الاثنين، 5 يوليو 2010

نبليات .. الليلة عيد .. يا عيني

ليس سهلا ، أن يعيشَ الإنسانُ فقط ، ليُفلـِّيَ الزمنَ كعصفورة مَهيضة ..
ليس سهلا ، أن يجريَ وراءَ الثواني والدقائق ، يتوسّلهما سرعة المرور عبرَ أنفاق الممرِّ الإكراهي ..
ليس سهلا ، أن تمرقَ بجانبكَ لحظة هاربة من أيامِكَ الغالية ، فتهزكَ ، ثم تقتلعكَ من جذور الحاضر ، لترميَ بكَ في زنازين فؤادٍ ملتاع مكسور الخاطر ..
ليس سهلا ، أن يغزوَكَ الشيبُ ، فيُحَوّلكَ ـ بين ليلة وضحاها ـ من أغنية تحيا الأفئدةُ بسماعها ، إلى أسير مكبَّل ، يستجدي اللطفَ والعفوَ من السّجّان الرجيم ..
ليس سهلا ، أن تكونَ كلُّ ألحانكَ كالحة ، كئيبة ، خارجة إليكَ من جحور الفئران والسحالي النزقة ..
ليس سهلا ، أن تعزفَ ألحانـَكَ على أوتار المرارة والأسى المستديم ..
ليس سهلا ، أن تكونَ أعصابُكَ المتحفزة ، المشدودة ، أوتارَ الهوى الذي لا يندمل ..
ليس سهلا ، أن يكونَ ليلُ امرئ القيس ، ذرّةً في محيطات ليْلِكَ .. ونهارُه ساطعًا مشمِسًا إذا قِيسَ به نهارُكَ ..
ليس سهلا ،أن تعيشَ عُُجْمَة المتنبي العظيم في " شِعْبِ بَوَّان " معكوسة ، بداية ونهاية ..
ليس سهلا ، أن يُحسَدَ الإنسانُ على " نعمة العَمى " البهيم ..
لذاااااااااااااااااا ، رحمكَ اللهُ يا أبا العلاء ، وطيّبَ ثراك :

ماذا لقِيتُ من الدنيا ، وأعْجَبُهُ
أني ، بما أنا شاكٍ منه ، مَحسُودُ


ليس سهلا ، أن يتسرّبَ العمرُ من بين الأصابع ، ويتسللَ كسِيرًا بلا وَجَل ..
ليس سهلا ، أن ينامَ بكَ العمرُ على قارعةِ قلبٍ ، دَفنَتـْهُ الرياحُ السودُ في أحشاء كثيبٍ مُتصلـِّب ..

ليس سهلا ، أن تكونَ إنسانا أولا ، وطبيعيا ثانيا ، إذا كان :

رأسُك بلا مخّ ، وعظامُك بلا نخاع ، وقلبُك بلا دم ، وعيناك بلا بصيرة ، ولسانك بلا لسان ، وأنفك بلا هواء ، وكفاك بلا أصابع ، وذراعاك بلا عضلات ، وساقاكَ بلا قدميْن ......... وإلخ ... إلخ

ليس سهلا ، أن تعيشَ حياتكَ ، وأنتَ تتنفسُ غيرَ الهواء الذي تنفّسْتهُ هناااااااك ، لحظة الولادة ..
ليس سهلا ، ألا تأكلَ من سنبلاتِ أرضِك ،الطيبةِ ، الحنون ، الطريّةِ ، التي انجَبَلتْ ـ على مرّ العصور ـ بدمع ودماءِ آبائِكَ وأجدادِكَ وإخوتِكَ وأخواتِكَ ..
ليس سهلا ، أن تفقدَ من بين ضلوعكَ الشهقةَ الأولى ، واللهفةَ الأولى ، والخلجةَ الأولى ..
ليس سهلا ، أن تزوغَ من باصرتيْكَ ، فرحةٌ بريئةٌ طاهرةٌ ، دثروكَ بها تحت القنداق ، يوم كانت كفاك مُطبِقتيْن على أحلام الدنيا الآتية ، فشدّو عليهما القِماط لئلا تطيرَ مع أسرابِ السنونو والحمام البري ، والجقيّاتِ السارحاتِ في السدّ تتلقط رزقها ، قبل أن يَصيدَها فخُّ فتىً مراهقٍ يعشقُ الصيدَ والطراد ..
ليس سهلا ، أن تُحْرَمَ إليتاكَ ،من دفْءِ الترابِ الأحمر المُسَخّن على كانون اللذة ، وأثفية البراءة ..
ليس سهلا ، أن لا تتمشى ، مُتقافزًا بكل الاحترام والأناة والحب ، بين القبور ، بعد صلاة العيديْن ، لتتفقدَ أحبةً ينتظرون عودَتك بفارغ الصبر ..
ليس سهلا ، أن لا تُشَنَّفَ أذناكَ ، إلا بأصواتِ النعيق الأجربِ ، الممزوجَةِ بالفخر المُدَّّعَى ، والمجدِ المزعوم ، والعِزّةِ الجوفاء ، والإيمان المشلول ..
ليس سهلا ، أن تأويَ إلى سرير الوهم القاتل ، ووسادةِ الضنى ، ولحافِ الكوابيس ، وعتمةِ القلق ، والهَجْعَة تحت سقفِ الأماني الخادعةِ الكاذبةِ ..

يا أيها العُمرُ البريءُ إلا من دمي ..
يا سُوَيْداءَ القلبِ المسحور ..
إنه الترحالُ القذرُ ..
إنه الترحالُ الملعونُ ..
إنه ترَقـُّبٌ لا شاطئَ له ..


الاثنين ـ 05/ تموز ـ يوليو /2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق