من وعثاءات
سَفر المليون
بالتأكيد .. لولا العناية واللطف الإلهيين ،
اللذين أحاطاني في كثير من المواقف العسيرة والشاقة والخطرة ، لكانت النتائج أشد
وأمرّ وأقسى .. فالحمد والشكر لله تعالى على كل حال ..
وخلال تسعة عشر عاما مضت من الحِلّ
والترحال ـ قطعت خلالها أكثر من مليون كيلو متر ـ كان الحادث الخامس والأخير
أكثرها قربا من حافة الهاوية ، وأقلها سلبية من حيث النتيجة ..
يوم الأحد الماضي ، صحوت قبيل طلوع
الشمس في مدينة عرعر السعودية ، ولمّا يمض على نومي سوى سويعات أعقبتْ يوما طويلا
من إجراءات عبور الحدود من سورية مرورا بالأردن فالسعودية ، وما يزال أمامي قرابة
ألفي كيلو متر بعد أن قطعت أكثر من ألف ..
صليت الفجر ، وتوكلت شرقا بلا توقف
يذكر ..
بعيد الغروب اقتربت من الحدود السعودية
الإماراتية ، وحين حل الظلام ، صرت قاب قوسين أو أدنى منها ، ومن حافة الهاوية
" المرتقبة " ، وقد نالت الطريق مني ما نالت ، وزادَها الشيبُ وهْنـًا
أغمَضَ عينيَّ بغفوةٍ كادت تتحول إلى الأبدية ..
انتبهت على صوت عجلات السيارة فوق مسامير الطريق
العاكسة للضوء ، فلمحت عقرب عدّاد السرعة ، وكان ما يزال مثبتا على رقم 160 كم ، فيما
السيارة تنحرف يسارا متجهة إلى كتف الطريق الترابي الهش ..
في تلك البرهة ، أحسست بأن الأرض ليست
تحت قدمي ، تماما كاللحظة التي تسبق فقدانَ الغريق أمَلـَه بالنجاة ..
كانت كتف الطريق تتصاعد بالاتجاه
الأيسر ، وقد فشلت الفرامل في عملها ، وتطاير من العجلات تراب وغبار كثيفان ، فاستحالت
عليّ الرؤية نهائيا ، واستدار المقود بين يدي يمينا وبزاوية حادة جدا كأن السيارة
تريد أن تدور حول نفسها ، مما عزز الشعور لدي بانقلابها حتما ، فطاوعته مستسلما
للقضاء ، إذ لا حيلة لي في أي شيء آخر ..
كنت أتمتم وأستعيذ وأتشهد وأنتظر لحظة
التدهور ، متوقعا أن تكون باتجاه الطرف الأيسر ..
ومع الدوران إلى اليمين ، انكبحت السرعة
قليلا حينما تلامست العجلات مع إسفلت الطريق ، وسرعان ما قطعته السيارة عرضا ،
وخرجتْ عنه مسافة قصيرة ، وتوقفتْ وسط العاصفة الغبارية التي تتبعني من الجهة الأخرى
..
حقا ، كان منظر الغبار رائعا في مروره
من أمام أضواء السيارة ، كأنه عاصفة من الثلج ..
لبثت ثوانيَ أترقب ما سيحصل ، لكن ، لم
يحصل المكروه المرتقب .. الحمد لله ..
ترجّلت .. نظرت حولي .. أدركت أن
السيارة قد رسمتْ في حركتها الأخيرة قوسا ضيقا كنضوة فرس ، وتوقفتْ على الكتف
الأيمن للطريق محاذية إسفلته ، وبعكس اتجاه السير ، وكأن رافعة حملتها ونقلتها من
اليسار إلى اليمين وغيرت اتجاهها ..
حمدت الله وشكرته ، وتنفست الصعداء وقد
لفحني هواء شديد من شاحنة مسرعة كان يمكنها أن تصدم سيارتي لحظة التفافها القسري قاطعة
عرض الطريق ..
مشيت أتفقد العجلات ولساني يلهج ، لم
أكن أصدق أن كل شيء ما زال على ما يرام ، وحين شاهدتُ الهوّة التي نجوتُ منها بفعل
الالتفاف القسري للمقود ، شعرت أن العناية الإلهية ـ وللمرة المليون ـ أجّلتْ
أجَلي ، وأبعدتني عن الحافة ، ولا أحد سواها ، ولا شيء إلاها ..
وكما اعتدنا ـ حين نخرج من دكان الحلاق
ـ أن نقول للجالسين : نعيما مقدَّمًا ..
فالحمد لله على سلامتكم مقدَّما "
مما يشابهها لا سمح الله " ..
الأربعاء / 07/09/2011
" للحديث صلة تتعلق ببقية حوادث
المليون كيلو متر " ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق