دمشق ـ دبي ـ 1
إحدى أحدث الطائرات التابعة لشركة طيران
الإمارات ، أقلعت بنا من مطار دمشق ، إلى مطار دبي ..
وبأقل من ثلاث
ساعات ، وصلنا ..
كانت هذه
المرة الأولى التي يخرج فيها من سوريا إلى إحدى دول الخليج ، بعثة تعليمية حكومية
( إعارة ) ، وخاصة ( عقود شخصية ) بعد حرب الخليج ( عاصفة الصحراء ) ، ومؤتمر
مدريد للسلام ..
إذ ، بعد احتباس
متناغم مع الحصار الغربي على سوريا ، انفرجت أسارير هؤلاء ، ومعها ، انفتحت دول
الخليج ، وفتحت أبوابها ـ جزئيا ـ للسوريين ، عرفانا بموقف حكومتهم من غزو الكويت
..
لذا ، كان الحدث
تاريخيا للجميع ، ومثّلت الرحلة أملاً ، وبداية حلم طالما تاقت له نفوسنا ، وعملنا
من أجله سنوات ، وشاركَنا الأحبة والأهل والأصدقاء غبطتنا ، وحسدَنا عليه كثيرون
آخرون ..
ولم يكن الطريق
لهذا اليوم 07/09/1992 سهلا ، بل سبقته
أحداث ولقاءات ومقابلات وأوراق ثبوتية وسفر وإقامة ووساطات وانتظار وترقب وشائعات
....
لكن مشيئة
الله تعالى تحققت في آخر المطاف ، واضعة حدا ونهاية لكل ذلك ، وصعدنا إلى الطائرة
وسط مشاعر ملونة مضطربة قلقة ، انتابتنا جميعا ـ مسافرين ومودِّعين ـ قبيل الإقلاع
، خشية أن يُنادَى على أحدٍ منا ، ليُطلبَ منه النزول لسببٍ ما !!
وإذ أغلق باب
الطائرة ، وعلا هدير محركاتها ، وبدأت تتدحرج على المدرج ، ضجت الطائرة بصيحات
الفرح والصفير والتصفيق ، فيما تعالت شهقات وزفرات من صدور بعض الزميلات ، وهن
يلوحن ويكفكفن دموعا لا يعلم أحد كنهها ..
كانت الطائرة
من الداخل مثيرة لدهشتنا ، بأناقتها ونظافتها وأنظمة التلفاز والصوت والشاشات التي
تعرض خط سير الرحلة مع معلومات ملاحية أخرى ..
وكانت الشاشات
التلفازية اللمسية المثبتة أمامنا ، آخر تقليعة في طراز هذه الطائرات ، والكثيرون
منا مذهولون بها ، وجاهلون بكيفية التعامل معها ، ومع أجهزة الصوت الخاصة بكل راكب
..
وما إن استقرت
الطائرة في الأعالي ، حتى تحررنا من أحزمة الأمان ، وبدأت ألبي استنجاد الآخرين
بمساعدتهم في التعامل مع الشاشات ومقابس الصوت ..
لم أكن أعرف
أحدا من جميع المسافرين ، سوى معرفة بسيطة بأحدهم ، ولم تسمح الظروف بتعميق
العلاقة ، خاصة مع انشغال الجميع بهاجس الوصول إلى " العالم الجديد " من
جهة ، وبالظروف التي حتّمت على كل منا ، الانفصال عن أهله وأسرته وعياله إلى
" الاغتراب " فيما وراء الصحراء ..
وحين طُلِبَ
منا التزام المقاعد وربط أحزمة الأمان ، بدت المدن تحتنا كتلا من الضياء ، ثم ، بدت
ألسنة اللهب المتصاعدة من حقول النفط تتراقص كشموع الأعياد ..
ومع هبوط
الطائرة في مطار دبي ، هنأنا بعضنا بسلامة الوصول ، وسط بهجة الجميع وهرجهم .. وقيل
لنا عبر مكبرات الصوت في الطائرة : إن ثمة حافلات تنتظر " المعارين "
منا في الخارج ، لنقلنا إلى مكان إقامتنا بعد إتمام إجراءات الدخول ، واصطحاب
الحقائب ، وذلك حسب الإمارة التي نتبع لها ..
