الأحد، 20 يونيو 2010

نبليات ـ حَكايَا حمدو ـ 2

وصل حمدو إلى المكان الذي يعده الأكثرَ أمانا من أي مكان آخر في الضيعة ، والذي يمكن أن يعتصم فيه بلا خوف من أحد ، ولا حرج من صاحبه ..
كان يلهث والعرق يتصبّب منه ، بينما لم يسمحْ له الموقفُ العصيبُ الذي كان فيه ، أن يلبسَ مشايته ، فتأبّطها ، وهُرعَ خوفا من أن يلحق به أبو سعيد ..

في الدكان ، ووراء " الدّرّابة " حاول حج محمد أن يستوضحَه عن سببِ ما هو فيه ، لكن أنفاسَه المتلاحقة لم تسعفه ، إلا بعد أن شربَ وغسلَ وجهَه ، فهدأتْ أنفاسُه ، واطمأنَّ أن أبا سعيد لا يمكن أن يصل إليه الآن ..

ويعرف حج محمد أن حمدو ـ بالتأكيد ـ قالَ كلامًا ما أمام منْ لا يجبُ أن يقوله ، فكانت النتيجة ..

وهذه ليست المرة الأولى التي يصل فيها إلى الدكان وهو بهذه الحال ..
فهو رجل ذكي ولمّاح ، لكن أهل الضيعة لا يَرَوْن فيه إلا رجلا بسيطا ساذجا ، فلا يعيرونه أي اهتمام ، إذا لم يرفعوا صوتهم عليه ..

قال حمدو :
كنا عمنصلي الضهر في الجامع الكبير ، والشيخ ما هو موجود .. خلصنا الصلاة ، فطلب أبو سعيد من الحاضرين ، يبقو في أماكنن ، مشان يحل هالمشكلة ..
صرنا نطلع في وج بعضنا محتارين مستغربين ، اش صاير في الضيعة وما حدا معو خبر ؟؟
اش في مشكلة تا يحلا أبو سعيد ؟؟
سألت اللي حولي بشويش ، قلبولي شفتن وهزو كتافن وسكتوا ، وما حدا سمعان عن مشكلة في الضيعة..
بعدين معقول تصير مشكلة وما معي خبرا ؟؟!!
كنا شي عشرين زلمي .. وما حدا منن بيعرف شي ..
قال أبو سعيد بصوت حد:
يا جماعة ، عنا في الضيعة مشكلة كبيرة ، وما حدا عميسعى بحلا .. ليش ما منتعاون تا نحلا ؟
سألوه : اشي المشكلة يا أبو سعيد ؟؟ ما حدا منا سمع عن مشكلة اليوم في الضيعة ، انت سمعان شي ؟؟ ..
هزّ أبو سعيد اصبعتو الطويلة في وج الحاضرين ، واحتدّ أكتر وقال :
شلون ما في مشكلة ؟؟ ليش ضربكن العمى وما عمتشوفوا ؟؟
قالوا : طيب ، خبرنا ... هات خبرنا ، قلنا اشي هِي المشكلة ؟؟

اندار أبو سعيد لعند أبو حسين :
يا أبو حسين ، ماتت مرتك الله يرحما من سنتين ، شلون عمتدبر أمور أكلك وشربك ونومك وخسيلك ؟؟ ليش ما عمتتجوز ؟؟ المرا ضروري وجودا بالبيت والا لأ؟؟
قلو أبو حسين : والله بدك الحقيقة ؟ ما في أضر من وجودا في البيت .. والبيت بلا مرا متل أكل الهوا ..
ـ وليش ما عمتتجوز ؟؟
ـ اي حدا أخدني وماتجوزت وانضربت عا قلبي ؟؟
ـ طيب .. وانت يا حج بركات ليش ما تجوزت وصارلك أرمل أربع سنين ؟؟
ـ والله يا أبو سعيد في ضيعتنا اللي بتموت مرتو يروح يندفن معا .. لأنو ما حدا بعود بطلع في وجك ..
ـ طيب ، وأنت يا عبد الله ، عندك ولاد صغار وماتت مرتك وانت رجال تعّيب .. مين عمبدير بالو عليك وعولادك ؟؟
ـ والله يا أبو سعيد الشكوي لغير الله مزلة ..حسبي الله ونعم الوكيل ..

كمّل أبو سعيد : يا جماعة .. ليش ما منجوز " رقي " بنت عبد القادر لعبد الله ؟
و" هاجر" مرت المرحوم عارف لأبو حسين ، و" أم ربيع " لأبو بركات ؟؟


كان حمدو يروي كل ذلك بسرعة ، وكـأنه لا يريد أن ينسى حرفا واحدا .. أخذ جرعة ماء ، ومسح بطرف اللفاحة قطرات العرق التي لم تتوقف ، ثم أكمل :

وقّف أبو سعيد عند هالكلام ، وهو عميطلع بالحاضرين بعصبي ، بدو حدا يقلو :
وأنت يا أبوسعيد أرمل من سنة ولازم نلاقيلك شي وحدي مستورة تدير بالا عليك وعابيتك ..
بس ما كان حدا من الحاضرين مفتكر بهالشغلي ..

صمت حمدو قليلا ثم أضاف :
أنا كنت قيعد وليبب نار من جوّا ، وفهمان أبو سعيد لوين بدو يوصّل ، بس ما حدا فهم عليه ..
رحت عند عتابة الجامع ، شلت مشايتي تحت أباطي ووقفت بالباب ، وصحت بصوت منغّم :
طبيييييييب .. طبيب اللي يداوي الناس وهوّي عليلو ..

وتزنرت بالباب فرد ركدي لهون .. بس شفت أبو سعيد قبل ما أطلع ، نط عأربعتو ولحقني .. بس ما خلوه يطلع برا الجامع .. مسكوه ..
وبعدين من كتر ما بمق من هَوْ الممحوقات ما بيحسن يركد ولا بيحسن يلحقني ..

إلى اللقاء


الأحد ـ 20/06/2010
ملاحظة : أعتذر من السادة القراء لاستخدامي اللهجة المحلية في الحوار ، لأني أزعم أنها أقرب إلى قلوبهم ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق