1 ـ
لا أذكر تماما متى عرفتكِ ، وكيف ؟ ..
لكني أذكر أني حلمت فيكِ أيام حروب الردة ، عندما انتفض الأشهب معلنا بداية رحلة الانتحار عبر شقوق الجدران وثقوبها .. وفي سراديب أمراء البر والبحر .. وحتمتُ أنْ يطولكِ فارسي قبل هروب الشمس إلى مخدعها ، لترتميَ في أحضان عاشق يجهل فنون العشق الحديث ، وقبل أن تُسفحَ مياهُ البحار في جوفِ حوتٍ يحمل همومي ، وكلَّ أسفاري ..
2 ـ
قمر .. خِلتُ أن وجهكِ مُضاء ، إلا أني وجدته مضيئا في ساحات الظلم والقسوة ، يكشف عن سرِّ مسحوق بقدم الجهل وعنجهيته ..
3 ـ
حلمتُ فيكِ أحجية غير عسيرة الحل ، وتراءت لي براءةٌ خِلتُها زيفًا .. وتعانقت الكريات في دمي ، فانبثقت من شفاه الطفلة أغنية أحيَتْ ما تعفن من جذور اليأس في حِلكة القبور ..
فلقد أيقظتِ جروحَ الألم والندم ، دون أن تطفئي في صدري شموعَ ذكرياتي ، ووضعتِ إصبعا تتلمسين مواطنَ القروح ، فغابت الإصبعُ ، فيدُكِ ، فذراعُكِ ، فجسمُكِ كله .. لكنّا لم ننصهر ..
4 ـ
كان قمري يعبث في شعر رأسي باحثا عن مسلكٍ يتسلل فيه إليّ .. وحينما احتضَنَ القنديلُ ظِله ، وتسارعتْ أمواجُ الريح لا تعبأ بمخلفاتها ، طرقتُ أبوابَ الصدر في أماسي شتاءٍ دافئ ، فلم تتحرك السواكن ، رغم وجود الباعث ..
5 ـ
في متاهات زرقة بحر العيون ، تاه مركبي بعدما ضلّ الرُّبانُ طريقه ، وعاش فترة في دوران بحري قاس ، كان خلالها يجوب أطرافَ المركب ، ويتطاولُ على أصابع قدميه ليرى أبعد مسافة ، علّه يستطلعُ سبيلا للنجاة ..
وحينما صار الهمسُ منجاة من عذاب الذات ، وتشاجرتُ مع الموتِ والعينين في خِدرهما ، استُبيحَت شؤونُ الحب ضمن أزقة السماء ، وتبخّرت الغيوم آنذاك ، وظلت الراية مرفرفة في مكانها تهيمُ في شواطئ ثنايا القلب ، وعاد الوطنُ قبلة على جبين طفلةٍ شرعيةٍ لمّا تتعرّف أباها ..
6 ـ
قمر .. أتساءل عجِبا : كيف يقتتلُ الحبيبان بعد خروجهما من كبوة الألم ؟؟!!
أتساءل : منْ علّمَ السكارى آهاتِ الألم وهمَّ الغياب ؟؟!!
7 ـ
أيتها المبحرةُ في همومي ، قد لا أكونُ أكثرَ منكِ همًّا ..
لكني أبعدُ منكِ عمقا .. فلا بدَّ أن يطولَ إبحارُكِ .. فهل أنتِ مستعدة ؟؟..
8 ـ
وتغيب ذكرياتُ الطفولة خجلى مما ترى .. وتهتز الرؤى بفعل أشجار خياليةٍ هزّتْها أنفاسُ طفل دِيسَ على صدره بحذاءٍ أسطوري ، ونزفت الحربة من دمه على عينيه ، فأغمضتا ..
9 ـ
اعتراض : لا تملّ سيدي القمر .. ما عدنا صغارًا ولا ضعفاء ..
قمر : عدتُ أتساءل : متى أنجو ؟؟
10 ـ
وأقتاتُ بقايا زوّادتي ، وللمرة السادسة تجرّعتُ ثمالة الكأس ، ثم نهضتُ غيرَ آبه ، أحملُ الأرض ، وأبحث في كل أقطابها .. ولمّا أجد شيئا .. وسنونُ العمر تجرفني إلى هاوية معلومة القرار ، حتمية النهاية .. فأتشبّثُ بعيدان القمح اليابسة ، وبجدائل طفلة ، قالوا : إنها لقيطة .. فأجدُ لقدميّ مكانا ، وأتلفتُ حولي ، فلا أرى سواكَ قمري .. وأظلُّ أشعر أننا غريبان حتى عن بعضنا ، حتى عن الشمس التي منها ضوءُكِ ودفئي ..
11 ـ
وتأكل الغربةُ جسديْنا .. ولأول مرة ، لا نلبث أن ننصهرَ في جوفها ..
12 ـ
ويتسامى الحبُّ ، فترتحلُ العيونُ مخترقة دوائرَ الصمت المتحجر ، وتتأطر المسافاتُ ، فنرى الجانبيْن ، والبداية ، ورأسَ تمثال إلهٍ إغريقي ..
12/12/1975
يوسف رشيد
لا أذكر تماما متى عرفتكِ ، وكيف ؟ ..
لكني أذكر أني حلمت فيكِ أيام حروب الردة ، عندما انتفض الأشهب معلنا بداية رحلة الانتحار عبر شقوق الجدران وثقوبها .. وفي سراديب أمراء البر والبحر .. وحتمتُ أنْ يطولكِ فارسي قبل هروب الشمس إلى مخدعها ، لترتميَ في أحضان عاشق يجهل فنون العشق الحديث ، وقبل أن تُسفحَ مياهُ البحار في جوفِ حوتٍ يحمل همومي ، وكلَّ أسفاري ..
2 ـ
قمر .. خِلتُ أن وجهكِ مُضاء ، إلا أني وجدته مضيئا في ساحات الظلم والقسوة ، يكشف عن سرِّ مسحوق بقدم الجهل وعنجهيته ..
3 ـ
حلمتُ فيكِ أحجية غير عسيرة الحل ، وتراءت لي براءةٌ خِلتُها زيفًا .. وتعانقت الكريات في دمي ، فانبثقت من شفاه الطفلة أغنية أحيَتْ ما تعفن من جذور اليأس في حِلكة القبور ..
فلقد أيقظتِ جروحَ الألم والندم ، دون أن تطفئي في صدري شموعَ ذكرياتي ، ووضعتِ إصبعا تتلمسين مواطنَ القروح ، فغابت الإصبعُ ، فيدُكِ ، فذراعُكِ ، فجسمُكِ كله .. لكنّا لم ننصهر ..
4 ـ
كان قمري يعبث في شعر رأسي باحثا عن مسلكٍ يتسلل فيه إليّ .. وحينما احتضَنَ القنديلُ ظِله ، وتسارعتْ أمواجُ الريح لا تعبأ بمخلفاتها ، طرقتُ أبوابَ الصدر في أماسي شتاءٍ دافئ ، فلم تتحرك السواكن ، رغم وجود الباعث ..
5 ـ
في متاهات زرقة بحر العيون ، تاه مركبي بعدما ضلّ الرُّبانُ طريقه ، وعاش فترة في دوران بحري قاس ، كان خلالها يجوب أطرافَ المركب ، ويتطاولُ على أصابع قدميه ليرى أبعد مسافة ، علّه يستطلعُ سبيلا للنجاة ..
وحينما صار الهمسُ منجاة من عذاب الذات ، وتشاجرتُ مع الموتِ والعينين في خِدرهما ، استُبيحَت شؤونُ الحب ضمن أزقة السماء ، وتبخّرت الغيوم آنذاك ، وظلت الراية مرفرفة في مكانها تهيمُ في شواطئ ثنايا القلب ، وعاد الوطنُ قبلة على جبين طفلةٍ شرعيةٍ لمّا تتعرّف أباها ..
6 ـ
قمر .. أتساءل عجِبا : كيف يقتتلُ الحبيبان بعد خروجهما من كبوة الألم ؟؟!!
أتساءل : منْ علّمَ السكارى آهاتِ الألم وهمَّ الغياب ؟؟!!
7 ـ
أيتها المبحرةُ في همومي ، قد لا أكونُ أكثرَ منكِ همًّا ..
لكني أبعدُ منكِ عمقا .. فلا بدَّ أن يطولَ إبحارُكِ .. فهل أنتِ مستعدة ؟؟..
8 ـ
وتغيب ذكرياتُ الطفولة خجلى مما ترى .. وتهتز الرؤى بفعل أشجار خياليةٍ هزّتْها أنفاسُ طفل دِيسَ على صدره بحذاءٍ أسطوري ، ونزفت الحربة من دمه على عينيه ، فأغمضتا ..
9 ـ
اعتراض : لا تملّ سيدي القمر .. ما عدنا صغارًا ولا ضعفاء ..
قمر : عدتُ أتساءل : متى أنجو ؟؟
10 ـ
وأقتاتُ بقايا زوّادتي ، وللمرة السادسة تجرّعتُ ثمالة الكأس ، ثم نهضتُ غيرَ آبه ، أحملُ الأرض ، وأبحث في كل أقطابها .. ولمّا أجد شيئا .. وسنونُ العمر تجرفني إلى هاوية معلومة القرار ، حتمية النهاية .. فأتشبّثُ بعيدان القمح اليابسة ، وبجدائل طفلة ، قالوا : إنها لقيطة .. فأجدُ لقدميّ مكانا ، وأتلفتُ حولي ، فلا أرى سواكَ قمري .. وأظلُّ أشعر أننا غريبان حتى عن بعضنا ، حتى عن الشمس التي منها ضوءُكِ ودفئي ..
11 ـ
وتأكل الغربةُ جسديْنا .. ولأول مرة ، لا نلبث أن ننصهرَ في جوفها ..
12 ـ
ويتسامى الحبُّ ، فترتحلُ العيونُ مخترقة دوائرَ الصمت المتحجر ، وتتأطر المسافاتُ ، فنرى الجانبيْن ، والبداية ، ورأسَ تمثال إلهٍ إغريقي ..
12/12/1975
يوسف رشيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق