المعسكر
والمقال وصديقي وأنا
1 ـ المعسكر صيف 1975 ..
طرأت تغيرات عديدة على الأوضاع العامة
للمعسكر ، فتغيرت قيادته ، وخُصِّصَ بقطعة أرض شرق مدرسة المشاة ، وبدت قيادته
الجديدة ، مهتمة أكثر بالتدريب اليومي والرياضة والنظام العسكري المتشدد ، وبمتابعة
الانضباط العام والتقيد بمواعيد التدريب والطعام وما إلى ذلك ، مما فرض مزيدا من
الصرامة القاسية ، فوق ما نحن فيه من قسوة المكان والظروف ..
لكن لم يتغير فيه شيء تقريبا ، عن
معطيات معسكر العام الماضي ، ولاسيما منظر الخيام والمقطورات والقصع والقطن
المضغوط والغبار ..
وإن شاعت عقوبة السجن وما يتبعها من
عقوبات إضافية كـ " السخرة " ..
كما شاعت عقوبة " حلاقة "
شعر الرأس على الصفر ، كعقوبة إضافية للسجن ، أو كعقوبة فردية على " الطالع
والنازل " ..
وغدا منظر الرؤوس الحليقة " ظاهرة
" واضحة ، مع التزايد اليومي في أعدادها ..
فقد كان قائد المعسكر دائم التجوال في
سيارته اللاند روفر ، مصطحبا معه الحلاقين المهرة ، وكل من يشاهده من الطلاب "
يتبلاه ويتصيده " ، ليأمر الحلاق بـ " إزالة شعره " عن الوجود ،
وقد يرسله إلى السجن أيضا ..
وكأنه أراد أن يكتسب سطوة يستعيد من
خلالها الانضباط العام المفقود في المعسكر ، وهو القادم إلينا من منصب " قائد
سلاح المدفعية " ، وشتان بين انضباط الجنود وانضباط الطلبة ..
وحين مُنِحْنا مغادرة جماعية لأربع
وعشرين ساعة ، في منتصف أيام المعسكر تقريبا ، كانت للاستحمام بالدرجة الأولى ،
لعدم توفر الماء والحمّامات الصالحة والكافية في المعسكر ..
2 ـ زيارة تسبّبت في رسوبي :
في البيت ، أبلغتني زوجتي :
أمس ، اتصلت " غزالة " أخت
صديقك " يوسف أخرس " ، بطلبٍ من أخيها ، لتخبرك بوجوده في مستشفى حرستا
بدمشق ..
( وكان ما يزال طالبا ضابطا في الكلية الحربية ،
وقد ظهر عليه المرض منذ أشهر ، من خلال جحوظٍ واضح في عينيه ) ..
سافرتُ إلى دمشق فجرا ، اتصلت من
الكراج بصديقنا أبي اصطيف ، ونسقت ذهابنا إلى المشفى معا ..
وهناك ، صَعَقنا سوءُ حاله ، وجحوظ
عينيه ، حتى كدت لا أعرفه ..
وقد أدرك أن ترددي في السلام عليه
للوهلة الأولى ، نابع من عدم معرفته بعد تدهور حاله ..
فعاتبني بمرارة الإحساس بدنو الأجل :
أمَا عدت تعرفني ؟!
تجلدتُ كي لا أزيد عليه آلامَه وأحزانه
، وإن لم يكن خائفا من الغد ، لإيمانه الشديد بقدَره ، وهو مستقر بعد أن غيروا له
دمه قبل أيام ، وقد طمأنه طبيبه " نزار مصاصاتي " بأنه سيتحسن عاجلا ..
أنا وصديقنا أبو اصطيف ، أبدينا له كل
التفاؤل ، وبأن أصدقاءنا الآخرين حمّلوني إليه تحياتهم وتمنياتهم ، وأنهم ينتظرون
خروجه من المشفى معافى ليلعبوا معه " بالطرنيب ، ويخسّروه " ..
لكن حاله ـ مع الأسف ـ لا تبشر ..
لم يكن اسم د. مصاصاتي غريبا على مسمعي
، سمعته سابقا من المرحوم أخي يصفه بـ " الصديق والأخ " ..
قلت ذلك ليوسف ، وقلت له : أريد أن
أعرف مكان عيادته لأزوره وأوصيه بكَ خيرًا ، وأطمئن منه مباشرة عنك ..
استدعى الممرضة ، فأعطتني عنوان
العيادة في دمشق ..
ودعناه ، وذهب معي أبو اصطيف إلى عنوان
العيادة ، فقيل : إنه مسافر ولن يأتي اليوم ..
..................
على باب المعسكر ، وفور وصولي متأخرا ،
انضممت إلى نقابة " الرؤوس الحليقة " ، وعلمت من الزملاء ، أنهم أدّوا
امتحانا كتابيا ومفاجئا وسريعا و " كيديا " ، في يوم غاب أو تأخر فيه كثيرون
عن الالتحاق بعد " معجزة " المغادرة ..
ليس مهما ، فقد رأيت صديقي واطمأننت
عليه ، ولم أكن أعلم بالطبع ، أنه لقاؤنا الأخير ..
لكنه كان وانتهى الأمر ..
بعد قرابة عشرين يوما ، توفي صديقي
يوسف بسرطان الدم ..
وضجت أمه وأخواته بالنواح والنحيب حين
رأينني جانب الجثمان ، وتعانقت أنا وأخوه الأكبر " عمر " منتحبيْن ..
ثم واريناه الثرى في قريته "
معارة الأرتيق " قرب حلب ..
تغمده الله بواسع رحمته ..
خلـَّفَ رحيله آثارا صعبة جدا عليّ ..
فهو ماثل لي دوما ، ولم نفترق منذ
سنوات ، وأمضينا عامين دراسيين جنبا إلى جنب في المرحلة الثانوية ، وعملنا معا في
نشاطات طلابية وثقافية متعددة ، رغم أن لكل منا هواه السياسي الواضح ..
وبعد الانصراف من الدوام المدرسي ، كنا
نتفق على موعد اللقاء التالي ، لأنه لا توجد لدينا هواتف أرضية ولا خليوية ، ولا
يمكن أن نترك لقاءنا للصدفة ..
وإذ يأتي إليّ ، تكون غرفة " المكتبة
" جاهزة ..
ففيها ذاكرنا معا دروسَنا على مدار العامين
، وفيها تكون سهرة الخميس مع بقية أفراد الشلة ، نقضي شطرا من الليل بين لعب الورق
والجدل الذي لا ينتهي ..
وقبيل انفضاض السهرة ، يكون بعضهم قد
اختار من المكتبة الكتابَ الذي يود قراءته خلال الأسبوع القادم ..
وليوسف في هذه الغرفة سريره الخاص ( سرير
عزوبيتي ) ، يقيّل وينام براحته ، وخاصة في ليالي الشتاء الزمهريرية ..
وقد عسكرنا فيها أياما قبل امتحان
الثانوية ، حتى جاء عمر ليطمئن عن أخيه يوسف ، ويتأكد من أن غيابه عنهم ليس حردا
ولا انزعاجا ..
وفيما بعد ، أسر لي عمر ، أنه : (( في
بداية الليالي التي نام فيها يوسف عندك ، كنت أرتدي الكبوت العسكري والجزمة ،
وأتلثم من شدة البرد ، وأذهب مشيا إلى بيتكم ليلا ، وأختلس النظر إلى غرفة المكتبة
، في أوقاتٍ يتأخر فيها يوسف عن العودة ، لأطمئن عليه وأعود في " نصاص
الليالي والتلج عميندف ندف " )) ..
وبعد أن التحق يوسف بالكلية الحربية ،
كان يأتي إلى بيتنا من حمص مباشرة ، قبل أن يذهب ليرى أمه وأخته وأخاه وعائلته في
بيت أخيه ..
وقد ينام في " سريره " ليذهب
إليهم في الغد قبيل العودة إلى حمص بسويعات ..
كان قنوعا صبورا ، شهما ، عفيفا ، حييا
بما لا يُقاس ، ذا مروءة ونخوة وتعقل وتفاؤل ، يؤمن بقدراته ويعمل بإخلاص وجدٍّ
وكدٍّ لتنميتها ، لكن " حظه خائن " كما كان يقول ..
وكاد تعثره في الثانوية العامة ، أن
يحبط معنوياته إلى الأبد ، ويفقده حلمه في أن يجد عملا شريفا كريما سريع المردود ،
مما دفعه إلى الكلية الحربية بعد النجاح ، فهي الأسرع في تأمين بدائل مناسبة ولو
في حدها الأدنى ، لا طمعا ولا تباهيا ولا حبا بالنفوذ ، بل ، ليتخلص من عملٍ مضن يقوم
به في عطلة الصيف ، وليعيلَ نفسَه على الأقل ، وليقضيَ أطول وقتٍ خارج البيت ، كي
يمارس أخوه وأسرته حريتهم دون وجوده الدائم " المحرج " ، إذ يكفيهم وجود
أمه وأخته معهم ..
ولم يمهله أجله شهرين آخرين لتراه أم
عمر ضابطا ، ولم تنقطع صلاتي بأخيه عمر لسنوات بعد وفاته ..
وسعيت بعدئذ لمقابلة المقدم الدكتور
نزار مصاصاتي بناء على رغبة عمر الملحة ، لطلب المساعدة على توصيف حالة وفاة أخيه
في " التقرير الطبي للوفاة " ، لكنه اعتذر بلطف عن تلبية الطلب ، رغم أنه
رحب بي طويلا بعد أن شرحت له مقولتي التي بدأت بها حديثي معه :
" أنت صديق أخي ، وأرسلني إليكَ
أخو صديقي .. وصديقانا شهيدان " ..
رحمك الله يا يوسف ، فوالله ، لقد كان
لك من اسمك نصيب وفير ..
أيها الصديق الشهيد ..
لقد عشنا أحلامَنا معا ، ووُئدت أحلامُنا
معا ..
فليس الراحلون ـ أحيانا ـ بأقلّ حظا من
المقيمين ..
3 ـ أزمة " مقال " في المعسكر الاستثنائي :
كانون الثاني 1976
ومع بداية العام الجامعي الجديد ، ذهبتُ إلى
الكلية لأدفع رسوم التسجيل بشكل اعتيادي كما يحدث كل عام ..
ففوجئت أني راسب في السنة الثانية ، لرسوبي
في مادة التدريب العسكري ، فوق المادتين اللتين أحملهما : التاريخ ، واللغة
الشرقية السريانية ..
كانت صدمة حقيقية ، استنفرتُ لها ،
واستغثت بالمكتب الإداري لاتحاد الطلبة ، فاستنفروا المكتب التنفيذي في دمشق ،
والنتيجة :
" لا تراجع ، ولا حل " ..
حسبنا الله ونعم الوكيل ..
وكما يتيحُ اللهُ للفضيلةِ المطويةِ
لسانَ حسودٍ لينشرَها ، أتاح لهذه القضية أن تـُحَلَّ ..
فبعد تفاعلات وإرهاصات ، صدر مرسوم : "
يُخضِعُ الطلبة الراسبين في مادة التدريب العسكري ، لمعسكر استثنائي ، إذا كان
نجاحُهم فيها يعدّل وضعَهم انتقالا أو نجاحا " ..
وحُدِّدَ موعد المعسكر في كانون الثاني
1976 ..
وكان الشتاء قاسيا جدا ، فكيف إذا كان
المعسكر في ثكنة هنانو ، الرابضة على مرتفع مكشوفٍ للمدى والريح ، في شرق المدينة
؟! ..
وهي ثكنة قديمة بناها العثمانيون ـ كما
يوحي طراز بنائها ـ ، وطورها الفرنسيون
قليلا بما يلبي حاجات جندهم وخيولهم ..
وبينما نحن في ما يسمى بـ " قاعة
المطالعة " ـ وهي اسطبل معدل ـ ، كتبت مقالا " من تحت الدست " عن
التدريب الجامعي وأهدافه السامية التي لا تتماشى معها ظروفنا القاسية جدا ،
المحيطة بنا في مكان " أثري " كهذا ، يفتقد لكل شيء ، كل شيء ..
أرسلتُ المقالَ إلى جريدة البعث بدمشق
، ونسيته نهائيا ، لأنني غير واثق من نشره ..
( مع الأسف لم أعثر في أرشيفي على نسخة
منه ) ..
وبعد أيام قليلة ، كنا في الدرس الأول
، وفي نفس القاعة ، حين دخل قائد المعسكر المقدم حسين عايدي ، يسأل عني ، ثم طلب
مني مرافقته ..
وفي الطريق إلى مكتبه ، سألني كأنه
يريد أن يتأكد : أنت فلان ؟؟
قلت : نعم ..
قال : أنا أعرفك من الشباب "
الكويسين " ، ماذا فعلت ؟
كنت خالي الذهن تماما ، فقلت مستغربا :
لم أفعل شيئا .. ماذا هناك ؟
قال : جاء العميد رئيس فرع التدريب
الجامعي ، ويريد أن يراك ، وهو غاضب جدا منك ..
في المكتب ، ليس ثمة سوى عميد ونقيب ..
إذن العميد هو رئيس الفرع ، والنقيب أعرفه بالشكل ..
أمرني العميد بالجلوس بعد أدائي التحية
العسكرية ..
جلست حيث أشار ..
الثلاثة أمامي ، أم أنا أمامهم ؟؟
عميد ومقدم ونقيب ..
أ أنا في محكمة عسكرية ؟!
لحظات ثقيلة جدا من الصمت ، وأنا أشرّق
وأغرّب باحثا في رأسي عن سبب وجودي أمامهم ، وكل ما كنت أخشاه ، أن أكون ضحية "
تقرير " ما ..
بدأ العميد كلامه بنبرة عالية لِمَا "
سببته له من حَرَج أمام سيادة اللواء مدير إدارة التدريب الجامعي " حين سأله
بعصبية عن " كاتب هذا المقال ، وعن صحة المعلومات الواردة فيه ، ومحاسبة
صاحبه إذا كان كاذبا دعيًّا ويتعمد التشهير " ..
وأضاف : كيف نشروا لك هكذا مقال ؟ من
هو واسطتك ؟ ومن هو الشخص الذي تبناه ؟ أريد أن أعرف كل ذلك ..
آهاااااااااا .. بهذه السرعة نشر
المقال ؟!
للوهلة الأولى ، صدمتني سرعة النشر
أكثر من كلام العميد ..
فقد أرسلته بالبريد العادي إلى الصحيفة
في دمشق يوم السبت ، فنشر يوم الثلاثاء ؟! .. أيعقل ؟!
إذن ، وفور نشره بدأت التفاعلات من
دمشق التي توزَّع الصحف فيها باكرا ، إلى حلب التي لم تصلها الصحف بعد ..
لكن " سيادة اللواء " أطلعَه
على مضمون المقال ، وطالبَه بسرعة التحقيق والرد ..
تكلم النقيب موجِّهًا كلامَه للعميد :
يا سيدي ، إن المعلومات التي وصلتني عن حضرة الطالب ، لا توحي بأنه ممن يريدون التشهير
ولا يقصدونه ، وفي كلامه كثير من الواقعية والصحة ، وقد عَرفت عنه اهتمامه بالنشاط
الأدبي وتعاطيه الكتابة ، وما ورد في المقال هو من هذا القبيل ..
بدا أن الأمر مرتبٌ بينهما .. فهذه لم
نألفها " حضرة الطالب " ؟!
ثم إن العميد يشد الحبل ، والنقيب
يرخيه ..
وهما متأكدان من دقة وصحة كل ما ذكرته
، ولا حيلة لهما في إدانتي بمضمونه إلا بالتزوير ، ويبدو أنهم في غير وارده ، لاسيما
أن ما جاء في المقال ، أقلّ سوءًا بكثير مما يعرفونه في الواقع ، وهذا دليل قاطع
وكافٍ لإدانتهم به في تحقيق " موضوعي " ..
وحين طلب مني الرد ، قلت :
ـ لقد نشرتُ المقال في جريدة رسمية ،
ولا أعرف أحدا فيها ، ولو لم يكونوا مقتنعين بمضمونه لما نشروه ..
ـ وأنا مسؤول عن كل كلمة كتبتها .. فإن
رأيتم كلامي مجافيا للحقيقة والواقع ، أو فيه مزاعم وافتراءات ، فأنا مستعد لأي حساب
..
ـ وبدل أن تحاسبوني " أولا "
، أرجو أولا ، أن تتخذوا إجراءات عملية لإنقاذنا من سوء الأحوال التي نحن فيها ،
والتي كانت الدافع وراء مقالي ..
أشعل العميد سيكارة ، وقال بهدوء ولوم
: لو أنك ناقشتنا في مقترحاتك ، أو طلبْتَ منا تنفيذها ولم ننفذها ، لكان من حقك
أن تنشره .. لكنك لم تطلب ..
قلت : " ليس من السهولة بمكان نقل
مقترحاتي إليكم ونحن هنا ، بينما لم يسألنا أحد عن ظروفنا وأحوالنا ، ولم يسأل عنا
أحد ..
" وقد أنهكنا البرد الشديد والرطوبة
وعتمة اسطبلات تنز سقوفها وجدرانها ماء ، ولا نوافذ لها ..
" حتى صرنا نخيّر أنفسنا ـ
مكرَهين ـ بين الرسوب والمرض .. فاختار بعضنا الرسوب وغادروا المعسكر " ..
قال النقيب : يا حضرة الطالب ، للضرورة
أحكام ، فقد اضطررنا لاختيار هذا المكان لإجراء المعسكر فيه ..
فهو ـ كما تعلم ـ معسكر استثنائي ولا
يتزامن مع العطلة الانتصافية للمدارس كي نقيم المعسكر في إحداها ، ولا يوجد مكان
آخر داخل المدينة يؤدي الغرض ..
ثم ـ وكأنه أراد أن نتوقف عن التصعيد
عند هذا الحد ـ التفت إلى المقدم وقال : سيدي ، ألا يوجد شاي عندكم ؟
ومع الشاي ، انفرجت الأسارير ، وزال
اكفهرار الوجوه وقسوتها ، ودار حوار هادئ بيننا ، لمست فيه عمق الأزمة والحرج
الناجمين عن وصول المقال لأعلى قيادة في البلد ..
وحين انتهى اللقاء ، أعطاني العميد رقم
هاتفه الخاص ، وطلب مني زيارته في أي وقت ..
وقال النقيب : أخوك أبو عزام ينتظر زيارة
منك ، فمكتبي أمام مكتب سيادة العميد ..
خرجت من المكتب وراءهم ، فأسرع إلي عدد
من الزملاء الذين أقلقهم استدعائي من قبل قائد المعسكر شخصيا ..
وبالمحصلة :
كانت الفائدة التي نجمت عن المقال ، محدودة
بالإمكانيات المتوفرة والمتاحة على صعيد المكان والتجهيزات ، لكنها انعكست إيجابا
على علاقتنا بجميع الضباط والمدربين ..
ونشأت حالة صداقة حقيقية بيني وبين
رئيس فرع التدريب الجامعي العميد إبراهيم يوسف قاورما " الذي توفي بحادث سير
بعد سنوات قليلة رحمه الله وأحسن إليه " ..
وفي مكتب العميد الكائن في مبنى
الهيدروليك سابقا ـ وهو كلية المعلوماتية الآن كما أظن ـ كان النقيب أبو عزام يدخل
على الخط ، فيضفي على لقاءاتنا جوا من الألفة والمرح والنكتة " المهضومة
" ، وكان وجودي معهما كاسرا لحدّة الحالة العسكرية بين الرتبتين ..
(( والنقيب أبو عزام ضابط احتياط ، وذو
شخصية مثقفة وناضجة ولطيفة ومرحة وعقلانية ولبقة ، وقد استمرت علاقتي معه طويلا ،
حتى غدا برتبة عقيد ، وكلف مديرا لمديرية " الحرس الجامعي " في رئاسة
الجامعة )) ..
طبعا ، لم يبقَ أحد في فرع التدريب
الجامعي بحلب ، لم يسمع بالمقال وصاحبه ..
فتوطدت علاقاتي مع ضباطه أيضا ، على
غرار ما هي عليه مع الأساتذة والموظفين ، والطلاب ، بطبيعة الحال ..
وإذ تمت تسوية الأوضاع بعد النجاح في
مادة التدريب العسكري ، صدر قرارٌ بالنقل إلى السنة الأعلى مع نهاية الفصل الجامعي
الأول ، وصرت ملزما بحضور المعسكر الشتوي التالي لذاك مباشرة ، إكمالا لمواد السنة
الثالثة التي انتقلت إليها ..
أقيم المعسكر هذه المرة في ثانوية
الكواكبي بحلب ، في شباط من عام 1976 ، وأنيطت بي مهمات ثقافية وتنظيمية وطلابية ،
جعلتني أقرب لقيادة المعسكر من كوني طالبا فيه ..
وكذلك في المعسكر الصيفي الأخير صيف
عام 1976 ..
عُيِّنتُ عضوا في لجنته الثقافية ، مع
عبد الستار السيد أحمد وعبد الرزاق الخشروم كمشرفيْن من خارج المعسكر ..
وصار المعسكر " منتدى " ،
يزوره المسؤولون والقيادات الحزبية ، وتقام في أمسياته نشاطات متنوعة ..
واتخذ هيئة مقبولة قياسا بالسنوات
السابقة ..
فتم إنشاء البوابة والطرق الرئيسية
والساحات ومكاتب للقيادة والضباط ، وعدد من المباني والمستودعات والمطاعم
والحمامات ، وصار الوضع أكثر تنظيما ..
بذلك أكون قد أديت ثلاثة معسكرات في
سبعة أشهر ..
الأربعاء ـ 30/11/2011
"" صور معسكر صيف 1975
منشورة في الألبوم السابق ، بعنوان :
ألبوم ملحق بمقال : من التدريب الجامعي
.... ""
"" قد يكون ألبوم الصور
الخاص بالمرحوم يوسف أخرس أكثر بيانا وتوضيحا لحالة الصداقة التي جمعتنا ، مؤملا
أن تزوروه وتطلبوا له الرحمة والمغفرة ..
رحم الله والديكم أجمعين ..
"" وشكرا .