الأحد، 12 يونيو 2011

العثمانية الجديدة ـ تـُرْك فـَسِّيك

العثمانية الجديدة ـ تـُرْك فـَسِّيك

ليس غريبا علينا الموقف الحكومي التركي المتصاعد تجاه الأحداث الجارية في سورية الآن ، لا لأن الموقف العربي عموما أشد وأكثر غرابة وإيلاما ، ولا لأن الموقف العالمي مرهون بمصالحه المرتبطة أساسا بالصهاينة ومشروعهم في المنطقة .. إنما لأننا اعتقدنا ـ في يوم من الأيام ـ أن للمستعمرين قلوبا أخرى غير التي وصفها المرحوم الشاعر أحمد شوقي :

وللمستعمرين وإن ألانوا قلوبٌ كالحجارة لا ترقُّ

ولا يعتقدنّ أحد أنني أنتظر ليونة " استعمارية " تجاهنا ، فلقد اعتدنا النباح الأمريكي ، والعواء الغربي والصهيوني ، والفحيح العربي الأصيل ..

لكني أود أن أشير إلى أن تركيا الرسمية وليس الشعبية ، الحكومة الغيورة ، المتباكية على عصابات القتل والتمثيل والتآمر مع الخارج ، تنسى نفسها ، وتنسى أن بيتها من " زجاج هش " ، وهي التي قامت بملاحقة مسلحي وأعضاء حزب العمال الكردستاني " المحظور " ، حتى اجتاحت عمق الأراضي العراقية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق وبعده ، وشنت عليهم عشرات الحملات العسكرية في سنين طويلة مضت ، وما تزال ، وبكل صنوف الأسلحة الجوية والبرية من أجل تدميرهم والقضاء عليهم .. وما يزال رئيس الحزب " عبد الله أوجلان " سجينا في تركيا ، ومحكوما عليه بالإعدام ..

فما هذا الاستشراف التركي الحكومي الآن ؟؟!!

لماذا لا تقبل تركيا مجرد الاعتراف بحزب العمال الكردستاني ، رغم وجود أكثر من 20 مليونا منهم في تركيا ؟؟ هل تقبل تركيا عصيانا مسلحا منهم ؟؟

أ لأن سوريا دعت " فقط " عددا من الأحزاب الكردية للحوار الوطني ، بعد انعقاد مؤتمر " المعارصة السورية " في تركيا ، أصيبت تركيا بالهستيريا ، وفقد " أردوغان " صوابَه ورشدَه ، وصار يلقي التهم والتهديدات ؟؟!! ..

وإلا ما معنى أن تحتضن تركيا ما سُمي " مؤتمر المعارصة السورية " ؟؟!!

ثم يتفاصح أردوغان ويقول : لم يعترض الأسد على ذلك .. وكأنه يلقي اللوم على الأسد بعدم اعتراضه ، وفسرها ضمنا وعلى خبث منه ربما : بموافقة الأسد ..

ثم يعلن صراحة ، بأنه لم يكن ليستجيب لاعتراض الأسد لو اعترض .. يقصد : لن يتراجع عن دعمه للمعارضة السورية سواء اعترض الأسد أم لم يعترض ..

ما هذا الهراء يا أيها الأردوغان ؟؟!!

ما هذه البجاجة يا أردوغان ؟؟!!

إذن ، لماذا تتعلل بأن الأسد لم يعترض ؟؟!!

هل يجب أن تقول لك سورية ما هي حقوقها عليك ؟؟!!

لماذا يحق لتركيا " العظمى " ما لا يحق لسورية ؟؟!!

لماذا غضبتَ من دعوة الأحزاب الكردية للحوار الوطني إذن فأرغيت وأزبدت يا أيها الأردوغان ؟؟!!

لماذا يحق لتركيا أن تدعم الإخوان المسلمين وتحتضن قياداتهم ، وهم يعملون من أراضيها ضد سورية وشعبها ، بينما لا يحق لسوريا أن تدعو الأحزاب الكردية لطاولة الحوار ؟؟!

ألم تؤيد تركيا دعوة الحوار في سورية ؟؟!!

أليست الأحزاب الكردية جزءا من المكوِّن الشعبي الوطني السوري ؟؟!!

إنها أسئلة برسم " الأردوغان " الذي أخرجه الصهاينة من فلسطين ذليلا أيام العدوان الصهيوني على غزة ، ثم قتلوا من أبناء شعبه في " أسطول الحرية " ، لكنه بلع الإهانتين برحابة صدر كما يبدو ، وبدأ يحاضر علينا " بالعفة والشرف والمروءة " التي يفتقدها كلها ..

فيا أيها الـ أردوغان :

لقد صدق الشعب العربي السوري ـ والشعب دوما صادق ـ في تسميته لك : بـ " تـُرْك فسِّيك " ..

وهذه إشارة جلية من وجدان الشعب العربي السوري ، ومن ضميره الحي ، ومن تجربته ومعاناته المريرة معك ، إلى أنه ، ليس لمثلك موقف ثابت أبدا ، وأنك كثير وسريع التقلب ، و " لا يُؤتمن لكَ جانب " ، خاصة أن الشعب قد خبرك وعرفك جيدا ، وذاق على أيدي أسلافك دنيءَ جرائمكم ووحشيتكم عبر أربعة قرون استعمارية بغيضة مضت ..

وإن كنت أقول الآن في تركيا الحكومية ورئيس وزرائها " الأجَلّ " عكس ما قلته في مقالات سابقة ، فلأنه هو من بدأ بإطلاق النار على شعبنا ظلما وبهتانا ، من أجل مصالحه الانتخابية تارة ، ومصالحه في " الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي " تارة أخرى ، وبالتالي من أجل مصالح الأمريكان والصهاينة ، لإعطائه دورًا ما ، كشرطي جديد ، بعد زوال : شاه إيران ، والرئيس المصري السابق ..

وليس " أردوغان " الرجل الأول الذي " يكوّع " ضد سورية ، فقد سبقه " جنبلاط " قبل تكويعته الأخيرة .. وكذلك " الحريري " ، ومع ذلك ، صفحت سورية عن هذين ، وفتحت لهما صدرها ..

وبعد ....

إنها " الفوضى الكريهة الخلاقة " بعينها التي أرادها المحافظون الجدد الأمريكيون ، والصهاينة ، والعثمانيون الجدد الأردوغانيون ، والمستعربون الجدد ..

ومع إيماني المطلق بضرورة الإصلاح الشامل ، بما يتوافق مع الإرادة الشعبية ، فإنه يجب أن يكون سلميا وحضاريا ، ولا يخرب ممتلكات الشعب ، ولاسيما بعد أن دارت عجلة الإصلاح في طريقها الصحيح ، وأقرت " الغندورة المتصابية " وزيرة الخارجية الأمريكية به ، لكن إقرارها ذهب أدراج الرياح سريعا ، مثلما ذهب كلام رئيسها قبلها أمام النتنياهو " الغضنفر " ..

ومع كل ذلك ، فهو بالنسبة لشعبنا : لا عَـ الطيط ، ولا عَـ الزمارة ..

عاشت الأمة العربية ..

عشتم ، وعاشت سورية عربية حرة أبية ..

الأحد ـ 12/06/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق