السبت، 12 يونيو 2010

عَوْرَة الصهيونية الإسرائيلية ـ الناطور والعنب في السياسة الأمريكية

قبل أيام من صدور قرار مجلس الأمن رقم 1929 ، القاضي بفرض مزيد من العقوبات على إيران ، شن القراصنة الصهاينة جريمتهم الأخرى الفظيعة على سفن أسطول الحرية في عرض البحر الأبيض المتوسط ـ المُضافة إلى آلاف الجرائم التي ما يزال الكيان الصهيوني ينفذها يوميا ، وبانتظام ، وعن سابق إصرار وتصميم وترصُّد ـ وما أسفرت عنه هذه الجريمة النكراء ، بكل المقاييس الإنسانية ، من ضحايا ، وما أعقبَها من حملات إدانة واعتصام واحتجاجات عالمية شملت معظمَ دول العالم ، حتى طرقتْ أبوابَ البيت الأبيض ، والسفارات الصهيونية في العالم ..

ولِهَوْل هذه الجريمة ، وفظاعة مرتكبيها ، وحجم الإدانة العالمية ، سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى محاولة لا تقلُّ بشاعة عن الجريمة نفسها ، محاولةً أن تسترَ عورة الكيان الصهيوني ، وتخففَ عنه حالة العداء التي بدأتْ عند معبر رفح ، ولم تنتهِ عند تصريحات غول وأردوغان وأوغلو ، معطوفة على أقوال "جديدة" للأمين العام للأمم المتحدة ، ولمسؤولين في الاتحاد الأوربي ، ودول العالم ومنظماته المختلفة تلامسُ الخطوط الحمرَ لسمعة الكيان الصهيوني ..

إزاء كل ذلك ، كان المطلوب من أمريكا أن تعملَ لوقف تدهور بشاعة الصورة في مرآة الضمير العالمية ، حيث أحسّتْ أمريكا بالإحراج الشديد أمام تركيا ، كعضو من أعضاء الحلف الأطلسي ، وكحليفٍ قوي في المنطقة ، حتى كانت المحطة الأولى التي زارها أوباما ، قبل أن يوجِّه رسالته الشهيرة من القاهرة .. الأمر الذي ألزم أوباما ، ليتصلَ بأردوغان معزيا بضحايا القافلة المستهدفة " فقط ، دون استنكار ولا إدانة " ..

وقد سبق لتركيا والبرازيل ، أن عملتا على توقيع اتفاق مع إيران لتخصيب اليورانيوم خارج أراضيها ، كمطلب ٍ يتوافق مع ما طرحته الدول الكبرى ، في محاولةٍ لحل هذه الأزمة المفتعلة أمريكيا وصهيونيا ..
هذا الاتفاق ، قوبل بحذر أوربي ورفض أمريكي مباشر ، لأن الدولة الصهيونية وأمريكا من ورائها ، لا تريدان " أكل العنب " إنما تستهدفان " الناطور " نفسَه ..
من هنا سَعَتْ أمريكا ، بدأبٍ ، ومن خلال دبلوماسية المصالح المتبادَلة ، مع كل من الصين وروسيا ، العضويْن الدائميْن في مجلس الأمن ، للضغط عليهما ، لكسب صوتيْهما في مجلس الأمن ، لاستصدار قرار جديد بتشديد العقوبات على إيران ..

والهدف الرئيسي من هذه السياسة العدائية ، يتعلق بمواقف إيران السياسية الإقليمية تحديدا ، المتعلقة بدعمها للمقاومة ، ومعاداتها للمشاريع الأمريكية وللكيان الصهيوني ..

والمطلوب من إيران أن تكفَّ عن هذه السياسات ، كي تحظى بالحُبِّ الأمريكي ، الذي كان موجودا أيام الشاه المخلوع ..

فأمريكا هي أول من ساعد الشاه على بناء المفاعلات النووية منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، حين كانت إيران شرطي أمريكا في المنطقة ..

والآن ، لو تراجعتْ إيران عن جزء بسيط من هذه المواقف ، لأسرعتْ أمريكا وربيبتها في إعادة الحرارة والدفء للعلاقات التي وصلتْ إلى حد التهديد المباشر باجتياح إيران وضرب مفاعلاتها ، والقضاء على " طموحاتها " النووية ..

وليس ـ بالتأكيد ـ في معجم السياسة الإيرانية مفردات توافق السياسة الأمريكية وعملاءَها في المنطقة ..

هذا على الصعيد الإيراني فقط ، فكيف إذا اتحدت المعاجم اللغوية لكل من سوريا وتركيا وإيران والمقاومة معا ؟؟!! ..

إن الأحداث المتسارعة مؤخرا في المنطقة العربية ، وظهور ملامح بناء خريطة تحالفات سياسية جديدة ، وخيبات السياسة الأمريكية الصهيونية ، وفي محاولة منها لتمسيح قذارات الكيان الصهيوني ، التي أعقبت قرصنته على أسطول الحرية ، كل ذلك ، جعلَ صانعَ القرار الأمريكي يفقدُ توازنه أمام نمو وبروز الخريطة السياسية المعادية لمشاريعهم ، الأمر الذي سرّعَ القرارَ الأمريكي في مجلس الأمن ضد إيران ..

وقد جاء تصويت تركيا والبرازيل بعدم الموافقة على هذا القرار ، منسجمًا مع قناعتهما وجهودهما التي بُذِلتْ للوصول إلى اتفاق طهران الثلاثي ، فيما برز الموقفُ اللبناني في امتناعه عن التصويت أمرًا مستغربًا ، ولا يعبّر عن حقيقة موقف الشعب اللبناني خصوصًا ، والشعب العربي عموما .. ولا شيء يسوغ للبنان الرسمي قوله : إن لبنان عضوٌ في مجلس الأمن ، ممثلا لمجموع الدول العربية ، وليس ممثلا لنفسه فقط ..

إن امتناعَ لبنان عن التصويت ، أمرٌ سلبي جدا ، ولا ينسجم مطلقا مع صيغة العلاقة اللبنانية الإيرانية ، ولا مع المصلحة اللبنانية ، وقد جاء نتيجة رضوخ لبنان لضغوط أمريكا وحلفائها في المنطقة العربية ..
وبالتالي ، لا يختلف اثنان على تحديد منْ هو الحليف الأقرب والألصق بالسياسة والمصالح الأمريكية في المنطقة ..
بالتأكيد إنه الكيان الصهيوني أولا وثانيا وثالثا حتى اللانهاية ..
إذن ، ألا يصب القرار اللبناني في خانة دعم المصالح الصهيونية الأمريكية في المنطقة ؟؟
أليس لبنان هو من أكثر الدول التي عانتْ وتعاني من هذه المصالح العدائية تجاه أرضه وشعبه ومصالحه ؟؟!!

فما الذي قدمته أمريكا وحلفاؤها العرب للبنان غير العدوان الصهيوني والقتل والتخريب المستمر عليه ، والمؤيَّد عربيا وأمريكيا ؟؟!!..

وإن كانت إيران قد كابرْتْ وتعالتْ على هذا الموقف اللبناني ، فهذا لا يعطي القرارَ مشروعيته ، كما لا يغطي كلامُ الرئيس الإيراني في الصين ، موقفَها المؤيِّد للقرار " الأممي " ..

يوم كانت سوريا عضوا غيرَ دائم في مجلس الأمن ، ونيابة عن المجموعة العربية أيضًا ، وفي وقتٍ كانت معظمُ الدول العربية مؤيدة لبوش وحربه الإجرامية المجنونة ضد العراق ، وكانت سوريا تشهد هجمة شرسة " بوشية ـ شارونية متحالفة مع الاعتدال العربي " ضدها وضد مواقفها الوطنية والقومية ، وقف فاروق الشرع ـ وزير الخارجية آنذاك ـ ليعلنَ الموقفَ السوري الشجاع والمتوافق مع إرادة الشعب العربي كله ، المعارض للقرار " الأممي " المُزمَع التصويت عليه ، والذي يقضي بتفويض أمريكا شن الحرب على العراق ، بذريعة امتلاكه أسلحة تدمير شامل تهدد العالم " الحر " ..
ومع أن ذلك القرار يخصُّ العراق ـ ولم تكن العلاقات السورية العراقية في أحسن أحوالها ـ إلا أن ذلك لم يمنع سورية من اتخاذ الموقف الذي يعبر عن تطلعاتها الوطنية والقومية ، في معاداتها للمشروع الصهيو ـ أمريكي ..
وقد أثبتت السنوات اللاحقة صوابية الموقف السوري في كل حيثياته ودواعيه ..

يجب على الأشقاء العرب أن يكون قلقهم من الأمر الواقع النووي الصهيوني ، وليس من المشروع السلمي لاستخدام الطاقة النووية ..
ولا نتمنى أن يكون صحيحًا الخبر الذي نشرته صحيفة بريطانية اليوم ، مفاده : أن السعودية سمحت للصهاينة " بتدخل أمريكي " بممر جوي تعبره طائراتها لضرب إيران .. لأن ذلك سيكون كارثة كبرى ، يفوق ضررُها على منطقتنا ضررَ الغزو الأمريكي للعراق ، وما نتج عنه من تدمير وضحايا ، لم تخدم إلا الصهاينة ..

إن أمريكا في سعِيها السريع لاستصدار قرار مجلس الأمن ، إنما أرادت إبعاد أنظار العالم عن الجريمة الصهيونية بحق أسطول الحرية ، وبالتالي حصار غزة ، وتظهير صورة لها ، توحي بأنها ما تزال ممسكة بخيوط اللعبة في العالم عامة ، وفي منطقتنا بشكل خاص ..
فهل يجب علينا أن نستكين ونقفَ من ذلك موقفَ المتفرج السلبي ؟؟!!


12/حزيران/2010

يوسف رشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق