الخميس، 30 سبتمبر 2010

الكاتب وليد إخلاصي .. لقاء خاص ـ 1

في مقهى القصر الشهير بحلب ، كان لقائي المباشر الأول بالأستاذ وليد إخلاصي ..
هو قامة أدبية وفكرية كبرى ، وأنا طالب جامعي على أبواب التخرج .. جمعتنا طاولة صغيرة ، بحضور الأستاذ محمد أبو معتوق ، والصديق محمد جمال باروت ، والصديق فيصل خرتش .. وكان الأستاذ وليد قد حضَرَ أمسية من مهرجان أدبي في الجامعة ، أنا وفيصل شاركنا فيها بالقصة القصيرة .. دار بيننا نقاش قصير حول تلك الأمسية ، ثم اعتذر الأستاذ وليد ، يريد مغادرة المقهى لارتباطٍ ما ، لكنه توقف كمن نسيَ شيئا ، وسألني في حركة لافتة : عندك هاتف ؟؟ أجبته بنعم ، تسبقها غبطة وانشراح .. وليد إخلاصي بحاله ولسانه يسألني عن رقم هاتفي !!
إذ إنها لكبيرة أن يطلب الأستاذ وليد رقم هاتفي ..
وانتظرت أن يطلبني .. وطال انتظاري ..
والتقينا مرات بعد ذلك ، في احتفاليات أدبية متنوعة .. آخرها قبل أكثر من أحد عشر عاما .. كان في الإمارات مدعوًّا لرواق أدبي ، وكان قد انتخب عضوا في مجلس الشعب ( البرلمان ) السوري ..
بعد ذلك بسنوات ، وحين بدأت أبحث عن موضوع لأطروحة أكاديمية ، يتعلق بالدراسات النقدية ، كان أستاذي وصديقي الدكتور فؤاد المرعي ، خيرَ موجّه ومعين .. فأشار إلى بحثٍ موضوعي وجديدٍ ، يتناول الفضاءَ الروائي ، أي المكان والظروف والبيئة التي تدور فيها أحداث الرواية ، على أن تكون روايات الأستاذ وليد إخلاصي العشر ـ آنذاك ـ نموذجًا تطبيقيًا للدراسة ، فهو خير من كتبَ لحلب ، وعن حلب ، وبيئة حلب ..
وبعد إنجاز الإجراءات اللازمة ، كانت البداية حتمية مع الأستاذ وليد إخلاصي .. الإنسان ، والقاص ، والروائي ، والمسرحي ....
فاتفقت معه ـ نظرا لظروف إقامتي ـ على أن نكثف لقاءاتنا ، ليسجل لي مسيرة حياته الشخصية والفكرية والأدبية ..
وقد قدّم لي ـ مشكورًا ـ كلَّ معونة احتجت إليها ، لتحقيق هدفي .. وفتحَ لي قلبه ، وبيته وأرشيفه ..
ولأني كنت مضغوطا بالوقت المتاح ، فقد منحني الوقت اللازم ، وتحمّل مني إلحاحًا ، فرضتْه عليّ ظروفٌ طارئة ..
فكانت لنا ثلاث جلساتٍ خاصةٍ بالتسجيل ، وكانت الحصيلة أربعَ ساعاتٍ مسجَّلة ، استعرَضَ فيها أديبُنا الكبير مراحلَ حياته ، وآراءَه ، وأفكارَه ، وتجربته الروائية ، بقليل من التدخل المباشر مني ، بين الحين والآخر .. وسرَدَ الأحداث والوقائع ، بطريقته الانسيابية ، وبأسلوبه المتناغم مع السرد الحكائي ، كأنه يسجلها لنفسه ، لا للتاريخ ..
فيها الكثير من : السيرة الذاتية ، والمنابع ، والمؤثرات ، والتوثيق ، والاعترافات ، والشهادات ، والتقييم ...
وقد نقلتها هنا بأمانةٍ اندَغمَتْ في الشفافية .. لولا اضطراري إضافة علامات الترقيم ، (لاستحالة ظهورها في شريط التسجيل ) ..
وبالتأكيد ، ما زلت محتفظا بالأشرطة الأربعة ، وبكثير من المقالات والأوراق التي قدمّها لي من أرشيفه الخاص ، مساهمة منه في تسهيل مهمتي ..
فشكرًا جزيلا له ..

الساعة الأولى :
حلب ـ 07/08/1993
قال :
ـ ذكر في شهادة الميلاد أنني ولدت في 27/05/1935 ..
ـ كنت الولد الثالث في أسرتي المكونة من أربعة أولاد ..
ـ والدي كان رئيسا لتحرير مجلة ( الاعتصام ) في شبابه الأول ..
ويبدو أن هذا الموضوع قد وقر في أعماقي ..
ومحبتي لوالدي الشديدة ، وإعجابي به ، دفعاني إلى تقليده ..
ـ ابتدأت بالكتابة وأنا في العاشرة .. حاولت أن أكتب ..
ـ أول شيء جِدّيّ كان مقالة كتبتها ، ونشرت في (جريدة الهدى ) التي كانت تصدر في ( حمص ) .. لا أذكر في أي عام بالضبط .. لكن في بداية الخمسينيات ..
س ـ هل تذكر شيئا من تلك الكتابة ؟
ـ لا أذكر تماما ، لكن كان لها علاقة بالوطنية ، بفلسطين ، بمناسبة قومية ..
قبل تلك الحادثة ، كنت في الحادية عشرة تقريبا ، اتخذت قرارا خطيرا في حياتي .. أن أصدر مجلة ..
وهذه المجلة على ما أذكر ـ تصحيحًا ، لم أكن في الحادية عشرة ـ ولكن كنت في الثالثة عشرة ، كان أمر تقسيم فلسطين قد أثر على وجداننا الشعبي ، فقررت أن أتخذ موقفا ما من هذه القضية .. حاولت أن أحرر مجلة .. قمت فعلا بتحرير كافة ( موضوعاتها ) ، كانت في حدود 16 صفحة .. كتبتها بخط اليد وأخرجتها ، واخترت لها عنوانا ، لا أذكره تماما ، وكتبت كل أبوابها .. ( ولا أملك أي وثيقة منها الآن ) ..
ـ ثم خطر ببالي أن أتصل بمسؤول كبير ، فذهبت إلى محافظ حلب .. استقبلني على ما أذكر ، مدير المطبوعات في السراي .. كانت الحكومة كلها موجودة في السراي ..
رفض البواب أن يدخلني إلى المحافظ ، لأنني كنت أرتدي ( الشورت ) وكنت صغيرا .. فسألني : ماذا تريد من المحافظ ؟ فقلت : إنه أمر شخصي لن أشرحه إلا له ..
لكن الذي حصل أن مدير المطبوعات انتبه إليّ واستدعاني إلى مكتبه ، وسقاني شرابا باردا ، واطلع على المشروع ، ووعدني بأن يهيئ لي مقابلة مع المحافظ .. استمرت تلك المحاولة حوالي الشهرين ، ثم فوجئت بأن مدير المطبوعات أخذني من يدي وأدخلني على المحافظ وقال له : هذا هو الشاب ـ لم أكن شابا ـ الذي حدثتك عنه ، فاستقبلني الرجل بترحاب ، وجلس إلى جانبي ، وأخذ المجلة المخطوطة بعناية ، وقال : أمر عظيم جدا .. ماذا تريد ؟؟ قلت : أريد أن أطبعها .. قال : هل تريد أن تستمر في طباعتها ؟؟ قلت : نعم .. قال : من هي هيئة التحرير ؟؟ قلت : أنا .. وأنا المخرج .. فأخذ مني المجلة ، ويبدو أنه أخذني على ( قدِّ عقلي ) ، وقال لي : اترك لي عنوانك ..
وعندما عرف والدي ـ ويبدو أنه كان صديقا له ـ قال : أنا سأتصل بوالدك وأخبرك .. وإن شاء الله ستكون الأخبار حسنة ..
مرت شهور ، وأنا أنتظر .. وأحسست بالملل ..
هذا الشيء ، يبدو أنه غريزي .. كنت أؤمن ـ وما زلت حتى هذه اللحظة ـ بأن فعل الكتابة له أثر ..
ـ كنت عاجزا عن الانخراط في جيش يحرر فلسطين .. كنت عاجزا عن فعل أي شيء .. فقلت في ذهني : الكتابة هي العمل الذي يمكن أن أساهم به ..
ومثل هذا الأمر حصل لي بعد نضجي ، عندما كتبت مجموعة خاصة عن المقاومة الفلسطينية بعد إحداث ( فتح ) ـ وكانت فتح هي المنظمة الثورية الفلسطينية الوحيدة ـ .
كنت أحس دوما أنني عاجز عن القيام بفعل معين .. فأنا لا أستطيع أن أكون فدائيا ، ولا أستطيع أن أقاتل .. فكتبت مجموعة القصص التي حملت اسم ( زمن الهجرات القصيرة ) .. واستقيت جميع أحداثها من حكاياتٍ كان الفلسطينيون المقاتلون يروونها لي .. طبعا .. أنا لم أعاصر أي عملية فدائية ، ولم أفعل أي شيء إيجابي أو فعلي ..
وأهديت الكتاب ، ولقي اهتماما كبيرا ، وقام برسومه فنان عزيز جدا ، هو : ( نذير نبعة ) .. وطبع من هذا الكتاب خمسون ألف نسخة .. وهذا أمر لم يحدث مسبقا .. ووُزع ..وأرسَلَ لي ( أبو عمار ) شيكا بقيمة الكتاب ، فأعدته بعد أن مزقته ، وقلت للرجل الذي حمل إلي شكرَ أبي عمار : لا أستطيع أن أقاتل .. فهذا نوع من القتال .. ولن أتناول أجرا على ذلك ، عن عمل ساهمت به .. وما زلت أذكر ضحكة الشاب الفلسطيني ـ وكان مسؤولا عن الرصد في سوريا ـ قال لي : الكتاب السوريون الآخرون لم يقدموا مخطوطاتهم لمطابع فتح ، إلا بعد أن يتناولوا ـ سلفا ـ الأجر ..
هذه الأحداث تشير إلى نوع من السذاجة ، ولكنها السذاجة التي أفخر بها .. أن تؤمن بأن الكتابة هي البديل لفعل ما ..
لو أني أستطيع أن أبني دارا للأطفال أو العجزة ، لكنت فضلت ذلك على الكتابة .. لكني عاجز عن فعل شيء .. وهكذا استمرت الحكاية ..
س ـ أنت من مواليد الإسكندرونة 27/05/1935 ، وأنت من أسرة حلبية قديمة .. ما العلاقة الوشيجة بين الإسكندرونة وحلب ؟؟
ـ الحقيقة ، هي نوع من المصادفة .. فالإسكندرونة هي جزء من سورية .. كان والدي مديرا للأوقاف .. وعندما استلم عمله في الإسكندرونة ، ولدتني أمي هناك ..
نحن أسرة حلبية قديمة ، ولا أعرف إن كنتُ ذكرتُ ذلك سابقا .. فأحد أجدادي ما زال قبرُه موجودًا في مقبرة الصالحين منذ خمسة قرون ..
هذا الشيء الميتافيزيقي لا يعنيني ، لا يعني كثيرا .. ولكن أنا يعنيني شخصيا ارتباطي في المكان .. أنا أحس بأني شجرة بلوط .. أنا غصن فتي في هذه الشجرة ، ولكن جذوري ممتدة في هذه الأرض ..
قد تكون مشاعري الوطنية قد تبلورت أكثر بارتباطي بالأرض .. تبلورت أكثر ، لإحساسي بأني ابن أسرة توالدت وعاشت واستمرت في هذه الأرض .. هذا الشيء ، أنا لا أعيش في حلم الوطنية الرومانسية .. ولكن أعيش بمعطياتها المادية .. أنا إنسان ابن أسرة تعيش في هذه المنطقة .. إذن ، أنا أحمل في مورثاتي جزءا من تراث أفراد وأشخاص وأمم وشعوب ، توالت على هذه المنطقة .. أحس بمسؤولية تجاه الأرض التي عشت فيها ..
س ـ هل ترى أن حياة الطفولة أثرت في مجرى حياتك الفكرية فيما بعد ؟؟ علاقتك بوالدك ، حبك له ، تتلمذك على يديه ـ إن صح التعبير ـ في البدايات ، هل كان له علاقة في اتجاهك الأدبي فيما بعد ؟؟ هل ترى ذلك ؟؟ هل ترى من علاقة ما ؟؟
ـ منذ طفولتي الأولى ، منذ يفاعتي الأولى ، والدي رجل دين أزهري ، وهو من سلالة عائلة لها طابع ديني ، ولكن الطابع الديني الممزوج بالمهنة .. مثلا : طبيب ومتدين ، محام ومتدين .. لكن والدي ، لعب دورا هاما جدا .. كان من القلائل الذين قابلتهم ـ والذين سأقابلهم بعد ذلك ـ من المتنورين .. كان متنورا .. هو الذي ربى في داخلي فكرة الحوار المتكافئ .. مثلا : ما زلت أّذكر صبره عليّ وأنا أريد أن أقنعه بأن : ( نظرية داروين هي الأسلم ، وأن الطبيعة تخلق ) .. وكان يقبل مني هذا الحوار ويناقشني .. لم يصادر على حريتي .. لم يمارس القسر .. ولم يجبرْني على القيام بأي واجب ديني .. كان يقول : العلاقة الدينية الأساسية هي علاقة شخصية ، يجب ألا تخضع لمؤسسة إرهابية .. يجب أن تنبع من الذات .. فالواجب الديني لم يكن له قيمة كبيرة بقدر ما يتمتع الإنسان بشفافية روحية .. ولذلك كان يهمس في أذني بأفكار غريبة .. مثلا : كان لا يؤمن بأخته عندما تصلي لأنها لا تتقن فن الوقوف أمام الخالق العظيم .. ويقول لي : إذا أردت أن تمتثل في حضورك أمام ملِك ، فيجب أن تكون بأهلية معينة .. فكيف بكَ إذا أردتَ أن تقف بين يدي الإله ؟؟!! ( نفس هذا الكلام ، يقوله لي والدي ) .. هذا الشعور جعلني أقف موقفا واضحا من قضايا الإرهاب الفكري .. أنا عانيت من إرهاب فكري في طفولتي .. مثلا : من قِبل أستاذ الديانة في الثالث الثانوي ـ كنت في السابعة عشرة من عمري ـ وهو دمشقي ، أثر في حياتي كثيرا، وهذه الحادثة لعبت دورا كبيرا في مساري الفكري .. مادة للدين في الثالث الثانوي ليس لها علاقة بمجموع علامات الطالب ، ولكن كنا مُجبَرين على دراستها .. طرحت عليه السؤال التالي : إذا كنا في طائرة ، فأين نصلي ؟؟ أين القبلة ؟؟ فاحتار الرجل ، وأنا أكتشف نقطة ضعف في منظومة تفكيره ، فطرحتُ عليه السؤال التالي : ما هو تصورك لعملية قبض الروح ؟؟ فقال : عزرائيل .. وأعطى الصورة ـ التي سأكتشف أنا ـ الصورة التوراتية ، أن عزرائيل يقبض الروح مثل " عشماوي " ، يأتي بحبل ، يقبض بها الروح .. فقلت له أمام الطلاب : هذه الصورة ساذجة لتصور الموت .. فقال : تفضل .. ما هي الصورة عندك ؟؟ فقلت له آنذاك ، ولا أعرف كيف خطرت لي الفكرة ( كان هناك نظام السنترال في التلفونات ، وهناك فيش ) : هناك كل شخص ، له فيشة .. فكل واحد مكتوب على فيشته تاريخ موته .. فعندما ينزعون فيشه ، يموت .. فقال لي : يعني " الله سبحانه وتعالى " مدير سنترال ، والملائكة هم عمال السنترال .. فقلت : لكني لا أستطيع أن أقبل فكرتك عن عزرائيل . فعزرائيل نشيط إلى درجة أن يقبض الروح في الهند وفي الصين وفي سورية ، وفي نفس الوقت ؟؟!! إذن ، له مساعدون .. فآنذاك ، اتهمني بالكفر ، وحاول أن يضربني .. وكنت قويا ، فتيا ، أمسكت به ودفعته عني ، فأحِلتُ إلى مجلس التأديب .. وفي مجلس التأديب اتخذ قرارٌ بطردي من المدرسة ، وأبلغ والدي سرًّا .. وأنا كنت أخرج من البيت ، على أني ذاهب إلى المدرسة ، وأجلس في الحديقة العامة ، لأني مطرود .. فالذي حصل : بعد أسبوع استدعاني والدي إلى مقر عمله ، وقال لي : كيف حال الدراسة ؟؟ فقلت : بخير والحمد لله .. عظيم .. قال : هل هناك شيء تخفيه عني ؟؟ فاكتشفت أن أبي يمتلك سرًّا .. فصارحته .. فقال لي : أنت قلت كذا كذا للأستاذ ؟؟ لماذا لم تخطر لرجال الدين مثل هذه الفكرة الجميلة ؟؟!! وذهب إلى أستاذ الدين ، ولقنه درسا .. وكان المفترض أن أُلقـَّّنَ أنا الدرس ، وطلب من مدير المدرسة أن يُعادَ النظر في قرار طردي ، ورفض أن أعامَلَ مثل هذه المعاملة السيئة ، لأنني أمتلك خيالا جميلا ، يجب أن أكافأ عليه ، لا أن أعاقـَبَ عليه .. وهو رجل دين ..
وساندني ـ آنذاك ـ أشخاص ما زلت أدين لهم حتى هذه اللحظة ، بنوع من الوفاء .. أساتذتي في المدرسة .. وهؤلاء أذكرهم لأنهم مهمون :
الأول : كان شخصا اسمه أدهم مصطفى، كان أستاذ الجغرافيا رحمه الله ..
والآخر : سليمان العيسى أستاذ العربي ..
والثالث : اسمه محمد خير فارس .. وهو الآن أستاذ في جامعة دمشق .. كان أستاذ التاريخ ..
والرابع : كان اسمه لطفي رهوان .. أستاذ الفلسفة وعلم النفس .. وأدين له كثيرا هذا الرجل ..
دافعوا عني دفاع الأبطال في مجلس المدرسة ، وأفرج عني .. ( ثانوية المأمون ، وكان مديرها رجل عظيم ، هو عبد الغني الجودة رحمه الله ..) ..
لم تنتهِ المشكلة هنا .. أعِدْتُ إلى المدرسة ، ولكن المدرسة كانت قسمين : بالمعنى الدقيق : قسم رجعي ، وقسم تقدمي ..
فالرجعيون ، كانوا الإخوان المسلمين .. فاتخذوا قرارا بمنعي بالقوة من الدخول إلى المدرسة ، بالرغم من سماح الإدارة لي بالدخول .. وانبرى للدفاع عني ، البعثيون والشيوعيون .. بالرغم من أني لم أكن أنتسب لأي حزب منهما .. دافعوا عن موقف .. والذي حصل ، أنه كاد يقع صدام دموي ، ثم حُسم الأمر وانتهى الموضوع ..
هذه الحادثة ، لعبت دورا ، وما زالت تلعب ، ليس في تكنيك الكتابة .. فأنا لا أفصل بين تكنيك الكتابة ، والمسار الفكري أبدا .. يجب أن يتمتع الإنسان بالحرية .. ليس بذاته ، وإنما في مجتمعه ..
وقد وقرَ في ذهني ، أنه حتى الحكومات الديكتاتورية ، ما عادت هي خصمي فقط .. التيارات الخفية في المجتمع ، أصبحت هي خصومي .. وبت أعتقد أن الشارع الجاهل سهل الانقياد من قبل التيارات الرجعية ، وأكثر خطورة حتى من أنظمة ديكتاتورية عسكرية ..
فهذا الشيء ، ساهم في تعميق الروح الديمقراطية عندي ، وعمّق هذا الشيء عندي ، أن الأديان على حق ، الفلسفات على حق ، الناس على حق ..
ليس هناك من شيء عظيم سوى الفن ..
لكن ما هو الفن ؟؟ هذا هو السؤال ..
الفن هو أن تجاوز المألوف .. ما هو متعارف عليه ..
وقر عندي في ذهني شيء مهم .. أنه كان هناك نظريتان سائدتان :
النظرية الماركسية التي تقول : الفن من أجل الحياة ..
والنظرية البورجوازية في علم الجمال تقول : إن الفن للفن ..
ثم تبيّن لي أن الطرف الثالث من النظرية ، أن الحياة هي من أجل الفن ، لأن الفن هو إعطاء الفرصة للحياة كي تستمر ..
الفن : هو خلقُ ما هو جديد .. خلقُ ما هو أفضل مما أنت عليه الآن .. فهذا الشيء ما زلت أعيش على مائدته ..
أنا الآن ابتدأت أقبل كل الأفكار الجديدة ، وابتدأت أقبل كل التيارات الجديدة .. وأصبحت روحي واسعة ، لا ترفض ، وإنما تناقش .. أنا لا أقبل كل شيء ، ولكني على استعداد لمناقشة كل شيء .. ولا أرفض أي شيء لمجرد أن السلف الصالح قال ذلك .. ولذلك أعدت النظر في أشياء كثيرة .. في المواقف الدينية ، والمواقف التاريخية .. وما عدت ....
طبعا ، هذا الشيء ، تيار خفي مساند لتيار الإبداع .. يعني أنا لا أستطيع أن أتصور .....
أنا معجب جدا بديستويفسكي .. لكن لا استطيع بحال من الأحوال أن أكتب مثل ديستويفسكي أو همنغواي .. هذا الشيء ، هو الذي حثني بصورة مستمرة ، على الشيء الأساسي الذي أصبح اكتشافا بالنسبة لي ، هو التجريب ..
أن أجرّب دائما .. وهذا لم ينطبق فقط على كتاباتي ، وإنما انطبق على سلوكي اليومي ، وعلى حياتي ..
س ـ قلت : إن لوالدكَ تأثيرا كبيرا على مسار حياتك الفكرية .. والحادثة الطريفة التي رويتها عن أستاذ التربية الدينية ، أيضا كان لها تأثير في المسار .. لكن بالتأكيد ، هناك تأثيرات أخرى ، أو مؤثرات أخرى ، لها علاقة في تنمية الحس الإبداعي ، والحس الفكري ، إذا صح التعبير .. وبالتالي ، توجيهك الوجهة الأدبية المرتبطة بالعلم ..
هل لك أن تحدثني عن المؤثرات الأخرى غير التي ذكرتها ؟؟
ـ حتما .. الشيء الأكثر أهمية ، هو استيقاظ حب المعرفة ، الذي لم أجد له وسيلة إلا بالقراءة ..
فأنا كنت من أكثر الناس المتردّدين على المكتبة الوطنية بحلب ، منذ كان عمري عشر سنوات .. كنت ولدا شقيا ألعب كرة القدم .. ولكن هذا لا يمنع من أن أقضي وقتي في المكتبة أستعير وأقرأ ..
مثلا : قرأت مبكرا : العقد الاجتماعي لجان جاك روسو .. لم أفهم منه كثيرا ، لكنه أيقظ فيّ تساؤلا ..
قرأت في الفلسفة مبكرا .. ولم أكن أفهم معظم ما قرأت ..
من المؤثرات الكبيرة لوالدي ، المشتركة مع المعرفة : كان يحلم ـ وصرّح بها مرة واحدة ـ كان يحلم ، لقد فشل هو أن يلعب دورًا تأثيريًا في الحياة الاجتماعية .. فعلق أمله عليَّ .. اكتشفَ أنني مؤهَّل ـ من دون أولاده الآخرين ـ أن ألعبَ هذا الدور ، فوجّهني وجهاتٍ دينية ..
س ـ أكملتَ الطريق التي رأيتَ أن والدكَ كان يريد أن تسير فيها ؟؟
لا .. هو كان يريد .. ولم يحدث .. ولم يحدث ..
أنا قرأت على والدي لمدة صيفيتين كاملتين ، مع فترات من الشتاء ، نهجَ البلاغة ، وشرحَ محمد عبدو عليها ، ويصحِّح لي ..
أصارحُك ؟؟ إنني لم أفهم نصفَ نهج البلاغة في ذلك الوقت .. وقد أقرأه الآن ، وأحس بالعجز أمام البلاغة العظيمة ..
وكان والدي يعتبر : أنه لكي تصل الأفكار إلى الآخرين ، يجب أن تكون بأسلوب ساحر .. فكان يريدني أن أكون كاتبا ، مفكرا سياسيا ، أو دينيا .. لم يكن يتصور الرواية والمسرح ..
كان يعتقد أن الكاتب لا يمتلك اللغة إلا بأحد مصدرين : القرآن الكريم ، ونهج البلاغة .. ولذلك التحقت بمدرسة حفظ القرآن الكريم ، بمدرسة المكفوفين ، وبقيت فيها سنتين ، أدرُس القرآن الكريم والتجويد ، وكنت المبصِرَ بين العميان ، وجاءني طالب آخر أعور ، ثم انفرط العقد ..
أما الآن ، فقد تحولت البلاغة من شكل إلى مضمون . أنا أؤمن بفصاحة المضمون أكثر من فصاحة الشكل .. وفصاحة المضمون لا تأتي إلا بالمعرفة الواسعة .. ولذلك ، من أحد المؤثرات الكبرى في حياتي الفكرية : الميكروسكوب ..
فأنا عندما درَستُ في كلية الزراعة ، وفي السنة الأولى ، في جامعة الإسكندرية بمصر .. ( درّسْتُ في كلية الزراعة بحلب ) .. عندما أطلتْ عيني على دقائق الحياة عبر الميكروسكوب ، تغيرتْ كلُّ نظرتي ، وتعمقتْ ، وأصبحتْ رؤيتي للكون أغنى بالكثير ..
لذلك ، قد أكون أنا مَدينا للجاحظ ، كما أعجبت بالمنفلوطي في بداياتي ، ثم انتقل إعجابي إلى جبران خليل جبران ، كحداثي معاكس لاتجاه المنفلوطي ..
ثم تمسكتُ بطه حسين ، الذي هو رمز للحداثة العقلية واللغوية في آن ..
ولكن كل ذلك لم يكن شيئا ، إذا لم أكن قد تعلمت من الميكروسكوب ..
الميكروسكوب : هو تفصيل هذه الجزئيات الهامة .. أن ترى الكون على حقيقته .. فحتى تعمقت نظرتي الفلسفية ..
الأجزاء الصغيرة هي التي تكون الشكل المادي الذي تراه وتستخدمه وتنتفع به .. فهذه النظرة التحليلية التي تعلمتها من الميكروسكوب ، لعبت دورا كبيرا في حياتي ، وأصبحت أرى الأشياء ..
وهذا هو السبب الأساسي في أنني لم أتبع ( دوغمة ) معينة ، أو نظرية معينة .. كنت أحاول أن أقرأ كل شيء ..
وهناك حادث مهم جدا في حياتي ..
كنت في العاشرة أو الحادية عشرة ، كان هناك سيطرة للإخوان المسلمين في ثانوية المأمون بحلب ـ طبعا ، هذه قبل حادثة أستاذ الدين بزمن ـ وكان لهم مقر في شارع إسكندرون ، وكان عندهم ناد رياضي ، ومكتبة ، وشاهدوا عندي ميلا للقراءة والرياضة ، فاستقطبوني ، ودعوني بعدئذ لاجتماعات الخلايا أو الوحدات التنظيمية .. ففي وحدة معينة كان هناك رجل تحدَّث لمدة خمسين دقيقة عن الإسلام كلاما جميلا ، وكان في ذهني استفسارات ، فرفعت يدي ، واستأذنت لأطرح سؤالا ، فقال لي وبالحرف الواحد ، وبشكل لن أنساه طوال عمري : أنت هنا لتسمع ، لا لتتكلم ..
وكان هذا آخر لقاء لي مع تجمع الإخوان المسلمين العلني ..
ومرت السنون القليلة ، كان لي صديق شيوعي ، وكنت أقرأ الماركسية ، والمادية الجدلية ، والداروينية ..

قريبا .. ستليها الساعة الثانية ..

الأحد، 26 سبتمبر 2010

ريح الصَّبا ـ رواية ـ الفصل الأول

رواية
الفصل الأول

كان ذلك يوم ثلاثاء ، من شهر شباط من عام 1987 ، الذي يصادف ذكرى عيد الوحدة بين سورية ومصر ، وثمة مهرجان خطابي في الصالة الوطنية إحياء وتمجيدًا لتلك المناسبة ، وكنا مدعوين للحضور ، فسعيْنا ـ أنا وربيع ـ متجهيْن إلى مكان المهرجان ، تسبقنا وتلحقنا أفواجٌ كثيرة من المشاة الذاهبين بنفس الاتجاه .. وكنا على يقين أن الصالة ستكون مكتظة بالحضور ، فاقترح ربيع عليّ أن لا أكملَ طريقي معه ، لأنه مدرك أن الاكتظاظ هناك لا يناسبني .. لكني مضيت معه ، نتسامر في طرق تفيض بالمارة والسيارات ....

لدى وصولنا إلى الصالة ، وجدناها ـ كما توقعنا ـ تغصُّ بالحضور ، إلى درجة استحالة شقّ صفوفِ الواقفين في بهوها وعلى أدراجها وأبوابها ، ناهيك عن انقطاع الشارع أمامها ، لتكدُّس سيارات المسؤولين الحاضرين ، فودَّعني حكمت وشق طريقه بين الزحام ، وبات عليّ أن أبتعد عن المكان الذي أنا فيه ، كي أتدبّرَ أمري بواسطة نقل ، تحملني إلى البيت ..

كانت الشوارع مبللة بماء المطر الذي انقطع للتو ، فيما طوى المشاة مظلاتهم ، وتأبطوها ..
والمساء أشبه بيوم ربيعي معتدل ، فيه رطوبة ونسمات باردة تشتد قوتها عند مفترقات الطرق ..
اتجهتُ غربا ، ووطنت العزم على المشي ، متشجعًا بكثرة المارة ، ولطف الجو ، ونعومة الليل ..


كنتُ في حالة خواء نفسي وروحي وعقلي و..... وعلى كافة الاتجاهات : العملية والحياتية والعائلية ..
فلستُ مقبلا على الحياة ولا مدبرًا عنها ، لست ناجحًا ولا مخفِقا ، لست عاشقا ولا معشوقا ، لست في أعلى السلم الوظيفي المناسب للمرحلة ولا في أدناه ، لست راغبا في عملي ولا راغبا عنه ، لست أشعر بشعور المواطن المقيم في بيته وأرضه ومدينته ولا بشعور المواطن القلق المحتاج لفرصة عمل في المنافي البعيدة عن فضاء القلب والروح ، لست في أحسن أحوالي ولا في أسوئها ..
كانت كل الملامح تبدو في الأفق المنظور ، رمادية ، ضبابية .. أو هكذا يبدو لبصري وبصيرتي ..
وكنت أقبع في حالة هي أقربُ إلى حياة " البرزخ " المجهولة ، الغامضة ، التي يُقال إنها تتوسّط بين حياتنا في الدنيا والآخرة .. وكان هذا الشعور ـ رغمًا عني ـ يحكم كل حدودي وإمكانياتي وقدراتي المرحلية ، ويتحكم بها ..
ولذلك كنت أشعر أنني مجردُ رجل أثقلتِ الأيام كاهليْه بكل أنواع المتاعب والهموم ، ولم تتركْ له فسحة ـ ولو صغيرة ـ يتنفس الصعداءَ من خلالها ..
كانت البلد كلها تعاني أشد المعاناة من الشظف وضيق ذات اليد ، إثرَ اشتداد الحصار الغربي والعربي ، بسبب الموقف السياسي الوطني ، داخليا وعربيا ودوليا ..
كل شيء نادر أو مفقود من الأسواق ، إلا للبعض القليل ، والغلاء التهَمَ كلَّ " الخوافي والقوادم " من جيوب الناس ومخزوناتهم ...
فكنتَ ترى الناسَ (سكارى وما هم بسكارى) ، يلهثون لتأمين كل شيء ، وبالحد الأدنى ، بدءًا من الخبز والخضراوات والفواكه والصابون والسمن والمحارم وانتهاءً بالأدوية والمواد الأخرى التي يحتاجها كلُّ بيت ..
لا أعرف كيف اخترقتْ حافلة كلَّ الطرقاتِ المقطوعة ، والزحامَ الشديدَ في المحيط القريب ، وكأنها هبطتْ بالمظلة من السماء أمام موقف البوابة ، رغم ندرة عدد الحافلات العاملة على هذا الخط الجديد ، الذي يخدّم حي الأمير ، وهو الخط الأقرب إلى بيتي ..
صعدتُ مع كثيرين .. تلفت في أنحاء الحافلة ، كانت مقاعدُها وفسحتها الخلفية مليئة بالركاب ، وكان زجاج النوافذ مغشىً بفعل الفارق الحراري بين داخلها وخارجها ..

أسندتُ ظهري إلى عمودٍ في الممر .. أمامي وجه أنثوي مثير .. فتاة في ريعانها ، تقف بجانب امرأة جالسةٍ على كرسي مفردٍ تحتضنُ طفلا ، تتبادل الفتاة معها ـ بانشراح ـ كلماتٍ وجملا مبتورة .. تتخللها تعابير توحي بالتقزز من روائحَ نتنة كريهة ، تنبعث من مكان ما حولنا ، فيما كانت ملامحُ صارمة غضبى ، تنفر من الوجه الكامد الغامق للمرأة الجالسة ، وكان الطفلُ الذي في حضنها غير مكترث لما حوله ..
مدت الفتاة أصابعَ ناعمة تفتحُ زجاج النافذة ، فتدفق هواءٌ شديدٌ وباردٌ .. لفحني بعنفٍ لوجودي في طريقه مباشرة ، مما اضطرَّني أن أغلقَها ، فعادتْ وفتحتْها .. لم يكن الهواء الداخل محتملا بالنسبة لي ، فأغلقتُها ثانية ، عندها ، فتحتها فتحة صغيرة تسمح بمرور هواء قليل يزيح الرائحة النتنة ، ولا يسبب إزعاجًا كبيرًا لي ..

اجتاز السائق نزلة البوابة بسرعة ، ولم يعدْ يتوقف عند المواقف التالية ، لاكتظاظ الحافلة ، مما جعل محركها يضجُّ هادرًا أثناء صعودها في الطريق إلى الدوار الجديد .. توقف السائق هناك بعيدا عن الموقف المخصص ، بناء على نداء الركاب الراغبين بالنزول ، وركض خلفها عددٌ من المنتظرين ، فصعدوا لاهثين سئمين طول الانتظار ..

شعور داخلي بالراحة سرى كالدفء في أوصالي لوقوفها قريبة مني .. بيننا نصف متر .. ترتدي معطفا خمريًا أنيقا وطويلا ، انعكسَ لونُه على خديْها ، فزادَهما توَهّجا وفِتنة ، أضْفيا على وجهها الصبوح ، وابتسامتها الوديعةِ المغناجة ، ألقـًا عَطِرًا ، وإشراقة وضّاءة ، أنارتْ عوالمي ، ونعنشتِ البواديَ القاحلة في كياني وروحي وعقلي ..
أصابعُها وكفاها تنبئان عن جسدٍ طري وناعم وبضّ ، يُخفي المعطفُ السميكُ معالمَه العامة وتكوراته ..
شردَ خيالي بعيدًا ، بينما كانت الصحارى ، تكتسي في أعماقي بحلة قشيبة ، تحوِّلها إلى ما يشبه الشيء الذي لم أرَه في حياتي بعد ..

إذا كانت الحافلة قد هبطت أمامنا بالمظلة ، فمعنى ذلك أنها كانت في السماء ..
فمن أيِّ سماءٍ جاءتْ هذه الفتاة بداخلها ..!!
مرَّ ذلك سريعًا في رأسي ، بينما كنا نتخالسُ النظرات أثناء إغلاق النافذة وفتحها .. وكنتُ متأكدًا أنني لا أعرفها ، لكني لاحظت شيئا في نظراتها يوحي بأنها تعرفني .. ولم أكن في حالة تسمح لي بأن أتوقع أي شيء .. ولم يدرْ في خلدي أيُّ تصرفٍ أو إيحاء ما .. اكتفيتُ بشعور الانتعاش الذي راودَني لوجودها بقربي ....
لكني تمنيت أن لا ينتهي الطريق أبدا .. أو أن تذهب بنا الحافلة إلى متاهات لا نهائية .. إلى المجهول .. إلى أي مكان أبقى واقفا وتبقى قريبة مني .. ولا يهم أن تكونَ وحدَها أو برفقة منْ معها ، لا يهم .. المهم أن تكون بجانبي .. ولو لم نتكلم أو نتعارف .. كان يكفيني اختلاسُها النظر إلي وموسيقى ضحكة متمردة تدغدغ أذنيّ وتملأ صدري نشوة وبهجة .. نسيتُ الهواءَ الباردَ والنتنَ والناسَ واقترابَ الحافلة من المقصد ، وسرحتُ بعيدًا .. كأنني في عالم آخر .. لكن اليقظة انتشلتني من أحلامي عندما بدأ تهيّؤهم للنزول ..
كان ذلك عند الحديقة الشمالية ، قبيل مكان نزولي ...
آآآآآآآآآآآه لويتعطلُ بابُ الحافلة ولا ينفتح ..
لو يتوقفُ الزمنُ والكونُ ونواميسُ الطبيعة ههنا ..
آآآآآآآآآآه لو أملكُ قوة الأشياء كي أرسمَ اللوحة التي أحبُّ كما أحبُّ – على حد تعبير الشاعر محمود درويش ( ههنا صفصافة وهناك قلبي ) ..

لا تنزلي .. قفي برهة أخرى .. دعيها تذهبْ وابقيْ هنا .. هل يتغير شيء في سيرورة الزمن .. إنها برهة .. ومضة .. رفة عين .. تأخري عنها على الأقل ..
لماذا يجبُ نزولُ الناس من الحافلة ؟ أليس هناك قوانين تجيز بقاءَهم أو مكوثهم فيها إلى الأبد ؟؟
إن اللحظاتِ الجميلة الآسرة تنقضي كالبرق لتخلفَ في الصدر والقلب ندوبًا ودماملَ وجراحاتٍ لا تشفيها أيامُنا السود .. تبًّا لها من لحظات ..
يا ربَّ السموات والأرض !! .. إنها تتلكأ وتدفعُ منْ معها أمامها !! .. ذلك سيجعلُ عينيّ تتمليان منها لمزيد من الثواني .. الحمد لله .. كأنها أحسَّتْ برغبتي .. كأنها تريدُ أن تقولَ لي شيئا .. هل يُعقل ؟ هل تداعت الخواطر؟ هل أحسّتْ بنداء قلبي ؟؟ هل سمعتْ صوتَ خفقاته ؟؟ هل سمعتْ رجاءَه ؟ هل ستستجيبُ لنحيبه ؟ لا شك .. لا شك ..
لو لم يكن الأمرُ كذلك ، فما الذي يؤخرُها عمّنْ معها إذن ؟؟
ليت كوابحَ الحافلة تتعطل .. ليت الأبوابَ لا تنفتح .. ليت يتخربُ كلُّ ما يؤدي إلى نزولها ..

أدّت الكوابحُ واجبَها ، مع الأسف .. فتوقفتِ الحافلة ..
انفتحَ البابان بصخبٍ ونزق .. تلكأتْ الفتاة أمامي .. يا الله .. إنها توجّه إلي كلامها :
ـ مرحبا أستاذ ..
كدت أتلفت حولي .. ربما تكلم شخصًا آخر ..
لا .. لا مجال .. أنا المقصود ..
حتى لو لم أكنْ أنا ، فسأردُّ عليها تحيتها ..
ألسْنا مأمورين بردِّ التحية بأحسن منها ؟؟
ما الأحسن ؟؟
هل أبتسمُ ابتسامة عريضة ؟ أعانقها ؟ أصافحُها ؟ أخرمش ظاهرَ كفها كقطٍ بري جائع ؟ أم أتناولها برفق كي أنقلَ إليها ، عبرها ، شيئا من أحاسيسي ؟؟

هل توقف الزمن ؟ هل استجيبت مناجاتي ورجائي ؟

سبحانك يا الله .. كم تجودُ عليّ وقت الحاجة الماسّة ؟؟!!
قالت : " مساء الخير.."
حييتها ، وتساءلتُ : هل تعرفينني ؟؟
قالت : أعرفك من خلال أختي ..
ـ من هي ؟؟

لم تجبني .. وأسرعتْ للحاق بمنْ معها .. فقد كادت الحافلة تتابع سيرها ..

لماذا لم أصرخْ بالسائق أن ينطلقَ قبل نزولها ؟
ألم يكنْ ثمة أحدٌ يريدُ أن يختطفَ الحافلة بمنْ فيها ؟؟
عند الضرورة لا يوجد منْ يرتكبُ مثلَ تلك الجريمة الرائعة !!

نزلَ قلبي معها .. رباه .. كيف سأعيش بدونه ؟؟!!
أسرعتُ .. هرولتُ نازلا ، فكاد جسمي يعلقُ بين فكّي الباب ، لكني تخلصْتُ منه في اللحظة الأخيرة ..

كانت المرأة تعبرُ الشارعَ العريضَ مسرعة ، وممسكة بيد الطفل ، وتمشي الفتاة خلفها متباطئة ..
أو ، ربما ، هكذا خُيّل إلي ..

إذن ، تعرفني !!
لكن لم تقل لي اسمَها ، ولا من هي أختها ..
لا أعرف وجهًا من الموظفات يشبه وجهكِ .. فمن هي أختكِ التي تعرفني ؟؟ أتكون أختك زميلة دراستي في الجامعة ؟؟ من هي إذن ؟؟ وأين عرّفتْكِ عليّ ؟؟ وفي أي مناسبة ؟؟

ماذا تريدين من سلامكِ عليّ يا قطتي الرائعة ؟ ماذا تعرفين عني ؟؟
خطواتها مترددة ، فيما تحاولُ منْ معها أنْ تستعجلها .. سنُّها توحي بأنها طالبة ، ربما في نهاية المرحلة الثانوية .. وربما تركت المدرسة ، فلا شيء يوحي بأنها مواظبة على الدراسة ..

إلى أين ستوصلني عيناكِ ؟؟
أليس فيني ما يكفيني ؟؟
ما الذي جرى لي ؟؟ لماذا انقلب كياني سريعا بهذا الشكل ، وكأنني أتعرض لهذا أول مرة ؟؟!!
سلمتْ عليّ وانتهى الأمر .. هل أنا ضد ذلك ؟؟ هل يجب أن يكون له معنى ؟؟ هل أزعجني سلامُها ؟؟!!

وما دامت تعرفني ، فهي تعرف أنني أتفهم حالة من اللباقة الاجتماعية كهذه ، ولا يمكن أن أفهمها خطأ ..
لا .. لا يمكن تفسير الأمر بهذه السذاجة !!
لكن .. إلى أين سأمضي ؟ هل من المناسب أن أتتبعهم ؟ وأين سيكون الحد الذي لن أتجاوزه ؟؟

حتى الهواء والوقتُ ، ضاقا ، فأحكما خِناقهما عليّ ، وحاصراني ، في البيت ، والمكتب ، والشوارع ، وعند الأصدقاء ، ومعهم ..
ألستُ صريعَ الظروف التي تحيط بي ؟؟
أيجب أن أزيد الطين بلة ؟؟

لم يطلْ بي التفكيرُ طويلا .. لا وقت له الآن .. سيأتي وقته لاحقا .. هناك ما هو أقوى من العقل والتفكير .. هناك ضرورة التدبير واقتناص ما يمكن أن يكون أجملَ فرصة ، في أحلكِ الظروف ..

ماذا أنتظر ؟؟
صبية جميلة تبادرني السلام وتعرّفني بنفسِها فرحة ..
أين كنتِ ؟ لماذا لم تكوني أنتِ زميلتي لا شقيقتك ؟
شقيقتك ليست بجمالك بالتأكيد ، ولو كانت بربع روعتك لاحتلت مكانا لائقا عندي ..
لماذا ترتدين معطفا فضفاضًا حول جسمك ؟؟
أيعقلُ أنْ يكونَ وجهُك وكفاك لجسد آخر رسمْته بعنايةٍ في خيالي ؟؟
إن الكثيرات يرتدين ألبسة فضفاضة ، يخفين تحتها عيوب أجسادهن .. " فالمرأة التي أسنانها قبيحة ، تضحك بعينيها " ..

دخلوا الممر الخارجي للمبنى ، وقفتُ عند بابه أرقبُهمُ ، متذرعًا بقراءة ورقة ملصقة على الجدار ..
لم أكنْ أرى شيئا في الورقة المُلصقة .. كل ما هنالك أنني أنتظر عبورَهم للممر الطويل ..

يجب أن أعرف طريقة دخولهم إلى الشقة ، لأعرف إن كانوا سكانا أم ضيوفا !! هل سيفتحون الباب ، أم سيطرقونه ؟؟
وماذا لو كانوا ضيوفا ؟؟!! هل أنتظر خروجهم ؟؟ وأين يمكن أن يكون بيتهم ؟؟
فلقد كانوا في الحافلة قبل صعودي إليها .. وربما صعدوا من المحطة الرئيسية .. فمن أي أرض وصلوها ؟؟!!

تداخلت في رأسي الأفكارُ بالصور ، والحاضرُ بالماضي ، والمستقبلُ بالأسرة والأولاد .. فبَدَت الصورة أكثر ظلمة ، ولم يبدّدْها قراري بالمضيَّ بلا تردد ..

دخلتُ الممر بهدوء ، كانت المرأة تتكلم بصوت أجش يزيده الصدى غِلظة ، فلم أتبيّنْ شيئا منه ..
هل أحسّت المرأة بوجودي وتريدُ أنْ تنبهَها مني ؟؟
انعطفوا يمينا إلى مدخل الدرج ، كان فيه ضوءٌ خافتٌ .. تقدّمتُ بخطوات حذرة وئيدة ، لتفاجئني الفتاة بعودتها ..
" حين يكون المرء على حافة الجرف ، يجب أن يحسب حسابا لكل هبّة ريح " ..
لماذا عادت ؟؟ هل تحملُ رسالة ما إلي ؟؟
هل كانت تراني أتتبعُهم ؟؟
هل تبادلني الرغبة بمزيدٍ من التعارف ؟؟

أقبلتْ نحوي ، فبان وجهُها باسمًا تحت شعاع من ضوء الشارع : ما اسمكِ ؟؟ ما رقم هاتفكم ؟؟ كيف وأين سأراك ؟؟
تتالت أسئلتي سريعة ، كصَليةٍ من رشاش حربي ..
قالت بهدوء وثقة وهي تتلفت خلفها : سعاد ..
وتابعتْ : ليس لدينا هاتف .. أعطِني رقمَ هاتفك وأنا أتصل غدًا ..
قلت لها وأنا أكتب رقم هاتف المكتب ، على زاوية صفحة مجلة : ليكن اتصالك بعد الثانية ظهرًا ، فلن أكون موجودًا قبل ذلك ..
ناولتها القصاصة ، وخرجتُ سريعًا ، يتبعني صوتُ المرأة : بسرعة يا سعاد .. أغلقي الأباجور .. لماذا تأخرت ؟

إذن ، هنا بيتكم .. الحمد لله ..
كانت الخطوة الأولى في الطريق الطويلة ، يسيرة وموفقة .. فكيف ستكون الخطى التالية ؟؟

خرجتُ إلى الشارع .. رفعت وجهي إلى السماء ، أنعشني تساقط رذاذ المطر فوقه .. أشعلت سيجارة .. رميتها قبل أن تنتهي ، وعدت إلى بيتها .. قرأت الاسم المكتوب على زر الجرس .. فتذكرت اسمَ أختها ، وكانت زميلة في الجامعة ، أسبقها بسنتين .. لكن .. شتاااااااان ..

تنفستُ الصعداء في الشارع ، وأنا أتصبّبُ عرقا رغم برودة الليل .. وكأنني خارجَ الزمان والمكان ..
أمعقول هذا الذي يجري ؟ ماذا أفعل ؟؟ ولمَ ؟؟
ماذا لو انتبهتْ أمُّها لوقوفنا في الممر ؟؟
لمْ أفعل كهذا مسبقا .. فكيف الآن ؟؟
سحبتُ خطاي في الشارع .. مشيتُ باتجاه البيت ، بدأت مخيلتي تسترجع شريط الأحداث من أوله ..
لا أستطيعُ أن أصِفَ ما أنا فيه .. إن أشياءَ بسيطة وسطحية ، جعلتني أندفعُ كلَّ هذا الاندفاع ..
صحيحٌ .. هي رائعة ، وجذابة ، وأبدتْ مَيْلا نحْوي ، لكنْ ، ما كان يجبُ أن أنساقَ وراءها ، أو أضعَ نفسي موضع شبهة وحرج ..
ما الذي جعلني أفعل ما فعلت ؟؟
أهو ........... ؟؟ لا .. لا ... هذا هراء ..
هل يبني الآخرون علاقات الحب بهذا الشكل ؟؟ !!
ألا يكون الحبُّ إلا مفاجئا ؟؟ !!
إذا كان الجواب : نعم ، فإنني غيرُ متأكدٍ مما لدي حتى الآن ، ولا أسمّي ما جرى حبا ..
وإذا كان الجواب بالنفي ، فلا معنى لكل ما فعلته .. وما كان علي البدء بمعركة مع السراب ..

إن ما فعلته ، يتطلب مني أحدَ أمرين :
الإقدام : وله متطلباته وظروفه ونتائجه وانعكاساته ..
أو الإحجام : وهذا أسهل في ظاهر الأمور .. كل ما هنالك ، أن أتجاهل اتصالها إذا ما اتصلت غدا ، أو أجد ذريعة للتملص .. وإذا لم تتصل ، فيكون ذلك هو المُبتغى ..

شيءٌ في صدري يتحرك نحوها بإيجابية واندفاع .. وأشياء في رأسي ، تذكرني بماض مليءٍ بكثير من التجارب المماثلة ، التي مرت في سنواتي الأخيرة .. حيث العواطف سيدة الموقف ، اقتنصتُ منها أوقاتا ولحظاتٍ مليئة بالدفء حينا ، وبالمنغصات أحيانا أخرى ..
أهذه التي أبحث عنها ؟ هل ستتصل بي غدًا ؟
متى سيأتي الغد وما زلنا في أول الليل ؟؟ !! ..

السبت، 25 سبتمبر 2010

المهندس طه حسين الرحل .. شاعرًا

من مواليد نبل عام 1962
يحمل إجازة في الهندسة المدنية ، لكنه يهوى الأدب ، والشعر خاصة .. فقد صدر له أربع مجموعات شعرية ، ومجموعة قصصية واحدة :
1 ـ قال البلبل ـ شعر للأطفال ـ صدر عن وزارة الثقافة ـ دمشق 1992 ..
2 ـ انشودة المطر ـ شعر للأطفال ـ دمشق ـ 1999
3 ـ أجمل لغة في الدنيا ـ شعر للأطفال ـ حلب 2005
4 ـ ما تبقى من الورد ـ شعر صدر عن دار نون 4 ـ حلب 2006
5 ـ مدينة الورد ـ قصص لليافعين ـ صدر عن دار نون 4 ـ حلب 2010 ..
وقد تكرم الأخ الشاعر " أبو حسين " بإهدائي كتبه تلك ، في أواخر أيام إجازتي الصيفية ، ولم يتسن لي الاستمتاع بقراءتها كلها قراءة معمقة ، لكني استطعت أن أقرأ مجموعة : ما تبقى من الورد ..
فتركت لدي انطباعا مؤثرا ، انعكس من حساسية الشاعر ، ورهافته ، وصدق تعبيره ، ووضوح الرؤيا ، واستشرافه لها بجمالية غنائية تارة ، ومغلفة بالشجن والحزن اليومي تارة أخرى ..
والقصائد ، مولودة ولادة طبيعية ، في بيئتها الطبيعية ، لما تحمل من مشاعر ، تتنوع بتنوع المواقف ، من الحياة ، والكون ، والإنسان ، والحاضر المتطلع لغدٍ ما زالت تفصلنا عنه حواجز كثيرة ..
ومن هذه المجموعة الشعرية ( ما تبقى من الورد ) أختار القصائد والمقاطع التالية :
فجر :
فجر يراودنا .. ويغريهِ
أنـَّا ذهلنا في أياديه
دخلتْ عيونُ الليل نشوتنا
وغفا على يدنا مناديه
عام .. وأجيال وفي دمنا
نام الهوى واعتلَّ فاديه
وتكسّرتْ في الأفق أشرعةٌ
وتناثرتْ من دم حاديه
لغة يكاد الفجر يصرعها ! ..
أوْلى به إعزاز شاديه

ما للرؤى تنتابُ غربته ؟
ما للمنى عصفتْ بناديه ؟
كم قد بكينا في مفارقه !
كم قد شردنا في بواديه !
كم قد غفوْنا في عباءته !
ثم انتبهنا في أياديه ..

المطر :
كسرْتُ جدارَ ضريحي
صرختُ بوجه القمرْ
وأعلنتُ للناس أني
أريدُ وجوهًا أُخَرْ
وأني أكره زهر الربيعْ
وأكره ما سيُقال : " وديعْ .."

حبيبتي :
حبيبتي تغفو على
وسادتي ، كزنبقة
حبيبتي عقد الرؤى
رمانة مفرقة
حبيبتي , ولتصمتوا
في نومها مستغرقة

حبيبتي تصحو على
أنغام قلبي المحرقة
ببسمة وقبلة
وآهة منمقة
حبيبتي .. كتاب عمري
لستِ يوما مغلقة

قلق :
نجم في الأفقِ
وأعاصيرُ
بحنايا الطرق
بعدك بعدك يا قلقي

أحلام :
تنأى تنأى أحلامي
تبعد في الدرب أمامي
أركض أركض
تدمى قدمي
أركض أجهد
أسقط بدمي
لا يبقى في الدرب سوى
عينيّ .. وزوبعتيْ أحلامي

شروق :
الفجر يولد والطريق
من يوم أن بدأ الحريق
فأنا وجنبي أنت نمشي
يا رفيق
ذهب الظلام .. بعزمنا
غُسِلَ السوادُ .. بدمعنا
نـُشِلَ الغريق
نعمى لكم
نعمى لنا
هذا الشروق

مع محبتي يوسف رشيد

السبت ـ 25/09/2010

الجمعة، 24 سبتمبر 2010

الشهيد الملازم فتح الله محمد رشيد ـ 1

أولا ـ سيرة ذاتية :
1 ـ ولد الشهيد فتح الله في نبل /19/06/1944 ، وهو بكر والديه ، وهما حج محمد فتوح ، والحجة مريم زيدان بلوي ..
2 ـ أمضى سنواته الأولى في القرية ، ونال شهادة الدراسة الابتدائية فيها عام 1955 ، وكانت المرحلة تنتهي بنهاية الصف الخامس ..
3 ـ ولعدم وجود مدرسة إعدادية في نبل ، ترك الدراسة حتى انتقلت الأسرة إلى حلب في عام 1957 ، فانتسب إلى مدرسة خاصة يكمل فيها دراسته الإعدادية بدءًا بالصف السادس ، وهي " متوسطة جمال عبد الناصر " التي تأسست في ذلك العام كمدرسة خاصة ، وسميت فيما بعد : ثانوية الشهباء الخاصة ، الواقعة في حي الجميلية بحلب ..
وتشير جلاءاته " المحفوظة لدي " إلى ترتيبه الناجح الأول في الصف الثاني الإعدادي .. وصار اسم المدرسة : معهد جمال عبد الناصر ..
ثم نال الإعدادية العامة في دورة عام 1960/1961 بمجموع 222/290 ..
4 ـ وفي ثانوية عبد الرحمن الكواكبي بحلب ، أكمل دراسته الثانوية العامة ، فكان ترتيبه الثالث في الصف الأول الثانوي ، والناجح الأول في الصف الثاني الثانوي الأدبي ، ونال في عام 1963/1964 الشهادة الثانوية العامة ـ الفرع الأدبي بمجموع 203/240 وكان ترتيبه الثالث في مدينة حلب ..
5 ـ انتسب إلى جامعة دمشق ـ كلية الآداب ـ قسم اللغة العربية ، لكنه لم يستمر في دراستها رغم أنه يحبها حبا جمّا ..
6 ـ انتسب للكلية الحربية ، تلبية لرغبة والده ، والتحق بها في 10/كانون الثاني/1965 ، وكانت سهرة الوداع تلك الليلة حدثا لا يُنسى ، سنأتي على تفاصيله لاحقا إن شاء الله ..
7 ـ تخرج في الكلية الحربية ـ دورة صاعقة ـ برتبة ملازم ، اختصاص : مشاة ، في الثالث من كانون الثاني عام 1967 ..
8 ـ التحق بالخدمة في القطعات العسكرية المتقدمة ، في الخط الأول على جبهة الجولان ..
9 ـ آخر إجازة له ، وآخر مرة رأيناه فيها ، كانت في أوائل شهر آذار من عام 1967 ..
10 ـ آخر رسالة وصلتنا منه ، أرسلها إلينا مع المجند عادل كلاسي ، بتاريخ 2/6/1967 مؤرخة في 1/6/1967 ، وتحتوي على مبلغ 1500 ل.س ، أوصلها لنا المجند المذكور ..
11 ـ يوم الثلاثاء الأول من آب 1967 " وبمناسبة عيد الجيش " وصلنا كتاب من رئيس هيئة أركان الجيش والقوات المسلحة ، يفيد بأن الملازم فتح الله ... مفقود حتى تاريخه ، نتيجة العمليات الحربية ..
12 ـ في 23/10/1967 ، أرسلتُ رسالة إلى رئيس هيئة أركان الجيش ، مستفسرا عن أي جديد حول فقدان الملازم فتح الله ..
13 ـ وصلنا كتاب بلا رقم وبلا تاريخ ، بتوقيع رئيس هيئة أركان الجيش ( ينعى فيه استشهاد الملازم فتح الله في ميدان التضحية والشرف ، يوم .../.../حزيران/1967 في منطقة العمليات الحربية ) " هكذا ورد تاريخ الاستشهاد مبهما " ..
14 ـ فيما بعد ، نشرت مجلة جيش الشعب صورة للشهيد فتح الله ، وذكرت أنه استشهد بتاريخ 9/حزيران/1967 ..
15 ـ وعلمْنا فيما بعد من أسرة المجند عادل كلاسي ، أنه غادر حلب إلى قطعته في نفس اليوم الذي وصل فيه ، أي في يوم 2/6/1967 ، بعد أن سلمَنا الرسالة ، وأنه استشهد مع جميع أفراد الفصيلة وقائدها الملازم فتح الله محمد رشيد ..
حتى هنا ، يكون الشهيد قد أتم الثالثة والعشرين من عمره ..
تغمده الله وجميع الشهداء بواسع رحمته ..

ثانيا ـ إضاءة :
هي موقف وشهادة :
· كان الموقف الذي سأرويه هنا ، شيئا يكاد لا يُصدق ..
ففي صيف عام 1984 ، كنت طالبا في كلية الحقوق بجامعة حلب ، وكنا نداوم في مبنى كلية الاقتصاد الحالي ، قبل أن تنتقل كلية الحقوق إلى مبناها الذي أخلته لها كلية الآداب فيما بعد ..
دخلتُ قاعة الامتحان قبيل بداية الوقت بدقائق قليلة ، وجلست في مكاني المحدد ، وكان قريبا مني رجل لا أعرفه ، يبدو أكبر مني سنا آنذاك ، يرتدي ثيابا عسكرية بلا رتب ، وكذلك كنت أنا ، لأني كنت أؤدي خدمة العلم ..
التفتَ إلي الرجل وقال بلا مقدمات : أنت أخو الشهيد الملازم فتح الله محمد كوركو ..
ارتعشتُ لسماعي هذا الكلام المفاجئ ، لكني حافظت على هدوئي وقلت له : مين ؟؟!!
كرر كلامه مؤكدا وضاغطا على الحروف : إذا كنتُ أنا من ظهر أبي ـ وأنا من ظهر أبي بكل تأكيد ـ فأنت أخو الشهيد الملازم فتح الله محمد كوركو ..
ابتسمت مناورًا ومغالبًا حالة اضطرابي ، ومددت له يدي ببطاقتي الجامعية ، وقلت : لا أعرفه أبدا ، وهذه بطاقتي تشهد ..
قال بإصرار : حين دخلتَ في باب القاعة ، كأن المرحوم دخل علي الآن .. إنك لا تشبهه في ملامحك ولا في لون عينيك ولا في قامتك .. لكن دمك دمه ، وحركتك حركته ، أنت أخوه ولا شيء في العالم يغير قناعتي هذه ..
وبثقة ، نحّى بطاقتي جانبا دون أن ينظر فيها ..
قلت وأنا أحاول أن أريَه بطاقتي : انظر لو سمحت .. انظر .. فاسم عائلتي مختلف جدا عن الاسم الذي ذكرته ..
قال بتصميم أكبر : أنا من ظهر أبي .. وأنت أخو فتح الله مهما اختلفت الأسماء .. تتنكر أو تعترف ، هذا لا يعنيني ..
قلت : ما دليلك ؟؟
قال : دمك دمه .. وحين دخلتَ الآن كأنني رأيته يدخل أمامي في باب المهجع في الكلية الحربية .. كنا في مهجع واحد .. ونعم الرجل هو ، بشهامته وعنفوانه ورجولته وعزيمته .. ولم يكن يعيبه شيء سوى أنه لا يجيد السباحة ، بل كان يخاف من الماء ، لكنه تغلب على خوفه بإرادة فولاذية ..
وهنا ، بدأ مراقبو الامتحان يطلبون منا الكف عن الكلام ليوزعوا أوراق الأسئلة .. فلم أجد مناصًا من الاعتراف له ، وسألته عن اسمه ، فقال : أنا العقيد يحيى يونس ( إذا لم تخني ذاكرتي ) من اللاذقية .. وبدأنا الامتحان ..
لكن الموقف جعلني في حيص بيص .. وقد أفقدني كثيرا من تأهبي واستعدادي ، إلا أني واصلت الكتابة بعد أن استهلكت وقتا ثمينا من زمن الامتحان ، حتى هدَأتْ فيه مشاعري وأعصابي المتوترة المضطربة ..
آنذاك ، كان قد مضى على استشهاد فتح الله سبعة عشر عاما .. فإذا افترضنا أنهما التقيا بعد تخرجهما ، فلن يكون ذلك أكثر من مرة أو مرتين على أبعد تقدير ، لأن فتح الله التحق بقطعته في الخط الأمامي مباشرة ، ولم يغادرها إلا في إجازة وحيدة في آذار من عام 1967 ، واستشهد بعد التخرج بستة شهور ..
فلو لم تكن لفتح الله تلك الشخصية الوقادة المتميزة ، المؤثرة فيمن حوله ، لما استطاع هذا الرجل أن يؤكد ـ بتصميم وبحرارة ـ أنني أخوه ، وأن دمي دمه ، رغم الفارق الكبير في شكلينا وقامتينا ، ورغم بُعد الزمن ، وأحواله وتقلباته ..
انتهى الموقف مع الأخ يحيى يونس .. شكرا لك أيها العزيز ..

· أما الشهادة ، فكانت في عام 1988 ، وصاحبها الأخ الأستاذ عبد الرحمن هوى ..
· في الوقائع :
ألغِيَتْ إعدادية آمنة بنت وهب التي كنتُ مديرَها ، وكلفت معاونا للمدير في إعدادية رضوان سويد ، التي كان أبو يعرب ( الأخ عبد الرحمن هوى ) مديرها العائد للتو من عمله في المملكة العربية السعودية ..
كنا كثيرا ما نتجاذب أطراف الحديث في الأدب والشعر ، وكان أبو يعرب شاعرا مرهف الإحساس ، شفافا ، رقيقا ، يقرأ لي قصائده ، ونتناقش ، ويحكي لي بإسهاب عن نشاطاته الأدبية ، وعمله في مسرح مدينة ينبع ، حيث كان يعمل .. وكان حين يريد أن يهرب من متاعب العمل اليومي ، يلجأ إلى مكتبي الذي يجد فيه أنيسا ومراحا ..
وكنت ألاحظ عليه تجنبه النظر إلي مباشرة ، حتى في الأوقات التي يشتد فيها النقاش بيننا حول بعض المسائل الإدارية ، فيما لم يكن يفعل ذلك مع الآخرين ..
دعاني مع بعض الإداريين إلى بيته ، فذهبت ، فلم يتغير شيء .. كان يتجنب النظر إلي مباشرة .. الأمر الذي أثار استغرابي ودهشتي ..
في اليوم التالي لم أطق صبرًا ، فقلت له بإصرار : انظر إلي .. يجب أن تنظر في عيني وأنا أكلمك .. فالعين مغرفة الكلام .. لقد لبيتُ دعوتك بدافع الفضول بحثا عن سبب يقنعني بتهربك من النظر إلي مباشرة .. لكن شيئا لم يتغير هناك .. وها أنت مازلت تتوارى بنظراتك وتتهرب من النظر في عيني رغم طلبي منك وإلحاحي .. ولم تفعل ذلك مع الآخرين .. أرجوك .. هل من سبب ؟؟!!
ابتسم ، وقد عَلتْ وجهَه حمرة داكنة ، حتى استدار عني نهائيا ، وطلب مني أن أجلس وأهدأ ، وأن أعطيَه لحظات قليلة كي يسكن روعه ..
جلست .. أحسست أن شيئا ما وراءه .. ماذا هناك ؟؟ ما السبب ؟؟!!
جلس إلى جانبي ، فنهضت وجلست قبالته ، فنهض وجلس إلى جانبي ثانية ، وهو يقول : أيمكن أن تدعني على راحتي ؟؟
استكنت ، وقلت : أنا أسمعك ..
قال بلا مقدمات أيضا : كنت أنا والمرحوم فتح الله طالبيْن في ثانوية الكواكبي بحلب في أوائل الستينيات ، وكنا صديقيْن متلازميْن ، تجمعنا غواية الشعر والكتب والأدب ، والمحبة والصدق .. والتراب الأحمر ..
وكان مجدّا ومتفوقا في دروسه ، متزنا في سلوكه ، محبوبا من زملائه وأساتذته .. مليئا بالحيوية ، نشيطا بيننا على كافة الصعد ..
لكننا كنا نتهرب منه حين ننصرف من المدرسة ، ونحن في الطريق إلى كراج البوسطة في باب اجنين .. لأننا إن لم نتركه ونمشي فإننا لن نصل الكراج قبل ساعتين على الأقل ، والطريق لا تبعد أكثر من عشرين دقيقة .. فإذا تأخرنا عن البوسطة ، وجب أن ننتظر حتى يحين موعد البوسطة التالية مساء .. وهذه قد لا تأتي ، أو قد تكون معطلة ، فنضطر للمبيت في حلب هنا أو هناك .. فيقلق علينا الأهل ، ويضطرب يومنا التالي ، ويضيع الوقت هدرا علينا وعلى الزملاء الذين نبيت عندهم ، بالسهر ولعب الورق ..
صمت ، أشعل سيكارته الثانية من الأولى ، بيدين مرتعشتين ، وتابع :
كنا نتهرب منه في الطريق ، لكثرة ما يستوقفنا أشخاص يعرفونه ويعرفهم ، منهم من يرغب بمساعدة ما ، أو واسطة في الدوائر أو المدارس ، ومنهم من ينتحي بهم جانبا عنا ، وينهمك معهم في حديث طويل ، نستشف منه رائحة السياسة ووجع الرأس .. فإذا طالت أحاديثهم ، لا يبقى لنا سوى أن نلحق بالبوسطة إلى حريتان قبل فوات الأوان ..
انفجرنا ضاحكيْن معا ، والتفت إلي يقبلني بحرارة ، ثم اعتدل وقال :
منذ اليوم الأول الذي دخلتَ فيه مكتبي ، أحسست أن فتح الله هو القادم .. فارتبكتُ وارتعشتُ ، ولم أستطع أن أقف لأستقبلك .. هل تذكر ؟؟
ومما زاد في ارتباكي وارتعاشي ، أن اسمك لا يوافق اسمه ، فما سر هذا التطابق إذن ؟؟!! لقد سألت عنك بعض معارفك ، حتى تأكد لي أنك أخوه ..
ولأن المرحوم فتح الله كان ذا شخصية محببة ومهيبة ، فلم نكن نديم النظر في عينيه ونحن نتحدث معه .. ولأنني أراه فيك ، فأنا لا أستطيع النظر في عينيك .. أرجوك أن تفهمني ، وأن تقدر حالتي .. لقد كان فتح الله نجما مشعا بالضوء والحرارة والنشاط والعنفوان والوطنية .. كان شخصية قيادية بحق ، التففنا حوله ، ووثقنا به ، وكان أهلا لهذه الثقة ..
كان مشروع قائد كبير ، فقدناه مبكرا ، وأنا أكنّ له أجمل المشاعر والأحاسيس التي أيقظها دخولك مكتبي ذلك اليوم ..
انتهت شهادة الأخ أبي يعرب العزيز ..
شكرا لك أبا يعرب ..

ثالثا ـ حياته : معَنا وفينا ..
( قريبا سيكتمل إن شاء الله ) ..

الجمعة ـ 24/إيلول/2010

الأربعاء، 22 سبتمبر 2010

نبليات ـ 5 ـ التعليم والمتعلمون الأوائل

التعليم والمتعلمون الأوائل

إن وجود التعليم في نبل يعود لأوائل عشرينيات القرن العشرين .. حيث أرسلت الدولة ـ آنذاك ـ للضيعة معلما هو "عارف أفندي الغوري " فأحضر عائلته معه ، وكانت مؤلفة من زوجته عليا ، وابنتيه جهيدة وثريا ، وولده إبراهيم ، وسكن في الضيعة في نفس المدرسة ، وهو من حلب من سكان البياضة ، جنوب القلعة ..
( ويُروى : أنه عندما جاء أمر نقله من الضيعة ، أمر التلاميذ بالاصطفاف في نسق أمامه ، وأخبرهم بقرار نقله ، وراح يودعهم واحدا واحدا ، وهو يبكي بحرارة ، فأبكى التلاميذ جميعا ، وبكى أفراد عائلته وهم ينتظرونه في العربة التي ستنقلهم إلى مقر عمله الجديد ..)

الجيل الأول :

جمع الأستاذ عارف أفندي عددا من فتيان وشباب الضيعة في صف وحيد ، عددهم يتراوح بين الأربعين والخمسين تلميذا ، من أعمار مختلفة ، تبدأ من سبع سنوات ، حتى الثلاثين ، وكانت المدرسة تلك في بيت سلام نصر الله ، وبدأ يعلمهم القرآن الكريم والقراءة والحساب ، في ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة جدا ..
من هؤلاء التلاميذ : محمد فتح الله رشيد ، حسن الطبرة ، اسماعيل الشهبندر ، حمشو سلمو الحايك ، محمد طاهر ، عبدو ناصيف ، عابد عثمان شربو ، يوسف وهادي غني شحادة ، عبدو حلوة ، محمد جواد شحادة ، يوسف غزال ، عبد اللطيف بلوي ... ...

تلاهم كل من : جعفر محمد علي كوركو ، مصطفى خليل ، محمد حسن شحادة ، جعفر حسن شحادة ، عبد الجليل مهدي نصر الله

وأغلب الظن ، أن ذلك الجيل ، لم يُصِبْ من التعليم إلا النذر اليسير وفي حدوده الدنيا ، ولم يصل أحدٌ منهم للصف السادس ربما ، بسبب قسوة المرحلة الزمنية ، وشظف العيش .. (كانت سورية تحت الانتداب الفرنسي) ..

ومن المعلمين الذين تعاقبوا على التعليم في نبل ، في تلك المرحلة :
نجدت ميرزا ، أحمد سواس ، منير منجد ، نذير فتلون ، غريب أفندي إبراهيم ، عبد القادر رفاعي ..

التعليم الديني :

حفظ بعض أهل الضيعة القرآنَ الكريمَ أو أجزاء منه ، على أيدي الأوائل من رجال الدين .. وعلمْت أن أحد هؤلاء حفـّظ بناته السبع القرآن الكريم كاملا وهو (الشيخ أحمد الرحل رحمه الله) وذلك في أواخر القرن التاسع عشر ..

وكان التعليم الديني أكثر حظا وظهورا في تلك المرحلة ، حين غادر الضيعةَ عددٌ من أبنائها إلى العراق ، فدرسوا الفقه الإسلامي في حوزات النجف ، وعادوا ليمارسوا حياتهم أئمة للمساجد ودعاة ورعاة للشعائر الدينية في مواسمها المعروفة ..
وكان من هؤلاء : الشيخ أحمد الرحل ، والشيخ إبراهيم الضرير وأخوه الشيخ إسماعيل ، والشيخ عباس حج خليل ، ( رحمهم الله تعالى جميعا وجزاهم عنا كل خير) ..
ثم تبعتهم مجموعة ثانية : السيد عبد الأمير محي الدين ، والشيخ سعيد حج خليل ، والشيخ إبراهيم نصر الله ..

الجيل الثاني :

لكن جيل الثلاثينيات والأربعينيات ( وسنة 1950 ضمنًا ) من المتعلمين (ويعدون ـ بحق ـ الرعيل الأول ) ، هم الذين ساهموا ـ وبشكل فعال ـ في إحداث النقلة الاجتماعية والثقافية والسياسية التي خلقت شيئا من التوازن بين الحياة الاقتصادية من جهة ، والحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية من جهة أخرى ( وإن كانت الغلبة الواضحة بقيت للحياة الاقتصادية السائدة ) ...

ومن هؤلاء : زكريا الضرير ، يحيى ومحمد السيد علي ، عبد الرؤوف وعدنان الزم ، محمد علي وعبد الله شحادة ، محمد علي بلوي ،عباس حنيف طبرة ، يحيى وحسين حج حسن سلوم ، حسين جليل شحادة ، علي سلام نصر الله ، شربو حج كاظم شربو ، راسم شربو ، علي ومحمد هادي شحادة ، حسين الشهبندر ، حسن النعناع ، عزيز عباس بلوي ، يوسف نصر الله ، يحيى نورو شمس الدين ، عبد الأمير سعيد شربو ، علي حمزة شربو ، حسين فرج شربو ، نديم مرسال ، سامي فجر شحادة ، يحيى جعفر الضرير ، سعيد مصطو التقي ، عبد الرسول زم ، وحيد طاهر أبو راس ، عباس محمد ازغير ، شمسو شمس الدين ، الشهيد فتح الله محمد رشيد ، حسين نصر الله ، الشهيد أحمد الباشا ، أحمد وحسين تقي شيخ طاهر ، مهدي منصور ، علي عبدو حج عباس ، أحمد شحود كدلا ، علي عباس حج خليل ، أحمد زيدان بلوي ، عبد السلام بلوي ، مهدي نصر الله ، جعفر سعيد رسولو ، محمد أحمد الأبرص ، علي حسين غريب ، جميل درويش حنبلاس ، حسن حمزة شربو ، إبراهيم إسماعيل شربو ، حسين عبد الله النجار، إبراهيم عبد الله النجار ، حسين فاضل كعدة ، حسين فتوح كعدة ، علي عساف ، عبد الهادي الباشا ، كاظم عرب ، علي حاج طاهر ، محمد فارس كزو ، محمد عبد الله كزو ، عبد العزيز عبد العزيز، علي مصطو التقي ، يحيى محمد طاهر ، علي عبد الجليل الزم ، رشيد شربو ، محمد كامل كعدة ، أحمد محمد كنج ، حسن حمزة شربو ، عباس الباشا .. وآخرون ..

أوائل المتعلمات :

وهناك بعض المتعلمات اللواتي ينتمين لتلك الأجيال ، واللواتي درسْنَ في مدرسة الذكور ، منهن السيدات :
حياة الشيخ إبراهيم الضرير ، خديجة وفهيمة شعبان شحادة ، هند وسلمى شربو ، خديجة وفاطمة حج حسن سلوم ، هدى الشيخ عباس حج خليل ، مريم محمد النجار .. وأخريات ..

المدرسة الأولى :

كانت بدايات التعليم قد بدأت في بيت سلام نصر الله لمدة عام ، كما أسلفت ، ثم انتقلت إلى بيت حج رضا حنبلاس ، ثم بيت حسين علاو بالقرب من ( طاحونة التل ) ، ثم بيت عبد الهادي حمود ، خلف البلدية ، ثم انتقلت للحي الجنوبي في بيت الشيخ محمود زم ، ثم في بيت يوسف أحمد يوسف ، ثم إلى مدرسة بنتها الدولة شرق بيت السيد علي صرصر عام 1945 وما تبقى منها بيع له ، بعدما أخذ الشارع الرئيسي جزءا منها ، ولم تعد تفي بالغرض ..
وفي عام 1954 افتتحت المدرسة الابتدائية الجديدة في نبل في الحي الغربي ، وسميت : مدرسة نبل الريفية الزراعية ..
وأول مدير لها هو : الأستاذ عمر مدني ..
وكانت المدرسة الغربية مقر العمل للمعلمين النبليين الأوائل ، السادة : زكريا الضرير ، ووحيد أبو راس ، وعلاو علاوي ، وشربو حج كاظم شربو ..

وعلمت أن من المعلمين الذين كانوا يذهبون إلى المدرسة الغربية من حلب ، الأستاذ وحيد خياطة ( أمين فرع الشبيبة بحلب سابقًا ) ، والأستاذ عدنان كزارة ، ( الموجه الاختصاصي سابقا ) ، (وهذه المعلومة أسجلها نقلا عنهما ، وهما يستذكران أمامي علاقتهما الطيبة والودودة بأهل الضيعة عموما ، وبتلاميذهما خصوصا )..

أول مدرسة للبنات :

تأسست في عام 1960 أو 1961أول مدرسة للبنات ، مستأجرة ، في بيت المرحوم الشيخ إبراهيم الضرير ، والتي هُدمتْ فيما بعد وصار مكانها ما يسمى اليوم : عبّارة وصالة الضرير ..

وكانت أوائل المعلمات فيها وافدات من محافظات أخرى ، منهن السيدات : نجاح بصمه جي ، نبيهة بيطار ، علية طحان ..

وقبل افتتاح هذه المدرسة ، كانت المتعلمات الأوائل يدرسْن في مدارس الذكور ، كما كان الحال نفسه يتكرر حين تأسست الإعدادية الأولى فيما بعد ، فكانت مشتركة بين البنين والبنات ، وكذلك كانت الثانوية الأولى للبنين مشتركة أيضا ..

وبعد افتتاح أول مدرسة ابتدائية للبنات ، غدت مشتركة أيضا مع الذكور لفترة وجيزة ، نظرا لصعوبة وصول تلاميذ الحي الشرقي للمدرسة الغربية ، وذلك بعدما انتشر البناء بعيدا عن مركز الضيعة ..

وهذا يدل دلالة كبيرة على انفتاح الأهالي ، واندفاعهم لتعليم بناتهم ، في وقت مبكر نسبيا ، ولو في المدارس المشتركة ، وفي مراحلها المختلفة ..
وقد كان رجال الدين سباقين لتعليم بناتهم في تلك المدارس المشتركة ، الأمر الذي اتخذه الآخرون قدوة حسنة لهم ، فبدأت نهضة تعليمية حقيقية ، أفاد منها جيل الفتيات الذي ينتمي لأواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات ..
وأول طالبة من نبل ، تنال شهادة جامعية ، كان عام 1983 ..


أول إعدادية للبنين :

أما المدرسة الإعدادية الأولى للبنين ، فتأسست في العام الدراسي 1964/1965 ، وكانت بدايتها بطلاب الصف الأول الإعدادي فقط ، ومقرها في دار (عبد الهادي الضرير) ، خلف بيت المرحوم حج سعيد شمس الدين ( أبو شمسو ) ، وكلف الأستاذ زكريا الضرير مديرا منتدبا فيها ..
وقد تضافرت جهود كثيرة حتى وافقت مديرية التربية بحلب على تأسيسها ، وكان المرحوم الشهيد فتح الله رشيد ممن سَعَوْا لإحداث الإعدادية في نبل ، فكان أول مكلف بتدريس مادتي اللغة الإنكليزية والاجتماعيات فيها ..


وبحكم أن هؤلاء ـ أبناء جيل الثلاثينيات والأربعينيات ـ اختلطوا جيدا في المجتمعات المدنية ، من خلال الدراسة أو العمل الوظيفي ، وكوّنوا علاقات مهمة في تلك المجتمعات ، ووظفوها أحيانا ، وأحسنوا الإفادة منها ، في تقديم كثير من الخدمات والمساعدة لأهالي الضيعة ، هنا وهناك ، في الدوائر الحكومية والمدارس والمستشفيات وبعض المرافق الأخرى ، حتى احتلوا مكانة ريادية مهمة في بيئتهم ، وحظوا بمكانة مرموقة في مجتمع الضيعة ، مما انعكس إيجابا على حياتهم الشخصية ، فتصدروا مواقع مختلفة ، في الدوائر الحكومية ، ومجلس الشعب والنقابات العمالية ، والمدارس والمنشآت الريفية الأخرى ..
( عام 1977وبعد انتهاء عضويته في أول مجلس للشعب منتخب ، رُشح الأستاذ زكريا الضرير ليكون وزير تموين ، لكنه اعتذر !! )

ولعل جيل الخمسينيات ، حظي بنصيب أوفر من التعليم ، قيياسا للأجيال السابقة .. إذ بدأت رياح التغيير والتطوير تشمل مختلف النواحي الحياتية وخاصة التعليم بمختلف مراحله ، لاسيما أن الدولة تنطعت لهذه المهمة بشكل تام ومجاني منذ فترة ما بعد الاستقلال ، مرورا بثورة آذار ، وما تلاها ..
وذلك سيكون ـ إن شاء الله ـ مجال بحث آخر ، أسأل الله أن يعينني عليه ..

الثلاثاء ـ 22/09/2010


الاثنين، 20 سبتمبر 2010

نبليات .. مفردات حميمة جدا ..

ـ تيّاخ : سياج السطح ..
ـ تفي : فصيحها : الأُثفيّة ، وتجمع : الأثافي ، وهي مكان موقد نار الطبخ والغسيل وغيرها ..
ـ قافعا : فتحة دائرية في السقف ، يُلقى من خلالها الحَبُّ المسلوق بعد جفافه ، بدلا من تنزيله محمولا ..
ـ برطاش : سياج عتبة البيت ، ويكون أمام الأبواب والشبابيك أيضا ..
ـ عتـّابي : فسحة وراء باب الغرفة ، كانت تستخدم مكانا للاغتسال ، وهي مكان لخلع المشايات والصرامي والكلاشات ..
ـ دِكـّي : المكان المرتفع عما حوله ، يستخدم للسهر واستقبال الضيوف صيفا ..
ـ مربّع : غرفة تكون فوق البيت ، وغالبا ما تستخدم للضيافة ، أو .. للزواج الثاني ..
ـ أوضا : هي المضافة الجاهزة دوما لاستقبال الضيوف .
ـ فِجّي : الغرفة الكبيرة التي سقفها من الطين المحمول على عوارض خشبية ، محمولة على قوس في وسطها يقسمها لقسمين ..

ـ كرّوزي : الطريق المرصوفة بالحجر ، أو الطريق الإسفلتية ..
ـ سِنسيل : السور الذي يحيط البيوت لحجبها ، والأراضي لتحديدها ..

ـ حاكورة : أرض محدودة بسور ، تزرع بالبقدونس والرشاد والبندورة والباذنجان والفليفلة وغيرها من احتياجات الأسرة ..
ـ حُولي : مثل الحاكورة ، وقد تكون أصغر مساحة ..

ـ جيعا : حفرة صخرية تتجمع فيها مياه أمطار الشتاء لاستخدامها في الصيف ، وتكون بعيدة عن البيوت ..
ـ صهريج : خزان مائي يحفر في باحة الدار ، في باطن الأرض ، لتجميع مياه أمطار الشتاء ..
ـ غرّازي : بئر لماء الشرب ، تحفره الدولة وتضخ ماءه للمواطنين ..
ـ حلّية الجب : حجر دائري كبير في وسطه فتحة تمثل فوهة الجب ..
ـ قادوس : سطل معدني ذو قعر خشبي ، لنتح مياه البئر ..


ـ خارج : دورة المياه ..
ـ طهارا : مصطلح ثان لدورة المياه ..
ـ زيّازي : مجرى المياه المستعملة ..
ـ آخُر : الزريبة ..
ـ طربوع ـ طرابيع : أقراص من روث الحيوانات ، تجبل وتجفف لاستخدامها في إشعال التنور أو الأثفية ، للطبخ وتسخين المياه والخبز ..


ـ دِسْت : وعاء كبير تطبخ فيه أطعمة الولائم الكبيرة ، وهو أصغر من فرخ الحلة ، وأكبر من أكبر طنجرة ..
ـ فرخ الدست : هو أصغر من الدست ..
ـ حَلـّة : الوعاء الأكبر بين الأدوات ، ويستخدم لسلق الحبوب ..
ـ فرخ الحلة : وعاء أصغر من الحلة وأكبر من الدست ..
ـ سْليقا : هي عملية سلق القمح في الحلة تمهيدا لتصنيع البرغل ..
ـ عدرسة البرغل : عملية تسبق جرشه ، ليغدو صالحا للطبخ ..
ـ كسيرة الشحاد : طبيخ من بقايا الكعك اليابس ، والبندورة والقليل من الزيت ، إذا تيسر ..
ـ خلقين : وعاء أسطواني لملء الماء من الغرازة أو البئر ، تحمله المرأة على رأسها ..
ـ خابي : جرة فخارية لتخزين ماء الشرب داخل البيت ، وهي براد الماء صيفا ..

ـ كارا : هي نوعان : واحدة دائرية كبيرة محشوة ببقايا الأقمشة ، وتستخدم في لصق العجين في التنور .. والثانية صغيرة ودائرية توضع على رأس المرأة ، لوقايته من تأثير ما تحمله المرأة على رأسها ، حين نقل الماء أو الحبوب ..


ـ طربوش : تضعه المرأة على رأسها ، وهو دائري وسميك ، ويزيَّنُ بالحلي الذهبية والخرز وغير ذلك ..
ـ قرامل : مجموعة خيوط مجدولة ، كانت تغطي المرأة بها وركيْها ..
ـ مَحْزم : حزام : قماش حريري طويل مزركش ، تربطه المرأة على خصرها فوق الثياب ، وله أنواع وأشكال وألوان كثيرة ..
ـ كبوت : تلبسه المرأة فوق ثيابها ، كالمعطف ..
ـ مانطو : معطف طويل تلبسه المرأة خارج الضيعة ..
ـ شوكي : حلية ذهبية تستخدمها المرأة بتثبيتها على طرفي الرأس ، بالطربوش أو الكفخا ..
ـ كفخا : تتخفف به المرأة ، وتجعله غطاء لرأسها في أوقات العمل ، بدلا من الطربوش الثقيل ..
ـ شنون : أظن أنه من لوازم زينة المرأة ..
ـ صَفّ : مجموعة من القطع الذهبية توضع على جبين المرأة وعلى جانبي الوجه ، مثبتة تحت الطربوش .. ولها مسميات : غازي ، جهادي ، ليرة إنجليزية ..
ـ قليدي : القلادة : قطع ذهبية مثبتة كالطوق ، تعلقها المرأة في رقبتها ، وتتدلى على صدرها ..
ـ أزّي : أي : قزّ : نسبة إلى دود القز الذي يُستخرَج الحرير الطبيعي من شرانقه ، وهي قطعة قماش حريرية طولها حوالي أربعة أمتار ، تلفها المرأة فوق الطربوش ..
ـ ملتان : قميص حريري " بللوري " مخطط طوليا ، يلبسه الرجل ، وتكون أزراره على يسار الصدر ..
ـ أمباز : لباس للرجل ، يكون طويلا ، وفتحته على الطرف الأيسر .. وترتدي المرأة أمبازا خاصا بها أيضا ..
ـ سكوي : جاكيت للرجال ..
ـ بردسون : المعطف الطويل الذي يرتديه الرجل ..
ـ شروال : أو لبيس ، أو سروال : وهو لباس عربي تقليدي من القماش الأسود الفاخر ، يرتديه الرجل مع بقية لوازمه ..
ـ حَطاطا : غطاء رأس للرجل ، وتكون من القماش الخفيف الأبيض ( المركزيت ) صيفا ، ومن القماش القطني ( الجمدانة ) شتاء ..
ـ حدّافي : نسيج صوفي طويل ، يلفه الرجل حول عنقه شتاء ..
ـ سمني : غطاء رأس للرجل ، حريري ، وسمني اللون ، يلبسه الخاصة في المناسبات ..
ـ شال : حزام للرجل ، مزركش ، صوفي أو حريري ، وأفخر أنواعه : العجمي ..
ـ منطوفة : حذاء للرجل ، من مستلزمات اللباس العربي ..
ـ مشّاي : حذاء جلدي أحمر اللون ، يصنع يدويا ، يلبسه الرجل ..
ـ كلاش : نعال صيفي ، يستخدمه الرجل ..
ـ صرماي : حذاء ، من ملبوسات الرجل ..
ـ هَمَايل : ( جظان ) أو جزدان من الخرز المنسوج الملون ، يعلق للزينة في رقبة الأطفال ..
ـ جوراي : قطعة قماش ، تزين أطرافها بالخرز والبرق ، تستخدم غطاء للمرآة أو الأشياء النفيسة في البيوت ..
ـ شرشوبي : مجموعة خيوط ملونة ، أو خرز ملون ، تزين بها الملابس ..
ـ شملي : هدية من المأكولات المختارة ، يأخذها أهل الخطيب ، لبيت الخطيبة ، في أول زيارة لهم إلى بيتها ..
ـ فوتة الدار : مبلغ مالي يُهدَى للعروس ، للخطيبة في أول زيارة لها لبيت خطيبها ..
ـ عزيمة العروس : وليمة تقليدية ، حيث تدعى الخطيبة وأهلها وبعض المقربين ، إلى بيت أهل الخطيب ، لمزيد من التقارب والتعارف ..
ـ تعليلي : سهرات الفرح التي تسبق العرس ، وتكون للنساء ، وأخرى للرجال .. وقد تكون هي العرس نفسه الظروف الطارئة ، أو لدى غير الميسورين ..
ـ تدريجة العروس : وتكون بخروج العروس من بيت أهلها إلى بيت زوجها ، راكبة الفرس ، ومصحوبة بالأهل والأقارب الذين يزفونها ، بعد أن تستأذن والديها بالخروج الأخير من بيتها إلى بيت زوجها في ثالث أيام مراسم العرس ..
ـ نقوط : مبلغ من المال يقدمه الأهل والأصحاب للعروس يوم الزفاف ..
ـ مَرْسَح : مكان الاحتفال بالعريس ، ويكون في أرض دار فسيحة ، أو على أرض البيدر ..
ـ ديلاني : هي رقصة الدبكة الجماعية ، حيث يمسك الرجال بأيدي بعضهم ، ويكون على رأسهم ، أكثرهم إتقانا لفن الرقص ..
ـ دورة العريس : تكون بعد نهاية مراسم الاحتفال بالزفاف ، في ليلة الدخلة ، فيصطحب الحاضرون العريس في جولة في الشوارع القريبة من بيته ، تتبعهم النساء ، ليصلوا به إلى بيته ، ثم ينصرفون ..
ـ ناموسي : سرير ( تخت ) للعروسين ضمن جهاز العرس ..



ـ مَرَسي : الحبل الرفيع ..
ـ مْرَدّ : حبل ، من لوازم فدان الفلاحة ..
ـ خِط : هو مقياس للمساحة يعادل نصف التيارا من الأرض ..
ـ تيارا : مقياس مساحة طولي ، يقدر ب 90 سم تقريبا ..
ـ صيفي : ما تنتجه الأرض من خضراوات الصيف ..
ـ سكي : آلة حديدية ، تُركب على " العدة " التي يُفلح بها الأرض للزراعة ..
ـ نير : أسطوانة خشبية ، توضع على رقبتي الحيوانين اللذين يجرّان عدة الفلاحة ، لتثبيتهما في خط مستقيم ..
ـ سبنَـّانة : وهي وتد خشبي ، يستخدم أربعة منه في النير لتثبيته فوق رقبتي الحيوانين اللذين يجران سكة الفلاحة ..
ـ شيحر : سلـّمان خشبيان مقوسان للداخل ، ومتصلان من الأعلى ، ترص إليهما كواديس الزرع المحصود ، ويحمل على ظهر الدواب لنقله إلى البيدر ، في عملية تسمى :
ـ رجاد : أي نقل المحصول المحصود من الحقل إلى البيدر ..
ـ كادوس : مجموعات من سيقان الزرع المحصود ، يفصل بينها مسافة متر أو مترين ، على طول الأرض المحصودة تمهيدا ليوم الرجاد ..
ـ جرجر : آلة خشبية ذات شفرات معدنية دائرية مسننة ، يجرها حيوان أو أكثر ، تستخدم في عملية الدريس ، أي : تقطيع سيقان القمح والشعير والعدس ، لتنعيمها واستخراج الحبوب منها ..
ـ بيدر : قطعة أرض تجمع فيها المحاصيل تمهيدا لدرسها ، ثم تذريتها ، واستخراج حبوب الموسم ..
ـ دريخة : كمية من بيدر المحصول ، تفرش حوله ، ليقوم الجرجر بدرسها ..
ـ شِير : هي مجموع ما انتهى الجرجر من تقطيعه ، حيث يجمع حول البيدر ، وتتوسطهما الدريخة ..
ـ تكّ : عربه بدائية تجرها الحيوانات ، وتستخدم للنقل والتنقل ..
ـ عريش : عارضتان خشبيتان ، من لوازم التك ، يربط الحيوان بين عارضتيه ليجر التك ..
ـ قمجي : السّوط الذي يضرب به الحيوان حين يتباطأ بالفلاحة أو بجر العربة ..
ـ بردوعا : قطعة من القماش أو الخيش ، توضع على ظهر الحيوان حين ركوبه ..
ـ جْليل : سرج خاص بالحمير والبغال ، للركوب عليهما ..
ـ سَرْج : ما يوضع على ظهر الخيل ، عند ركوبها ..
ـ رّسَن : مقود الدابة ..
ـ لجيم : لجام حديدي غالبا ، يوضع في فم الدابة الناشزة لتسهيل قيادتها وركوبها ..

ـ كوارا : هي خزان الحبوب في البيوت ، ولها فتحة في أسفل الجدار ، لاستجرار ما يحتاجه أصحابها من المؤونة ..
ـ خوخا : فتحة في إحدى شقتي باب الدار ، للدخول والخروج منها ، دون فتح شقة الباب الكبيرة ..
ـ دقـّاقا : قطعة معدنية تثبّت على باب الدار لتنبيه أصحاب البيت بوجود أحد ..
والدقاقة أيضا : مضخة يدوية لاستخراج الماء من البئر ..

ـ ماكينا : السيارة ..
ـ بوسطا : حافلة كبيرة لنقل الركاب بين المدن والضياع ..
ـ أطبوز : حافلة لنقل الركاب متوسطة الحجم ..
ـ بوزنك : سيارة شاحنة كبيرة ..
ـ أخرس ، أفنص ، تخت منامي : من مواصفات بعض السيارات الشاحنة التي اشتهرت بها نبل ..

ـ تلتي : علبة أسطوانية خشبية ، تملأ باللبن لبيعه في السوق ..
ـ شقلي : كيس من خضراوات الصيف كالقتة والعجور ..

ـ طبق : صينية منسوجة من القَصَل ..
ـ تجويري : صينية مقعرة منسوجة من القصل .
ـ قفص : وعاء يُصنع من القصب ، هرمي الشكل ، ذو قاعدة دائرية أصغر من الفوهة الدائرية الكبيرة ..
ـ خاشوقا : الملعقة ..
ـ كفكير : ملعقة دائرية ومقعرة ، له أحجام متنوعة ..

ـ قنديل : أداة للإضاءة ..
ـ سريج : سِراج : أداة للإضاءة بإشعال الزيت فيه ..
ـ شّعَّالى : أداة للإضاءة بالكاز ..
ـ أمبا : لمبة الكاز ذات الفتيل والزجاجة الخاصة بها ..
ـ فتيلي : فتيل قطني يُشعل بالزيت أو الكاز ..
ـ فانوص : فانوس : أداة للإضاءة يستخدم خارج البيت ، مصمم بإحكام ، بحيث لا تنطفئ شعلته إذا تعرض للهواء الشديد ..

الإثنين ـ 20/09/2010


شكر خاص للأخ الصديق عباس حج كاظم شربو ..

الجمعة، 17 سبتمبر 2010

كاتب هذه القصيدة هو الشاعر اللبناني طلال حيدر .. وغنتها السيدة فيروز تحت اسم ( وحدن ) ..
قصة القصيدة :
كان الشاعر طلال حيدر يشرب فنجانيْ قهوته ، الصباحي والمسائي ، على شرفة منزله المطلة على غابة تقع على مقربة من منزله ,,
مرت فترة من الزمن عندما كان طلال حيدر يشرب قهوته الصباحية ، ويلاحظ دخول ثلاثة شبان إلى الغابة في الصباح ، ويخرجون في المساء ..
ومع مرور الزمن أخذ هؤلاء الشبان الثلاثة يلقون التحية على طلال حيدر في الصباح عند دخولهم إلى الغابة وكذلك في المساء ..
وهنا اعتاد الشاعر أن يرى هؤلاء الشبان كل يوم وهو يتساءل :
ماذا يفعل هؤلاء الشبان داخل الغابة من الصباح إلى المساء ؟؟!!
إلى أن أتى اليوم الذي ألقى فيه الشبان التحية على طلال حيدر في الصباح ودخلوا إلى الغابة .. وفي المساء خرج طلال حيدر ليشرب قهوته ، لكنه لم ير الشبان يخرجون كعادتهم كل يوم ..
فانتظرهم طويلا ، لكنهم لم يخرجوا ، فقلق طلال حيدر إلى أن وصله خبر يقول : إن هناك ثلاثة شبان فلسطينيين قاموا بعمليه فدائية وسط إسرائيل .. وعندما شاهد صور الشبان الثلاثة فوجئ بأن الشبان الذين استشهدوا هم أنفسهم الشبان الذين اعتاد أن يتلقى التحية منهم في الصباح والمساء ..
فكتب قصيدته :

" وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان بيسكروا الغابي بيضلهم متل الشتي يدقوا على بوابي "
وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان..
غناء السيدة فيروز..
وحدن بيبقوا متل زهر البيلسان ..
وحدهن بيقطفوا وراق الزمان
بيسكروا الغابي .. بيضلهن متل الشتي يدقوا على بوابي على بوابي
يا زمان يا عشب داشر فوق هالحيطان
ضويت ورد الليل ع كتابي
برج الحمام مسور وعالي ..
هج الحمام بقيت لحالي لحالي
يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعوا
صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا
وحدن بيبقو متل هالغيم العتيق
وحدهن وجوهن وعتم الطريق
عم يقطعوا الغابي وبإيدهن متل الشتي يدقوا البكي
وهني على بوابي
يا زمان من عمر فيْ العشب ع الحيطان
من قبل ما صار الشجر عالي
ضوي قناديل وأنطر صحابي
مرقوا .. فلوا .. بقيت عبابي لحالي ...
يا رايحين والتلج ما عاد بدكن ترجعوا
صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعوا

منقووووووووول
مع التحية للأخ جبرائيل

نبليات .. حكايا حمدو ـ 4

أولو شرط إيخرو رضا ...
كان حمدو يشترط على حاله شرطا مسبقا إذا اضطرته ظروف الحياة أن يذهب إلى حلب ..
فيقول مخاطبا نفسَه الأمارة بالسوء :
يا نفسي .. بكرا أنا لازم أروح لحلب ، وهونيك بباب جنين وبباب انطاكي في كتير أكل وشرب وشهوني وعلاك مصدي ..
في كباب مبهّر اللي ريحتو بتشق الراس ، وفي كبب مقلي ومشوي ومحشي باللحم والسنوبر والفستق الحلبي ، وفي معلاق وسودا مشوي ، وفي كمان مبرومي وسوارة الست ونمورة وأم النارين وشعيبيات وبقج ، وغيرو وغيراتو ...
فيا نفسي .. الزمي حدودك ولا تتشهوني ولاتتطلبي ولا تغاري من غيرك ولا تنقي ، ولا تقيسي حالك بحال غيرك .. الدنيا مقامات والناس مقامات والأكل والشرب واللبس كلو مقامات ,, ولوما كان هيك كنت تجوزت غير هالمشحورة كحلا اللي لا بتهش ولا بتنش .. بقا يا نفسي ، الله يخليك ، اصبري عليّ ولا تزيدي عزابي عزاب ، ولا تزيدي ناري نار .. اللي فيني مكفيني ..
بعرفك مشهوني ودناقا ، بتحبي اللقمي الطيبي ، والمي البيردي في كاس بللور عرقان ، قدام دولاب الهوى اللي بيرد الروح .. بس اش أسويلك ؟؟!! العين بصيرا والإيد قصيرا ..
وأولو أهونو ..
لكِ ـ يا نفسي الأمارا بالسوء ـ فرنك واحد ما لك غيرو .. لا تطولي ولا تقصري وكوني قنوعا شكورا ، واقنعي باللي قسملك هو القسام العظيم .. إي فرنك بأدّيك أكل ..
بشتريلك فيه رغيفين من خبز حلب الأبيض ، بأدّمن عا ريحة الكباب والسودا .. وكفاها المولى ..
وبيضلوا أحسن من كعكات كحلا المشحورات ..
والشرب ، بشربك م الحنفي اللي ببوز باب جنين وبخسّل وجي وراسي منا مشان تتبوردي .. وهيك بتكوني ما في منك .. لا بتعزبيني ولا بتمرمريني ولا بتخليني أسيوي شي الله ما رادو ..
وبعدين ، اللي أولو شرط ، إيخرو رضا .. مو تجي هونيك تقوليلي كاني ماني !! لا تطولي ولا تقصري ، ما في لا كاني ولا ماني ..
هو فرنك واحد ما لكِ غيرو .. وأصلا ما معي غيرو .. بقا كنّي واعقلي والزمي حدك وخليني أمشي الحيط الحيط وأقول : يا رب السترا .. واوعديني ما تخالفيني ولا تجوري علي بطلبات ماني قدا ..

انتهى حمدو من تلقين نفسه الشرط الذي يجب أن لا تنساه ، وهولا يكل ولا يمل من ترديده كلما اضطر لمغادرة الضيعة ..
كان الوقت أول الليل ، فيجب أن يرتاح ويريح بدنو وبدن حمارو ,, وكانت الغرفة حوله مظلمة كالقبر ، ( لأن كحلا أخذت الشعالي معها إلى الطهارا ) ..
فصاح بها :
ما خلصتِ ؟؟ ريتا سَراجا في مصارينك .. اطفي الشعالي بقا ، بدنا نندفس ، عنا سَفرا بكير ، وصار نص الليل ولسّا ما انلهدْتِ ..
غمغمتْ كحلا قبل أن تدخل :
تقبر الإني والصحاب .. اشبك تسودنت ؟؟
ولما دخلت ، حطت الشعالي فوق التفي ونفخت ع الفتيل .. فانطفا ..
كان حمدو يرى أن إشعال فتيل الشعالي ( بطعمي وبلا طعمي ، بعزقا ما بيحسن يتحملا أو يسكت عنا ) ..
المهم :
من جهجهة الضو ، ركب حمدو طريق حلب ، وصار يسعسع هو وحمارو ، مقتبل من تحت السجرا عا نغيولي وهو رايح ..
وصل قبل الظهر لخان حنيف ، ربط الحمار ، وراح عا فرن الوراقة ، اشترى رغيفين خبز حلبي أبيض م التلج ، ورجع لباب جنين .. استل من عبّو كعكي من خبز أولت امبيرحا ، دَمَجَا بالرغيف السخن ، وشرّق في باب جنين ، يتنشق ريحة المشاوي والمقالي ، يأدم لقمتو عليّا ..
ووقت اللي خلص أول رغيف ، كان مرق من الطرف الشرقي .. دوّر ورجع يأدم الرغيف التاني في التغريبي ..
كان الهوا عميلعب لعب بالدخيخين اللي عمتضهج تحت ضو الشمس الميرق من فتحات السقف وشقوقو وخراقاتو ، وهو عمبقض وبيتنشق تا طلع م الطرف الغربي .. شرب م الحنفي وخسّل وجو وراسو ، وتبورد ، وصار ينشف باللفاحة ، ويحكي مع حالو بصوت مسموع ، كأنو جاب الديب من ديلو :
شفتي شلون وفيت بوعدي ؟؟ أنا بحكي وبفعل .. اللي صارلك ما صار لحدا .. اضحكي بعبّك .. وإنتي صار لازم توفي بوعدِك كمان ، وتصبري عليّ وما تطولي لسينك وما تتشهوني أكتر من هيك ..
وقبل ما يشيل اللفاحا عن وجو ، سمع صوت مرا :
يا عالم .. يا هووو .. تاعوا اسمعوا هالابن الكلب اش عميحكي معي ..
وشدت اللفاحا عن وجو ، وبلشت فيه مسبّي وشتايم ، وكملوا الناس عليه بالضرب والتنحير ، ووقف هو مبلوس لا من تمّو ولا من كمّو .. ولولا ولاد الحلال اللي رأفو بختيرتو كان راح فيها .. ومن يوما تاب حمدو عن نزلة حلب وما عاد داس برا الضيعة ..

J J J J

كحلا ..
هي الزوجة الثالثة لحمدو .. ماتت الأولى والثانية ، وتزوجته متأملة أن يموت قبلها ، كي ترث ( الفجي والحوم والجيجات ) ..
والحُوم له حكاية طريفة ، رواها لصديقه وراويته حج محمد : قال :
أمي ـ الله يرحما ويحسنلا هي اللي عمّرت الحُوم عا دفعات ..
كان بالأول شوية غصون ييبسي ، وحواليّا شلول تبن بَلياني .. وتغطيه بالشتي بلوح توتي ، وتحجّرو لمَا يطيروا الهوا ..
وهيك كان يوم تجوزت أول مرة ..
وقبل مرور جمعا عا جوازنا ، هدتو المرا وعمرتو بحجرات ودكش لمّتن من حوالي البيت ..
جيت المسا لقيت الحوم متغير .. سألتا عن السبب ، قالت :
الله يكسر إيدين اللي سوّت هيك حوم وهيك سئمان .. ما شفت الجيجات شلون بضلوا يصيحوا وينطنطوا فيه طول الليل ؟؟!! لا بناموا ولا بخلونا ننام !! ..
ما كسرت بخاطرا لسّاها عروس ، ومليح طلع منّا هيك .. والحكي بسرك يا حجي : كان الحوم الأولي أحسن م اللي سوّتو مرتي ..
بس أنا قلتلا : عمبقول ليش الجيجات ما بيهدا صياحن طول الليل !!! خير ما فعلتِ ..
وكمان ما تغير شي تاماتت المرا ..
جبنا المرا التاني ، كمان قالت : الله يكسر إيدين اللي عملتو .. مو شيفو شلون مجنن هالجيجات ومخلين ما يهدوا ولا يكنوا لا ليل ولا نهار .. هلأ شوف شلون بدن يناموا فيه م المسا ، وما يقرقونا طول هالليل .. إي هالحوم متل القبر ، شلون هالجيجات المسكينات بدن يهجعوا فيه ؟؟!!
مليح ماطفشوا ، كنا انحرمنا من بيضاتن .. حيكم ما عاد حدا يبيع بيض جيجاتن ..
هدتو تاني يوم م الصبح ، وعمرتو وجابت طراب من جورة التل وطرَتو ووسعت بابو وسوتلو طاقة ع الغرب مشان يدخل منا الهوا ..
كمان وقت اللي شفتوا ، قلتلا : الله يعطيك العافي .. هيك صار أحسن من أول .. بلكي منحسن ننام شي يوم لضحوي !! ..

ومع كل هالشي بقي الحال عا حالو تا ماتت ، وجت التالتي : كحلا ..
وكحلا ما هي أقل منن : همّي وزكا وفطني ..
كمان هدّت الحوم وبنتو ، وزادتلو سقف طين ، وجابت كلس ، طفتو وكلستو كلو من جوا ومن برا ، تا صار أبيض متل النفجي .. ..
سألتا ليش ؟؟
قالت : أنت بتحسن تنام بغرفي بلا سقف ؟؟!!
شلون بدن يناموا وينيمونا وهني بهيك حوم مسخّم ومقموع قمع بالوسخ ، وفوقا ما لو سقف ولا شحوار ؟؟!!
سألو حج محمد : ما طلعت منن وحدي فالحا تعرف تظبطو ؟؟
جاوبو : صدق يا حجي : كل وحدي منن كانت تسيويه أبشع م الأول بمية مرة ..
وأحسن حوم عنا هو اللي أمي سوتو م الغصون والشلول ..وعمرنا ما سمعنا صوت لهاجيجات إلا من يوم ما كل وحدي تجي تخربو وتعمروا عا أساس أنو هي بتفهم وغيرا لا لا ..
بس مين بسّجر يقول للضبعا : عيونك حمر ؟؟!! ..
كلن ضبيع يا حجي الله وكيلك ..

الجمعة ـ 17/09/2010

يوسف رشيد