قبل أيام قليلة ، نشر موقع " إيلاف " مقالا ، يتضمن إجابات عدد من الصحفيين العرب ( من غير اللبنانيين ) ، الذين يهتمون بالشأن اللبناني عبر كتاباتهم ومقالاتهم ومتابعاتهم ..
وكان السؤال الذي وُجّه إليهم ، منطلِقا من المقولات التالية :
لماذا تهتمون بلبنان ، وتكتبون عنه يوميا ، وتتابعون أحداثه لحظيا ؟؟
ألا يوجد في بلدانكم ما تكتبون عنه ؟؟
هل تحلحلت كل المشاكل عندكم وصار الجميع في أمان ، وما بقي غير لبنان ومشاكله وصراعاته ؟؟!!
لم يكن ذلك ، صيغة دقيقة للسؤال المطروح على كتـّاب الصحافة ، لكنه بهذا المضمون ..
وحين قرأت عددًا من إجاباتهم ، تولدت عندي فكرة إجابة أخرى ، يمكن أن تضيف شيئا لتلك ..
لماذا أكتب أنا عن لبنان ؟؟
1 ـ إن تاريخ لبنان المعاصر هو عبارة عن حالة مكثفة من تاريخ المنطقة كلها .. ولم يأخذ هذا التاريخ طابعه الخاص إلا بعد الاستقلال ..
وكل التاريخ اللبناني السابق ـ وكان جزءا من تاريخ المنطقة ككل ـ كوم ، وتاريخ لبنان منذ الاستقلال للآن ، كوم آخر ..
2 ـ من لا يفهم تاريخ لبنان ، لا يفهم تاريخ المنطقة ، ولا يستطيع السير في ممراتها وزواريبها ..
3 ـ من يفهم تاريخ لبنان ، بنزاعاته وصراعاته وتحالفاته وأحزابه ودياناته ومذاهبه ، يفهم تاريخ العالم ..
4 ـ قال نزار قباني : لولا المرأة لكان العالم صورة بالأبيض والأسود ..
ولولا لبنان ، لكان الوطن العربي صورة بالأبيض والأسود .. الكالح ..
5 ـ لبنان وحده ، له قوس قزحه الخاص ، وصورته مزركشة بجميع الألوان الأساسية والفرعية ، والحارة ، والباردة .. ومشتقاتها ..
6 ـ إذا سخن الجسدُ اللبناني ، أو ارتفعت حرارته درجة واحدة ، يحسُّ بها العالمُ كله ، فترتفع درجة حرارته عشرة أضعاف .. وفي طرفة عين ، يندفع بحثا عن علاج لها ، قلما تشفيه .. وعلى الغالب يسبب له عاهة دائمة ..
7 ـ نحن نكتب تعبيرا عن قلقنا ، من انفجار برميل المتفجرات الذي يحتوي على ثلاثة آلاف صاعق ـ كما قال نجاح واكيم ـ ..
لأنه إذا انفجر ، ستتناثر شظاياه في دائرة ، قطرها خط الاستواء .. الأعوج ..
8 ـ نكتب ، وكأننا نتبارى مع اللبنانيين أنفسهم ، فيما يتميزون به ، من فصاحة كلامية وخطابية وكتابية ، تملأ الدنيا على مدار الساعة .. المتوقفة ..
9 ـ في لبنان ، ما ليس في أي بلد عربي آخر ..
أحداث ، وأحداث تتولد عن الأحداث ، وأحداث تغيب وأخرى تظهر ، ومشاهد تتنوع ، بتنوع الطبيعة ومكوناتها البشرية والحضارية ، وما توصَّل إليه عِلمُ العالم ، وما لم يتوصل بعد ، وكأننا نشاهد حلقات مسلسل " وادي الذئاب " بأجزائه كلها ، وبحلقاته كلها ، دفعة واحدة ، وفي جلسة واحدة .. وعليكَ أن تفهمَ ، وتستخلصَ العبر والنتائج وتتابع مجريات الأحداث ، ومَنْ يترصّدُ مَنْ ، ومَنْ قتلَ مَنْ ..
إذا كنت قادرا ، وإذا استطعتَ أن تفهمَ شيئا .. من لغته الأصلية ..
10 ـ كل الأعمال الفنية ( في السينما والمسرح والتلفاز .. و .. ) ، يكون عنصر التشويق هاما ومؤثرا في نجاحها .. وأحداث لبنان كأنها فيلم سينمائي مشوِّق جدا ، ودائم العرض ، في كل الأوقات الظروف ، ويناسب جميع الأعمار والأديان والمذاهب والأحزاب .. والجميع ممثلون فيه ..
11 ـ في لبنان وحده ، تكسيرٌ يومي لروتين السياسة ومجرياتها ، مما يجعلكَ تجري لاهثا وراء خبر من هنا ، أو تعليق من هناك .. وما أكثرها .. بالنكهة السفرجلية ..
12 ـ قليلة هي الأحداث التي تثير دافعيتك للكتابة عنها خارج الدائرة اللبنانية ..
وإن وُجدَتْ ، فالمحاذير كثيرة والخطوط الحمر أكثر ..
14 ـ تكتب عن لبنان وأنت مرتاح البال ، ومطمئن ..
فلا يسألك أحد منهم : لماذا تتدخل في شؤوننا ؟؟ ولماذا قلتَ : كذا ؟ أو لماذا لم تقل كذا ؟؟
فمهما كتبتَ ، لن تكون كتابتك أكثر مرارة أو تأثيرا مما يقولونه ويكتبونه في وسائلهم .. وبدون محاذير ، ولا خطوط حمر .. ولا مساحيق ..
15 ـ في لبنان وحده ، تشاهد سياسة حافة الهاوية في الأسبوع مرة على الأقل ..
فتجري الأحداث وتتسارع ، بإثارة تفوق ما يُعرَض في أضخم أفلام الإثارة والرعب .. إلى درجة تحبس معها أنفاسَكَ ، ويصير قلبُكَ في كفكَ جزعًا عليهم ، وقلقا على مصيرهم ، وأنتَ تراهم ينزلقون من الحافة إلى الهاوية ، ثم لا تلبث أن تعود إلى هدوئك ، وأنت متيقن أنك كنت ترى حلمًا ، أو مجرد فيلم .. ليس إلا .. ( ونتمنى أن تبقى سياسة حافة الهاوية محدودة بهذا النطاق ، فلا تتجاوزه أبدًا .. )
16 ـ إنك إذا كتبتَ عن لبنان ، فكأنكَ تكتب عن العالم بدوائره المختلفة ، وتأثيراته المتنوعة ، واستقطاباته المسموحة والمحظورة .. وما بينهما ..
17 ـ في كل مكان من العالم ، لكل شيء ثمن .. يُضاف إليها في لبنان : وعلى المكشوف ..
18 ـ في أي مكان من العالم ، إذا استيقظتَ من نومكَ ، فلن يكون تساؤلكَ المباشرُ والأولُ : ما الذي جرى حولي وأنا نائم ..
في لبنان ، أول ما تستيقظ ، تتساءل فورا : كم من الأحداث حَصَلتْ خلال نومي ؟؟
19 ـ في لبنان ، لكل حديث ومقال ومقابلة وخبر وتقرير .... أسباب ، ودوافع ، ورسائل موجهة ، ونتائج منتظرة .. وتسعيرة بالعملة الأصعب ..
20 ـ في لبنان السياسي ، الكل يحكي على الكل .. والكل يتهم الكل .. والكل يترصّد الكل ، وللكل مآخذ على الكل .. والكل ينام بعين واحدة .. على الأكثر ..
وفي المواقف السياسية ، الكل يتجرأ على الكل .. حتى خط الهدنة الوهمي ..
21 ـ في لبنان ، تتجسّدُ " السياسة المسلحة " بأبهى صورها ، للتعبير عن المواقف حين يعجزون عن الكلام .. الهادئ ..
22 ـ في لبنان ، مناصب رسمية تسمى : رئيس جمهورية سابق ، ورئيس مجلس نيابي سابق ، ورئيس مجلس وزراء سابق ، ووزير سابق ، ونائب سابق .. مع حفظ الألقاب ..
24 ـ في لبنان ، لا يمون سياسي على سياسي ، ولا مسؤول على مسؤول ، إلا وفق معطيات سياسية وطائفية محددة ، وموزونة .. بميزان الذهب ..
25 ـ نكتب بملء راحتنا عن لبنان ، ونكون أصدق ما نكون مع أنفسنا ، ومنسجمين مع كتاباتنا وآرائنا وأفكارنا ، فلا نحسب حسابا لمقص ، ولا لرقيب ، ولا سين ، ولا جيم ..
26 ـ في الكتابة أو الحديث عن لبنان ، نفعل مثلهم .. فنسمي الأشياء بمسمياتها ، بلا حرج ، ولا تردد .. ولا هم يحزنون ..
27 ـ في لبنان وحده ، رئيس الجمهورية لا يملك تنفيذ صلاحياته إلا بالتوافق ، ولا يَحكم إلا بالتوافق ، ولا يكون " فخامة الرئيس " إلا بالتوافق .. الداخلي والإقليمي والدولي ..
28 ـ كل العالم ، بحكوماته وشعوبه ومنظماته ومؤسساته وشركاته وأجهزته ، له مصالحه في لبنان ، وكلهم ، يجد فيه ضالته .. بيسر وسهولة ، وبخيارات متعددة .. وأسعار تنافسية ..
30 ـ في لبنان ، يلتقي الجميع ، ويختلف حوله الجميع ، وينام الجميع فيه ، واقفين ..
31 ـ لبنان وحده انتصر على العدو الصهيوني نصرا جليّا ، وحرّر أرضه بالرعب من إيمانه وعقيدته ، وحجّم عدوّه جاعلا " أربعته في بطنه " ..
32 ـ لبنان وحده ، كانت قوته في ضعفه ، لكن الإرادة فعلت فعلها فيه ، فصارت قوته في جيشه وشعبه ومقاومته .. وضعفه ..
33 ـ لبنان وحده في خاصرة سورية ، جغرافيا ، وفي قلبها سياسيا ، واجتماعيا .. وعاطفيا ..
34 ـ في لبنان وحده ، وُجدَ الفن بكل أنواعه وتياراته ، من أقصاه إلى أقصاه .. ولكل نصيب .. ولكل دوره .. على مسرح بمساحة 10452 كم2 ..
35 ـ في لبنان وحده ، تنقسم العائلة الواحدة ـ سياسيا ـ إلى تيارات وفصائل وأحزاب ، وقد تصل حد التناقض والتنافر والتناحر .. إذا اقتضت المصلحة ذلك ..
36 ـ في لبنان وحده ، يمكن أن تتلمَّسَ الساخن والبارد على سطوح واحد .. وفيه وحده ، ينقسم المجتمع إلى فصيلين كبيرين متناقضين متنوعين ، ولكل منهما أدواته وأعضاؤه وأنصاره ومحازبوه .. وشعاراته ..
وكل منهما يريد مصلحة لبنان وأمنه وسلامته وحريته .. واستقلاله ..
37 ـ لبنان وحده ، له "جسم لبِّيسٌ " ، تتفصّل له الأزياء وتـُخاط ، في عواصم العالم قاطبة ، حسب الفصول والأوقات .. والمناسبات الرسمية ..
38 ـ لبنان وحده ، دوما يحتاج لشخصية " راجح " ، ليتسلى بها الناس ، وهم يمارسون الحياة على هواهم .. وكأن شيئا لم يكن .. يعنيهم ..
39 ـ كثيرون يتعصّبون للبنان ، وكثيرون يتعصّبون منه ، لكن الجميع يحبّون دفءَ شمسه .. ويخافون ضربتها .. المفاجئة ..
40 ـ عشتم ، وعاش لبنان ، وعاشت أمة يلوذ بها ، فلا تتنكر له ..
الأحد ـ 28/11/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق