الاثنين، 12 أبريل 2010

من مذكرات ملاح قرر العودة إلى الوطن

من مذكرات ملاح قرر العودة إلى الوطن

البحر/ 1/حزيران :
تنام الذكريات في أحضانكِ ، قادمة إليكِ من مسامات بعيدة ، مجهولة الإقامة ، تتقاسم وإياكِ هواء الشهيق ، وفردةَ الحذاء ، وبقايا ثوب يكسو جزءًا من مفاتن الجسد الذي تقبع تحته آلافٌ من الأشياء لا أسماء لها ..
ثمة أمر مفاجئ لم يكنْ في حسبان أحدٍ منا ، فلقد تغيرت الطريق التي تسلكها القوارب عادة حين عودتها ، ولم يستطعْ أحدٌ تفسير هذا الأمر .. إلا أن تخميناتٍ كثيرةً انطلقت بعشوائيةٍ حينًا ، وبلا مبالاةٍ حينًا آخر .. والتناقضُ يَسِمُ هذه التخمينات ..
ورغم كلِّ ذلك ، لم تزَل القواربُ في الطريق الجديدة لها ، والبحارة يتبادلون النظرات ، ويلوِّحون بأيدٍ أضناها تعبُ سفر طويل ، كلٌّ يحاول أن يجرَ إليه عددًا أكبر من القوارب ، فيسيرون ركبًا واحدًا ، يُذهِبون بذلك عن أنفسهم وحشة الطريق ، وسوءَ مسالكها ..

البحر/ 10/حزيران :
وهاهو البحر يصير قطعة من الليل ، تستوي فيه السماء واليابسة وسطحُ البحر .. ومن القوارب ، لا يبدو سوى ذلك البصيص الذي لا يمكن تمييزه عن نجم يعتلي قبة السماء .. ترى ؟ .. ألا تغيب الشمس لتشرق من جديد ؟؟ .. فلماذا تأكل الرهبةُ صدورَنا ؟؟!!

البحر / أواخر أيلول :
تحتشد الرؤى في تلافيف الدماغ ومسطحاته .. يحار في الاختيار بينها ، ثم لا يلبث أن يلقي بها ، ويتمدد أرضا ، يأكل من ترابها ، يأكل بشراهة العلق الماص للدم ، ثم يرفع رأسه ، ويتثاءب كمن سهر دهرًا طويلاً .. غالبَ نفسَه عن النوم ، صمت بعض الوقت ، ثم كانت الغلبة للنوم .. فعاد وارتمى .. " وسيظل متمددا حتى إشعار آخر .. " كما قال بيان الناطق الرسمي باسمه ..

البحر/ 17/تشرين الثاني :
وتوهجت في المخيلة صورةٌ كجنية البحر ، التهب رأسه ، زاغتْ عيناه ، أحقًا ما يرى ؟؟!! استبق الحوادث ، خلع ثيابه ، رماها في البحر وفاءً منه لزوجته التي تنتظره عادة ، كيوم ولدتها أمُّها ..

هوامش : تشرين الأول من العام التالي :
الدّرر الثمينة في الأعماق ، وكذلك انعكاس النجوم ، ولو عرَف الدّخان أن في صعوده موتَه ، لفضّل الموت خنقا دونما فضيحة الموت على مرأى من عيون البشر ..


الجمعة 11/حزيران/1976

يوسف رشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق