عجيبٌ أمر الولايات المتحدة الأمريكية ..
فهي تقول وتفعل ما يستوجب ، لتحسين صورتها الشمطاء البشعة والمجرمة ، في مرآة العالمَيْن العربي والإسلامي ،
من جهة ..
ومن جهة أخرى ، هي تقول وتفعل أيضا ، ما من شأنه تشويهُ صورة حزب الله اللبناني ، في مرآة العالم كله إن استطاعتْ إلى ذلك سبيلا ..
فعندما تريد أمريكا أن تحسّن صورتها ، فهذا يعني أمرين اثنين :
الأول : هو اعتراف صريح منها ، بقبحها وبشاعتها وقماءتها ودمامتها .. وبالتأكيد ، فإننا نتحدث هنا عن قبح السياسة ، وبشاعة الأهداف ، وقماءة الوسائل ...
والثاني : وهو دليل فشل وإخفاق وتهوّر خطير وكبير تتسم به السياسة الأمريكية ، تجاه العالمَيْن اللذين تتوجه إليهما " لتلطيف " جرائمها ، وتلميع بشاعتها ، وتلوين صورتها ..
والسؤال : ما سبب هذا القبح في الصورة الأمريكية ؟؟
أهو تشويهٌ خَلقي ؟ أم هو تشويهٌ خُلُقي ؟؟
هل ثمة منْ لا يعرف الجواب ؟؟!!
هل هناك منْ يشكك في أن القباحة التي تطبعُ وجهَ السياسة الأمريكية ، إنما تولدت من حجم الجرائم المرتكبة بحق العالم كله ، منذ ما يُسمى " حرب التحرير الأمريكية " مرورا بفيتنام وهيروشيما وناغازاكي ، وليس انتهاء بما تقدمه للكيان الصهيوني ، وبما فعلته بأفغانستان والعراق ؟؟!!
رَحِمَ اللهُ منْ قال : لا يُصْلِحُ العطارُ ما أفسَدَ الدهرُ ..
ثم ، أنْ تفعل أمريكا ما تشاء لتحسين صورتها ، فهي حرة بذلك ، ولا نريد أن نصادرَ عليها حقها ، ولو أننا لم نكن نقبل لأمريكا أن ترتكب الجرائم ثم تأتي لتحسين صورتها ..
أما أنْ تعملَ أمريكا على تشويه صورة حزب الله اللبناني ، فهذا أمر فيه نظر ..
ماذا فعل حزب الله لأمريكا حتى تعمل هذه على تشويه صورته وتنفير الناس منه ، أو الانقلاب عليه ؟؟!!
هل حزب الله مسؤول عن مقتل الأمريكيين في كل مناطق " الحروب الاستباقية " التي شنتها أمريكا في العالم ؟؟!!
هل أرسل حزب الله طائراتِه وصواريخَه وترسانته التقليدية والنووية تجاه الأراضي الأمريكية كما فعلت أمريكا في فيتنام واليابان وأفغانستان والعراق ؟؟!!
هل أنزل حزبُ الله " الكوماندوز " من رجاله على الشواطئ الأمريكية ، ليعيث فسادًا ويخرّبَ ويدمّرَ كما فعل الأمريكيون في لبنان وغيره ؟؟!!
هل سعى حزبُ الله لشن حروبٍ متعددة على أمريكا ، ودَعَمَ أعداءَها وحرَّضَ أصدقاءَها عليها ، كما تفعل أمريكا وربيبتها الآن ؟؟!!
ثمة أسئلة كثيرة أخرى يمكن إثارتها ، وليس لها سوى النفي جوابًا واحدًا فقط ، وفقط لا غير ..
إذن ، ما مصلحة أمريكا في دفع أكثر من 500 مليون دولار في لبنان فقط ، لتشويه صورة حزب الله وتنفير الناس منه ؟؟ ..
أين مصلحة أمريكا أن تدفع عشرات أضعاف ذلك المبلغ في أماكن أخرى من الوطن العربي والعالم ، لنفس السبب ، وفي مرحلة اقتصادية عصيبة من الأزمة العالمية ، أجبرتْ أكثر من 200 مصرف أمريكي أن تعلن إفلاسها في العامين المنصرمين ، وأجبرَتْ كبرى الشركات الأمريكية على إعلان إفلاسها ، وصرفتْ كثيرًا من عمالها وفنييها وموظفيها ، وقلصتْ حجم أعمالها ؟؟ ..