وشكلت لحظة
الخروج من الطائرة انتقالا قاسيا من أجواء الطائرة الباردة التكييف ، إلى أجواء
المطار اللاهبة المشبعة برطوبة خانقة ، تحشرجت لها حناجرنا ، وتثاقلت أنفاسنا
بكثافتها وشدة تأثيرها على الصدور الضيقة ..
نقلتنا ثلاث
حافلات متوسطة إلى أحد فنادق المدينة ، بعد مشوار لم يدم أكثر من ربع ساعة عن
المطار ..
كان كل شيء
مرتبا في الفندق بالاسم ، وكنا حوالي الخمسين .. حملنا الأمتعة ، ورافقنا الأدلاء
إلى غرفنا بعد أن أبلغونا بالنزول إلى المطعم لتناول العشاء ..
يقع فندق
" الإكسيليسور " في وسط المدينة ..
لبثنا فيه
خمسة أيام من الضيافة .. خلالها ، كنا نخرج ليلا للتجول في الشوارع المحيطة ،
مسكونين بهاجس الاتصال بالأهل ، من الكبائن المنتشرة فيها ، لطمأنتهم عن أحوالنا
..
كما سمحت لنا
أوقات الفراغ الطويلة ، والجلسات إلى الموائد المفتوحة بتعرفنا على بعضنا أكثر ،
وتمتنت علاقات الزمالة بينا ، واستمعنا من الضيوف الذين زاروا بعض الزملاء إلى
كثير من الشائعات حول المدارس التي سنوزع عليها ، والسلفة النقدية والرواتب
والتعويضات التي سنتقاضاها .. كما أخذونا بالتتابع إلى أحد المستشفيات القريبة
لإتمام الفحوصات الطبية التي تمهد للحصول على الإقامة اللازمة ..
وحصلت أنا من
أحد الزملاء معنا ـ بعد أن سمعته يردد اسمه ـ على رقم هاتف الصديق الموجه
الاختصاصي في دبي " عدنان كزارة " ، فرحب بوجودي ، وزارني في الفندق ،
واصطحبني في جولة في المدينة ، ودعاني إلى عشاء في أحد المطاعم القريبة ..
كما اتصلت
بالأخ " أبي سعيد " في الشارقة ، فزارني أيضا ، واصطحبني إلى أجواء مطعم
شامي قريب ، وأكد علي بمودته المعهودة ، أن نبقى على تواصل لأي طارئ أحتاجه ..
وفي اليوم
الخامس ، حملونا إلى " منطقة دبي التعليمية " لاستلام " الإجراء
المالي " الذي هو بمثابة قرار التعيين في العمل ، ونُقد كل منا بسلفة مالية
قدرها خمسة آلاف درهم ، وأبلغونا باسم المدرسة التي يجب الالتحاق بها صباح الغد ..
على أن نغادر
الفندق مساء اليوم ، لانتهاء أيام الضيافة ..
كثيرون منا
رتبوا أمور إقامتهم خارج الفندق ، بمشاركة زملاء لهم .. وآخرون اتفقوا على استئجار
سكن مشترك ، وغادر البعض مع معارف لهم ، وبقيت أنا و" مفيد " وحيدين من
الذكور في الفندق ، كما بقيت بعض الزميلات ، حيث عُرض عليهن استمرار الإقامة بأجر
مخفض ، فيما رفضت الإدارة قبول إقامتنا ـ أنا ومفيد ـ بنفس الأجر ، حسب ما أفادنا
" عراب العرض " السائق السوري لإحدى حافلات الوزارة ، وكان الفارق كبيرا
جدا بين الأجرين !!..
وفي أجواء
الحيرة والاضطراب والانزعاج من هذا التمييز ، وكمساعدة لنا ، عَرَض " العراب
" علينا أن ينقلنا إلى " بيت الشباب " بدبي ، لنمضي فيه الليلة
ريثما نتدبر أمرنا ..
كان بيت
الشباب في طرف المدينة القريب من الشارقة ، في محيط ناد رياضي ، حيث وضعت "
كرفانات " كبيرة خشبية مسبقة الصنع ، قادنا الموظف المسؤول إلى إحداها ..
كان الضوء
خافتا ، وقد استلقى فيها عدد كثير من النائمين على الأرض أو على فرش اسفنجية بالية
، يمتلئ المكان بالرمل وبروائح مقززة ، وتهدر فيه أصوات الشخير والمكيفات التي فشلت
في تعديل الحرارة للحد المقبول ..
بدا انتقالنا
من أجواء الفندق إلى هذا الجو مقيتا ومهينا ، فرفضتُ الإقامة ، وأيدني مفيد على
مضض ، حيث " تجاوزت الساعة منتصف
الليل ، وما هي إلا ساعات قليلة لا تستحق مزيدا من المكابرة " .. ومع ذلك ،
عاد معي إلى الفندق ، فقيل لنا : ليس لدينا غرف شاغرة !!.. وفشلنا في تأمين غرفة
في فنادق أخرى ، ولم يبق أمامنا سوى القبول بالاستلقاء ـ في السويعات المتبقية ـ
في كرفانات بيت الشباب ..
وبعد أن نقدْنا
" المسؤول الهندي " أجر الليلة ، اختار لنا من أفضل الموجود عنده :
فراشين ووسادتين وغطاءين ، واندسسنا بين الجَمْع ..
وكانت ليلة "
تاريخية " في المدينة الصاخبة ..
أيقظني مفيد
في السادسة ، ودلني على الحمّام ..
وبسرعة ،
هربنا إلى الشارع .. ركبنا سيارة أجرة وطلبت من السائق " الهندي " التوجه
إلى عنوان المدرسة التي سنداوم فيها معا .. كانت الشوارع مكتظة بالسيارات
والحافلات المدرسية البرتقالية اللون ..
أمام باب
المدرسة ، تأكدنا من اسمها المكتوب على يافطة كبيرة " مدرسة السعيدية
الإعدادية للبنين " ، فتنهد مفيد وسألني : ألست جائعا ؟
تناولنا فطائر
" لم نذق كطعمها من قبل " وعصيرا معلبا ، وعدنا إلى المدرسة ..
استقبلنا
المدير " الهاشمي " في مكتبه ببشاشة ، واستدعى وكيله الذي أعطانا جدولا
بالحصص ، وسار معنا إلى الفصول ..
خلال الدوام ،
استأذنا المدير ـ أنا ومفيد ـ لاستخدام هاتف مكتبه ، فرحب ، وقال بأريحية : لا بأس
.. أهلا وسهلا ..
اتصلت بأبي
سعيد طالبا تأمين مسكن لي في الشارقة ، فوعد بكل مساعدة ، واتفقنا أن أوافيه في
مكتبه بعد الدوام ..
بينما استعان
مفيد بالمدير للحصول على رقم هاتف إحدى المدارس التي ذهب إليها زميله " محي
الدين " ، فأجرى اتصالا به ، واتفق أن يشاركه مسكنهم بدبي ، وكتب العنوان ..
ثم استدعى
المدير الزميل " محمد شريف " الذي يقطن في الشارقة ، فرحب أن يوصلني معه
إلى مكتب أبي سعيد ..
محمد شريف ،
سليل عائلة مصرية عريقة ، كان جده " باشا " حاكما لإقليم السودان أيام
الانتداب البريطاني ، وقبل انفصاله عن مصر ..
وهو مهندس
زراعي يدرّس مادة العلوم .. بيته في شارع الوحدة في الشارقة ، وزوجته مدرّسة أيضا
فيها ..
لطيف جدا وطيب
جدا ومضياف جدا .. وكمعظم المصريين ، سريع البديهة والنكتة ، تنم التماعة عينيه من
خلف نظارته الطبية السميكة عن ذكاء فطري ، ولا تغيب البسمة والضحكة عن محياه ..
وفي الطريق
المكتظ إلى الشارقة ، أعطاني رقم هاتف بيته ، ودلني عليه حين مرورنا من أمامه ،
واتفقنا أن أتصل به لأعطيه عنوان إقامتي الحالي ، ليأخذني معه إلى المدرسة في دبي
..
استقبلني أبو
سعيد بمودة وحُنوٍّ ، وخرجنا معا .. تناولنا الغداء ، وذهبنا إلى بيته ، لنقيّل في
وقتٍ تكون فيه معظم فعاليات المدينة " مقيّلة " ، على أن نسعى في البحث
عن مسكن بعد العصر ..
استعان أبو
سعيد بأحد معارفه ، فذهبت معه في جولة على بعض المكاتب العقارية ، وطالت الجولة ،
ولم نعثر على ما يناسب ..
استضافني أبو
سعيد في بيته في شارع المطار القديم ، واستمر ذهابي إلى الدوام والعودة منه مع
الزميل محمد شريف ، واستمر البحث عن شقة مناسبة ..
بذل مدير
المدرسة الهاشمي جهدا بالبحث عن شقة في دبي ، فخرجنا معا إلى مكاتب عقارية قريبة ،
ولم نحصل سوى على وعود ، لندرة الشقق التي تناسب أوضاعي من حيث القرب من المدرسة
ومبلغ الإيجار وعدد الغرف ....
وقد نصحني
الزملاء بالاستئجار في الشارقة ، لعدد من الميزات التي تجعل منها أكثر مناسبة
للسكن العائلي في بيئة " عروبية " تفتقدها دبي ، المدينة التي لا شيء
فيها يجعلك تشعر أنك في بلد عربي ، أو على أرض عربية ، لغلبة الطابع الأجنبي عليها
..
وبالفعل ،
أثمرت رحلة البحث المتواصل في الشارقة ، ووجدت شقة في مبنى " مركز بهمن
" في شارع الاستقلال ، فدفعت ثلاثة آلاف درهم كسلفة ، على أن أعطيه ثلاثة
شيكات بالمبلغ المتبقي من الإيجار ، واستلمت الشقة فارغة ، وبدون كهرباء ..
نظفت مكانا
أستلقي فيه ، بعدها خرجت أسكت جوعي في مطعم قريب ..
كنت وحيدا بعد
انتهائي من الطعام ، حين مر من أمام الزجاج " زياد خليفة " ، فتوقف حين
لمحني فجأة ، وأومأت له بالدخول .. تعانقنا ، واستخبر مني عن آخر أحوالي وظروفي ..
ودلني على شقته القريبة من مكاننا ، في مبنى القاسمية للشقق المفروشة ، ودعاني لمرافقته
إليها لارتباطه بموعد هناك ..
زياد ، كان
طالبي في معهد إعداد المعلمين بحلب عام 1981 .. وكان هذا لقاءنا الأول بعد أكثر من
عشرة أعوام ..
وحين عرف بعدم
وجود الكهرباء في شقتي ، لم يتوان في الإصرار على استضافتي حتى توصيل الكهرباء ..
وفي الوقائع
المرافقة لاستئجار الشقة ، أفرحني " الإنجاز " الهام ، فاتصلت بالعائلة
أبشرهم بقرب احتضانهم بها ، وأرسلت لهم بقائمة بالأوراق والوثائق اللازمة للحصول
على تأشيرات دخول لهم ، والثبوتيات اللازمة لتسجيل الأبناء في المدارس ، وأن
المسألة يجب أن تتم سريعا قبيل مرور وقت طويل على بداية العام الدراسي هنا ..
لكن .. وُئدَت
كل تلك الأوهام قبل أن تزهر ، لاستحالة الحصول على التيار الكهربائي فبل إجراءات
كثيرة ، وأهمها :
أنه لكي يتم
وصل التيار ، لا بد من أن يكون عقد الإيجار ناجزا ومصدقا من البلدية ..
وأنه لا بد
لهذا من أن تكون " الإقامة " ملصقة على جواز السفر ..
ولن يتم لصق
الإقامة على جواز السفر الموجود في عهدة الوزارة ، قبل شهر على الأقل ..
ولن تصدر
الوزارة تذاكر سفر لمن يرغب باستقدام عائلته إلا بعد صدورها ، ولن تصرف لنا
الرواتب قبل شهر آخر ..
وفوق هذا ، لا
بد من تأمين مبلغ كبير يفوق ثلاث مرات السلفة النقدية التي استلمتها ، وذلك لشراء
مكيفات وأثاث وأدوات منزلية ونفقات أخرى كثيرة ، تفي بحاجة أسرة من خمسة أفراد ..
وفي هكذا بلد
، وهكذا طقس ، تستحيل الحياة في شقة بدون تكييف وثلاجة .. وهو ما لا يمكن تحقيقه
بدون التيار الكهربائي .. فصار الإحباط سيد الموقف بعد كل هذه المعيقات المستحيلة
، وصار لا بد من التخلي عن استئجار البيت ، واسترداد السلفة التي دفعتها ، لألجأ
إلى السكن المشترك مع مفيد والآخرين في شقتهم الكائنة في دبي ..
وبعد لأيٍ ،
وتدخلٍ من أبي سعيد لدى مالك البناية ، أعاد لي مندوبُه المبلغ ، وسعيت هاربا من
كل تلك الدوائر المغلقة ..
ثم ، وبالاتفاق
مع مفيد على تقاسم الغرفة الثانية من شقتهم ، اشتريت ( سريرين وملحقاتهما ، وتلفازا
ومكيفا وطاولة وعددا من الكراسي وبعض الحاجيات الضرورية ) من معرض مجاور للأثاث
المنزلي ، فوجئت بصاحبه " عادل رجب باشا " ( الذي عرفته موظفا في مركز
هاتف الأنصاري ، ثم شاهدته بعد فترة ضابط شرطة في حلب ) ، فأخبرني أنه ترك عمله
ليرافق زوجته المدرّسة في الشارقة ..
دبي :
الطابق الرابع
عشر من بناية تويوتا في دوار الدفاع ، شقة مفروشة بموكيت رمادي داكن ، وتتألف من
صالة فسيحة ، وغرفتين وتوابعها ، فأعيد توزيع المكان : الصالة للزميلين عادل حسن
ومحمود ..... والغرفة الصغيرة المقابلة للحمام ، لـ بكري سلام عليك ومحي الدين
مينو ، ووضعنا أمتعتنا أنا ومفيد في الغرفة الثانية الكبيرة المطلة على دوار
الدفاع ، عبر شرفة واسعة ، فصارت للنوم والطعام والسهرة واستقبال الضيوف ...
لم يكن في
الشقة قبل وصولي سوى بعض لوازم تحضير الطعام ، وأدوات كهربائية مستعملة ( ثلاجة
وغسالة وفرن ) .. وفرش قطنية للنوم رقيقة جدا ، وبطانيات من النوع الرديء جدا ..
ينامون على
الأرض ، ويكوون ملابسهم بالنوم فوقها وهي تحت الفراش ، وبلا تكييف ، ويفرشون أوراق
الصحف لتناول الطعام ، وينظفون الموكيت بأيديهم من الوبر والشعر المتناثر من الفرش
والبطانيات ..
كان محمود
وعادل من عامودا في محافظة الحسكة ، وبكري من ريف إدلب ، ومفيد ومحي الدين من حمص
..
محمود وعادل ،
شديدا التأثر بالبرودة ، فلا يرغبان بالتكييف البارد مطلقا .. أما محي الدين ،
فكان كثيرا ما يفترش الأرض في غرفتنا طلبا للبرودة ، بينما لم يفعل بكري ذلك إلا
لماما ..
وكان من
الطبيعي أن تكون ثمة فوارق واختلافات بيننا ، حول كثير من العادات المعاشية
والتقاليد والانتماءات ، وأساليب الترتيب والنظافة والقيافة ، وأنواع الطعام
ومكوناته .....
وإضافة إلى
الأثاث الذي امتلأت به غرفتنا ، طلبت ـ فور حصولي على الإقامة ـ توصيل خط هاتفي ، فوفر
علينا جميعا ما كنا نعاني منه أثناء الاتصال بسوريا ..
وبدت حياتنا
أكثر هدوءا وتنظيما واستقرارا مع اكتشاف المعالم المحيطة في المدينة عموما والمناطق
المجاورة بشكل خاص ، وصار سهلا ، الوصول إلى المدرسة والعودة منها ، لنتبادل ـ على
مائدة الغداء أو في السهرة ـ القصص الغريبة العجيبة عن سير يومنا الدراسي ،
والعلاقة مع طلابنا ، والمواقف السخيفة والمشاهد الفاجعة التي لم نرها سابقا ، ولم
نعتد عليها ، ولا تشبه ما كنا نعاني منه مع طلابنا في بلدنا ..
26/09/2012
الصورة المرفقة هي لفندق ( الإكسيليسيور ) بدبي عام 1992 ، وقد أعيد ترميمه فيما بعد ، وأطلق عليه اسم آخر .