ترانيم وأقانيم الصداقة
تضطر أحيانا أن تلجأ إلى من لا تستطيع تجاهل وجوده في حياتك ، فتطلب منه شيئا أصغر ما يكون ، أو أكبر ما يكون ، ولكنك لا تملك خيارا آخر .. وليس لك حيلة أخرى .. معتقدا أن طلبك هو في متناول يد صديقك الغالي العزيز ، إلى درجةٍ ، تكون فيها متيقنا تمامًا تمامًا ، بأنه لن يتردّد في تلبيتك هذه المرة ، بعكس ما فعل في مرات كثيرة سابقة متذرعا بأسباب وأسباب ، بعضها يمكن أن يُتفهَّم ، وكثيرها ، يصعب قبوله .. لكنك تطنش حفاظا على كل شيء آخر ..
والذي يجعلك متيقنا من عدم تردد صديقك في الاستجابة ، كون طلبك شخصيا جدا يلامس أقرب الناس إليك ، من جهة ، ولوقوعه في متناول يد صديقك أو بما يجاورها قليلا ، من جهة أخرى ..
فتفاجأ بأن تلك الاعتبارات أضعف من أن يكون لها مكان في حيز اهتمام ذاك الصديق العزيز ، ولا يلبث أن يأتيك الرد كلطمة على وجهكَ ، بكفٍّ مخباطية ، تكاد تصرعك ، ليشعرَكَ بأنكَ طلبتَ منه " إحياء العظام وهي رميم " ..
وفوق ذلك ، يتجاهل الآثار الجارحة لتلك اللطمة وتأثيراتها ، ويتذرع لك بأنه يرد طلبك لأنه " يمون عليك " ، وأنه إذا لم تتفهم أنت بالذات ، ظروفه وأسبابه ودواعيه ودوافعه التي دفعته لرفض طلبك ، فأنت بعيد عن موضع ومكانة الصديق الصدوق .. لذا ، يجب ألا تكون كغيركَ ممن لا يتفهمون تلك الحالة ، وليس لهم مكانتك ، وبالتالي ، فهو يضطر لتلبية طلباتهم مهما كانت سخيفة أو تعجيزية ، كي لا يفهمونه خطأ ، وكي لا يأخذون عليه المآخذ ..
أما أنت ، ولأنكما أصدقاء ، فيجب عليك ـ باسم الصداقة ـ أن تتحمل رفضه الغليظ أحيانا ..
وأنه يجب عليك أن تتوقف عند الحدود التي يحددها لك وأن تلتزم بها ..
ويجب أن تظل محتاطا وحذرا من الاقتراب منها أو تجاوزها ولو بسنتيمترات ، لأنه سيسبب " حرجا لصديقك العزيز " و " قد يحشره بين المطرقة والسندان " الوهميين ..
كما ، ويجب عليك ألا تحمّله فوق طاقته .. وألا تدفعه " ليكسر نفسه للي بيسوا واللي ما بيسوا مشان طلباتك اللي ما بتخلص " ..
إن كثيرا من الأخطاء ، يوقِع الصديقُ فيها نفسَه أحيانا ، عندما لا يرى من الصداقة غير جانب واحد ، ولا يكون مستعدا أن يتعاشر على أساس أن الصداقة جزء هام وإيجابي ، من مجتمع نعيش فيه بكل التزاماتنا العائلية وغيرها ، وقد يحتاج أحدُنا الآخرَ لأمر لا تستطيع أن تطلبه إلا من صديقك ..
فيسرد لك صديقك مسوغاتٍ " منطقية " برأيه ، يقدّمها بلـَبوس " العقلانية " و " الممكن " ، ثم لا يجد سوى " عنوان الصداقة " مكانا آمنا يحتمي به ، ليغطي تقصيره تجاهك ، أو تردده في نجدتك أحيانا ..
إنه ، ومهما تكن الأحوال والظروف ، فإنه لا يحق للصديق أن يتمترس وراء " خطوط حمر " واهية ، حتى إذا ما اضطر صديقه للجوء إليه في ظروف خاصة ، أحاله إلى الآخرين ، ليحاجج صديقه أمامهم ، وليضطر هؤلاء إلى تقديم الشهادة التي يرغب بها ، ثم ليقزّم حجم العلاقة بينهما ، وليجعلها موضع تساؤل وشك ، فيتساوى في الواجبات مع هؤلاء ، ويُحرَم من حقوق الصداقة ، إلا ما كان إجرائيا شكليا ..
وكأنه يجب ألا يكون للصديق حق في صديقه أكثر من الآخرين ، وألا يكون للصداقة مكانة مميزة وخاصة بين الأصدقاء أنفسهم ، فيتم التعاطي مع هذه العلاقة كأنها تحصيل حاصل ، أو كأنها خارج السياق الاجتماعي العام الذي يحكمنا ويضعنا ـ في كثير من الحالات ـ ضمن ، أو تحت قوانينه وأحكامه ..
إنه لا يُستقوى على الصداقة بمتانتها ..
ولا يجوز التفريط بحقوقها تحت أي ذريعة ، وفي أي ظرف ..
ومن غير المقبول أبدا ، أن نسوّغ مواقفنا بما يشبه " العذر الأقبح من الذنب " ..
ولا يجوز أن يُصَدّ الصديق ، بالحماقة التي يُصَدّ فيها الملحاحون أو المتطفلون أو المتسلقون ......
إنه ، يجب أن لا تـُنتـَهكَ الصداقة باسمها ، وألا تـُطعَنَ بألسنة حِداد جارحة ..
وباسم الصداقة ، ومن أجلها ، يجب أن يجد الصديق ما يمكن أن يحافظ به على الصداقة والصديق .. وقد يُضطر أن يضحي من أجل ذلك ، بل ، يجب أن يضحي الصديق من أجل الصداقة ، لأنها علاقة إنسانية سامية تستحق التضحية ، حتى إذا ما كان الخيار بين التضحية من أجل الصديق ، والتضحية بالصديق ، وجب على المضحي أن يعرف طريقه جيدا ، لأنه قد يكون متوهما فيقع فيما لا تحمد عقباه ، وقد ينكسر " إبريق الزيت " ..
وبالنتيجة : وبالقياس :
لا يعرفُ الشوقَ إلا مَن يكابده ولا الصبابة إلا مَن يعانيها
عشتم .. وعاشت الصداقة ..
الإثنين ـ 14/03/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق