟؟
ذكرنا الرئيس السوري بشار الأسد أن أمريكا هي صانعة التوتر والفوضي في الشرق الأوسط‏,‏ وهذا صحيح تماما‏,‏ ولكنه لم يتكلم مثلما شرح وحلل أن إيران هي الأخري كانت شريكا لأمريكا في احتلال العراق‏.‏ وأنها الأخري صانعة الفوضي وتقود ميليشيات لضرب وقتل العراقيين بلا رحمة أو سند من قانون أو حتي مصلحة‏,‏ بل للقتل والثأر التاريخي وحده‏. كيف لإيران أن تشارك أمريكا في احتلال العراق ؟؟ ولو فرضنا ذلك صحيحا ، كيف اشتركت أمريكا مع عدوها الأكبر في المنطقة ( إيران ) لتقاسمه غنيمة احتلال العراق ؟؟ ألم يكن احتلال العراق وأفغانستان خطة أمريكية تستهدف الضغظ على خاصرتي إيران الشرقية والغربية لتقويض النظام فيها ؟؟ ما أسهل تزوير الحقائق عندك يا سيد سرايا !! لكن ، لكل شيء ثمن ..
نحن نعرف الآن تاريخا لخروج القوات الأمريكية من العراق‏,‏ ولا نعرف تاريخا لخروج القوات الإيرانية من لبنان أو تاريخا لمنع تدخل الميليشيات المسلحة إيرانيا لقتل العراقيين وتدمير عروبتهم‏. لا بأس .. هل ستخرج جميع القوات الأمريكية من العراق ؟؟ أم سيبقى قرابة 12 قاعدة أمريكية مزروعة ، وفيها أكثر من خمسين ألف جندي أمريكي ؟؟ .. أليس كذلك يا سيد سرايا ؟؟ أي قوات إيرانية في لبنان تريد خروجها ؟؟ هل سمع أحد بوجود جندي إيراني أو سوري في لبنان ؟؟ لو كان ذلك صحيحا لرأيت العالم كله يشير بأصابع الاتهام بدلا منك يا سيد سرايا .. فهل اشتكى اللبنانيون من وجود إيراني مسلح في بلدهم ؟؟

أما في العراق ، أدعوك للاستماع إلى تصريحات الرئيس العراقي جلال الطالباني في مقابلة مع قناة تركية ناطقة بالعربية ، حول وجود ميليشيات تدعمها إيران لقتل الشعب العراقي كما تزعم .. فهل أنت تعرف العراق وما فيه أكثر من رئيسه ؟؟ سأفيدك باختصار لما قال الرئيس العراقي : قال : إن هناك تضخيما لمقولة التدخل الإيراني في الشؤون العراقية .. وقال : إن كل السياسيين العراقيين الذين يهاجمون إيران علنا ، يتفاوضون معها سرا ، ولهم علاقات معها .. بقي أن أتساءل : لو كانت إيران محكومة بالشاه ، ولو دمّر الشاه العراق فعلا .. هل كنتَ ستجرؤ أنت وأمثالك ، على أن تجأر بصوتك كما تفعل الآن ؟؟
أما ما ذكره الرئيس السوري عن علاقات مصر بسوريا بأنه لايريد شيئا من مصر‏,‏ فإن مصر تريد الكثير من سوريا الأرض والشعب والتاريخ‏..‏ سوريا التي كانت دوما سندا لمصر في صد العدوان علي المنطقة عبر التاريخ‏.‏ لاتريد مصر من الحكومة السورية الآن إلا أن تكف عن لعبة التوفيق بين المتناقضات‏,‏ وتسويق هذا الوهم في المنطقة‏.‏ فالمصالح العربية لمصر كما هي لسوريا الشعب والتاريخ‏,‏ الخط الأحمر الذي لايمكن تجاوزه أو المقامرة به‏.‏ أما السياسة السورية الراهنة فقد خرجت علي هذه المصالح‏,‏ وارتضت أن تمارس دورا لحساب قوة إقليمية‏,‏ لايمكن أن تعمل لحساب أمن المنطقة واستقرارها‏. ‏فقط سأقول وأردد بأسف : أين مصر ؟؟ وهل نترك من يؤيدنا في قضايانا ضد عدونا ، ونتمسك بمن باع كل قضاياه الوطنية والقومية ، وتنازلَ عن كل شيء للعدو ، حتى عن مظلة الأمن القومي الخاصة بشعبه ؟؟ وهل سورية ( كدولة صغيرة الحجم والإمكانيات بالنسبة لإيران ) مستفيدة أكثر من علاقتها بإيران ، أم العكس ؟؟ فما بالك بعلاقة سوريا ولبنان ، أو لبنان وإيران ( ضمن المعيار السكاني والإمكانات ) .. وهل العلاقات الدولية خالية من المصالح ؟؟ فما مصلحة مصر إذن من تبعيتها لأمريكا ؟؟
لا نريد الحديث كثيرا‏,‏ فنحن حقيقة نخاف علي الرئيس بشار وعلي سوريا‏,‏ ولا نريد لهما أن ينجرفا في صراعات لا طائل من ورائها‏, اطمئن ، ولك البشرى يا سيد سرايا ، فسوريا ورئيسها يعرفان طريقهما وعدوهما وأصدقاءهما جيدا ، ولن ينجرف أحد كانجراف نظامك .. فقد شاهدنا ولمسنا العسل الذي منـَّيتم به الشعب المصري الصابر ..

فاستقرار سوريا بل ازدهارها يهمنا شعبا وحكومة بل وطنا‏,‏ فسوريا تعني لنا مصر‏,‏ ومصر لدي المصريين تعني سوريا‏.‏ وهذا الكلام لا يدركه البعض في سوريا‏,‏ هذه بضاعتنا تردها إلينا يا سيد سرايا .. ما أنت إلا منافق ومزاود صغير في هذا الكلام ، وتغرد خارج حظيرتك .. خاصة من تستخدمهم إيران ضد مصر بل ضد القضايا العربية في العراق وفلسطين ولبنان‏,‏ بل في الخليج في البحرين والإمارات وصولا إلي السعودية‏.‏ هذا تهافت التهافت ، وكلام مجاني تحريضي رخيص .. فلا يمكن لسورية أن تكون ضد مصر ولا ضد أي قطر عربي آخر .. وجميع الأشقاء العرب والشعب العربي كله وفي مصر أولا ، يعرفون أن سورية لا يمكن أن تكون مع أي أحد في العالم ضد أي بلد أو شعب عربي .. سورية لن تكون إلا مع عروبتها ، وقوميتها .. وإيمانها بذلك قوي وراسخ ، لا تزعزعه افتراءاتك ولا تحريضك المكشوف ..

عد يا سيد سرايا إلى أرشيفكم التلفزيوني في فترة التسعينيات ، واستمع لزملائك في الأهرام وغيرها ، وهم يحرّضون دولة الإمارات ، ممثلة بالمرحوم الشيخ زايد رئيس الدولة وقتها خلال مقابلة تلفزيزنية ، خصّصوها لانتزاع موقف إماراتي معاد لإيران ، فردّ عليهم المرحوم الشيخ زايد بحسه القومي ، وبحكمته ، مفندا مزاعمهم ، ورافضا تحريضهم ، ومدركا مغزى التحريض الذي مارسه زملاؤك ونظامك ، خدمة للمصالح المعادية لمصالح الأمة العربية ..
نريد من سوريا أن تتدخل وتستخدم علاقاتها مع إيران لتلجيم دورها التخريبي في منطقتنا‏,‏ وتساعد الفلسطينيين علي التحرر الوطني وإقامة دولتهم‏,‏ لوضع حد للانقسام بين الضفة وغزة‏.‏ من الذي يكرس هذا الانقسام ويرعاه ؟؟ ألم تهاجم إيران قبل قليل لأنها تساعد حماس وغزة ؟؟ ومن الذي يحاصر الفلسطينيين ؟؟ ثم ، ما هو التحرر الوطني الذي تدعيه ؟؟ أهو سلطة محمود عباس ؟؟ إما قبول حماس بسلطة محمود عباس ، وإما خنق قطاع غزة بمن فيه ؟؟!! قبل قليل كنت تعيب على حزب الله هذا المفهوم .. والآن تدافع عنه لأن مصر تستخدمه مع الفلسطينيين .. قل لي سيد سرايا : كأنه لم يمت كل من اختشى ؟؟ ..

وأن تستخدم نفوذها ولا تستخدمها إيران في تحجيم الدور العربي في منطقتنا‏,‏ ثم تتباكي عليه‏..‏ وكأن الدور العربي حتي يكون موجودا أو مؤثرا يجب أن يتبع في خطواته وسياساته ورغباته الاحتياجات الإيرانية أو يدفع المنطقة للصراعات أو الحروب ضد مصالحها ومستقبلها‏,‏ نريد من سوريا أن توقف الانقلاب الإيراني علي الطوائف الأخري‏,‏ خاصة علي المسيحيين وسنة لبنان‏.‏ سأصفق لك حقا من كل قلبي أيها السيد سرايا .. فقد بقيتْ في جعبتك طلقة واحدة ، رميتها بين أقدام المسيحيين في لبنان ، لتنفجر الأمور بتحريضك المخزي هذا .. أهذا هو دور مصر القومي ؟؟
نريد من سوريا أن تتعاون مع العرب في وقف النفوذ الإيراني . ونريد من مصر أن توقف النفوذ الأمريكي والصهيوني بشؤوننا العربية ، وأن تتوقف عن استقبال القتلة الصهاينة على أراضيها ، بينما تمنع دخول الغذاء والدواء لأشقاء الشعب المصري في غزة .. في فلسطين حتي تتمكن من إعادة لملمة الفلسطينيين معا‏, اللملمة التي تعنيها ليست اللملمة التي تريدها سوريا .. أنت تريد اللملمة لصالح محمود عباس وبالتالي إسرائيل .. أما سوريا فترى في ذلك تخاذلا وخيانة لأرواح الشهداء جميعا ..

وفي وحدة تحمي مصالحهم‏,‏ وتحفظ ما تبقي للقضية الفلسطينية من وجود‏.‏ نريد من سوريا ألا تكون يد إيران ونريد من مصر العربية ألا تكون أداة أمريكا ، وحربة إسرائيل التي تغرسها في قلب الشعب العربي .. في مساعدة الأقليات الشيعية في الخليج للاستئساد علي الاستقرار الخليجي‏.

وأنت قلتها : الأقليات .. منذ متى تستأسد الأقليات على الأكثريات يا سيد سرايا ؟؟ أية أقليات غبية تفعل ذلك ؟؟ ولماذا لم نسمع شكوى من تلك الأكثريات تشتكي من دعم سورية للأقليات الشيعية ضدها ؟؟

وهذا دليل آخر على أنه لم يمت كل الذين اختشوا يا سيد سرايا ..

إن فعلت سوريا ذلك فقد عادت إلي مكانتها التي عرفناها‏,‏ وإلي قوتها التي ندخرها لدعم قضايا العرب‏..‏ وهذا فقط ما نريده اليوم من سوريا‏.‏ حين قال الأسد إن سوريا لا تريد شيئا من مصر .. لأن النظام المصري حاليا لا يملك إلا التخاذل والهوان لمناصرته إسرائيل وأمريكا ضدنا .. سوريا تريد كل شيء من الشعب المصري .. لأن كل شيء عند الشعب المصري أصيل وعروبي ومقاوم .. هل نسيت خروج الشعب العربي المصري لمناصرة حزب الله ضد العدوان الصهيوني عام 2006 ؟؟ وهل نسيت اندفاع الشعب العربي المصري نحو كسر الحصار عن غزة ، ودعمها في مواجهة العدوان الصهيوني ؟؟ ذاك هو الشعب العربي الأصيل الذي لا تعرفه ولا تنتمي إليه لا بعملك ولا بقولك : بل يصدق فيك قوله تعالى حين خاطب نوحا ، الذي يرجوه ويستشفعه في ولده : قال تعالى : (( يا نوح ابنك ليس من أهلك )) صدق الله العظيم ..


الجمعة ـ 29/10/2010