في هذا الوقت العصيب " اقتصاديا " ، تقوم الإدارة الأمريكية بالإنفاق السخي جدًا ، لتنفير مؤيدي حزب الله ، وعدم تأييده أو دعمه ..
أليس هذا عملا لافتا في أهدافه وتوقيته ؟؟!! ..
إن هذا الأمر ليس سرًّا أذاعه حزبُ الله ، وليس افتراءً يُفترى على الإدارة الأمريكية ، إنما هي شهادة " فيلتمان " أمام لجنة من مجلس الشيوخ الأمريكي ، أدّاها وهو تحت القسَم ، وجاء فيها كثير من التوضيحات ، التي تشير إلى مرامي السياسة الأمريكية وأهدافها المعلنة وغير المعلنة ، تجاه حقوقنا وقضايانا المتعلقة بالصراع مع العدو الصهيوني ..
ولم يعلن حزبُ الله عن هذه الجريمة الأمريكية الجديدة بحقه وبحق الشعب اللبناني كله ، إلا بعد أنْ نُشرَتْ أخبارُها هناك ، واعترفت الإدارة الأمريكية رسميًا بها ..
وهي خطوة ذكية من الحزب في توقيتها ، وتسليط الأضواء عليها ، ومواجهتها ..
فلكل حرب أدواتها وشروط نجاحها ، وتوقيتها أيضا ..
وهذه معركة جديدة فرضتها الإدارة الأمريكية على الحزب ، لكن الحزب استطاع أن يتحكمَ في توقيتها ، مما سهّل على الحزب ، تفويت فرصة على أعدائه ، في الانقضاض بالرد عليه وكيل الاتهامات له ..
فلو أن الحزبَ أعلن عن هذه الحرب الجديدة ضده قبل أن تعترفَ بها الإدارة الأمريكية ، لوجدنا كثيرًا من الساسة اللبنانيين ، وأسيادهم ، يتهمون حزبَ الله بالافتراء والكذب على أمريكا ، وسياساتها ..
فبعضهم سيتهمون حزب الله بأن افتراءاته هذه تفبركتْ في طهران ، ردّا على قرار مجلس الأمن الذي فرَضَ عقوباتٍ جديدة عليها ..
أو سيقولون : تفبرَكَ هذا الاتهامُ الكاذبُ في دمشق وطهران ، وربما يضيفون إليهما غزة وأنقرة أيضا ..
وفي أحسن الأحوال ، سيتهمون الحزب بهذه الفبركة " لأنه يريد أن يغطيَ على إجراءات المحكمة الدولية الظالمة ضده ، وأنه يريد تضليل الرأي العام اللبناني والعربي لكسب التأييد والنصرة له " ..
وربما ، أقول ربما ، لن ينسى هؤلاء أن يعودوا إلى اتهاماتهم القديمة ـ الجديدة ، التي يزعمون فيها أن حزبَ الله محكومٌ بنظرية المؤامرة ، وأن كل ذلك من نسْج الخيال المريض لهم ..
لكن إرادة الله تعالى تأبى إلا أن تظهرَ الحق والحقيقة ، فجاء الاعترافُ الأمريكي ، ليعطيَ الحزبَ ـ عن غير قصد منهم ـ البراءةَ مما حضّرَه له أعداؤُه ، وليدرَأ عنه تهَمَهُم وكيْدَهم ومكرَهم ..
لماذا تدفع أمريكا كل هذه المبالغ الطائلة ؟؟
1 ـ لأن أمريكا وإسرائيل فشلتا في تحقيق أي من أهدافهما ، رغم استخدامهما كل الوسائل القذرة الأخرى ، التي مُورسَتْ ضد الحزب ، منذ بداية الصراع حتى الآن ..
2ـ لأن أمريكا وإسرائيل ذاقتا مرّ الهزيمة النكراء ، بفضل دماء شهداء المقاومة ، وهو أمر لا تغفرانه بسهولة ، ولا تستسلمان له عن طيب خاطر ..
3 ـ لأن اللوبي الصهيوني يسيطر على قمة القرار السياسي الأمريكي ، وهو قادر أن يدفع بالسياسة الأمريكية نحو الأهداف الصهيونية المحضة ، حتى لو تعارضت مع المصلحة الأمريكية العليا " فأمريكا ملتزمة بالدفاع عن الصهاينة ، وحمايتهم ، التزاما أبديا مطلقا لا رجعة فيه " وهذا ما تدأبُ الإداراتُ الأمريكية المتعاقبة على ترديده بلا كلل ولا ملل ..
4 ـ إن النفوذ الصهيوني في مجلسيْ الشيوخ والنواب الأمريكييْن ، يدفع بأعضاء هذين المجلسين إلى التباري في دعم الصهيونية ، والتباهي بذلك علنا ، كسبًا للأصوات والتأييد في الانتخابات التشريعية الأمريكية ..
وهذا بالضبط ما دفعَ مجلسَ الشيوخ ، لاستجواب حكومتهم فيما تفعله وتقدمُه من دعم للكيان الصهيوني ..
وتحت هذا العنوان جاء اعترافُ وشهادة " فيلتمان " أمام لجنة مجلس الشيوخ ، متباهيًا بما تؤديه الإدارة الأمريكية من دور " إيجابي وفعال " ، في خدمة الكيان الصهيوني ..
من هي الجهات اللبنانية التي قبضت ال 500 مليون دولار ، مقابل الخدمات المطلوبة منها ؟؟
يتحفظ حزبُ الله ـ الآن ـ عن إعلان أسماء الجهات المتورطة ، لكنني أعتقد أن ذلك لن يستمرَّ طويلا ، وأن الأيام والأسابيع القليلة القادمة ستشهد توجيهَ إداناتٍ صريحة وموثقة يمتلكها الحزب بالتأكيد ، لوضع النقاط على الحروف .. وذلك حق مشروع له ، يستخدمه دفاعًا عن النفس ..
لكن لن يتم الكشف عنها ، إذا رأتْ قيادة حزب الله ، أن مصلحة الحزب ولبنان الآن ، تقتضيان عدمَ توجيه الاتهام المباشر إلى الجهات المتورطة في هذه الحرب الصهيو ـ أمريكية ، حفظا للسلم الداخلي اللبناني الهش دوما ـ مع شديد الأسف ـ كنتيجة وانعكاس لهذه الحروب والتدخلات ، والتي لن تتوقفَ مادام مشروع المقاومة موجَّها إلى العدو الصهيوني ، ولن تكون له أي وجهة أخرى أبدا ، بعكس ما يحاول تصويرَه وتظهيرَه أعداءُ المقاومة في الداخل والخارج ..
ولو لم يوجّه حزبُ الله مشروعَه المقاوم تجاه العدو الصهيوني ، لما دفعتْ أمريكا مئات الملايين من دولارات دافعي الضرائب من شعبها لتشويه صورته ، ولما شنّتْ حروبًا سرية وعلنية ، مباشرة وغير مباشرة ، ضدَّ حزب الله ، في الداخل اللبناني ، وحول العالم ..
إن قبحَ وجه أمريكا استوجَبَ منها تجميله ، ووضاءَة وجه المقاومة استوجبَ منها تشويهَه ..
شتان بين الوجهين ..
وهذا هو الفرق الكبير والشاسع ، وباعترافهم أنفسهم ..
وإذا كانت أمريكا تفعل كل ذلك جَهَارا ، وتساعد العدوَّ في عدوانه المستمر ، وتلتزمُ أمنَه الأبدي المطلق ، ويتهافت مسؤولوها على التباري والتباهي في تقديم كل أنواع الدعم لهذا الكيان الغاصب المجرم ، فهو أمرٌ يجبُ أن يعارضَه الشعبُ الأمريكي الذي يعاني من أكثر الأزمات الاقتصادية سُوءًا ، بينما تنفق حكومته الأموالَ الطائلة وبلا حساب ، تارة لشن الحروب الاستباقية ، وتارة لدعم الصهاينة ، وأخرى لتشويه صورة حزب الله ، وكلها من أجل الصهاينة أيضا ..
وإذا كان الشعب الأمريكي نفسُه ، قد تظاهرَ ضد حرب حكومته على العراق وأفغانستان ، وأسقط قادة تلك الحرب ، وانتقمَ منهم في الانتخابات التشريعية والرئاسية ، كما تظاهر سابقا ضد الصهاينة في حربهم على لبنان وعلى غزة ، وضدهم مؤخرًا في هجوم الصهاينة على أسطول الحرية واستمرار حصار غزة ، فإن ذلك يستحق الإدانة والشجبَ والاستنكارَ من كل أحرار العالم ، وهو واجبٌ عليهم أيضا في أقل تقدير ، وهو أضعف الإيمان ....
لكن يبدو أن " أحرارَ " العالم ، قد دجّنتْهم " مادلين البيضاء ، وكوندي السمراء، وهيلاري الشقراء" وجعلنَ منهم جنودًا لا حولَ لهم ولا قوة ، على رقعة الشطرنج الأمريكية ..
وإذا كانت أمريكا تفعل ما تفعل من أجل استمرار عدوان الصهيونية على العرب ، وشن الحروب ضد الشعب الفلسطيني ، وتدمير وحصار غزة وسكانها ، ومع ذلك ، تلقى دعمًا وتأييدًا من حلفائها العرب أولا ، وغير العرب ثانيا ..
فيما تقوم إيران بمساعدة الشعب العربي الفلسطيني واللبناني للدفاع عن النفس أمام العدوان الصهيوني الأمريكي ، وتدعم مقاومتهما لاسترجاع الحقوق العربية كاملة ، فتلقى معارضة العرب أولا ، وغير العرب ثانيا ، ذلك لأن أمريكا حوّلت إيران إلى الفزّاعة التي تلوّح بها دومًا في وجه حلفائها العرب ، لتبتزهم وتبيعهم أسلحتها لتدافع بها عن نفسها أمام تلك الفزاعة المزعومة ..
وليس دخولُ تركيا على خط الصراع العربي الصهيوني ، أمرًا مَرْضِيّا عنه عربيًا ، لأنه ليس مَرْضِيًّا عنه صهيونيا ولا أمريكيا ..
لكأن التاريخ يُعيدُ نفسَه في الموقف من كلا الدولتين الجارتين :
إيران الشاه ، وإيران اليوم ..
تركيا قبل أردوغان ، وتركيا أردوغان ..
بدليل :
1 ـ إن كثيرا من الفضائيات العربية ، تجاهلتْ أخبارَ العدوان الصهيوني على أسطول الحرية ، لعدم إحراج المجرمين الصهاينة ، وبالتالي ، أمريكا ..
2 ـ بل إن وسائلَ إعلامية عربية أخرى ، سوّغت للصهاينة جريمَتهم ، وجرّمت الضحايا الذين قتلتْهم الأسلحة الأمريكية بأيدٍ صهيونية ..
من هنا ، يمكن لنا أن نعرفَ الجوابَ على السؤال التالي :
أين تنفق أمريكا أموالا طائلة أخرى ، لتشويه صورة حزب الله والمقاومة ؟؟ ..
يبدو أن البوصلة العربية قد أصيبَتْ بالصَرَع ، وتاه مؤشرُها ، وما عادت تتوجه الوجهة التي تعبّر عن مصالح الشعب العربي كله ..
فصار العدو أقربَ وأهمَّ من الأخ ؟؟!!
وصار حليفُ العدو حليفا أهمَّ وأغلى وأعلى شأنا من الأخ والأمة كلها ..
لِمَ نفعلُ بأنفسنا ما لا يستطيع العدو أن يفعله بنا ، وربما لا يفعله العدو بعدوه ؟؟!!
بالله عليكم :
كيف نتقبل ونتفهم ونرضى أن تكون أمريكا حليفا لنا ولعدوّنا في آن واحد ؟؟!!
بالله عليكم :
لماذا نقبلُ بأمريكا حليفا لنا ولعدوّنا في آن معًا ، وهي تدعم عدونا إلى ما لا نهاية ، وتناصره علينا بلا هوادة ولا مجاملة ، ولا يقبلُ أحدٌ بالتحالف مع دولة عربية إذا ظلت متحالفة مع إيران التي تدعم حقوقنا وتناصرنا على عدونا ؟؟
لو كانت تلك الدولة العربية متحالفة مع إسرائيل ، كما فعلتْ غيرُها ، لكان الأمر هيّنا ، وفيه نظر ..
سأستميح الشاعر العربي " أديب إسحاق " في استعارة معنى شعره الذي قاله :
قتْلُ امرئٍ في غابةٍ جريمة لا تغتفر
وقتلُ شعبٍ آمن مسألة فيها نظر
هل التحالف مع إيران جريمة لا تُغتفر ؟؟
وهل التحالف مع إسرائيل وأمريكا ، مسألة فيها نظر ..
هل أخطأتِ العربُ حين قديمًا قالت :
أنا وأخي على ابن عمي .. وأنا وابنُ عمي على الغريب ؟؟!! ..
الخميس ـ 24/06/2010
يوسف رشيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق