إن السياسة التركية الخارجية ، تمر في الوقت الحاضر ، بمرحلة صعبة وخطيرة ، ولاسيما بعد العدوان الصهيوني على أسطول الحرية ، وتداعيات ذلك ..
ولعل الموقف التركي نما وتصاعد وانعكس اتجاهه ، على خلفية مواقف صهيونية كثيرة ، نالت من تركيا أردوغان ، ومن صيغة علاقة التحالف القائم بين الدولتين ..
وقبل أن نسردَ الأسبابَ والتداعيات ، لا بد من التنويه بضرورة أن يستدركَ العربُ موقفهم السياسي والاقتصادي مع تركيا ، لملء الفراغ الذي نتجَ عن تدهور العلاقات التركية الصهيونية ، فمالت الكفة لصالح العرب وقضاياهم ..
وإن كنا لسنا على ثقة بأن يقف العرب إلى جانب تركيا في مثل هذه الحالة ، لأن ذلك قد يُغضب العم سام ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن العرب غير مسموح لهم أن يقفوا لا مع أنفسهم ولا مع بعضهم بعضا ، فكيف يُسمح لهم أن يقفوا مع تركيا ضد الكيان الصهيوني ؟؟
في الأسباب والتداعيات :
لقد كان الموقف التركي متقدما على كثير من المواقف العربية ، منذ الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ، حين لم يسمح البرلمان للقوات الأمريكية بعبور الأراضي التركية ، أو الانطلاق من قواعد فيها ، لشن الحرب على العراق ، وهو موقف لا يضاهيه موقفُ الأشقاء ..
ثم كانت مرحلة تحسن العلاقات السورية ـ التركية ، وما نتج عنها من وساطة تركية في المفاوضات غير المباشرة مع الكيان الصهيوني ، إلى أن حصلت خديعة " أولمرت " عام 2008 ، حين طلبَ من أردوغان أن ينقل لحكومة غزة تطميناتِه بعدم شن حرب عليها ، لكن العقرب أولمرت أبى إلا أن يغدر ويكذب ويعتدي ويقتل ويدمر ، شأنه شأن كل الصهاينة عبر تاريخهم الإجرامي الطويل ، فكانت جرائمهم في عدوانهم على غزة أكبر من يحتملها وسيط السلام من الصهاينة ، وتوّجوا إجرامهم بسوء معاملة متعمد لأردوغان على الحواجز الصهيونية ، حين زار الأراضي المحتلة في مسعى لوقف العدوان ، فغضب الشعب التركي وأحس بإهانة مقصودة ، مما أحدث شرخا كبيرًا في جدار الثقة والعلاقات المشتركة ..
وكان اجتماع دافوس ، مناسبة لرد الصاع صاعين ، لرئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز ، وعاد أردوغان لبلده بطلا قوميًا مُتوّجًا ..
ودَقَّ الصهاينة المسمارَ الأخيرَ في نعش علاقاتهم الودية مع تركيا ، حين ارتكبوا مجزرتهم الفظيعة بحق أسطول الحرية المتوجه إلى غزة ، حاملا المساعدات الإنسانية للمحاصرين ـ عربيا وصهيونيا ـ منذ أربعة أعوام ..
وتبع ذلك موقفٌ عالميٌ وتركيٌ وعربيٌ ، جعل من عدوان الصهاينة سُبَّةً في جبين مرتكبيه ..
ووصلت العلاقات التركية الصهيونية إلى الحضيض ، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا ، وسياحيا أيضا ..
واتخذت تركيا جملة من الإجراءات التي حدّت من هذه العلاقات ، حتى باتت العلاقة مربوطة بشعرة واحدة ، بعد أن كانت مشدودة بكوابل فولاذية ..
سياسيا ، ما تزال تركيا متمسكة بموقفها العادل المبني على اعتذار الصهاينة عن جريمتهم بحق أسطول الحرية ، والتعويض عن الخسائر ، وإعادة السفن المصادرة حاليا ، والقبول بتشكيل لجنة تحقيق دولية ، وفك الحصار نهائيا عن غزة ..
دبلوماسيا ، تم تقليص عدد البلوماسيين في السفارتين ، وهرّب الصهاينة عائلاتهم خوفا من انتقام الشعب التركي ، وباتت العلاقات شبه مقطوعة بين الدولتين ..
عسكريا ، ألغت تركيا مناورات مشتركة مع جيش الصهاينة ، وأوقفت العمل بكثير من الاتفاقات العسكرية السرية والعلنية بين الجيشين ، وأغلقت تركيا مؤخرا أجواءها في وجه الطيران العسكري الصهيوني ..
اقتصاديا ، اتخذت تركيا إجراءات للحد من التبادل التجاري ، وأوقفت العمل بكثير من التسهيلات المعمول بها في موانئها ومنافذها الأخرى ..
سياحيا ، ألغى الصهاينة حجوزاتٍ سياحية في تركيا تقدر بحوالي نصف مليون سائح ، يذهبون إلى تركيا ضمن أفواج سياحية متتالية على مدار أشهر ، الاصطياف مما سينعكس سلبا على الموسم السياحي التركي ..
فهل يمكن للأشقاء العرب الراغبين بالاصطياف أن يحولوا وجهتهم إلى تركيا لسد النقص ، وتعويض الخسائر ؟؟!!
ولعل الأهم من كل ذلك ، هو موقف الشعب التركي الجريح من الكيان الصهيوني ، ومشاعر الغضب والعداء التي تولدت عقب الهجوم الصهيوني الغادر على أسطول الحرية ..
ولم يفوّت أردوعان فرصة دون أن يصفَ الصهاينة بأبشع الصفات التي يستحقونها جرّاء جرائمهم المتكررة ..
على الضفة الأخرى ، نشط الصهاينة في العبث بأمن المجتمع التركي ، من خلال أعوانه وعملائه ، ووجّهوا ضرباتٍ إرهابية متتالية ، استهدفت الجيش التركي ، ومعسكراته ، بواسطة " حزب العمال الكردستاني " الذي انتهز فرصة انشغال السلطة بالأحداث الجارية ، فبدأ بتنفيذ عملياته المتقاطعة حتما مع الأهداف الصهيونية ، التي ترى في الموقف التركي جريمة يجب دفع ثمنها من أمن وسلام المجتمع التركي كله ..
إن تركيا اليوم ، تدفع ثمن سياستها التي اتبعتها منذ الحرب على العراق إلى الآن ، ولا يشفع لها أنها عضو في الحلف الأطلسي .. ولا يشفع لها أنها تناصر ما تراه منسجما مع مصالحها الوطنية .. فقد اعتادوا منها على مواقف تناسب مصالحهم ، ولو كانت متعارضة مع مصالحها ..
وانهمر عليها كيلٌ من التهم ، أولها معاداتها للسامية ، وليس آخرها التخلي عن العلمانية ..
وبات المطلوب من تركيا أمريكيا وصهيونيا ، أن تتراجع عن كل تلك المواقف ، وتغفر كل ما ارتكبه الصهاينة بحقها ، قبل أن تتوقف الهجمات الإرهابية ضد جيشها وشعبها ..
ولم تطلبْ تركيا من الدول العربية أيّ موقف يحرجها مع أسيادها ، بل قرَنَ أردوغان بين المدن الفلسطينية المحتلة والمدن التركية ، ليدلل على منهجية السياسة التركية في نصرة الحق ..
بينما رأى كثيرٌ من أشقائنا العرب في الموقف التركي ، جنوحًا بعيدَ المنال ، هدفه بعث الهيمنة العثمانية الجديدة ، والحلول محل بعضهم ، وسلبهم دورهم التاريخي ..
فأشقاؤنا العرب ـ كما هو دَيْدَنهم ـ لا يرحمون أحدًا ، ولا يريدون أن تتنزلَ رحمة الله على منْ لا يريدون ..
وعليه ، فإن الهجمة الصهيو ـ أمريكية ، ستتصاعد على تركيا ، وتتلون مؤامراتها ، للنيل من مواقفها المؤيدة لحقوقنا ..
ونحن نتباكى على حقوقنا ، ونشكو دومًا ، عدمَ وجود نصير لها في العالم ، حتى إذا ما نصَرَنا أحدٌ ( تركيا وإيران ) ، تحالفنا ضده ، وأبعدناه عن ساحاتنا ، بشتى التهم والذرائع ..
ولات مندم ..
الثلاثاء ـ 29/06/2010
ولعل الموقف التركي نما وتصاعد وانعكس اتجاهه ، على خلفية مواقف صهيونية كثيرة ، نالت من تركيا أردوغان ، ومن صيغة علاقة التحالف القائم بين الدولتين ..
وقبل أن نسردَ الأسبابَ والتداعيات ، لا بد من التنويه بضرورة أن يستدركَ العربُ موقفهم السياسي والاقتصادي مع تركيا ، لملء الفراغ الذي نتجَ عن تدهور العلاقات التركية الصهيونية ، فمالت الكفة لصالح العرب وقضاياهم ..
وإن كنا لسنا على ثقة بأن يقف العرب إلى جانب تركيا في مثل هذه الحالة ، لأن ذلك قد يُغضب العم سام ، من جهة ، ومن جهة أخرى ، فإن العرب غير مسموح لهم أن يقفوا لا مع أنفسهم ولا مع بعضهم بعضا ، فكيف يُسمح لهم أن يقفوا مع تركيا ضد الكيان الصهيوني ؟؟
في الأسباب والتداعيات :
لقد كان الموقف التركي متقدما على كثير من المواقف العربية ، منذ الحرب الأمريكية على العراق عام 2003 ، حين لم يسمح البرلمان للقوات الأمريكية بعبور الأراضي التركية ، أو الانطلاق من قواعد فيها ، لشن الحرب على العراق ، وهو موقف لا يضاهيه موقفُ الأشقاء ..
ثم كانت مرحلة تحسن العلاقات السورية ـ التركية ، وما نتج عنها من وساطة تركية في المفاوضات غير المباشرة مع الكيان الصهيوني ، إلى أن حصلت خديعة " أولمرت " عام 2008 ، حين طلبَ من أردوغان أن ينقل لحكومة غزة تطميناتِه بعدم شن حرب عليها ، لكن العقرب أولمرت أبى إلا أن يغدر ويكذب ويعتدي ويقتل ويدمر ، شأنه شأن كل الصهاينة عبر تاريخهم الإجرامي الطويل ، فكانت جرائمهم في عدوانهم على غزة أكبر من يحتملها وسيط السلام من الصهاينة ، وتوّجوا إجرامهم بسوء معاملة متعمد لأردوغان على الحواجز الصهيونية ، حين زار الأراضي المحتلة في مسعى لوقف العدوان ، فغضب الشعب التركي وأحس بإهانة مقصودة ، مما أحدث شرخا كبيرًا في جدار الثقة والعلاقات المشتركة ..
وكان اجتماع دافوس ، مناسبة لرد الصاع صاعين ، لرئيس الكيان الصهيوني شيمون بيريز ، وعاد أردوغان لبلده بطلا قوميًا مُتوّجًا ..
ودَقَّ الصهاينة المسمارَ الأخيرَ في نعش علاقاتهم الودية مع تركيا ، حين ارتكبوا مجزرتهم الفظيعة بحق أسطول الحرية المتوجه إلى غزة ، حاملا المساعدات الإنسانية للمحاصرين ـ عربيا وصهيونيا ـ منذ أربعة أعوام ..
وتبع ذلك موقفٌ عالميٌ وتركيٌ وعربيٌ ، جعل من عدوان الصهاينة سُبَّةً في جبين مرتكبيه ..
ووصلت العلاقات التركية الصهيونية إلى الحضيض ، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا واقتصاديا ، وسياحيا أيضا ..
واتخذت تركيا جملة من الإجراءات التي حدّت من هذه العلاقات ، حتى باتت العلاقة مربوطة بشعرة واحدة ، بعد أن كانت مشدودة بكوابل فولاذية ..
سياسيا ، ما تزال تركيا متمسكة بموقفها العادل المبني على اعتذار الصهاينة عن جريمتهم بحق أسطول الحرية ، والتعويض عن الخسائر ، وإعادة السفن المصادرة حاليا ، والقبول بتشكيل لجنة تحقيق دولية ، وفك الحصار نهائيا عن غزة ..
دبلوماسيا ، تم تقليص عدد البلوماسيين في السفارتين ، وهرّب الصهاينة عائلاتهم خوفا من انتقام الشعب التركي ، وباتت العلاقات شبه مقطوعة بين الدولتين ..
عسكريا ، ألغت تركيا مناورات مشتركة مع جيش الصهاينة ، وأوقفت العمل بكثير من الاتفاقات العسكرية السرية والعلنية بين الجيشين ، وأغلقت تركيا مؤخرا أجواءها في وجه الطيران العسكري الصهيوني ..
اقتصاديا ، اتخذت تركيا إجراءات للحد من التبادل التجاري ، وأوقفت العمل بكثير من التسهيلات المعمول بها في موانئها ومنافذها الأخرى ..
سياحيا ، ألغى الصهاينة حجوزاتٍ سياحية في تركيا تقدر بحوالي نصف مليون سائح ، يذهبون إلى تركيا ضمن أفواج سياحية متتالية على مدار أشهر ، الاصطياف مما سينعكس سلبا على الموسم السياحي التركي ..
فهل يمكن للأشقاء العرب الراغبين بالاصطياف أن يحولوا وجهتهم إلى تركيا لسد النقص ، وتعويض الخسائر ؟؟!!
ولعل الأهم من كل ذلك ، هو موقف الشعب التركي الجريح من الكيان الصهيوني ، ومشاعر الغضب والعداء التي تولدت عقب الهجوم الصهيوني الغادر على أسطول الحرية ..
ولم يفوّت أردوعان فرصة دون أن يصفَ الصهاينة بأبشع الصفات التي يستحقونها جرّاء جرائمهم المتكررة ..
على الضفة الأخرى ، نشط الصهاينة في العبث بأمن المجتمع التركي ، من خلال أعوانه وعملائه ، ووجّهوا ضرباتٍ إرهابية متتالية ، استهدفت الجيش التركي ، ومعسكراته ، بواسطة " حزب العمال الكردستاني " الذي انتهز فرصة انشغال السلطة بالأحداث الجارية ، فبدأ بتنفيذ عملياته المتقاطعة حتما مع الأهداف الصهيونية ، التي ترى في الموقف التركي جريمة يجب دفع ثمنها من أمن وسلام المجتمع التركي كله ..
إن تركيا اليوم ، تدفع ثمن سياستها التي اتبعتها منذ الحرب على العراق إلى الآن ، ولا يشفع لها أنها عضو في الحلف الأطلسي .. ولا يشفع لها أنها تناصر ما تراه منسجما مع مصالحها الوطنية .. فقد اعتادوا منها على مواقف تناسب مصالحهم ، ولو كانت متعارضة مع مصالحها ..
وانهمر عليها كيلٌ من التهم ، أولها معاداتها للسامية ، وليس آخرها التخلي عن العلمانية ..
وبات المطلوب من تركيا أمريكيا وصهيونيا ، أن تتراجع عن كل تلك المواقف ، وتغفر كل ما ارتكبه الصهاينة بحقها ، قبل أن تتوقف الهجمات الإرهابية ضد جيشها وشعبها ..
ولم تطلبْ تركيا من الدول العربية أيّ موقف يحرجها مع أسيادها ، بل قرَنَ أردوغان بين المدن الفلسطينية المحتلة والمدن التركية ، ليدلل على منهجية السياسة التركية في نصرة الحق ..
بينما رأى كثيرٌ من أشقائنا العرب في الموقف التركي ، جنوحًا بعيدَ المنال ، هدفه بعث الهيمنة العثمانية الجديدة ، والحلول محل بعضهم ، وسلبهم دورهم التاريخي ..
فأشقاؤنا العرب ـ كما هو دَيْدَنهم ـ لا يرحمون أحدًا ، ولا يريدون أن تتنزلَ رحمة الله على منْ لا يريدون ..
وعليه ، فإن الهجمة الصهيو ـ أمريكية ، ستتصاعد على تركيا ، وتتلون مؤامراتها ، للنيل من مواقفها المؤيدة لحقوقنا ..
ونحن نتباكى على حقوقنا ، ونشكو دومًا ، عدمَ وجود نصير لها في العالم ، حتى إذا ما نصَرَنا أحدٌ ( تركيا وإيران ) ، تحالفنا ضده ، وأبعدناه عن ساحاتنا ، بشتى التهم والذرائع ..
ولات مندم ..
الثلاثاء ـ 29/06/2010