ماشي الحال .. حديث الماشية
في بلادنا ، خلق الله تعالى أغنامَنا ، وحشّمَها
بإِلْيَةٍ زادتْها بَهْكَنَةً ووقارًا ، وحسّنَتْ طعامَنا نكهةً ..
وخلق الله ماعِزَنا
بذَنَبٍ يتراقص كالضَّب فوق مؤخرتها ، فلا هو حشّمَها ، ولا انتفعتْ به ، ولا نحن
انتفعْنا منه ..
وإن كان ثمة أنواعٌ
أخرى من الأغنام في العالم ، أنعم الله عليها بـ " ذَنَبٍ " يساويها بشقيقاتها
" الماعِزات " ، ويضع حدًّا لصراعٍ تاريخي ، نشبَ بينهما في بلادنا ، ويبدو
أنه سيبقى مستعِرا إلى ما يشاء الله ..
وما يعنينا الآن
، هو أغنامنا وماعِزنا ..
فكلُّ شعبٍ حرٌّ
بـ " غنماته وماعِزاته " ..
وإذ يغلِبُ اللونُ
الأسودُ على ماعِزنا " الوطني " ، فهي كذلك ، من الحيوانات النشيطة والقوية
والعنيدة إلى حد البجاحة والوقاحة " إن صح التعبير " ..
لكنها صاحبة فضلٍ
كبير على السوريين الذين يَستنكِهون الجبنَ المصتّع من حليبها ..
فيُقال :
" خود من هالجبن العزيزي وسَيّخْ " ، ذلك ، لأن الجُبنَ الممتازَ هو المُصَنَّعُ
من حليب الماعز ، الذي يتميز بنقاء ونصاعة لونه الأبيض ، وبقابليته لتصنيعه شللًا
وجدائل مجدولةً ، ترضي الأذواقَ والكروش ..
وَذَكَرُ الماعز
هو الـ " تيس " ..
وهو غَنِيٌّ عن
التعريف ..
ويكفي أن نشيرَ
إليه بمَثَلٍ واحدٍ شائع :
" نقول له
: تيس ، يقول : احلبو " ..
وهل يُحْلَبُ تيسٌ
؟!
أما الأغنام
.. فهي " المسكينة الوديعة الهادئة المُهادِنة المتفانية الحَييَّة الطيوبة
" ..
ولأنها كذلك ،
فهي المُتلَعَة للذبح غالبا ، والمرغوبة جدا بكل ما فيها ، لحمًا ودهنًا وحليبًا
وخِرافا وصوفًا وقَشَّةً أيضا ، وفي كل الظروف والمناسبات والأفراح والأتراح ...
والغنمة ، مَضرب
المَثل ، بقولهم " فلان متل الغنمة " .. وذاك شيء يشبه الشتيمة لمن يُوصَف
بها ..
ويتصف الصراع بين
الغنم والماعز بأنه : أزلي ، وذو وجهين ..
الوجه الأول :
تقمَّصَهُ البشرُ ، فأدلجوه ، وأدرجوه في أحوالهم السياسية وصراعاتهم ...
والوجه الثاني
من الصراع ، وبالرغم من أزليته ، إلا أنه سلمي ، ولا يرقى لصراع الوجود والبقاء ، كما
هو الحال لدى الحيوانات الأخرى ..
والصراع الأكثر
شهرة ، والأبلغ تعبيرا ، يتجلى في حالةٍ من " التمييز والتفاوت " بين الماعز
والأغنام ، نابعةٍ من كون الغنمة قد خلقها الله تعالى ، مستورةَ العورة بإِلْيَتِها
، فاعتاد الناس عليها في تلك الصورة والخِلقة ..
مثلما اعتادوا
على الماعز ، بانطلاقتها اللامبالية ، وبذنَبِها الذي يزيدها فضيحة ، باهتزازات
وتنبيهات ذات دلالات مشبوهة ..
وهي خِلقة ربانية
أيضا !!..
وبحكم هذا الاعتياد
، فإذا ما اهتزت إِلْيَةُ الغنمة قليلا ، أو تزحزحت عن مكانها الطبيعي المعتاد ، ثارت
ثائرة " الغيارى " خبثا ومكرا ، مستنكِرين مستهجِنين غاضبين ..
بينما ، هم
أنفسهم ، لا يأبهون لحالة الماعز ، التي لم تعرفْ في حياتها سوى " السفور العاهر
الفاضح " ، حتى صارت مثَلا يُستدَلُّ به على تسيُّبٍ وانفلاشٍ مغضوضِ الطرْفِ
عنهما نهائيا ، فقيل :
" طول عمرها
العنزة مكشفة ما حدا شافها !! " .
ويُكتَفى ـ
عادةً ـ بالمَثَل هكذا ، لأن تتمَّتَهُ معلومة لدى المستمع ، ويُقصَدُ بها :
" أما
الغنمة إذا تزحزحتْ إِلْيَتُها ، فيا غِيرةَ الدين !! " .
من هنا جاء هذا
التمييز الأبلق ، الذي أَمَضَّ نفوسَ ضحاياه ، فلاقى منهم كثيرا من الانتقاد والهجوم
على مؤدلجيه ومستغِلّيه لأغراضهم الدنيئة ..
وإن أبرز
الأمثلة التطبيقية البلقاء ، للتمييز الأبلق وأغراضه الدنيئة ، يتجسّد في الكيان الصهيوني
وأعوانه وأنصاره ومؤيديه ..
فهو المثال
الأوضح ، والنموذج الأصدق للحالة " الماعزية " ..
بينما أعداء الكيان
الصهيوني ، هم كـ الأغنام في أنظار أعوانه وأنصاره ومؤيديه ..
الخميس ـ
31/05/2012