الثلاثاء، 12 يونيو 2012

أنتِ ملهمتي


أنتِ ملهمتي

 " تنويه : هذا العنوان ، ليس لهذه القصة ، لأني فشلت في كتابة قصته الحقيقية " ..
.
 كان ذلك قبل سنوات .. ويومها ، كنا في سهرة في بيت صديقي أحمد ، وكنت أعرف كل الحاضرين إلاها ..
ولأنني أخر الواصلين ، قدَّمتها لي سيدة البيت أم عامر : ميسون ، صديقتي من أيام الجامعة ، شامية ، موظفة في وزارة الشؤون الاجتماعية ، وجاءت إلى حلب بمهمة عمل ، وستسافر غدا مع الأسف ..
خلال السهرة ، ساهمتْ ميسون بنشاط واضح في إعداد مستلزماتها وتقديمها ، وكأننا ضيوفها ، وربما ذاك ما شدني لأتابعها خلسة ..
لكن أحمد قرأ في عينيّ اهتمامي واضطرابي ، فنظر إليّ كأنه يقول : اهدأ يا نزار ..
ميسون ، في أواخر العقد الثالث ، أنيقة ، مرحة ، سريعة البديهة والنكتة ، تستطيع أن تحيط بكل ما يقال مهما كان عدد المتكلمين ..
ذات قوام رشيق ، فيه تناسق أنثوي جميل .. لا تتصنّع الانفتاح ، ولا تختبئ وراء إصبعها ..
كانت شرهَة لـ " أم النارين الحلبية " ، ومنشرحة في التعليق على كل شيءٍ ، مستمدةً تأييدَ الحاضرين لها بدَفعٍ من أم عامر : لأنها " ضيفتنا جميعا ، وتحب حلب ، وتحبني " ..
صمَتَ الحاضرون منشغلين بالحلوى ، بينما كان يُعرَضُ على شاشة التلفاز مسلسلٌ اجتماعي يعود لبدايات مرحلة البث الملون .. فركز أغلب الحاضرين عيونهم عليه انسجاما مع حالة التهام أم النارين ..
قالت ميسون : لقد ذكرتْني هذه المشاهد بما حصل مع زميلتي قبل أيام .. التفتنا إليها ، مصغين ، فأضافت :
قبل مدة ، دخل رجل إلى مكتبنا ، يريد أن يشتكي للوزير على موظفة في مديرية تأمينات دمشق ، قال : إنها أهانته وطردته من المكتب ، لأنه قال لها : أنتِ ملهمتي ...
في البداية ، ظنَنّا أنه رجل مختلٌّ .. لكنه ، بدا عكس ذلك من خلال ما سرَدَهُ لنا ، قائلا :  
ذهبتُ إلى المديرية لمتابعة تحصيل قيمة تأمينات العطل والضرر الذي أصابني ، فأصغيتُ لنصائحها وتوجيهاتها طيلة إجراءات المعاملة ، ونفذتُها ، فكانت النتيجة إيجابية جدا لصالحي ..
وحين أردتُ أن أعبِّرَ للسيدة صباح عن شكري وامتناني ، قلت لها : أنت سيدة طيبة ووقورة ومحترمة ، وكنتِ حقا ملهمتي في .....
وأضاف الرجل : ما إن قلت هذه الكلمة حتى صارت السيدة صباح كتلة من الهياج والغضب ، فرمَتْني بالملفات التي أمامها ، وهاجمتني وهي تتلفظ بكثير من الشتائم ، حتى خشيتُ أن تتهمني بالتهجم عليها ، ففتحتُ الباب وهربتُ تلافيا لمزيد من التصعيد ..
ولمّا عدتُ بعد ساعة محاولا شرح مقصدي ، طردتني ..
ذهبتُ إلى المدير ، فلم يستقبلني ، لأنها أخبرته بالمشكلة كما قالت لي سكرتيرته ..
صمتت ميسون قليلا ، وهي ترتشف قهوتها ، ثم تابعت :
أنا اتصلت بمكتب الوزير ، وقلت لهم : عندي عامل لديه شكوى .. ويريد مقابلة الوزير .. فقيل لي : أرسليه إلينا ..
بعد سويعات ، عاد الرجل ، فوقف في باب مكتبي ، وقال : هل ستطردينني إن قلت لكِ : إنكِ ملهمتي ؟! ..
قلت له : لا .. ليتني أكون ملهمَتَكَ للوصول إلى حقوقك ..
أسند الرجل ظهره إلى الجدار ، وهو يقول : لقد وصلني حقي .. وتابع كمن نسي شيئا : سأعود إليكِ سيدتي ..
ذهب قليلا وعاد ، ليقول وهو يمزق ورقة : هذه شكواي ضدها .. يجب أن يكون في الحياة شيء من التوازن والتعادل .. وهذا يكفيني ، يا سيدتي .. يا ملهمتي ..

قلت لها : أريد أن تكوني ملهمتي .. فكيف السبيل ؟
قالت أم عامر وهي تحمل فناجين القهوة إلى المطبخ :
لا عصفور لك في هذا العش يا زهير .. فلا ترم شباككَ قريبا منه ..
سألتُ ميسون : أحقا ما تقول صديقتكِ ؟!
قالت بخفر : لكَ أن تجرب ..
قلت أتصنّع اللهفة : كيف ؟ وأين ؟ ومتى ؟
ردت بثقة : غدا سأزور القلعة قبل أن أسافر عصرا ..
عادت أم عامر من المطبخ وهمست بيننا ممازحة : أنصحكَ ألا تحرثَ في البحر ..
.
في القلعة ، لم يكن عسيرا علينا الإحاطة بما يجب أن يعرفه كل منا عن الآخر ، ولا أعرف كيف استطاعت ميسون أن تكوّرَني بين أصابعها ، بعد أن امتلأ رأسي بأبخرة لم تسكنْه من قبل ، فبدا فضاء المدينة أمامي ـ من فوق السور ـ كبحر يتنفس رطوبة صباح أوائل الربيع ، فتفاعلتْ أكثر ، وهاجت الأبخرة في رأسي ، وأحسستُ أني فعلا ، أحببتُ ميسون ، وامتلكتُ القلعة ، بل ، وحلب أيضا ، فتمنيتُ للحظة ، أننا طائران نهيم في سمائها ، ونبيت ليالينا فوق الأبواب والشرفات ، أو في حضن التاريخ وبين أغصانه ..
تجوّلنا في كل أرجاء القلعة ..
يا ألله !! كأنني لم أرها من قبل ، وكأن المدينة اكتسبت ألوانا جديدة مذ رأيتها من هنا آخر مرة ، وهي تحيط بنا كسوارٍ تزيِّنه وتتلألأ عليه ، كل أنواع الأحجار الكريمة ..
وقريبا من المسرح الجديد ، جلسنا على حجر كبير نتبادل الأفكار والنظرات .. 
حتى إذا ما عدنا إلى قاعة العرش ثانية ، افترشنا الأرض بجانب النوافذ الجنوبية المطلة على مدخل القلعة ، ورحنا نرسم خطواتٍ عملية ، وإجراءات ..
فاتفقنا أن نذهب من هنا مباشرة إلى سوق الصاغة القريب ، لنشتري خاتميْ خطبة فقط ، نلبسهما عقب بعض الترتيبات الروتينية ..
أنا لبستُ الخاتم قبل أن نغادر محل الصائغ ..
وباركتْه ميسون لي ، على أن تلبس خاتمها حين أزورهم في دمشق ..
أكملنا جولتنا في الأسواق القديمة ، ورفضتْ أن تحمل معها أي هدية مني ، لأنها " ربحت الجائزة الكبرى " ..
تمنيتُ عليها أن نسافر معا ، لكنها فضلتْ ألا أضعَها في موقف محرج ، وأن ألحق بها بعد أن تقوم بما اتفقنا عليه ..

في محطة الحافلات ، قالت : سأتصل بك فور وصولي إن شاء الله ..
وكانت آخر من صعد إلى الحافلة ..
تحركت الحافلة ، لوحتُ لها بيمناي ، فعكس زجاج النافذة والخاتمُ أشعة الشمس على عيني ، فأغمضتهما على ضحكتها وأحلامي ..
.
يومها ، لم تصل الحافلة بسلام إلى دمشق ..
أودى حادثٌ فظيعٌ بحياتها مع عدد آخر من الركاب ..
أنا وصديقي أحمد وزوجته ، وصلنا إلى بيتهم قبيل خروج الجنازة منه ..
وهناك ، بجانب القبر ، كان المشهد فاجعا حزينا كئيبا مؤلما موجعا ، وفاجأني وجود العلبة الحمراء الصغيرة بين يدي أمها ، وهي تحثو التراب على الجثمان مرة ، وعلى وجهها مرة أخرى ..
ومن بين دموعها ونحيبها ويديها المعفرتين ، أخذتُ العلبة .. فتحتها ، فسقطت دمعتي داخلها ..
ومع شيء من تراب القبر ، وضعت فيها خاتمي ، ورميتها فوق بياض الجثمان المسجى ، فتحشرجت أنفاس الأم ، وشهقت بصعوبة ، ثم مالت عليَّ كأنها فهمت سرَّ " العلبة الحمراء " ..
نمنا مع الفاجعة في دمشق ، وباكرا ، ذهبتُ وحدي إلى القبر .. تجمد كل شيء في جسدي ، وأحسست بعينيّ تخرجان من محجريْهما مع الدمع ، حتى وصلوا ..
.
وفي طريق العودة إلى حلب ، توقفنا عند الحافلة ، كان الدم قاتما متخثرا فوق الكرسي الذي جلستْ فيه ميسون ، وثمة عمال يلملمون بقايا الحادث المروع ، ويقطرون الحافلة لسحبها ..
وإذ حرّكت الرافعة ذراعَها إلى أعلى ، تمايلت الحافلة ، فعكس زجاجُها أشعة الشمس على وجهي ..
أغمضت عيني وانتابني نحيب مكتوم ..
ثم لم نتمالك أنفسنا ـ نحن الثلاثة ـ ونحن نتابع تحرك الحافلة المهشمة ، مقطورةً خلف الرافعة ..
.
ستة أعوام مضت ..
ومازلت أزور القلعة في ذكراها كل عام ، وأهديها خاتمين في علبة حمراء ، أدسُّها لها في ثنايا اللحد ..

الإثنين ـ 11 ـ 06 ـ 2012

الخميس، 7 يونيو 2012

ما في كلفة بيناتنا


ما في كلفة بيناتنا

 صديقكَ العزيز يدفعك أحيانا ـ بذريعة : ما في كلفة بيناتنا ـ لقبول ما لا يقبله لنفسه في ظروف متطابقة .. 
وحين تتجاهل أنت حرجَك ، حفاظا على مشاعر صديقك ، فيَعتقد أنكَ بلعتَها ، ومرَّتْ عليكَ بسلام ، لأنكَ نجحتَ في كظم غيظك ، وظلت الابتسامة التي على وجهك ابتسامة حقيقية صادقة .. 
أتريدون مثالا ؟ 
هاتوه من عندكم .. إن شئتم  ..


الصوت والصدى

في الأدب ، يحق لـ" أدونيس " أن يميز بين " الصوت " و " الصدى  .. "
أما في الحياة الإنسانية ، فلا يمكن للإنسان أن يكون " صوتا " على طول المدى ، وليس مرغوبا أن يكون " صدى " دائما .. 
الحياة الإنسانية تبادل أدوار ، وتواصل حقيقي .....
وليس افتراضيا ولا مجازيا . 
ذاك " إلى من لا يهمه الأمر " ..
أما من يهمه الأمر ، فله كلام ثان  ..


حبل المشيمة المتصل

متى سندرك أن حبل المشيمة لم تقطعْه القابلة حين وُلِدْنا ، وأنه مازال متصلا بأمّنا الكبرى والوحيدة ، فظنَنَّا أننا شَبَبْنا عن الطوق ؟؟!!..

إنه ما زال ينقل إلينا ، منها ، محبتَها وخشيتَها علينا ، وينقل إليها منا ، قلقَنا ، وسَوْرَةَ حماقاتنا ، ودموعًا ، ونزيفا من الآهات الثكلى.....  

الثلاثاء، 5 يونيو 2012

على خشمي


على خشمي



 ــ إذا قيل لكَ : ( يصير خير ) :
فاعلمْ أن طلبكَ غيرُ مُجاب ، وأن حاجتكَ غيرُ مَقضِيَّة ..
وأن الخديعة قضاء لا بد منه ..

ــ وإذا تبعتْها ( فالَك طيب ) :
فاعلمْ أن النية مُبيَّتة لهَضم حقكَ فوق ذلك ..
وأن ذرات الرطوبة في الهواء الذي تتنفسه ، حرام عليك ..

ــ وإذا تبعهتْما ( عفا عليك ) :
فاعلمْ أن اتهاماتٍ جنائيةً لك ، " صارتْ قابَ قوسيْن أو أدنى " ..
وأنه تمت المصادقة على الخطة بانتظار اللحظة المناسبة .. 

ــ وإذا تبعَ كلّ تلك ( على خشمي ) :
فاعلمْ أن الطعنَ في الظهر ، صارَ " أقربَ إليكَ من حبل الوريد " ..
وأن المراوغة والمخاتلة ، صارتا لُبانة من علقم تُحشى بها أوداجُك ..

ــ فإذا ما تراءتْ لهم على محيّاك ، ملامحُ احتجاج أو اعتراض أو امتعاض ، فاعلمْ أنه :
سلامٌ عليكَ " قبل أن يرتدَّ طرْفُكَ إليك " ..
وأنه استَكمَلَت الخديعة أسبابَها وبواعثَها وأدواتِها ..


ــ وعندها ، ستكون ثمة إشارةٌ أو غمزةٌ ما ، مقترنة بكلمة ( ابشرْ : " بهمزة وصل " ) ، فاعلمْ أنه :
" سلامٌ عليكَ يومَ وُلِدْتَ ويومَ تموتُ ويومَ تُبعَثُ حيّا " ..
وأن نضوح الحقد الأزلي المكنون في صدور كل أنواع الهجن ، لا يساوي وزن الريشة مما يُكِنّون .. 


الثلاثاء ـ 05/06/2012


الاثنين، 4 يونيو 2012

من الماضي السحيق


من الماضي السحيق

 ــ قمرُ ، أيتها المبحرةُ في همومي ، قد لا أكونُ أكثرَ منكِ همًّا ، لكني أبعدُ منكِ عمقا .. 
فلا بد أن يطولَ إبحارُكِ ، فهل أنتِ مستعدة ؟؟ ..

ــ هل استطاعتْ مياهُ الأنهار العذبة أن تخففَ من حِدّةّ ملوحةِ ماءِ البحر ؟؟!!.

ــ كأنما المرأةُ ، كالحقيقة الضالة ، لن يهدأَ بالُ الباحثِ عنها ، إلا إذا اسْتَحوَذَ عليها ... كلَّها ..

ــ الوعودُ الانتخابية هي كالوعودِ التي تسبق الزواج .. كلاهما " أضغاثُ أحلام " ..

ــ تبًّا للجاهل ، يفعلُ بنفسه ما لا يفعله العدو بعدوِّه .. 
وكذلك الخائن .. وابن الحرام  .

ــ كما أنه لا يمكنكَ أن " تسبحَ في ماءِ نهرٍ مرتين " ، 
فإنك لا تستطيع أن تتناولَ فنجانَ قهوةٍ .. مرتين ..

ــ هل مَنْ يدلني على طريقٍ يوصلني إلى البرق الرابض هناك ؟؟!!.

ــ مكابرةُ الأحبَّةِ حَمَقٌ وسَفاهَة خارجَ الزمان والمكان ..

ــ النموذج الحيُّ والواقعي والملموس والحقيقي لـ " الفوضى الخلاقة " ، هو هذا الـ " فيس بوك " ، الذي يسمى بـ " الموقع الأزرق " ( المحترم ) ..
إنهما وجهان لعملة واحدة ..

ــ كانتْ : اغترِبْ تتجدّدْ ..
صارتْ : اغترِبْ تتبهدلْ  ..........

ــ كتبتُ لها : سأقبلُ كلَّ أعذاركِ ، إذا أقنعْتِنِي بواحدٍ منها .

ــ عند الترَقُّبِ ، يتطاوَلُ الوقتُ إلى اللانهاية العظمى ، فيغدو التحمُّلُ مشقةً عسيرةً ، والصبرُ لا ينفع ، والتجاوزُ ناموس مستحيل  ..

ــ كأننا أمة تعشق الهاوية ؟؟!! ............

ــ الطير الذي سيموت ، يرمي بنفسه في طريق الصياد  ..

ثقة :

اختلال الثقة بين الحميمَيْن ، يزرع ألغامَ الشك .. 
وانعدامُها ينسفُ جسورَها بالتكذيب الأبلق .. 
ويااااااهيهاااااااااااات ..... 

فرضية :

 هل سيأتي زمانٌ يمتلكُ المرء فيه وسيلةً ما ، تشبه البراق في أدائها ؟!
افرض مثلا ، لو ، لو أنَّ لي بُراقا ، أسْرِي به كل ليلة من هنا ، إلى هناااااك ... 
وسأتعهد ـ حازما جازما ـ ألا أستخدمَه في أي اتجاهٍ آخر ، مهما كانت الظروف والأسباب .. 
مثلا لو  ...