العلوج وعيد الأم
ونحن نتابع القنوات الفضائية ذهابا وإيابا على التلفاز المسكين ، ضجرت زوجتي وهي تستنكر كثيرا مما يُعرَض ، ثم قالت : منذ أن حشدت أمريكا وحلفاؤها ، الأساطيل والقوات الحربية في مياه الخليج العربي وما حوله تمهيدا لتدمير العراق ، لم أكن أصدق أنه سيجري ما جرى ..
كنت أظن أنه مجرد مسرحية استعراضية تجري فصولها على مسرح المنطقة .. وأنه لا بد من وجود حل لهذه الأزمة ..
لكن الوقائع التالية خيبت ظني ، وجعلتني أشعر بالحزن واللوعة على تلك الأمهات اللواتي لم يكفهن ما جرى لهن قبل الغزو ، فجاء الغزو الأمريكي ، ليقتل أبناءهن وأزواجهن في حرب مجنونة ..
ولما بدأ " الصحاف " يتحدث عن " العلوج " قلت في نفسي : يا رب يكون كلامه صحيحا ..
لكن .. حسبي الله ونعم الوكيل ..
ثم جاءت الحرب الصهيونية على لبنان ، فنسينا مأساة الشعب العراقي رغم فظاعتها ، وبدأنا نندب حظنا ونحن نشاهد الطيران الصهيوني يدمر كل شيء في لبنان .. البشر والحجر والشجر والطيور والحيوانات .. ولم يوفروا أي شيء متحرك فوق الأرض ..
ولم نكد نكفكف دمعنا ونحن نشاهد الثكالى والأيامى والأرامل ، فصرنا محاطين من الشرق والغرب بجرحين ينزفان ليل نهار ..
ومن جديد .. لم تهدأ مشاعرنا وأحزاننا حتى تكررت المأساة مرة أخرى في العدوان الصهيوني على غزة .. وربما كانت المأساة هنا أشد على هول ما سبقها ، كون غزة محاصرة من الجميع ، ومنبوذة من محيطها وأهلها ، الذين كانوا ينتظرون استسلامها وسقوطها .. فأضيفت أعداد جديدة إلى الأمهات الثكلى والمفجوعة التي ينفطر لها القلب حزنا وألما ..
وكان عزاؤنا في كل ذلك ، أن هؤلاء الذين سقطوا بنيران الأعداء ، إنما هم شهداء عند ربهم يرزقون ..
صمتت زوجتي وهي تشْرق بدمعاتٍ خنقت صوتها ، ثم أضافت : ما الذي جرى ويجري الآن هنا وهناك في الوطن العربي كله .. مع من سنتضامن ، وضد من ؟؟
صحيح ، أنا لا أفهم بالسياسة ، لكن ، لماذا أحرق ذاك الشاب التونسي نفسه ؟؟ ولماذا قلده آخرون في مصر والمغرب والجزائر ؟؟
أنا لا أحب القتل ولا التخريب ولا التدمير ..
ولا أحب العدوان واستخدام العنف وقتل الأبرياء ..
ما ذنب تلك الأمهات اللواتي يفقدن فلذات أكبادهن ؟؟
لو وضع هؤلاء القتلة أنفسهم موضع تلك الأمهات المسكينات ، فهل يستطيعون الضغط على الزناد التي قتلوا بها أبناءهن وإخوتهن وأهليهن ؟؟!!
أنا أحب السلام والأمن والطمأنينة ..
أحب أن نعيش جميعا في ظل الإخاء والمحبة والعدالة والمساواة ..
أحب أن نعيش جميعا في مأمن من الظلم والفساد ..
في تلك اللحظة ، كان التلفاز يعرض صور الطائرات التي تتدحرج على مدرجاتها ، وفوق الحاملات ، استعدادا للقصف الجوي على ليبيا ..
فقالت : وكأن ما فيها لا يكفيها ..
وحين ظهرت صور اللهيب والخراب والدمار الذي خلفه القصف ، استهولت المنظر البشع المرعب ، واستدارت عن الشاشة ، تماما كما استدارت عن مشاهد زلزال اليابان وأعاصير تسونامي المدمرة ..
ثم قالت : كيف تقوم القيامة إذن إن لم تكن هذه هي القيامة ؟؟ ..
ويلاه على الأمهات ..
إنه من الأهون على الأم أن تموت قبل أن ترى أولادها يُصرعون في الشوارع والساحات وبدم بااااااااارد ..
وا حزني على كل تلك الأمهات ..
في اليمن والبحرين والأردن وعُمان وسوريا ومصر والسودان والعراق والكويت وفلسطين وتونس وليبيا والجزائر والصومال وموريتانيا والمغرب والسعودية والإمارات وقطر ولبنان وجزر القمر وجيبوتي ..
قلت لها : هيئتك قرد ملفلف مثلما قالت فيروز ..
كيف قلتِ إنك لا تفهمين في السياسة وتقولين كل هذا الكلام ؟!
إن أكبر السياسيين دراية ومعرفة جغرافية ، لا يحفظون أسماء الدول العربية كلها مثلك !! ..
طنَّشَتْ وسألتني : إذا لم يكن هدف القصف الأمريكي الأوربي إسقاط القذافي أو إجباره على ترك السلطة ، فلماذا تكلّفوا وحشدوا واحتشدوا وجاؤوا يضربون ويقتلون ويدمرون ؟؟
لقد سمعتهم اليوم يقولون : إن كلفة الحصار على ليبيا يوميا تقدر بمئة مليون دولار .. هل يُعقل ؟؟ ومن سيدفعها ؟؟ وإذا لم يكن لهم مصلحة ، فلماذا يخسرون كل هذه الملايين ، ماعدا كلفة الحرب ؟؟
هل يريدون تقسيم ليبيا ؟؟ أم يريدون احتلالها ؟؟ أم نهب بترولها ؟؟
ومتى سيرحل الرئيس اليمني ؟؟ وهل يمكن أن يفعلوا باليمن مثل ليبيا إذا لم يرحل الرئيس ؟؟
وحين لم تسمع مني ردا ، قالت : حسبي الله ونعم الوكيل ..
الثلاثاء ـ 22/03/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق