سأصير يومًا ما أريد .. سأصير يومًا شاعرًا
قالها محمود درويش ، وهو الذي أمضى جلّ حياته كلها بين قراءة الشعر وقرضه ..
قالها ، وهو الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، حقا ، في القرن العشرين ، ومطلع تاليه ..
إذا كان محمود درويش ، كل محمود درويش ، يريد أن يكون شاعرا وهو الستينيات من عمره حين قالها ..
وهو من هو :
مكانة ، وشهرة ، وإبداعا ، وتحليقا في سماء الشعر والفكر ..
فهل يحق لمثلي أن يقول ما " يشبه " تلك العبارة ؟!
طبعا ، أنا لا أجرؤ على القول : إني " أريد " أن أكون شاعرا ..
أنا فقط ، أسمح لنفسي أن " أتمنى " ..
وحقا ، إني أتمنى أن أكون شاعرا ..
ولا أشك أن الشعراء عموما ، قد أدركوا أهمية أن يكون الإنسان شاعرا في قومه أولا ، قبل أن يذيع صيته وينتشر شعره ..
ولئن قالها محمود درويش في " جداريته " ، في معرض " رثائه لنفسه " ـ كما أعتقد ـ فلأنه أراد أن يلامس أعصاب كثيرين ممن يصفون أنفسهم بـ " الشعراء " كي يراجعوا أنفسهم وأشعارهم التي يصفعون بها وجوه القراء صباح مساء ، وكي يخرجوا من الشرانق الخانقة التي حشروا أنفسهم فيها ، تحت مسميات وشعارات مختلفة ، ليست الإقليمية أولها ، وليست الدعوة إلى الاستسلام للأعداء آخرها ..
لقد غابت ـ مع الأسف ـ عن المضامين والأفكار والرؤى الشعرية تلك المفاهيم التي سادت عبر تاريخ الشعر العربي ، والتي جعلت منه " ديوان العرب " ، بما حَفِل به من قِيَم وخصال ومروءاتٍ تأبى الهوان والضيم ..
ولعل جزءا كبيرا من ذاك الغياب ، قد حصل نتيجة العمل " المبرمج " الدؤوب لقلب المفاهيم ، وتشويه القيم ، ومحاربة كل ما يمتّ لها بصلةٍ أو سبب ، كي يحلَّ محلها مفاهيم أخرى وقيم أخرى ، تتناسب مع الانهيارات الوطنية والقومية ، وعلى كافة الصعد القيمية والأخلاقية والإنسانية ..
وقد أفلح هؤلاء ـ بمناصرة واعية وحثيثة من أركان البيت العربي ـ في " عملية الوأد " وتحويل المشاعر والقيم .. وتبديل المفاهيم ..
فتحوّلَ الاستغراب إلى التبلد ..
والاستعجاب إلى العادي ..
والاندهاش إلى اللامبالاة ..
والاستنكار إلى المقبول ..
والإدانة إلى الاستحسان ..
والجريمة إلى البطولة ..
والسلام إلى استسلام ذليل ..
والإخوة إلى عداوة وتآمر ..
والصديق إلى عدو ..
والعدو إلى صديق ..
والوحدة إلى تجزئة المجزأ وتقسيم المقسَّم ..
والنجدة إلى تدخل يستوجب الصدّ والعقاب ..
باختصار ..
وصلنا إلى هنا أيها الشاعر الكبير :
لقد تقطـّعَت الأوصال ، وتشرذمت علاقات النسب والدم ، وتفتـّت ما بقي من مُهَج حَرّى ، تتلوع وتتشوى وتتقلى وتحترق ..
الإثنين ـ 27/06/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق